*66
كان شعورًا قويًا يصعب فهمه.
بعقلانية، لم يكن بين الساحرة المغوية ومحقق الهرطقة أي علاقة.
كانت علاقتها بهيلرون مجرد غموض محير.
صديق، حبيب، عدو، منافس…
لم يكن هناك اسم يناسبها.
لكنها كانت متأكدة من شيء واحد:
مهما كانت مشاعرها تجاه الآخرين، فإنها ستكون أقل عمقًا مما تحمله لهيلرون.
لكن هذا كان مجرد غرور منها.
حطمت ليتشيسيا أوهام هيلرون واختفت فجأة،
تاركةً وراءها طفلة لا تعرف حتى من أي دم جاءت.
كان هيلرون يتساءل.
من يكون ذلك الرجل الذي استحوذ على قلب ريتشيسيا؟
إن كانت قبلتهما مجرد فعل بلا معنى، فكيف كانت ردة فعلها وهي تقبل رجلاً آخر بتلك الشفاه؟
شعر بحرارة تتصاعد فوق وشم الزهرة على عظمة الترقوة.
كأنها تسخر من فرسٍ مقدس كرّس جسده
وحافظ على طهارته، كانت الحرارة تشتعل.
شعر بألم في جلده، وفكر فيها.
“أجئتَ لتأسرني مجددًا، يا محقق الهرطقة؟”
مر صوت ريتشيسيا كوهم في أذنيه.
كيف كانت تنادي رجلاً آخر؟
كيف كانت تعامل من تحب؟
أفكار تافهة ظلت تتدفق بلا توقف.
أطبق هيلرون على أسنانه وهو يشعر بدمه يتدفق عكسيًا.
كان يدرك أن طريقة تفكيره غير طبيعية.
وأن تعلقه المظلم بالساحرة المغوية قد تجاوز الحدود.
لكنه…
كان هيلرون فريستها.
وشم الفريسة على عظمة ترقوته كان الدليل.
ربما أرادت الساحرة التوقف عن الصيد الآن، لكنه لن يترك الأمر هكذا.
من قال إنها تستطيع التوقف متى شاءت؟
لن يسمح لها بإنهاء الأمر من طرف واحد.
حتى لو انقطعت العلاقة، سيجبرها على استمرارها.
ريتشيسيا يجب أن تتحمل مسؤولية الوشم الذي تركته على جسده.
فقد أفسدت الساحرة محقق هرطقة الإمبراطورية المقدسة.
كبح هيلرون سخرية مريرة.
استهزأ بنفسه لاستخدامه طفلة صغيرة للإمساك بريتشيسيا.
الطفلو لم تكن مذنبو بشيء.
كانت مجرد زهرة تفتحت للتو، بريئة وجميلة.
كلما رآها، شعر بانجذاب غامض لا يفسره.
لم يهتم أبدًا بكونها ابنة رجل آخر.
كل ما في ذهنه كانت ريتتشيسيا، فوجد نفسه يعاملها بلطف دون قصد.
مجرد رؤيتها تتحرك أمامه كانت تبهجه.
حتى أن زوايا فمه كانت ترتفع قليلًا أحيانًا.
في البداية، أمسك بها كطعم لاستدراج ليتشيسيا…
لكن في لحظة ما، أصبح هيلرون يهتم بالطفلة بصدق.
بل إنه لم يعد يرغب في تسليمها للكونت باسيليان.
تذكر تلك العينين الورديتين النقيتين، فكسر هيلرون صمته الطويل وفتح فمه:
“أخبر الملك المقدس أنني سآخذ إجازة لأسبوع.”
“ها… حسناً.”
رد دارين بتأوه مرتبك، وجهه يعكس عدم فهمه.
لم يهتم هيلرون، وفكر في الطفلة .
لم يتمكن من الإمساك بليتشيسيا،
لكنه عزم خلال الأسبوع القادم على كسب قلب الطفلة،
حتى لا ترغب في العودة إلى عائلة باسيليان.
—
أنهى بيلزيون هروبه القصير والمكثف، وعاد إلى عائلة باسيليان.
كان الباحثون عنه كثرًا، ولأن تشيشا، السبب الرئيسي لهروبه، وصلت إلى منطقة آمنة.
اتفق مع كيرن على اللقاء مجددًا في اليوم الذي سيحضر فيه معلومات لهيلرون.
ودعت تشيشا رجال عائلة باسيليان وداعًا قصيرًا.
لم يكن مؤكدًا بعد إن كان هذا الوداع مؤقتًا،
أم أنه سيصبح فراقًا أبديًا.
“معقد… كل شيء معقد…”
لو لم يكن كيرن سيد العالم السفلي، لكان القرار أسهل.
لكن الوضع الآن كان يعجزها عن التقدم أو التراجع.
أرسلت تشيشا فراشة سرًا إلى هاتا.
طلبت منه، وهو يجمع مكونات الجرعة، ألا يعود الآن، وأن يكمل جرعة التحول إلى بالغ خلال الأسبوع الذي ستلتقي فيه بكيرن.
ثم انطلقت ليلًا مع هيلرون، حاميها المؤقت.
أمر هيلرون نائبه دارين بترتيبات بسيطة، ثم صعد مع تشيشا إلى عربة أجرة.
تساءلت إلى أين سيذهبان في هذا الوقت المتأخر.
“ربما إلى معبد آخر قريب من العاصمة؟”
لكن الوصول قبل الفجر سيكون صعبًا.
استعدت لمشقة الطريق، لكن هيلرون أخذها إلى مكان لم تتوقعه أبدًا.
ركبا العربة إلى حي القصور الفاخرة في العاصمة، ثم دخل فجأة قصرًا بدا باهظ الثمن بشكل استثنائي.
ظنت لوهلة أنه، مثل كيرن، يقتحم منزلًا أجنبيًا، فذُهلت.
وعندما علمت أنه قصره الخاص، كادت تسقط من الصدمة.
“من أين له المال لمثل هذا القصر؟!”
ثم أعادت التفكير سريعًا:
“بالطبع، لديه المال…”
كان رئيس محققي الهرطقة الثلاثة عشر في الإمبراطورية المقدسة.
راتبه ومخصصاته للحفاظ على مكانته كانا ضخمين بلا شك.
سمعت أن نصف ثروة المحكومين بالهرطقة يُمنح لمحقق الهرطقة.
يعاملونهم كالكلاب، لكنهم يجزونهم بسخاء.
كان هيلرون محققًا بارعًا، أمسك بشخصيات كبيرة وعاقبها، فمن الطبيعي أن يكون ثريًا.
على أي حال، لم تكن الأيام في قصر هيلرون سيئة.
الطعام لذيذ، والخدم، رغم إزعاجهم أحيانًا، كانوا لطفاء.
لكن كان هناك عيب قاتل:
هيلرون لم يغادر القصر أبدًا.
عندما أحضرها إلى القصر أول مرة، قال:
“الكونت باسيليان خطير.”
قد عاد الآن بهدوء، لكن لا أحد يعلم ما قد يفعله، لذا يجب أن يبقى قريبًا منها.
كان قد قال شيئًا مشابهًا من قبل، فتجاهلت الأمر.
لكنها لم تتوقع أن تلازمه طوال اليوم.
حتى أنهما كانا ينامان معًا في سرير واحد!
“يا إلهي!”
أن تنام جنبًا إلى جنب مع هيلرون؟ حقًا شيء لا يُصدق.
ظنت أنها لن تنام بجواره، لكنها، على عكس المتوقع، كانت تغفو بسهولة كل ليلة.
اليوم أيضًا، استلقت تشيشا بجانبه.
رتبت نفسها ببجامة الأطفال، واستلقى هيلرون بهدوء إلى جانبها.
“…”
فتحت تشيشا عينيها خلسة.
نظرت إلى السقف قليلًا، ثم أدارت عينيها لتلقي نظرة جانبية.
تأملت الرجل المغمور بالظلام.
“يبدو كدمية.”
أعجبت بجفنيه الفضيين الكثيفين وبشرته البيضاء.
كفارس مقدس، كان يرتدي بجامة محكمة حتى الرقبة، مما زاد من شبهه بالدمية.
على عكس كيرن الذي يتمدد كالقط على السرير، كان هيلرون ينام بوضعية مثالية، يغمض عينيه ويفتحهما كما هما.
كانت منهمكة في تأمله بحماس، عندما…
انفتحت جفناه ببطء.
لم تكن هناك أي علامة نعاس في عينيه.
لكن المفاجئ، أنه لم ينهض فورًا كما توقعت،
بل استدار بجسده لينظر إليها فقط.
شعرت بغرابة وهي تواجهه عن قرب.
“…لماذا لا تنامين؟”
كان صوته المنخفض أعمق قليلًا من المعتاد.
أثارت نبرته المبحوحة دغدغة في أذنيها.
نظرت إليه بعينين مستديرتين، ثم تمتمت:
“لا أستطيع النوم.”
عبس هيلرون قليلًا.
بدا كأنه يفكر في كيفية تهدئة طفلة متذمرة.
مد يده ببطء وربت على رأس تشيشا.
بينما كانت تتلقى لمسته، خطرت لها فكرة شقية.
“هل أزعجه قليلًا؟”
كانت تتسلى بإزعاجه عندما تشعر بالملل، لكنها لم تفعل ذلك مؤخرًا، فشعرت بحكة داخلية.
كانت تستمتع عندما يكسر هيلرون قناعه الجامد ويظهر ردود فعل حية.
“بما أنني طفلة ضعيفة، اللعب الجسدي صعب.”
قررت إزعاجه بالكلام.
فكرت أنها فرصة ممتعة.
ما دام الوضع قد أسيء فهمه بالفعل، ولن يُحل قريبًا، فلمَ لا تستغل الفرصة لتزعجه؟
“عندي سؤال…”
تظاهرت بالبراءة وسألت:
“ما علاقتك بأمي؟”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 66"
اذا تحبها روح و قلها و خلاص