فتاة بجانب رافين.
“رّافين.”
“…….”
“ألا تعتقد أنّه من الأفضل التخلص من هذا الآن؟”
قلت ذلك وأنا أنظر إلى خاتم الزهرة الذي تكاد ساقه تتقطع من شدة الاستعمال.
لقد مضى وقت طويل منذ مغادرتنا الساحل الجنوبي، ومع ذلك لم يخلع رافين خاتم الزهرة بعد.
بل إنه تفقد إصبعه عدة مرات وأعاد ربط الساق المتعبة.
“لا. لقد صنعتهِ لي، أليس كذلك يا لوسي؟”
لو كنتُ أعلم أنّه سيحبه بهذا الشكل، لكنتُ اشتريت له خاتمًا حقيقيًا بدلًا من الزهرة.
تجاهلتُ شعوري بالأسف ومضينا في طريقنا.
لم يكن الصعود نحو الشمال صعبًا للغاية.
كانت المؤن التي أعدها لنا تريتون كافية، وكان الطقس صافٍ معظم الوقت.
أصر رافين على ألا نتجاوز البوابة الجنوبية مباشرة، وأن نستكشف هذه المنطقة أولًا.
عندما وافقت، أصبح كل شيء تقريبًا جولة رافين الخاصة.
الجبال الشامخة، الحدائق الواسعة، الأحواض الكبيرة، وأخيرًا منطقة تتفتح فيها الزهور البنفسجية بأناقة.
جلسنا هناك لبعض الوقت نستمتع بالنسيم، وأدخل رافين ساق الزهرة المقطوعة في جيبه.
كان من الأفضل لو ربطها منذ البداية.
عندما اختفت الساق الذابلة، شعرت بالارتياح.
“اصنعه لي مرة أخرى.”
بينما كنت أتأمل الزهور، مدّ رافين إصبعه الفارغ نحوي.
ظننت أنّ الأمر انتهى، لكنه لم ينتهِ بعد.
“هيا يا لوسي.”
لم أستطع تجاهل عجلته.
اخترتُ الساق الأكثر سمكًا بين الزهور البنفسجية وربطتها بإحكام حول إصبعه.
حينها فقط بدا راضٍ، وهو يتفحص راحة يده بسعادة.
‘هل يعجبه ذلك لهذه الدرجة؟’
كادت رغبتي أن تجعل كل أصابعه العشرة مزينة بخواتم الزهور.
كنتُ أريد أن أغطي كل الخدوش والجلد الخشن، وأضع أزهارًا براقة على يديه.
“هل نبدأ الرحيل الآن؟”
لم يكن رافين يعرف ما أفكر فيه، ومد يده نحوي.
—
حال وصولنا إلى القرية الأولى، حجز رافين غرفة في نُزل مجهز جيدًا.
كانت الغرفة واسعة بما يكفي لثلاثة أشخاص، بسجادة بنفسجية، وخزانة ملابس جميلة، ومكتب زينة أنيق.
وكانت الحمامات نظيفة، ومجهزة بسحر يحافظ على دفء الماء.
رغم ذلك، كانت الغرفة باهظة الثمن جدًا.
ولم يتوقف رافين عند هذا الحد، بل اختار المطاعم والمقاهي النظيفة فقط.
“أليس هذا مكلفًا جدًا؟”
كل مرة كنت أقلق، كان رافين يبتسم ويُري جيبه، فاختفت مخاوفي فورًا.
في اليوم الأول استرحنا، وبدأنا من اليوم التالي باستكشاف القرية.
كانت مدينة كبيرة بها جميع المرافق العامة تقريبًا.
ويبدو أنّه كان هناك مهرجان، إذ كانت الشوارع مكتظة بزوار من مناطق أخرى.
أخذني رافين في جولات كما فعل بالأمس، تناولنا الطعام اللذيذ، وتجولنا في الممرات الضيقة، وزرنا السوق.
وأثناء سيرنا جنبًا إلى جنب، اكتشفت متجرًا يبيع الحُلي.
‘خاتم.’
كانت كل الحُلي المعروضة مصنوعة من أحجار رخيصة، وليست من الأحجار الكريمة.
لكن تصميمها دقيق وفني، وكأنهم بذلوا جهدًا في الصنع.
“…….”
نظرت خلسة إلى إصبعه، دون أن يلاحظ رافين، وما زال خاتم الزهرة يتدلى منه.
كان الساق سميكًا بما يكفي ليصمد يومًا واحدًا، لكنه سيتساقط قريبًا.
‘كل ما أملكه هو هذا المال.’
لقد فقدت محفظتي، وكل ما لدي كان ما أعطانيه رافين.
رغم غرابة شراء هدية له بهذا المال، أردت أن أضع له خاتمًا حقيقيًا بدل الزهرة.
“رافين، انتظر لحظة.”
توقف عن المشي ونظر إليّ.
“ماذا هناك؟”
“أمرٌ… عاجل.”
تغلبت على إحراجي.
وللأسف، لم يكن هناك طريقة لإبعاده سوى هذه الطريقة.
“هل سأكون هنا؟ سأعود بسرعة.”
أشرت إلى مساحة بجانب العربة.
“سأضع تعويذة تتبع.”
“لقد وضعتِ بالفعل الحماية، أليس كذلك؟”
“لوسي.”
ناداني رافين وكأنه يهدئني.
“……حسنًا، افعلي.”
طالما لم تتعرض تعويذتي لأي خلل، فلن يعرف رافين موقعي.
اتبعت تعليماته بسرعة ووضعت تعويذة التتبع.
“سأعود!”
تظاهرت بالذهاب إلى الغابة، ثم تحركت سريعًا نحو المتجر الذي رأيته قبل قليل.
لن يتبعني، أليس كذلك؟
بعد أن تأكدت من خلو المكان، دخلت المتجر.
لم يكن هناك وقت كثير.
فحصت كل خاتم بسرعة لأجد تصميمًا مناسبًا لرافين.
لأصابع يده الخشنة، كان البساطة أفضل من الزخارف المبالغ فيها.
توقف نظري عند خاتم ذهبي سميك.
“كم ثمن هذا؟”
“اثنان بيسو. بالمناسبة، يا آنستي، ماذا عن هذا؟ هذا من أكثر المنتجات مبيعًا.”
قدم صاحب المتجر صندوقًا بجانبي.
داخل الصندوق كانت حُلي معقدة أكثر من المعروض، ومن بينها خاتم ذهبي سميك يناسب يده الكبيرة بشكل واضح.
“وكم ثمنه؟”
“أربعة بيسو. ثمنه يعكس جماله.”
“همم.”
“خاتم سحري، يتكيف مع حجم الإصبع تلقائيًا.”
أربعة بيسو تعني نصف ما أملك تقريبًا.
“إذن، سأأخذ هذا.”
لكن، أي أهمية لذلك؟
كنت أرغب في إعطائه أغلى خاتم، لكن اخترت هذا المناسب ليده.
دفعْتُ أربعة بيسو، وأحضر صاحب المتجر صندوقًا أسود فاخرًا يبدو وكأنه لحفظ خاتم الخطوبة.
“صندوقه يبدو ثمينًا.”
“مجانًا.”
آه، إذا كان مجانًا، فلا داعي للرفض!
وضعت الخاتم في جيبي بعناية حتى لا أفقده.
“أتمنى لك النجاح!”
أكملت شراء الخاتم بسرعة وخرجت من المتجر.
هل سيحب رافين هذا؟
متى أعطيه الخاتم؟ الآن أم مساءً؟
أثناء تفكيري في ذلك، التفتتُ حول الزاوية.
“……؟”
لم يكن رافين في مكانه المعتاد.
بدقة أكثر، كان هناك نساء لا أعرفهن، ورافين بينهن.
كم عددهن؟ ليست واحدة، بل أربع، ربما خمس……
‘واو.’
اجتمعت النساء بهذه السرعة؟
وكانت جميعهن أنيقات وجميلات، خصوصًا امرأة بشعر بني طويل حتى الخصر.
بدت لطيفة، وملابسها تعكس ثراء عائلتها.
‘ما هذا؟’
شعرت بالانزعاج لمجرد وجود امرأة بجانب رافين.
كان الأمر غريبًا، رغم أني تخيلت كثيرًا زواجه من نساء أخريات سابقًا.
‘همم.’
لكن رؤية امرأة حقيقية بجانبه جعل شعوري سيئًا جدًا.
سيئ للغاية.
‘لماذا؟’
لو ابتسم لامرأة، لكان شعوري أسوأ.
لكن لحسن الحظ، ظل وجهه باردًا كالجليد.
حتى لو تحدثت المرأة ضاحكة، لم يفتح فمه إلا قليلاً.
بدأت أشعر بالراحة قليلًا.
‘لنذهب الآن.’
كنت أرغب في الاقتراب منه، لكن قدماي ثقيلتان.
حتى لو تحسن مزاجي، جسدي لا يزال متثاقلًا.
عندما لامست ثنايا ثوب المرأة جسد رافين، شعرت بتوتر كمن يراقب علاقة سرية.
‘شعور غير مريح.’
لم أستطع السيطرة على مشاعري، وكنت عاجزة عن التصرف.
“لوسي!”
رأى رافين وجهي، ارتخى عن تعب جسده، وتقدم نحوي بخطوات سريعة.
“انتظرتُك.”
اتجهت أنظار النساء نحوي، وبعضهن بفضول وبعضهن بدهشة، ثم ابتعدن من الطريق.
وقف رافين أمامي مبتسمًا ابتسامة عريضة.
“سمعت أنّ هناك مخبزًا تحبينه.”
“…….”
“لوسي؟”
لاحظ تعبير وجهي المختلف عن قبل وسألني.
“أين يوجد هذا المخبز؟”
“هناك، هيا بنا.”
عجل رافين.
وضعت صندوق الخاتم جانبًا وأخرجت يدي من جيبي.
‘سأؤجل إعطاء الخاتم إلى وقت لاحق.’
التعليقات لهذا الفصل " 39"