الفصل 23 :
كان فمي يدغدغني، فعضضتُ أسناني، ودفعتُ كتفي يولان بقوة.
“لا أحد؟ السيدة وخادمتي في الطابق السفلي بوضوح.”
لحُسن الحظ، لم يكن جادًا، فتراجع بسهولة.
بالطبع، تراجع جسده فقط، أما فمه فظل يتحرك بوقاحة.
“بهذا الحساب، في تلك الليلة كان هناك عشرات الرجال تحتنا.”
“لا تُنهِ جملةً واحدة..”
“لستُ معتادًا على الهزيمة. ستتفهمين، أليس كذلك يا دوقة؟”
كم كان وجهه المغرور مزعجًا.
شعرتُ بقشعريرةٍ، ففركتُ ذراعي دون سبب.
حركتُ مؤخرتي بعيدًا قليلاً لأخلق مسافةً مناسبة، ثم بدأتُ بالموضوع:
“أولاً، يجب أن نوضح شيئًا.”
أومأ يولان برأسه كأنه يقول “تكلمي” بنبرةٍ جدية.
بدت عيناه كأنه ينتظر أيِّ كلمةٍ غريبة ليستفزني.
سعلتُ لأطهر حلقي، ثم أعلنتُ:
“أقولها بوضوح: عرضي هذا فقط لإلغاء الخطبة، لا أفكار أخرى… فهمت؟”
“…آه، أي أنكِ ستستخدمين جسدي كأداةٍ بحتة؟”
ليس خطأ.
في علاقةٍ لهدفٍ فقط، الأجساد أدواتٌ لا أكثر ولا أقل.
لكن لم أتوقع أن يقولها بهذا الوضوح.
احمرّ وجهي من الخجل.
ضغطتُ خدّي بيدي لأهدئه، ثم قلتُ:
“كلمة أداةٍ قاسية، أممم، مساعدةٌ فقط. بحتة.”
“ما سنفعله ليس بحتًا جدًا.”
“إن كان يزعجكً، اعتبره متعةً باتفاق متبادل. استمتعتَ أنتَ أيضًا… أليس كذلك؟”
حاولتُ الوقاحة، لكنني تلعثمتُ لأنني غير معتادةٍ على هذا الكلام.
ضحك يولان كأنه وجد نقطة ضعف، وسأل:
“‘استمتعتَ’ ماذا؟”
“خ، خمن بنفسكً. لن أقوله حتى لو متّ.”
نظر إليّ بعينين ضيقتين، ثم ضحك بخفةٍ وأومأ.
“حسنًا. لا يمكنني رؤية أول زبونةٍ ثمينة تموت.”
كنتُ أهوي بمروحتي على وجهي المحمّر.
يجب أن أعيد الحديث إلى الرسمي لأنهي هذا الحرج.
بأكثر صوتٍ جامد، قلتُ:
“حرفٌ واحد مُحي، ومع ذلك لا نية لإلغاء الخطبة، فحتى لو مُحي حرفان، قد لا يتزحزح والدي.”
“…هممم.”
“لذا هذه المرة ليست طلبًا، بل أممم…”
فكرتُ في كلمةٍ مناسبة، ثم رفعتُ رأسي فجأةً.
وجدتُ كلمةً مثالية.
بابتسامةٍ راضية، قلتُ بسرعة:
“نعم، بحثٌ مشترك مارأيك؟ أنا أساعدك في بحثك.”
“بحثٌ مشترك؟ هاهاها…”
ضحك يولان بصوتٍ عالٍ كأنه سمع نكتة.
شعرتُ بالإحراج، فعبستُ وحدّقته.
لكنه لم يهتم، ونظر إليّ بعينين أكثر برودة:
“تعرفين أن ‘المساعدة’ التي تقصدينها لا تختلف عن التجارب على البشر؟”
“…يجب أن تقولها هكذا؟”
“لم أقل خطأ. إن كان مزعجًا، فهذا يعني أن عرضكِ سخيف.”
يولان مزعجٌ أحيانًا – بل كثيرًا – لكنه يبدو أكثر إزعاجًا عندما يقول الصواب.
لم أعرفه طويلاً، لكن كل لحظاته مجتمعةٌ أقل إزعاجًا منه الآن.
عضضتُ شفتي، وتذمرتُ داخليًا.
‘ليس كما في الرواية حيث تُمحى سنواتٌ من العمر، بل قد لا تُمحى، أليس ربحًا كاملاً؟’
بالنسبة لي التي استعدتُ للموت المبكر بعد كرهي لرايموند، هذا الأمل الضعيف ككرة ثلجٍ كبيرة.
لو أدى إلى إلغاء الخطبة، سأعطي 30 سنة بكل سرور.
بل سأعيش الحياة المتبقية سعيدةً وقوية، وأموت راضية.
‘سأشتري فيلا جميلة على شاطئ هادئ، وأعيش براحة… هممم، مهما فكرتُ، لا شيء سيء.’
بينما أغرق في التفكير، تعقدت نظرات يولان.
حاجباه يتحركان، يضيّق جبينه، يميل رأسه، كأنه يظن أنني لا أأخذ كلامه بجدية.
ربما لأنني صغيرةٌ جدًا لأفكر في الموت…
أدركتُ فجأةً أنني أصبحتُ بالغةً للتو.
مراقبة امرأةٍ تذبل يوماً بعد يوم بانتظار الموت، أو عمياء بحبٍ محموم، أمرٌ لا أريد تجربته مرتين.
كسر يولان الصمت بصوتٍ مُنخفض:
“تحبين ذلك الرجل إلى هذا الحد؟”
“…ماذا؟”
كنتُ أتخيل شرب شامبانيا مثلجة في فيلا على الشاطئ مع دعوة بريما دونا العاصمة، فرجعتُ للواقع مذهولة.
لم أفهم السؤال فورًا.
“ذلك الرجل؟ تحبينه؟ ما هذا الكلام؟”
عبستُ أعيد السؤال، ثم أدركتُ:
‘آه صح. أنا الآن في دور الحب النقي الذي يضحي بحياته لإلغاء خطبة حبيبه. نسيتُ لأنه لم يكن هناك الكثير لقوله.’
نسيتُ تمامًا، فاحمرّ وجهي من الإحراج.
بالنسبة ليولان، بدا كأنني أحمرّ لتذكر حبيبي، رد فعلٍّ مثالي.
خفضتُ عينيّ خوفًا من الشك، وقلتُ:
“محرجٌ قول هذا لشخصٍ غريب…”
“رايموند فقط، أووك، أحبه، لكن مهما كان!”
بخلاف راحتي، بدا يولان أكثر ضيقًا.
لو رأيتُ امرأةً تتخلى عن مستقبلها لحبيبها، لضربتُ صدري ومنعتُها.
غريب أن يظهر هذا الجانب الإنساني منه بعد أن بدا مجنونًا باردًا.
مهما كان، إن لم يقبل يولان، لا حل.
راقبته بحذر.
ولم يفوته ذلك.
أغلق عينيه، وتنهد تنهيدًا عاليًا كأنه يريد أن أسمع.
“…حسنًا، إن كانت الدوقة مستعدة، فهذا جيدٌ لي. يمكنني تجربة الكثير على جسدكِ دون تردد.”
كأن ما سنفعله شيءٌ لا أتخيله، رغم أننا فعلناه مرة.
عقلي يقول إن “التجارب” لن تختلف عن المرة السابقة، لكن قلبي مضطرب.
لم أفهم قلقي، عندها أمسك يولان طرف شعري برفق.
شعرتُ بشدٍّ خفيف، وقشعريرةٍ صغيرة.
ازداد التوتر، ثم:
“دوقة، انزلي.”
دق – انهار.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 23"