5
“ما الأمر، عمَّ كنتما تتشاوران؟”
“كارثة وقعت!”
“كارثة؟! أيُّ كارثة؟!”
“الأمير قال إنَّه لن يذهب إلى إكلت، بل سيبقى ليلعب في قريتنا!”
ارتدَّ صدى صوت فيرا في أرجاء غرفة المعيشة الضيّقة. لم يفهم هارون كلامها في البداية فمال برأسه متحيّرًا، لكن بعد بضع ثوانٍ قفز من مكانه.
ولولا أنّه أرنب لَما صدّق أحد أن رأسه بلغ السقف من شدّة قفزته.
ارتجفت أذناه وذيله بعصبية وهو يهزّ رأسه رافضًا. كفى أنّ الأمر يتعلّق بوحش، فكيف إذا كان نِمرًا، بل أميرًا أيضًا؟!
لم يكن هو وحده، بل كلّ سكّان القرية من الهجناء لن يستطيعوا التحمّل.
وكما صاح هارون برفض قاطع بجسده كلّه، كانت فيرا تشاطره الرأي مائة مرة، غير أنّ الطرف الآخر كان أميرًا. والأسوأ أنّها وهارون كانا أوّل مَن اكتشف سرَّ هوية الطفل.
“لكن لسنا في موقعٍ يسمح لنا بالرفض…”
تغيّر وجه هارون إلى الكآبة بعد كلماتها. وبينما ظلّا عاجزَين عن الخروج بنتيجة واضحة، تبادلا نظراتٍ مرتبكة.
“أما زلتما لم تنتهيا؟”
ظهر رجل فجأة عند الباب بلا أيّ صوت، مُتّكئًا وهو يحدّق فيهما، لا، بل يُحدّق بنظراتٍ حادّة.
“ا، ا… انتهينا! فيرا، أخبريه!”
“أنا؟ وماذا أقول؟”
“طبعًا قولي نعم! أنتِ ستتولين رعاية الأمير أيضًا!”
متى قلت ذلك! اتّسعت عينا فيرا وهي ترمق هارون بشراسة، ولم يتراجع هارون هو الآخر عن النظرات نفسها.
لحظةٌ واحدة مع هذا الزائر غير المرغوب فيها كادت تُصدِّع صداقة عمرها أربعٌ وعشرون سنة. كان الرجل يتابع مبارزتهما بالنظرات بفضول، قبل أن يرمي بجملةٍ قصيرة:
“مشاجرة عُشّاق؟”
وبعد ثلاث ثوانٍ بالضبط، خرج الردّ من فمَيهما معًا:
“ليست مشاجرة عُشّاق!”
“ليست مشاجرة عُشّاق!”
في النهاية، بقي الأمير في قرية تيمي مدّة من الوقت بحجّة الاستشفاء. وكان من الطبيعي أن تقع مهمة رعاية الأمير الصغير وفارس حراسته على عاتق فيرا.
سكّان قرية تيمي كانوا جميعًا هجناء من حيوانات عشبيّة، يرتجفون لمجرّد الوقوف أمام هجين من الوحوش المفترسة.
لذلك، قبلت فيرا أن تتولى الأمر لأجلهم. على الأقلّ هي بشرية عاديّة، وهذا يُخفِّف قليلًا من وطأة الموقف.
ومنذ الفجر، نهضت أبكر من المعتاد لتُحضّر الطعام لثلاثة أشخاص. لم يكن في المخزن سوى الخضروات والفاكهة والبيض التي أعطاها إيّاها أهل القرية.
من الواضح أنّهم سيفضّلون اللحم، لكن الحصول عليه في القرية شبه مستحيل. فكّرت أن تكتفي بوجبة إفطار بسيطة ثم تذهب إلى القرية المجاورة لشراء بعضه.
وأثناء انهماكها في تقطيع الخضار بمهارةٍ محدودة، فاجأها صوت منخفض عند أذنها:
“ما الذي تفعلينه؟”
“آآه! أخفتني! ل… لِمَ لَمْ تُعلِمْني أنّك قادم؟!”
“وهل هناك داعٍ؟”
الرجل الذي عاش مع السيف منذ طفولته كان من المستحيل تقريبًا أن يُصدر حركةً تكشف وجوده. والعجيب أنّ فيرا، التي تعيش وسط هجناء يتمتّعون بسمعٍ حاد، لا تلاحظ وجوده إلا حين يكون أمامها.
“هـه، إنني أُعدّ الإفطار. لكن بما أنّ القرية كلّها من أرانب متجسّدة، فليس هناك لحم. لذا تحمّلوا البيض اليوم.”
“تسمين هذا إعدادًا للطعام؟…”
قطّب راي جبينه بوضوح. بالنسبة إليه، ما كانت تفعله ليس طبخًا، بل تنفيس غضبٍ على مكوّنات مسكينة.
الخضار مقطّعة بأحجامٍ وأشكال فوضوية، والبيض في المقلاة أسود على وشك أن يتحوّل إلى حجر.
‘هل تريدين طردنا بهذه الطريقة؟’ فكّر راي، قبل أن يُبعدها ممسكًا بكتفها:
“تنحّي جانبًا.”
“هاه؟”
“سأتولّى الأمر.”
لم يكن بمقدور فيرا أن تقف في وجه نِمر ثلجي بملامحه الموحية بالقتل. فتراجعت بخجلٍ قليل.
وبينما كانت تراقب مهارته تتذكّر ما جرى ليلة أمس.
ذلك الرجل الذي سخر من شجارها مع هارون قائلًا إنّه نزاع عاشقين، ما لبث أن صار جادًّا مُطلقًا تهديدًا صريحًا بسيفه الذي كان طوله نصف قامة. لم يسعهما إلا القبول.
حينها رفعت فيرا يدها بحذر:
“لديّ اقتراح واحد فقط.”
“همم؟’
رفع حاجبَيه مستغربًا، لكنّه لم يمنعها من الكلام.
“أرجو ألا تُخبر أهل القرية أنّ تيو أمير. هو وأنتَ بالفعل مفترسينَ، وإن عرفوا أنّه أمير فوق ذلك… سيتملكهم الرعب والارتباك.”
فكّر قليلًا، ثم أومأ موافقًا. لم تتوقع فيرا أن يرضى بهذه البساطة.
ومنذ ذلك الحين اتفقوا على بعض القواعد، وبدأت تجربة “حياة البسطاء” للأمير وحارسه رسميًّا.
لكن، بينما كانت تُحضّر الطعام باجتهاد منذ الصباح، لم تفهم لِمَ بدأ يفتعل معها الشجار. نفخت خدَّيها بضيق وهي تلتفت قليلًا لترى.
أرادت أن تختبر إن كان بإمكانه، وهو مصابٌ بكتفه، أن يطبخ جيّدًا. لكن…
“إنك بارع حقًّا!”
اندهشت وهي ترى يده تتحرّك بدقّة مدهشة. خضارٌ مقطوعة بانتظام يكاد يخلو من أي خطأ، وبيضٌ مقليّ يلمع كالقرص الشمسي.
امتلأت عيناها بالانبهار، وتعاظمت في داخلها الرغبة في معرفة المزيد عنه.
“منذ متى تطهو؟ هل أنت بارع في استخدام السكين دائمًا؟ عندي خضار كثيرة في المخزن، هل تُساعدني في تقطيعها كلها مرّة واحدة؟”
كلامها المتدفق كاد يُصدّع رأسه. فأجاب ببرود، دون مواربة:
“لا.”
رفضٌ قاطع لا مجال للنقاش فيه جعل شفتيها تنتفخان من جديد. لكنها لم تتوقف عن فضولها.
“هل كل الفرسان يجيدون استخدام السيوف والسكاكين هكذا؟”
“…فرسان؟”
تلألأت عيناه الزرقاوان بحدة. تذكّر أنّها كانت تنادي تيو دومًا “سموّ الأمير”، أمّا هو فلم تمنحه سوى “أنت”. بدا أنّها لم تدرك بعد من يكون.
لكن قبل أن يُكمل سؤاله، شقّ بكاء طفل الأجواء.
“آه! يبدو أن تيو قد استيقظ!”
قفزت فيرا مسرعة تاركة المطبخ، بينما نقر راي بلسانه متحسّرًا.
في الغرفة الأخرى، فتح الأمير الصغير عينيه في مكانٍ غريب. لم يجد راي إلى جانبه، فانفجر بالبكاء منادياً:
“راي! رااااي!”
في القصر، ما كان ليجرؤ على البكاء خوفًا من إخوته الآخرين. أمّا هنا، حيث لا يرافقه سوى راي، فقد أطلق مشاعره بحرية.
وبينما كان يصيح، دخلت الغرفة امرأة بشرية بشعرٍ بُنيّ بلا أذنين ولا ذيل.
توقّف عن البكاء فجأة وهو يُدرك أنّ هذا بيت بشر.
“تيو؟ هل نمتَ جيّدًا؟”
مدّ ذراعيه نحوها بتوقّع:
“بشرية، احمليني!”
“نٕ… نعم! حاضر.”
ضحكت فيرا بخفّة وهي تحتضنه. كان صغيرًا دافئًا، يقطر براءة وهيبة في آن.
ارتجف ذيله الأصفر فرحًا، وتحرّك أنفه المستديرة مستنشقًا رائحة أزهار حلوة تنبعث منها.
“رائحة زهور…!”
غاص في كتفها يَفرك وجهه بسعادة، وابتسم وهو يهنأ بالسكينة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"