⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
قبل عشرة أيام من عيد ميلاد آرتيزيا، عاد الدوق بافيل من لياغان، حيث كان في الجنوب، إلى العاصمة.
صرخت آرتيزيا بسعادة:
ـ “أخي بافيل!”
ـ “تيا!”
كانت آرتيزيا تنتظره عند مقر إقامة دوق لياغان، وما إن وصلت العربة حتى هرعت بخفة على الدرج الأمامي بابتسامة مشرقة. أما بافيل فاستقبلها بابتسامة عريضة، وكأنه لا يشعر بإرهاق الرحلة الطويلة.
قال لها:
ـ “أتيتِ كل هذا الطريق لاستقبالي؟ لقد أخبرتك أنني سأصل في الموعد.”
قبل ثلاث سنوات فقط، كان ليعانقها فورًا، لكن ذلك لم يعد ممكنًا الآن. لذا مدّ بافيل يده ووضعها على رأسها. فأسرعت آرتيزيا تمسك بمعصمه وتقول بجدية:
ـ “لا، ستفسد تسريحتي!”
فضحك بافيل وأبعد يده بأسف:
ـ “آه، كم تغيّرتِ…!”
حتى وقت قريب كانت طفلة صغيرة لا تصل إلا إلى خصره، أما الآن فقد كبرت وتتصرف كسيّدة حقيقية.
وبينما صار يتنقّل باستمرار بين الجنوب والعاصمة منذ أصبح دوقًا، ازدادت مسؤولياته أكثر فأكثر.
قالت له آرتيزيا:
ـ “لم أنتظرك بسبب عيد ميلادي.”
ابتسم بافيل بخبث:
ـ “حقًا؟ لقد أسرعت لأتمكّن من حضور حفل ميلادك.”
قاطعتْه قائلة:
ـ “لكنك لم تأتِ العام الماضي.”
أجاب:
ـ “لقد أرسلت لك هدية. كان هناك أمر مهم في دوقية لياغان منعني من الحضور.”
عادةً ما يُعتبر بلوغ العشرين هو سن الرشد، لكن في حالة آرتيزيا، حيث كان الزواج السياسي مخطّطًا لها، اعتُبر سن الثامنة عشرة محطة مهمّة. ففي هذا العمر يمكن الزواج بموافقة الوالدين، وبالزواج يصبح المرء راشدًا ويحق له أن يرث الألقاب والممتلكات. لذلك، كان عيد ميلادها هذا بمثابة حفل بلوغ سن الرشد فعليًا.
في تلك اللحظة، أطلت ليسيا برأسها من غرفة الاستقبال. وما إن رأت بافيل حتى خرجت بابتسامة مشرقة.
قال بافيل:
ـ “أهلًا، ليسيا! لقد كبرتِ كثيرًا!”
مدّ يده لمصافحتها، نصف مندهش ونصف سعيد. مضت خمس سنوات تقريبًا منذ أن غادرت ليسيا العاصمة في الثالثة عشرة من عمرها، وهذه أول مرة يلتقون مجددًا. ورغم أنها لم تتغير جذريًا، إلا أن علامات النضج بدأت تظهر عليها.
ابتسمت ليسيا وصافحته. لقد ازداد طولها، وكبرت يداها، وبدا على كفّيها أثر التدريب؛ قاسية ومليئة بالمسامير.
سألها بافيل:
ـ “كيف حالك؟ هل أصبحتِ فارسة بعد؟”
أجابت:
ـ “ما زال أمامي وقت طويل. هذه المرة حصلت على معاملة خاصة وإجازة طويلة، لكنها لم تكن مقررة في الأصل.”
ضحك بافيل وقال بمرح:
ـ “يجب أن أرى الزفاف. لا بد أن تكوني وصيفة عروس تيا.”
لكن ما إن نطق بكلماته حتى غيّم الحزن على وجه آرتيزيا، فتبادلت ليسيا معها نظرات صامتة. تفاجأ بافيل وسأل:
ـ “ما الأمر؟ ما الذي يحدث؟”
حاولت آرتيزيا تحويل الحديث:
ـ “لا شيء. ادخل لترتاح، لا بد أنك متعب.”
لكن بافيل قطّب جبينه. صحيح أنه مرهق، لكن الجو بدا غريبًا جدًا ليتجاهله.
سأل بجدية:
ـ “ماذا جرى؟ هل حدث شيء مع سيدريك أثناء غيابي؟”
ردت ليسيا بسرعة:
ـ “لا، لا شيء من هذا القبيل. جئنا فقط لنرحب بك.”
لكن بافيل لم يقتنع. أمسك بيد كلٍّ من آرتيزيا وليسيا وسحبهما إلى غرفة المعيشة، ثم جلس أمامهما بجدية وسأل:
ـ “قولوا لي الحقيقة.”
احمرّ وجه آرتيزيا وهي تتلعثم:
ـ “إنه فقط… يبدو أن سيد لا… لا ينظر إليّ كرجل إلى امرأة.”
اتسعت عينا بافيل من الصدمة:
ـ “ماذا؟!”
أسرعت آرتيزيا، مرتبكة:
ـ “لا، لا! لا أقصد أنه لا يحبني كإنسانة… بل… ليس مهتمًا بي كزوجة.”
ترددت قليلًا ثم أضافت بخجل:
ـ “هل الزواج هو الحل فعلًا؟”
تجمّد بافيل من الدهشة. لم يتوقع منها هذا السؤال. لكنها سرعان ما قالت مرتبكة:
ـ “انسَ ما قلته، وكأنك لم تسمع شيئًا.”
أما ليسيا فحاولت بتعابير وجهها أن تمنعه من الضغط عليها أكثر. ومع ذلك، وبعد تردد، قال بافيل متعاطفًا:
ـ “إذن، المشكلة في سيدريك.”
اتسعت عينا آرتيزيا دهشة، فأومأ بافيل مؤكدًا:
ـ “نعم، هو المخطئ. لأنه لم يمنحكِ الثقة.”
أضافت ليسيا بسرعة:
ـ “تمامًا!”
لكن آرتيزيا ابتسمت بمرارة وقالت:
ـ “لا تلوموه… ربما أنا فقط طمّاعة أكثر من اللازم.”
كانت تعرف جيدًا أن سيدريك يحبها ويهتم بها ويحميها من قلبه، وسيظل يفعل ذلك. لكن أن تطلب شغفًا وحبًا فوق ذلك؟ ربما كان جشعًا. ومع ذلك، مجرد الحديث عن الأمر خفّف عنها قليلًا.
ضحكت بخفة وقالت:
ـ “لكن رجاءً، أبقوا هذا سرًا.”
ثم ودّعته قائلة:
ـ “لا تفكر كثيرًا، بافيل. لقد جئت فقط لألقي التحية.”
اقتربت وقبّلته على خده كما اعتادت منذ طفولتها. أما ليسيا فاكتفت بمصافحته بقوة، وهو بدوره أوصاها أن تزوره لتتبارى معه في الرماية.
خرجت آرتيزيا وهي أكثر هدوءًا. لكن بافيل ظلّ قلقًا. لم يكن الأمر سهلًا عليه، خاصة بعدما رأى بنفسه التعقيدات التي طرأت منذ وصوله للعاصمة، وعلى رأسها رؤية كادريول يمارس مهامه الرسمية.
التعليقات لهذا الفصل " 84"