انهيارُ الحذر.
انفجرَ رأسُ العفريت أمامي مباشرةً.
لوَّحتُ بالسيف، ونفضتُ الدمَ الأخضرَ العالقَ بنصلِه على الأرض.
ثالثُ واحدٍ سقط!
«ومع ذلك، يا آنسة، أنتِ تُجيدينَ استعمالَ السيفِ أفضلَ من معظمِ الفرسان.»
«ذلك لا يكفي!»
– كُوئِك!
– كُوئِك!
كان أبي قد ربّاني، لافتقاري إلى الموهبة، كما لو كنتُ سلاحًا بشريًّا.
تدرّبتُ على السيف، والقتالِ الجسديّ، والسموم، والرمايةِ بالقوس.
كبرتُ كأداةِ قتل، لكنّ العائلةَ لم تعترف بي قطّ.
ولأنّي بلا مانا، كان أبي يأمل أن أملك موهبةً عبقريّةً لا يُستهان بها، أو هالةً، أو قدرةً مقدسةٍ.
لكنّ الواقع كان…
«قولي لي. إلى أيّ حدٍّ تبلغ هالة لوُسي، وقدرتُها المقدسة؟»
«……ليس لديها أي قوة.»
«ماذا؟ قليلة؟»
«لا، ليست قليلة. لا هالة لديها، ولا قدرةَ مقدسة.»
– كُوآآآاك! كِك!
‘أيّها العفريت اللعين!’
اندفعَ العفريت الغاضب نحوي بتهوّر.
– وِش!
لوَّحتُ بالسيف لأُباعدَ المسافة، ثمّ سحبتُ سهمًا من ظهري.
«وأنتِ أيضًا تُجيدينَ الرمايةَ بالقوسِ أفضلَ من معظمِ الرماة.»
«وهل هذا كلّ شيء؟»
– فِش!
– كُوئِك!
غرسَ السهمُ الذي رميتُه بيدي مباشرةً في جبهةِ العفريت.
وبلا فسحةِ تنفّس، هاجمَ عفريتٌ آخرُ الجهةَ اليسرى الخالية.
“أُخ!”
تفاديتُه، لكنّ المطرقةَ التي لوّحَ بها ارتطمت بذراعي.
وكأنّه كان ينتظرُ تلك اللحظة، رفعَ العفريتُ الذي خلفي مطرقتَه نحو رأسي.
‘إلى أين تظنّ نفسك ذاهبًا!’
– كْوِك!
غيّرتُ اتجاهَ السيف، وطعنتُ بطنَ العفريت خلفي.
ومن دون أن أسحبَ النصل، أمسكتُ بالقوس بسرعة، وشددتُ الوترَ بقوّةٍ نحو رأسِ العفريت المندفع أمامي.
– كُوآك!
وهكذا، سقطَ نصفُهم.
‘تبًّا… ذراعي مكسورة.’
ربّما لأنّي أطلقتُ السهمَ بعنفٍ مفرط، داهمَني ألمٌ حادٌّ في الذراع.
لكن إنْ قتلتُ خمسةً آخرين فقط…
سحبتُ السيفَ وتلفّتُّ حولي.
العفريتُ الذي كان عدائيًّا حتّى لحظةٍ مضت، سكنَ فجأةً بلا سبب.
“ما به؟”
هل ينوونَ الهرب؟
لكنّ الأجواءَ لم تكن عاديّة.
– كُوووووووك.
‘تبًّا!’
أصدرَ العفريت صوتًا غريبًا عاليًا، كأنّه يستدعي رفاقه.
هذا خطرٌ فعلًا.
“هَه!”
غيّرَ أحدُ العفريت اتجاهَه، وركضَ نحو الكوخ.
هل عرفَ أنّ رافين في الداخل؟ كان يستهدفه!
“رافين!”
اندفعَ باقي العفريت نحوي دفعةً واحدة.
لوّحتُ بالسيف على اتّساعه، لكنّ الألمَ باغتني، وانقطعَ نفسي.
ذراعي لم تعد تُطيعني.
– جَانغ!
وفي النهاية، حطّمَ العفريت نافذةً أخرى سليمة.
سحبتُ ذراعي المصابة إلى الخلف قدر الإمكان، وأمسكتُ السيف بيدٍ واحدة.
– كْوِك!
“آه!”
قتلتُ أحدهم، لكنّي لم أستطع تفاديَ الضربةِ التي جاءت من الخلف.
صرخةٌ انفلتت من ظهري المصاب.
ولم ينتهِ الأمر عند ذلك؛ إذ رفعَ العفريت مطرقتَه مجدّدًا.
‘هذه المرّة… الرأس!’
لا مجالَ للتفادي، فعفريتان يقفان أمامي.
أكان عشرةٌ أكثرَ ممّا أحتمل؟
– كْوِك!
لكنّ رأسَ العفريت خلفي انفجر فجأةً.
ومن دون أن أستوعبَ ما حدث، تهرّبتُ من هجومِ العفريت أمامي.
“سيف؟”
ابتعدتُ قليلًا، ونظرتُ إلى العفريت الساقط.
لا أدري لماذا، لكنّ سيفًا كان مغروسًا في رأسه.
“كخ!”
ثمّ شعرتُ بحركةٍ أخرى.
“رافين؟”
خرجَ رافين مترنّحًا من الكوخ.
كان بالكاد يقوى على الوقوف، وهو يلهث، ثمّ نظرَ إلى العفريت المطروح.
‘هل… رمى السيف؟’
كان ذلك السيفُ نفسه الذي حاولَ به الانتحارَ صباحَ اليوم.
أن يُصيبَ به رأسَ العفريت بدقّة…
“السيف!”
“نعم؟”
“ناوليني السيف!”
طلبٌ عبثيّ.
أيعقل أن أُعطيَ سيفًا لشخصٍ مُدمّى بالكاد يقف؟
لكن مع ذراعي المصابة، صار السيف عبئًا عليّ.
‘السيفُ الآن مجرّدُ حملٍ زائد.’
ثمّ إنّي كنتُ أثقُ بالرماية أكثر.
“تفضّل!”
رميتُه به على أمل.
‘لن ينتحرَ به… أليس كذلك؟’
ندمتُ فورًا، لكن…
أمسكَ رافين بالسيف، وأغمضَ عينيه.
وسرعان ما تسلّلَ من جسده ضوءٌ أحمر.
قوّةٌ ثقيلةٌ طغت على المكان.
هَبَّت عاصفةٌ حوله، ولفَّ الضوءُ الأحمرُ المتماوج، كسائلٍ حيّ، نصلَ السيف في يده.
‘هذه… الهالة!’
لم تكن كميّتُها كبيرة، لكنّ لونَها كان كثيفًا قاتمًا.
– وِش!
ما إن لوّحَ رافين بالسيف، حتّى طارَ رأسُ العفريت مع عاصفةٍ مروّعة.
وفي الوقت نفسه، انشقت الأرضُ بعمق.
حدّقتُ بذهول في الرؤوس المتساقطة.
العفاريت الذين ماتوا من دون صراخٍ بدت وجوههم شاحبة.
– كُوئِك!
– كُوئِك!
“تعزيزاتُ العفريت!”
لمّا أنهينا العشرة أخيرًا!
لكنّ عددَهم في الغابة كان أكثرَ بكثيرٍ ممّا سبق.
ولم يندفعوا عشوائيًّا، بل راحوا يقذفونَ الصخور نحونا.
“رافين!”
اندفعتُ إليه.
“هل أنتَ بخير؟”
“تبًّا.”
واضحٌ أنّه ليس بخير.
“أستطيعُ أن ألوّحَ بالسيف مرّةً أخرى.”
“…….”
“وخلالها، اهربي.”
“اصمتْ فحسب.”
رفعتُ القوسَ من جديد.
لا أدري إن كنتُ سأُصيب بدقّة، لكنّي جهّزتُ السهم.
تحمّلتُ الألم، وشددتُ الوترَ بقوّة.
– كْوِك!
‘واحد.’
– كُوئِك!
‘اثنان.’
– كِك!
‘ثلاثة.’
لكنّ عددَهم كان هائلًا.
– بُوم!
تناثرَ التراب بجانبي.
سقطَ صخرٌ قربَ رافين مباشرةً.
“إلى داخلِ الكوخ!”
“أتريدينَ الموتَ أنتِ أيضًا؟”
“من فضلكَ، أغلِقْ فمكَ إلى أن نقضي عليهم!”
لا وقتَ للشجار.
جررتُه من خصره بالقوّة إلى الداخل.
– كْوَانغ!
‘السقف… سينهار.’
دموعي كادت تنهمر.
أطلقتُ ثلاثةَ سهامٍ أخرى من النافذة المحطّمة.
حتى والعفريتُ مصابٌ بسهم، ظلّ يتحرّك.
يا لهم من أوغادٍ عنيدين!
– كُووم!
بدأت ألواحُ السقف تتساقط.
– كُوئِك!
وكأنّهم اغتنموا الفرصة، اندفعَ العفريت نحو الكوخ.
“من الأفضل الهرب من الباب الخلفي— رافين!”
كان السقف ينهار فوقه، وهو لم يُدرك ذلك، عاجزًا عن تثبيت جسده.
“هذا خطر!”
لو أصابه ذلك، فالموتُ فوريّ.
فتحَ رافين عينَيه بدهشةٍ وهو يراني أندفع نحوه.
رميتُ القوس، ومددتُ ذراعيّ نحوه.
– كْوَانغ!
سقطَ اللوحُ الخشبيّ.
شعرتُ بثقلٍ رهيب.
ومع ذلك، لم أشعر بأيّ إحساسٍ في النصفِ السفليّ من جسدي.
“……لوُسي؟”
سمعتُ صوتَه من الأعلى.
لقد تذكّرَ اسمي.
‘طالما أسمعُ صوته، فهو بخير.’
هذا مطمئن.
“تماسكي!”
فتحتُ عينَيّ بصعوبة.
كان وجهُه القَلِق أمامي مباشرةً، وقد أمسك بوجنتَيّ واقترب.
هكذا، عن قربٍ… إنّه وسيمٌ فعلًا…
– كُوئِك!
– كْوِك!
العفريت أفسدَ اللحظة.
“يوجد بابٌ خلفيّ خلفَ المخزن. علينا الذهابَ من هناك.”
يجب الإسراع.
حاولتُ النهوض، لكنّ ألمًا ساحقًا، كأنّ اللحمَ قد شُقّ، أوقفني.
أدرتُ رأسي، فرأيتُ لوحًا خشبيًّا يضغطُ خصري وفخذيّ.
‘……جنون.’
لهذا كان الألم.
– كْوَانغ!
تحطّمَ بابُ البيت وجدارُه.
تباًّ لعفريتِ السوء.
حطّموا كلّ شيء، حطّموا.
‘أهنا قبري؟’
في لحظةِ يأسٍ…
– فُوووش!
شعرتُ بدفءٍ حارّ.
انتشرَ ضوءٌ أحمرُ من حولي.
ظننتها هالة، لكنّه كان مختلفًا.
نظرتُ إلى الأسفل، فرأيتُ الدائرةَ السحريّة التي رسمتُها.
وفي مركزها، يدٌ كبيرةٌ غير يدي.
شخصٌ ما فعّلَ الدائرة.
‘رافين؟’
كانت تلك يدَه.
رفعتُ رأسي.
عيناه كانتا حمراوين، متّقدتين كاللهب.
“……نار.”
قالها رافين بذهول.
اندفعَ خطٌّ من النارِ المستقيمة، وضربَ العفريت.
كانت نارًا هائلة، لا تُشبه ما يُرسم عادةً بدائرةٍ سحريّة.
– كِك!
– كُوئِك!
احترقَ العفريت، يصرخُ بألم، حتّى لم يبقَ سوانا.
إنّه سحرٌ… لكنّه بدا أبعدَ من السحر.
ما إن انتهى كلّ شيء، تلاشى اللهبُ كالدخان.
سادَ الصمت.
العفريت جميعُهم ماتوا.
“……أحسنتِ رسمَ الدائرة السحريّة.”
كان ذلك أفضلَ ما فعلتُه في حياتي.
“أهذا وقتُ الكلام؟”
حين تمتمتُ، استعادَ رافين وعيَه.
“تبًّا! تماسكي!”
بدأَ وعيي يتلاشى.
آخرُ ما رأيتُه كان وجهَ رافين الوسيم.
حتى وهو غاضب… لا يزال وسيمًا.
“رافين.
لا تمتْ.
لقد أنقذتُ حياتكَ بشقّ الأنفس، فعليكَ أن تعيش…….”
“لوُسي!”
“ومن يريدُ الموتَ حقًّا… لا يقول إنّه جائع…….”
راح يرفعُ الألواحَ عن جسدي بلهفة.
“سأُزيلها فورًا!”
“……كنتُ أريدُ أن أسألَك، كم عمرك؟”
قطّبَ حاجبيه.
“هل هذا وقتُ السؤال؟!”
“كم عمرك؟”
“ثمانيةَ عشر! تبًّا!”
“واو.
إذن أنا أكبرُ منك.”
“…….”
“إذًا، من الآن فصاعدًا سأتحدّثُ بلا رسميّات؟”
عامِلْ من أنقذَ حياتكَ بالاحترام، كما فعلتُ أنا.
وبهذا، فقدتُ الوعي.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"