**الفصل 151**
لم تكن قادرة على التنفس.
أمام عيني تشيشا اللتين شحبتا رعبًا، كانت المرأة ممدة دون أدنى حركة.
كانت دائمًا تتساءل.
كيف كان شكل أمها؟ تمنت لو أنها، ولو لمرة واحدة، ولو للحظة عابرة، تراها.
“لكنني لم أرد رؤيتها بهذا الشكل.”
كانت يومًا ما تتزين بتاج من الزهور البهية، قائدة الجنيات بأناقة ملكية.
لكن ذلك المشهد لم يكن يمكن تخيله الآن، فقد بدت في حالة يرثى لها.
لم يكن هناك أي أثر للحياة فيها.
عيناها الورديتان، اللتين كانتا يومًا ما متلألئتين، أصبحتا خاويتين بلا تركيز، فارغتين تمامًا.
كانت مستلقية على منضدة تجارب صلبة، محدقة في السقف بنظرات شاردة.
ابتلعت تشيشا ألمها بصعوبة، واقتربت منها بحذر.
ونظرت إلى وجه أمها طويلًا.
كم من الوقت ظلت تنظر إليها هكذا؟
فجأة، همست تلك التي كانت صامتة كدمية مكسورة:
“…أريد أن أنام.”
عضت تشيشا شفتها السفلى بقوة عندما سمعت تلك الكلمات الجافة التي خرجت من شفتين متشققتين.
كبتت دموعها التي اندفعت فجأة وسألت:
“لم تنامي منذ زمن طويل؟ كم…؟”
لم يأتِ الجواب، كما كان متوقعًا.
كأن تلك الهمسة القصيرة كانت وهمًا، عادت لتستلقي كدمية بلا حياة.
لم يكن سوى صدرها الذي يرتفع وينخفض بضعف هو الدليل الوحيد على أنها لا تزال على قيد الحياة.
فتحت تشيشا فمها بحذر وقالت:
“هل تتذكرين التهليلة التي كنتِ تغنينها لي؟”
“…”
“لأنني لا أستطيع حتى أن أهديكِ زهرة… لأنه لا يوجد شيء يمكنني فعله لكِ.”
“…”
“لذلك…”
كانت تعلم أنها مجرد فعل لا معنى له، محاولة لتهدئة قلبها المضطرب.
ومع ذلك، بدأت تشيشا بالغناء.
غنت تهليلة لن تصل إلى أمها التي لا يمكنها إهداؤها ولو زهرة واحدة.
مثلما كانت أمها تغني لها تهليلة لم تسمعها وهي في رحمها.
هل كان ذلك مجرد وهم؟
بدا وكأن تعبير أمها قد تخفف قليلًا.
في تلك الغرفة البيضاء الهادئة، بينما كانت تشيشا تغني لفترة طويلة، فُتح باب المختبر فجأة.
دخل أشخاص يرتدون ثيابًا كهنوتية بيضاء نقية.
ما إن رأوا المرأة حتى هتفوا بانبهار:
“كما هو متوقع…! لقد أكملت التعافي بالفعل.”
“لا أثر للإصابات حتى. مذهل حقًا.”
اقترب أحد الكهنة حاملًا سكينًا كبيرًا من رف على جدار المختبر.
كان سكينًا مصنوعًا من معدن أبيض يشبه السيف المقدس.
“أتمنى أن نحقق نتيجة اليوم… إنه يوم مميز، أليس كذلك؟”
“إنه يوم التاسع المقدس. سيكمل الحاكم التاسعة الأخيرة.”
بينما كانوا يتحدثون ويختارون أدوات التجربة، شعرت تشيشا بنار تشتعل في أعماقها.
لكن هذه المرة أيضًا، لم يكن بإمكانها سوى المشاهدة.
كانت لحظات الألم محفورة في عينيها، وهي عاجزة عن فعل أي شيء.
كان يائسًا أن تعلم أنها لا تستطيع التدخل في زمن مضى.
لم تتحمل ذلك.
لم تستطع ترك أمها تتخبط في ألم لا نهائي.
على الرغم من علمها بعبثية فعلها، صرخت تشيشا بصوت لن يُسمع أبدًا:
“استيقظي!”
صاحت بكل قوتها وضربت المنضدة التي كانت أمها مقيدة عليها.
حاولت تحطيم المنضدة بقبضتيها الصغيرتين، لكن يديها كانت تمر من خلالها فحسب.
ثم، لم تتحمل قوة الضربة وسقطت على الأرض.
لكن تشيشا نهضت بسرعة.
لم تتوقف عن النضال العقيم.
“إذن، سنبدأ التجربة الـ999.”
رفع الكاهن السكين الحاد الأزرق وقربه من المرأة.
لحظة قبل أن يلامس النصل جلدها.
قبضة تشيشا، التي كانت تضرب دون جدوى، ارتطمت بالمنضدة فجأة بصوت عالٍ.
“!”
توقف الجميع عن الحركة عند ذلك الصوت المفاجئ.
نظر الكهنة إلى بعضهم بعضًا بحيرة.
“ما هذا الصوت؟”
“ألم تصطدم بشيء؟”
“كنت هناك…”
بينما كانوا في حيرة، كانت تشيشا، مذهولة، تقف متجمدة وقبضتها مرفوعة.
حاولت لمس المنضدة مرة أخرى، لكن يدها عبرتها كما كان من قبل.
ظنت أن تلك الصدفة لم تغير شيئًا.
لكن تشيشا لاحظت شيئًا وتوقف نفسها للحظة.
عيناها الورديتان، اللتين كانتا ضبابيتين حتى الآن، استعادتا التركيز فجأة.
تلك التي كانت كدمية بدأت تتفحص محيطها بعيون واضحة.
نظرت إلى الكهنة الذين يناقشون وهم يحملون أدوات التجربة، ثم إلى جسدها المدمر، وابتسمت ابتسامة مريرة.
لاحظ أحد الكهنة تغيرها وصاح مذهولًا:
“…لقد استيقظت!”
هرعوا للبحث عن حقنة.
بينما كانوا يحضرون حقنة كبيرة مملوءة بسائل أزرق غامض، أصدرت المرأة صوتًا:
“يبدو أن هذه نهايتي.”
كان صوتها خشنًا من طول صمتها.
في لحظة ارتباك الجميع من كلماتها الغامضة، أغمضت عينيها.
في تلك اللحظة، شعرت تشيشا بقشعريرة تجتاحها.
بينما كانت شعيراتها تقفز وتسري القشعريرة في جسدها، انفجرت قوة هائلة.
كانت ككارثة طبيعية لا مفر منها.
زهور سوداء وأشواك حادة اندلعت في لحظة.
لم يتمكن الكهنة في المختبر من الصراخ حتى، وسُحقوا بالزهور والأشواك.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
غطت الزهور السوداء وشجيرات الأشواك المنطقة بأكملها حيث كان المختبر.
رأت تشيشا، التي جُرّت إلى السماء، كل ذلك بوضوح.
وعندما اختفت الزهور السوداء وشجيرات الأشواك، لم يبقَ سوى أرض قاحلة، تحتوي فقط على الرمل والحجارة.
أرض جدباء لا يمكن لبذرة أن تنبت فيها.
كانت ولادة الأرض المهجورة.
علمت تشيشا ما الذي سيستقر في تلك الأرض لاحقًا.
“العالم السفلي…”
المكان الذي كان يعني الكثير لريتشيسيا الشريرة، والفضاء الذي يحكمه والد تشيشا باسيليان.
كان ذلك المكان قد خلق بسبب ملكة الجنيات السابقة.
مع مشهد الرياح الرملية التي تجتاح الأرض القاحلة، عادت تشيشا إلى ظلام دامس.
كانت في “فجوة الزمن”، المكان الذي يربط الماضي بالحاضر.
“…”
في تلك الظلمة الحالكة، ظهر وجه دمية أرنب طافية.
نظرت تشيشا إلى دمية الأرنب التي ظهرت كقمر عملاق.
تبادلا النظرات بصمت.
لم ينطقا بكلمة، لكن أعينهما كانت مليئة بالمعاني.
أخذت تشيشا نفسًا عميقًا.
شعرت بشعور لا يوصف وهي تواجه سلسلة الأحداث المتشابكة كتروس.
كأن كل شيء كان مقدرًا منذ البداية، كنجوم لا مفر منها تسقط نحوها.
قبل أن تتبع عجلة القدر التي بدأت بالدوران، كان هناك شيء يجب أن تعرفه تشيشا.
“…أمي، هل هي على قيد الحياة؟”
الجنيات، بطبيعتها، تجعل الطبيعة تزدهر وتنمو.
لكن في اللحظة الأخيرة، عكست أمها تلك القوة وانفجرت.
الزهور السوداء وشجيرات الأشواك التهمت كل أشكال الحياة، مخلفة أرضًا قاحلة.
بفضل ذلك، تمكنت أمها من الهروب من المختبر، لكن مصيرها ظل مجهولًا.
لأنها استخدمت قوة تخالف الطبيعة.
لكن الآن، وهي متأكدة أن ملكة الجنيات السابقة هي أمها، شعرت تشيشا أنها نجت بأعجوبة في تلك اللحظة من الجنون.
وإلا، كيف كان من الممكن أن تولد تشيشا؟
ظلت واقفة، كأنها لن تتراجع حتى تحصل على إجابة، فتحدثت دمية الأرنب التي كانت صامتة:
“هذا قدر ومصير.”
“عقوبة لا يمكن الهروب منها.”
“لا يمكنك تغيير أي شيء.”
“لكن عليك تغيير كل شيء.”
بدأت دمية الأرنب، التي كانت عائمة كالقمر الكامل، تتقلص تدريجيًا.
عادت إلى حجمها الأصلي، ومدت قدمها القطنية الغليظة نحو تشيشا.
“سأظل بجانبك إلى الأبد.”
“وسأساعدك في قدرك.”
قالت دمية الأرنب وهي تحتضن تشيشا.
“كتاج ملكة الجنيات.”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 151"