لكن المطر لم يكن يهطل هنا. كان يتحدث عن ذلك المكان داخل المرآة. انتظرت هيلي إيضاحًا منه، ولم يخيب ظنها.
“في اليوم الذي أُصيبت فيه ساقك.”
“آه… آه…”
شعرت هيلي كأن تفكيرها قد توقف فجأة، وكأن حواسها قد تضاعفت. كانت تسمع أنفاسها المتقطعة، وتشعر بجفونها المرتجفة وكأنها ترى نفسها من الخارج.
لم تجد ما تقوله. فقد بدا وكأنها نسيت كيف تتنفس أصلًا.
“هناك، التقيت بكِ تحت الجسر.”
حرّكت هيلي شفتيها أكثر من مرة، ثم استطاعت أخيرًا أن تنطق.
“يعني… أنك رأيتني في الماضي.”
“أجل. تأخرتُ قليلًا لأنني كنت أزيح حطام العربة. …أعتذر إن كنتِ قلقتِ عليّ.”
وجد ديلان الطريقة للعودة بعد فترة قصيرة. كان انعكاسه على سطح بركة ماء كمثل المرآة التي دخل عبرها، وهو ذاته الممر للعودة.
وفي أثناء ذلك، رآها تحت الجسر، وقد سقطت وعلِقت تحت حطام عربة محطمة.
أجّل عودته قليلًا، ثم أزاح الحطام عنها، ونقلها إلى مكان دافئ، قبل أن يعود.
كان قلبه يضطرم، لكنه لم يكن اضطرام ألم، بل شعور إيجابي يشبه الطمأنينة.
“شكرًا لكَ. أشعر أن ساقي أخف قليلًا الآن.”
لكن في الواقع، لم تكن ساقها من خفّ، بل قلبها.
ولهذا، ابتسمت ابتسامة خفيفة منعشة.
“في المرة القادمة، لا تبكي وحدك.”
“أنا… لم أبكِ آنذاك، صدقًا!”
“حقًا؟ لا بد أنني خلطتُ دموعك بقطرات المطر. كما تعلمين، كان المطر يهطل هناك.”
بدأت هيلي تفهم مشاعر ديلان، وهو الذي أراها ماضيه. أن يرى الإنسان نفسه في أسوأ حالاته أمام أحدهم… ليس بالأمر السهل.
“إذن، في المرة القادمة إن هطل المطر، لنبقَ معًا.
لا تقفي وحدك تحت المطر، بل دعينا نبحث عن مأوى سويًّا.”
ثم ابتسم ديلان وهو ينظر إليها.
عندها، أخذ صوت هيلي الصغيرة، التي سمِعته في الحلم، يرنّ في أذنها من جديد. كان صوتًا واضحًا دون صوت المطر.
“لكن، لا يجب تجاهل الماضي. ظننتِ أنكِ نسيتي هذا الألم، لكنك لم تفعلي.”
ليلا أحرقت منزلها بأكمله، وسيلين همس لنفسه ببعض كلمات المواساة. ديلان كذلك قال كلمات دافئة، وواجه ذاكرته التي فقدها. وحدها هيلي لم تفعل شيئًا. ظلت تظن أن عليها الإسراع لإيجاد الآخرين، فتجاهلت نفسها تمامًا.
‘ربما… كان يجب أن أساعدها، ولو تأخرت قليلاً.’
ظنت أنها لن تندم لو تركتها، لكنها كانت مخطئة.
كانت آسفة لأنها لم تستطع إنقاذ نفسها، لكنها شعرت بخفة داخلية جعلتها تمشي كما لو أنها ريشة فوق سطح الماء.
وبمجرّد أن اجتمع الخمسة الذين دخلوا الكابوس، هبّت ريح عاصفة، وانقشعت سحابة ضبابية بيضاء تشبه الغيوم، لتكشف عن متاهة سوداء متعرّجة.
لكنها لم تكن ظلمةً مطبقة بالكامل، بل كانت كظلمة غرفة يغمرها ضوء خافت بينما تنام فيها.
الضوء الوحيد في تلك العتمة، كان خيطًا معقودًا بأطراف أصابع هيلي. إن تبعت هذا الخيط، خرجت من الحلم.
“بمجرّد أن تدخلوا المتاهة، لا تلتفتوا أبدًا. حتى لو نادى عليكم أحد من الخلف، لا تردّوا.”
“لأن من يفعل… سيبقى هنا إلى الأبد.”
“نعم.”
وبينما اعتادت أعين سيلين على العتمة، أخذ يفحص حالة ليكام.
“فهمتَ، ليكام؟“
“…”
يبدو أنه لم يكن يرغب بالبقاء هنا إلى الأبد، فراح يحاول بكل ما أوتي من عزم أن لا يردّ. صوت سيلين الغاضب تمتم من الخلف.
***
دخل الخمسة المتاهة. قادتهم هيلي، المتصلة بخيط موري المتوهج، تلاها ديلان، فسيلين، ثم ليكام، وأخيرًا ليلا.
لامست أذرعهم وأرجلهم أشياء لزجة رطبة، وأحيانًا هبّت ريح باردة. لكنهم جميعًا لزموا الصمت التام. لا أحد تجرأ على الكلام، فقد يؤدي ذلك إلى كارثة إن التفت أحد.
راحت هيلي تلتف بالخيط كما لو أنها تلفّ خيط غزل.
وعندما واجهتهم مفترقات طرق، نظرت إلى طرف إصبعها.
‘إلى أيّ جهة؟‘
كان شعر موري يمتد إلى الجهة اليسرى، يلمع ببريقٍ خافت كأنه يقول، “ثقِي بي، أيا كانت الطريق.”
فما إن همّت بخطوة نحو اليسار دون تردّد—
“لا، هيلي. تلك الجهة خطرة!”
توقف قلبها للحظة. كادت تلتفت، لكنها تماسكت.
ذلك الصوت…
كيف تنساه؟ صوت فريكسوس، الذي مات. الصوت الذي ظنّت أنها لن تسمعه مجددًا.
“ذلك الطريق فخ! عليك بالجهة اليمنى!”
تحذير ملتهب بصوتٍ مشوب بالدم، كأنه يصرخ من عمق جراحه.
ذلك النداء… شعرت هيلي كأنها تسمعه من نفسها، يوم ترجّت فريكسوس ألّا يغادر بعد أن سمعت نبوءة موته.
فريكسوس، حتى بعد موته، يحاول حمايتها.
لكنها هزّت رأسها، تنفي.
‘لا… لا يمكن الوثوق به.’
لا يمكن أن يكون فريكسوس هنا. ذلك مجرد فخ، صوته قد يكون خدعة. كان عليها أن تثق بموري، الذي أرشدها منذ البداية. قاومت الإغراء، ولم تلتفت.
‘إن لم يكن فخًّا… فهذا يعني أن أخي عالق هنا. وهذا لا يمكن.’
لابد أن الآخرين واجهوا اختبارًا مماثلًا. لهذا، كان لا بد من الإسراع.
أسرعت هيلي في خطواتها، وتبعها الآخرون.
وحينما قصر خيط موري، وقفوا أمام باب أسود لا يمكن تجاوزه.
ثم، تسلل الضوء من بين فجواته شيئًا فشيئًا.
عندها، أدركت هيلي أن ذلك الباب… هو جفناها.
لم تكن تملك طاقة لتنهض، فاكتفت برمش عينيها وهي ممدّدة. عندها، اقترب موري من وجهها وقال.
“هيلي، عدتِ!”
“…موري، كم من الوقت مضى؟“
“ساعة فقط.”
أجاب موري بلا مبالاة. كما توقعت في الحلم، لم يمضِ وقتٌ طويل.
“كيف… وقد شعرتُ أني قضيتُ فيه عمرًا؟“
“هكذا هي الأحلام. تعيشين فيها دهورًا، وتستيقظين في لحظة.”
ثم أخذ يروي لها قصة من بُعد آخر، عن رجلٍ تزوّج ثماني نساء، وبلغ أعلى منصب، ثم استيقظ ليجد أن كل ذلك كان مجرد حلم.
“وما اسم هذا الرجل؟“
“سونغ جين.”
ابتسم موري برقة، وانتهت حكايته.
عندها، استعاد بقية الرفاق وعيهم الواحد تلو الآخر.
وما إن رمشوا، حتى اندفع الفرسان إليهم باكين.
“سموّ الأمير! يا لها من راحة على عودتكم سالمًا!”
“سير ليلا… هل أغلقتِ الباب من أجلنا؟!”
حتى ليكام، الذي التقت عيناه بهيلي، فضّل التظاهر بالنوم حتى لا يتعرض لعقاب الفرسان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات