“إذًا… كنتِ تعلمين منذ زمن بعيد؟ أنني كنتُ أقلّدك؟“
“أجل، تقريبًا. أظنّ أن كيرون كان يعلم أيضًا.”
“لا يُصدَّق…”
تجاهلت ديانا ديلان الذي أطلق أنينًا مؤلمًا وهو يدفن وجهه بين كفيه، ثم نهضت وغادرت الغرفة دون أن تلتفت.
“ديانا؟ إلى أين تذهبين؟“
لم تأته أيّ إجابة. تأكّد مجددًا أنّ نساء عائلته لا يُفضّلن الشرح المطوّل.
رغم أنه شعر وكأنها تخلّت عنه، إلا أن هذه كانت غرفة عمل ديانا، ولا تزال هناك مهام تنتظرها.
تحت إيمانه بأنها ستعود قريبًا، جلس ديلان بهدوء على الأريكة ينتظرها.
ولحسن الحظ، لم تلبث أن عادت. التفت ديلان نحو الباب، فرأى ديانا تحمل كيسًا ورقيًّا في يدها.
“ذهبتِ لتحضري هذا؟“
“نعم.”
كان نفس الكيس الذي رآه في ذاكرته المفقودة، وحتماً يحتوي على وصيته التي كتبها بيده.
أمسك ديلان بالكيس وتعبير غريب على وجهه، امتزج فيه الحنين بالأسى.
“ظننتُ أنكِ قد تخلّصتِ منه.”
كان الاحتفاظ بتلك الورقة أمرًا غير مجدٍ إطلاقًا، فهي تتضمّن أسرارًا لا يجب أن يعرفها أحد.
“الأمير انتحر في بلاد غريبة، لكن لا يمكن لأحد أن يرى الوصية. لماذا؟ لأنها تحتوي على اعتراف بأننا كنّا نعلم سرّ والدتنا! ولو كُشف الأمر، فسيُفضَح كذبُنا في التحقيقات السابقة!”
“ولنفترض أنني نشرتُ الوصية. حتى لو كُشف كذبي، أردتُ أن أبعد الشبهات عني وعن الأدميرال. لكن…”
“لقد كتبتَ فيها أنك ستهب حياتك لتُعيد لوالدتنا قواها السحرية. لو انتشر هذا الكلام، فهل سيتركونها وشأنها؟“
رغم كل ما قالته، فقد احتفظت بها، لعله ذات يوم يستعيد ذاكرته.
تحوّل بصره من الكيس إلى الورقة التي كانت تحملها ديانا الآن. نظر إليها وهو لا يزال جالسًا، وكأنّه يتأمّلها للمرة الأولى.
‘في ذلك اليوم، حين انقطع الحبل وسقطتُ على الأرض، كنتُ أنظر إليها من هذا الوضع أيضًا.’
مدّت ديانا يدها بالكيس، فأخذه منها كما لو كان يصافحها.
“ظننتُ أن من الأفضل أن تتخلّص منها بنفسك. ربما يأتي يوم تتذكّر فيه كل شيء.”
“…شكرًا لكِ.”
أخرج ديلان الورقة المجعّدة من الكيس. كانت كتابته حينها خشنة، إلا أنّ الورقة بدت له أثقل من أن تُحتمل.
“هل ترغب، إن كان صعبًا عليك رميها، أن تقرأها لي الآن بصوت عالٍ؟“
“هه، لا داعي لذلك.”
أشعل ديلان شمعة، ثم قرّب الورقة من اللهب، وأحرقها دون تردّد.
لقد قرّر أن الحياة تستحق أن تُعاش. لم يكن ذلك الشاب ذاته الذي قرّر ذات مرة أن ينهي حياته. وهو ينظر إلى يديه الفارغتين بشعور بالراحة، سأل ديانا:
“بالمناسبة، هل وافق والدي على إعادة الصوف الذهبي؟ أشكّ في ذلك.”
“على نحو مفاجئ، وافق. لم يكن يريد أن تُداس البلاد تحت أقدام وحوش تنفث النيران. لكن بالمقابل، قرّرنا أن نترك نسخة مزيّفة في القصر الإمبراطوري.”
فوجئ بموافقة الإمبراطور، لكنه أومأ برأسه وهو يفكّر في خطة التمويه.
“أجل. من الأفضل أن نُوهم الجميع بأننا لا نزال نملك الصوف.”
فلو اختفى الصوف الذهبي حقًا، لانتشرت الفوضى. حتى لو شرحوا أن التنين كان مَن تم اختياره ليحمل بركة الحاكم، وأن إعادة الصوف له هي جزء من هذا الرباط، فإن الذعر لن يزول بسهولة.
وإذا عُرف أن تيلون أعادت الصوف الذهبي للتنين، فسيبدأ البشر في مضايقته، ولن يهنأ بعدها.
“الجوّ هناك بارد جدًّا. أتمنى أن يبقى أنفك في مكانه حين تعودين، ديانا.”
“أقلق من النيران التي تنفثها الوحوش، لا من البرد.”
شعر ديلان فجأة بالقلق من أن تحترق ديانا، فبدأ يشرح لها عن تلك الوحوش، وذكر أنها لا تتأثر بالحجارة. لكن في خضم حديثه، طرق أحدهم الباب.
كانت ميتيس.
“لقد اكتشفتُ كيفية عقد العهد مع التنين.”
تفاجأت قليلًا برائحة الاحتراق في الغرفة. فهي تعلم أن هذين التوأمين قد يكونان مشاغبين، لكنهما لا يعبثان بالنار وهما في وعيهما. ومع ذلك، بدأت تشرح بهدوء.
“الأمر بسيط، بعد تلاوة كلمات العهد، تشرب سموّك من دم التنين، ويشرب التنين من دمكِ. لذا، نحتاج إلى كأسين ذهبيّين لذلك. هل تملكون ما يناسب؟“
“تلقيتُ مؤخرًا هديّة، يمكننا استخدامها.”
“كاليستو تصر أن نأخذ معنا طاردًا للديدان.”
ضحكت ديانا على ذلك، ثم وافقت بجدّية على الفكرة.
***
في حين غادرت ديانا إلى بلوتاروس، بقي ديلان في العاصمة لإنجاز بعض المهام. ولأنهم كانوا بحاجة لمن يستطيع التفاهم مع الوحوش، رافقتها هيلي في الرحلة، بينما رُفض طلب روز مرافقتها لأسباب تتعلّق بالخطر.
الفريق النهائي الذي تم اختياره ضمّ: ديانا، كاليستو، ميتيس، وهيلي.
وفي يوم الرحيل إلى بلوتاروس، خرج ديلان ليودّع هيلي ووجهه يحمل بعض الامتعاض؛ إذ كان قد اقترح أن ترافق ديانا موري بدلًا من هيلي، لكن ديانا رفضت.
صعدت هيلي إلى العربة، وفتحت ديانا النافذة للحظة ثم عبست كما لو كانت قد ابتلعت حشرة.
“أوه، سخافة…”
“ما بكِ؟ لم أفعل ذلك لأجلك.”
كان ديلان قد رسم قلبًا بيديه ظنًّا أن هيلي ستراه، لكنها لم تكن تنتبه، إذ كانت منشغلة بحديثها مع كاليستو حول الخريطة. أما ديانا فأغلقت النافذة وهي توهم نفسها بطعن عينيها.
ضحكت ميتيس، التي شاهدت كل شيء من الصف الأمامي، ثم التفتت إلى هيلي بعينين تفيض فضولًا.
“ما الأمر؟” سألتها هيلي.
“أصغرنا لا تعلم سوى أن زواجكم عقدٌ صوريّ. أظنها حتى لو جلست هنا بدالي، لما لاحظت أي شيء بينكما.”
كانت تشير إلى تيتيس، التي لم تكن قد التقت بها هيلي بعد. ما تزال تجهل تفاصيل العائلة، وكل ما تعرفه هو أن ميتيس، أكبر شقيقات القراصنة الثلاث، تجلس أمامها.
“إن انتهت الأمور بسلام، هل تأتين مع صاحب السمو إلى ماركونتي؟ البحر الشتوي هناك رائع الجمال.”
اتّسعت عينا هيلي. فقد رأت ماركونتي في حلم ديلان، وكانت غاية في الروعة.
‘أودّ الذهاب… لكن، هل سيكون ذلك مناسبًا؟‘
فقد انتحر ديلان هناك. ولذلك لم تُعطِ إجابة قاطعة.
“إن كان لدى سموّه متّسع من الوقت، فبكل سرور.”
أومأت ميتيس برقة وهي تبتسم. فبادرتها ديانا بالسؤال.
“ألستِ تدعينني أنا أيضًا؟“
“كلا. هذه دعوة لرحلة شهر عسل لم يحظَ بها صاحب السمو ورفيقته.”
“لم أزر المكان منذ أن بلغتُ.”
“صحيح. كنتِ في الخامسة عشرة، أظن. خرجنا للصيد خلف الجبل مع أحد النبلاء، لكنني عدتُ سريعًا بعد أن لدغتني أفعى. والغزال الذي أفلت منا يومها، ما زال يزورني في المنام.”
بدأت كاليستو تتذمّر من كراهيتها للزواحف، فاقترحت ميتيس – دون فائدة – أن تعتزل الصيد إن كانت تكره الأفاعي والدببة.
استمرّت العربة في سيرها طويلًا.
وحين وصلوا إلى بلوتاروس، أمضوا ليلتهم في قصر الارشيدوق الخالي من ديلان، ثم في صباح اليوم التالي، انطلقوا نحو حدود الوحوش.
شقّت العربة طريقها في الضباب الأبيض الذي يفصل البشر عن الوحوش. وبمجرد أن ظهروا، أخذت العربة تُبطئ حتى توقفت.
كانت ميتيس أول من نزل، وقالت “هُبّا!” ثم خطت إلى الأمام بثبات. تبعتها كاليستو، وأمسكت بذراعها هامسًا.
“ميتيس، كوني حذرة. كما تعلمين، إنهم ينفثون النيران.”
“صحيح. لكنهم لن يهاجمونا بسهولة. فهم يعلمون أن عدم استعادة الصوف يعني فناؤهم.”
“رغمذلك…”
بعد عبور الضباب، اضطرّوا إلى استخدام الخيول. كان البرد قارسًا حتى إن أسنانهم اصطكّت من شدّته. لكن كلّما توغّلوا، شعروا بدفء لطيف يحيط بهم، كأنهم التفّوا ببطانية ناعمة.
وحين انقشع الضباب، أسَرَ أنظارهم شجرة عملاقة.
لم يسبق لهم رؤية شجرة بهذه الروعة. أوراقها الخضراء لم تكن تعرف معنى الشتاء، تتباهى بشبابها في غير أوانه.
ربما كان الغرض من تعليق الصوف الذهبي على تلك الشجرة هو حجبها عن أعين الناس.
فلولا وجود التنين حارسًا، لكان البشر قطعوا تلك الشجرة، ونحتوها كما شاءوا. ولو حدث ذلك، لما أمكن إعادتها كما كانت.
تحتها، اتّخذ تنين ذهبي موقعه. كان جسده يلمع، لكن عينيه شاختا بفعل ما سُلب منه.
حين رأت كاليستو ذلك الزاحف، شهق ثم مال نحو ديانا هامسًا.
“…لا تخافي سموكِ. في النهاية، هو مجرد سحلية كبيرة.”
“بل أنت من عليه ألّا يخاف.”
اقتربت ديانا من التنين، فنظر إليها وحلَلَ رفاقها، ثم قال.
“لم تحضري الصوف.”
كلمات التنين لم تحتج إلى ترجمة كما الوحوش.
كانت مفهومة مباشرة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 71"