حاسوب، مكتب، سرير، رف كتب، ورق جدران… كل شيء بدا مألوفًا بشكلٍ غريب.
هذا المكان هو كوريا.
كان يوم “أنا” رتيبًا ومتراخيًا. أشعلتُ الحاسوب، لعبتُ طوال اليوم، ضحكتُ بنوباتٍ هستيرية، ثم فجأة بكيتُ وتسللتُ إلى السرير.
اخترتُ أوقات النهار حين يخلو البيت لأنزل بحذرٍ إلى الطابق الأول، آخذ ما تيسر من طعامٍ من الثلاجة، وإن كان هناك أحد، انزويتُ في غرفتي.
كنتُ “أنا” أبكي بنوباتٍ، أضحك، أغضب، وأتألم باندفاع. انتقلت تلك المشاعر كلها إلى سينفينا دون رحمة.
شعرت سينفينا، وهي تشاهد يوم “أنا”، كأنها تغرق في خزانٍ يمتلئ بالماء شيئًا فشيئًا.
تمنت لو تعود بسرعة إلى حيث كانت.
من يطرق الباب من الخارج ويصب الشتائم على “أنا” كان تارةً عجوزًا وتارةً رجلاً مسنًا.
عند كل شتيمة، كنتُ أرتجف وأغطي نفسي بالبطانية.
“تلك العاهرة التي ولدتكِ تطلب المال مجددًا بلا خجل! اذهبي إليها وارحلي معها!”
“أمكِ التي أفسدت نفسها وأصبحت عاهرة، وأنتِ المجنونة، تشبهان بعضكما كقطرتي ماء!”
من خلال الشتائم المتناثرة وذكريات “أنا” المتقطعة، استطاعت سينفينا أن تستشف وضعها تقريبًا.
كانت أم “أنا” أمًا عزباء، أنجبت “أنا” وتركتها لأجدادها ثم هربت، تظهر أحيانًا لتطلب المال ثم تختفي.
من ملامح “أنا”، بدا أن والدها غربي، وهو ما يبدو أنه كان لأجدادها عارًا ووصمةً تضاعف شعورهم بالدنس.
لم يستطيعوا التخلص منها خوفًا من الفضيحة، ولم يريدوا منحها مالًا لتعيش بمفردها خشية أن تسبب المزيد من العار.
فكانوا يسبونها ويأمرونها بالرحيل، لكنهم في الحقيقة يحتجزونها ويراقبونها، ويفرغون ضغوطهم أحيانًا بالصراخ والشتائم.
اعتبرت “أنا” ذلك نعمةً نسبية. فمنذ أن ركلوها في طفولتها حتى كادت أحشاؤها تتمزق، أصبحوا يتجنبون العنف الجسدي خوفًا من عيون الناس إن اضطروا لأخذها إلى المستشفى.
ولم يكن لـ”أنا” نيةٌ للخروج بمحض إرادتها على أي حال.
كانت “أنا” تجاهد لاستخلاص لحظات “لا بأس” من وسط هذا اليوم المروع، وتكرر ذلك بلا كلل.
أحبت الخيال، والقصص المتخيلة. الألعاب، الأفلام، المسلسلات، الكتب، كل ما يفيض في العالم من إبداعات كان يثري “أنا”.
عندما تنفد تلك اللحظات “اللا بأس”، تعود للبكاء بلا توقف. هكذا كان يوم “أنا”.
امتصت سينفينا يوم “أنا” بلا اختيار، وشعرت بألمٍ كأن الخزان قد امتلأ تمامًا بالماء.
كانت تعلم، لكنها أرادت التجاهل. كل شيء يشير إلى حقيقةٍ واحدة، لكنها رفضت قبولها حتى وصلت إلى حافة الانهيار.
أرادت أن تتجاهل أن كل ما تراه هو يوم “كيم سينا”.
أمسكت سينفينا صدرها وهي تشعر بالدوار والغثيان.
رغم أنها ليست في جسدها المادي، تصرفت بغريزةٍ كهذه دون وعي.
في تلك اللحظة، وبشكلٍ عجيب، شعرت بقلادة الحراشف التي أعطاها إياها ألفينانس بين يديها.
التعليقات لهذا الفصل " 45"