الفصل 43

 

 

 

<– سجل هلاكٍ شخص ما ¹ –>  

 

“آه…”  

 

ما إن فتحت عينيها حتى وجدت جسدها جالسًا على عشبٍ ناعم. كان جين إلى جانبها مباشرة.  

 

نظرت سينفينا حولها

.  

كانت ألوان الأشجار التي تعرفها مختلفةً، مظلمةً، لكن شكلها يشبه ما قد تجده داخل جذع شجرةٍ ضخمة.  

 

“انتقالٌ آني…؟”  

 

[ليس بالضبط. كل الفضاءات متصلةٌ هنا دون أن تُرى بالعين. ألم تشاهدي ذلك في وادي الوهم؟]  

 

“!؟”  

 

انتفضت سينفينا مندهشةً ونظرت إلى الأمام.  

 

كان هناك كيانٌ أنثويٌ ضخمٌ بلونٍ أزرقٍ داكن، يبتسم وينظر إليها من الأعلى.  

 

كانت تلك ملكة الأرواح ، التي واجهتها سينفينا مراتٍ عدة كالزعيم النهائي في اللعبة.  

 

“أ… أيتها الملكة الارواح ، شكرًا لقبولكِ التفاوض. ألتقيكِ لأول مرة.”  

 

“لا تؤاخذيني، أيتها الملكة الأرواح .”  

 

[أشكركما على المجيء، يا وريث قبيلة الوحوش. كما أردتُ أنا أيضًا رؤيتكِ بنفسي، يا ابنة النجوم.]  

 

اتسعت عينا سينفينا لتغير لقبها الذي كانت تطلقه عليهم حتى الآن، من “أبناء البشر” إلى شيءٍ آخر.  

 

 

كلمة “النجوم” كانت تشير إلى شيءٍ واحدٍ فقط حتى الآن.  

 

 

――دعوةٌ نحو النجوم.  

 

 

وكذلك، من جاء من عالم النجوم.  

 

“هل يعني هذا أنني…”  

 

 

[ههه، يا لكِ من طفلةٍ بطيئة الفهم. لقد التقينا من قبل مرتين على حافة الوعي. أتتذكرين؟]  

 

――أيتها الحاملة لفتيل الوهم، ما اسمكِ؟  

 

في كل مرةٍ كانت سينفينا تفقد وعيها تمامًا، كانت تسمع ذلك الصوت. في ظلمة الأزل، في هاوية العدم.  

 

“كان ذلك صوتكِ دائمًا، يسأل عن اسمي…”

 

  

[نعم. كان ‘وادي الوهم’ في الماضي منطقةً تابعةً للأرواح. وزهرة زنبق الوهم متصلةٌ بي في جذورها. لذلك علمتُ بوجودكِ.]  

 

نظر جين، الذي لم يفهم حديثهما، إلى الملكة الارواح بعينين خضراوين متوهجتين.  

 

 

 

“هل هذا حديثٌ قد يؤذي سينفينا ؟”  

 

[لا. كنتُ أريد التأكد من شيءٍ ما، لكن الآن بعد أن رأيتُ وجهها، انتهى الأمر. سينفينا كروميل، لن أحفر أكثر في أمركِ، فلا تجعلي وجهكِ شاحبًا هكذا.]  

 

كان ذلك خبرًا سارًا لسينفينا ، التي كانت قلقةً منذ البداية من كلام “عدو العالم”.  

 

 

لقد أكدت الملكة الارواح أنها تعرف هويتها كقادمةٍ من عالم النجوم، لكنها لن تتعمق أكثر.  

 

أومأت سينفينا برأسها وعدَّلت جلستها.  

 

 

[لا أريد أن أرى ذلك الساحر المجنون يحرق أرضنا، لذا دعينا ندخل في صلب الموضوع لتوفير الوقت، يا ابنة النجوم.]  

 

“نعم، نعم!”  

 

 

[باختصار، العودة السابقة إلى الماضي لم أتسبب بها أنا.]  

 

أطلقت سينفينا زفرةً بطيئة. كانت تأمل في ذلك سرًا، والآن تأكدت منه.  

 

 

“لكنكِ تتذكرين العالم قبل العودة، أليس كذلك؟”  

 

[نعم. أنا أيضًا كائنٌ مساوٍ لألفينانس.]  

 

 

ألفينانس من جانب البشر، وملكة الأرواح من جانب الأرواح الشيطانية.  

 

 

فكرت سينفينا أن موازنة السلطة بين السلالات ربما تكون من ذوق حاكم هذا العالم.  

 

“لكنكِ تجمعين شظايا الأمنيات، أليس كذلك؟ … هل يمكنني أن أسأل لماذا؟”  

 

 

[ههه… هل تتذكرين ما قلته لـ لومينس هالديرف منذ قليل، أنني ‘ضعفتُ’؟]  

 

أومأت رأسها. كانت الملكة الارواح قد قالت إن لومينس يمكنه القضاء عليها الآن بسهولة لضعفها.  

 

 

[ذلك لأنني استيقظتُ بعد نومٍ طويل… بعد حوالي 200 عام.]  

 

“200 عام…؟”  

 

 

[نعم. في ذلك الوقت الذي استنزفت فيه المانا الطبيعية. ومنذ أن عُقدت معاهدة عدم الاعتداء بين الأرواح والبشر.]  

 

أعلنت الملكة الارواح ذات الجسد الأزرق الضخم بتعابير وجهٍ لا يمكن قراءتها. 

 

 

[الأرواح، مثل قبيلة الوحوش، تتدحرج نحو هاوية الانقراض.]  

 

في المنطقة الحدودية بين البشر والأرواح ، حيث تلاشى الضباب الرمادي، وقف الثلاثة لفترةٍ في صمت.  

 

 

 

كان لومينس ويوغو متوترين، لكن بطرقٍ مختلفة. يوغو كان يركز حواسه الحادة لمراقبة المنطقة، بينما لومينس بدا كقنبلةٍ قد تنفجر عند أدنى استفزاز.  

 

نظرت فيلكينا إلى لومينس بحذرٍ لبضع لحظات، ثم استدارت نحو يوغو.

 

 

“يوغو، هل يمكنني أن أسألك شيئًا؟”  

 

“ما هو؟”  

 

 

“ما فعلته منذ قليل، منح سينفينا سلطة التفاوض. ألن يوبخك القصر الملكي لاحقًا بسبب قرارك المتسرع؟”  

 

“ما الذي تعتقدينني إياه؟” 

 

 

“لكنه قرارٌ يحدد مصير المملكة. ألا تخشى أن يترتب على ترك سينفينا ، التي لا تملك لقبًا، اتخاذ القرار عواقب سيئة؟”  

 

أجاب يوغو ببطء دون أن يخفف من يقظته.

  

 

“بصراحة، من وجهة نظر مملكة فينس، مهما كانت الاحتمالات، لا سبيل لخسارتنا الحرب.”  

 

“حقًا؟ لكن عندما اخترقت الأرواح الشيطانية المركز، كان الجميع في حالة فوضى، حتى لومينس لم يتمكن من العودة لإعداد الدفاعات. ومع ذلك تثق بفوزك في الحرب؟”  

 

“هذا أمرٌ مختلف. نحن نتحدث عن الحذر من هجومٍ إرهابي صغير الحجم، خوفًا من اغتيال شخصياتٍ بارزة مثل الملكة .”  

 

“إذن، إذا تمكنا من منع الإرهاب الصغير، فالحرب واسعة النطاق مضمونة النصر؟”  

 

 

“نعم.”  

 

رسم قوسًا بسيفه وتابع.

 

 

“التحقيقات الدورية كشفت بالفعل عن كل قوتهم. الأرواح الشيطانية ضعفت في أعدادها وتنظيمها وقوتها، وليس لديها أي فرصة للتغلب على مملكة فينس.”  

 

“لم أكن أعلم أن الأمر بهذا الحد…”  

 

 

“لكن بالنظر إلى قوة اللعنات التي يمتلكونها، إذا قاوموا بكل ما لديهم، فليس من الصعب تخيل عدد الضحايا الهائل الذي سيترتب على ذلك. ليس فقط من البشر، بل سيعني ذلك أيضًا فناء سلالة الأرواح الشيطانية.”  

 

أومأت فيلكينا برأسها قليلاً وهي تنظر إلى الأرض الملطخة بدماءٍ سوداء.

 

 

“كان تفكير عائلة فينس الملكية لتجنب الحرب يعتمد على أن نحن، النخبة القليلة، نقضي على ملكة الأرواح بأسرع ما يمكن. هكذا يمكننا إخماد الأمر قبل أن يتحول إلى حرب. لكن حتى بهذا الأسلوب، ستنتهي سلالة الأرواح الشيطانية في النهاية.”  

 

“…”  

 

 

“لذا، سواء نجحت مغامرة سينفينا أم لا، فالنتيجة واحدة بالنسبة لمملكة فينس.”  

 

“أمرٌ مدهش حقًا، لكن ولي العهد كالت متأنٍ جدًا. لقد فوضك بالسلطة لأنه لا يهتم بنتيجة أي من الاحتمالين.”  

 

“حسنًا، هذا صحيح إلى حدٍ ما. لكنني أعتقد أن أخي الأكبر كان يتوقع هذا الوضع إلى حدٍ ما.”  

 

 

“تقصد أن سينفينا ستطلب التفاوض؟”  

 

“ليس بهذا التحديد، لكن كان يرى أن سينفينا كروميل قد تجد طريقًا جديدًا.”  

 

في تلك اللحظة، استدار لومينس ببطء لينظر إلى الاثنين أثناء حديثهما.  

 

 

لم يتفاعل يوغو سوى بعبوسٍ طفيف، ونظر إلى أفق الأرض قاحلة. 

 

“قال أخي إن أقوى قوةٍ يملكها الإنسان هي القدرة على تحريك الآخرين. وسينفينا كروميل تمتلك تلك القوة دون أن تدرك ذلك.”  

 

“أظنني أتفق مع ذلك إلى حدٍ ما…”  

 

 

 

“ورغم أنه يكره اللايقين، فقد قال شيئًا غامضًا جدًا: أريد أن أثق بالطريق الذي ستختاره. هذا كل شيء، ولم يأمرني صراحةً بدعمها بسلطة عائلة فينانس.”  

 

“لكن ربما لو كان ولي العهد كالت هنا، لقبل شروط التفاوض كما هي.”  

 

 

“أتفق معك.”  

 

نظر يوغو إلى لومينس، الذي كان يحدق به بعينين تبدوان فارغتين، بنبرةٍ لاذعة.

 

  

“لكن يبدو أنك أنت من لا يثق بسينفينا كروميل، أليس كذلك، لومينس هالدرف؟”  

 

“…”  

 

 

بدلاً من أن يرد على الاستفزاز كعادته، هز لومينس رأسه ببطء:. 

 

 

“لا، أثق بسينفينا في كل الأوقات. ما لا أثق به هو…”  

 

تمتم بنبرةٍ كزفرة:  

 

 

“حاكم وهذا العالم.”  

 

――الأرواح، مثل قبيلة الوحوش، تتدحرج نحو هاوية الانقراض. 

 

 

ما إن دوَّت كلمات الملكة الارواح الصادمة حتى تفاعل جين أولاً بنبرةٍ غاضب.  

 

“ما معنى ذلك، أيتها الملكة الارواح ؟” 

 

 

[أيها الناجي الوحيد من قبيلة الوحوش، اخترتك مع سينفينا كروميل لأنك تمتلك قوةً توازيني، ولكن أيضًا لأنني أعتقد أن لك الحق في سماع هذا.]  

 

“ماذا…؟”  

 

 

[قد تطول القصة قليلاً، فهل ستستمعان؟ عن ماضيَّ الاحمق، وعن كيفية انقراض قبيلة الوحوش.]  

 

نظرت سينفينا إلى جين. كان يحدق بالملكة الارواح بعينين خضراوين متوهجتين دون أن يرف له جفن.  

 

 

 

“تحدثي، أيتها الملكة الارواح . هل هذا هو سبب سعيكِ لشظايا الأمنيات؟”  

 

“سأستمع أيضًا بكل التفاصيل.”  

 

[حسنًا.]  

 

خدشت الملكة الأرواح الجدار بأظافرها، فانتشر السواد في كل الاتجاهات بسرعة. 

 

غطت الظلمة المكان دون أن تترك أثرًا لضوء.  

 

 

ومع ذلك، كان وجودهم لبعضهم واضحًا بشكلٍ غريب في تلك الظلمة اللامتناهية. 

 

ربتت سينفينا بحذرٍ على لبدة جين.  

 

[قبل أكثر من 200 عام بقليل، كان ملك فينس آنذاك يشك في ‘شظايا الأمنيات’.]  

 

 

“يشك؟”  

 

[كانت تُورث في العائلة الملكية جيلاً بعد جيل، لكن لم يكن هناك سجلٌ يثبت أنها فعَّالة. لذا بدأ يتساءل عما إذا كان هناك قوة.]  

 

 

“حتى مع وجود ألفينانس؟”  

 

[في ذلك الوقت، كان ألفينانس قد اختفى عن البشر لمدةٍ طويلة. كانت السجلات موجودة، لكن الزمن كان كافيًا ليعتقدوا أنها مجرد أوهام أو خيالات. لذا قرر ملك فينس إجراء تجربة لمعرفة إن كانت ‘دعوة نحو النجوم’ فعلاً لها قدرة.]  

 

تناثرت حبات الضوء عبر الظلمة كما لو كانت درب التبانة. 

 

 

“ووافق حاكم على استخدام ‘دعوة نحو النجوم’، أليس كذلك؟”  

 

[نعم. لا أعلم إن كان ذلك عقابًا لعدم تصديق البشر لقدرته، أم مجرد نزوةٍ عابرة كعادته. لكنني أعتقد أنها كانت نزوة.]  

 

 

“لماذا؟”  

 

[لأن الإنسان الذي جاء من عالم النجوم هبط في منطقة الأرواح، وليس في منطقة البشر التي تمتلك ‘دعوة نحو النجوم’.]  

 

في تلك الظلمة الغريبة التي يمكن فيها تمييز الآخرين بوضوح، نظرت سينفينا إلى وجه الملكة الارواح . بدا وكأنه يحمل شوقًا عميقًا، أو ألمًا مريرًا.  

 

 

[كان صبيًا. صبيٌ نحيفٌ بدا كما لو جاع لأيام. عندما أحضرته الأرواح إليّ، علمتُ فورًا أنه ليس بشريًا عاديًا. وجدتُ الأمر مثيرًا للاهتمام، فقررتُ تربيته.]  

 

حركت سينفينا شفتيها. هل كان مثلها، قادمًا من الأرض؟ هل كان كوريًا مثلها؟  

 

 

لكن مصير ذلك الصبي، الذي يشاركها الظروف ذاتها، كان محكومًا بالمأساة منذ البداية.  

 

[وكان ذلك خطأي.]  

 

 

“هل فعل شيئًا سيئًا؟ سمعتُ أن البشر من عالم النجوم يمتلكون قوةً هائلة.”  

 

[لا. كان أضعف من البشر العاديين… في البداية على الأقل.]  

 

 

“؟”  

 

[أنتِ تعلمين أن البشر من عالم النجوم يتجاهلون السببية وقوانين هذا العالم بطبيعتهم.]  

 

 

“نعم، قيل إن قوانين وسببية هذا العالم لا تنطبق عليهم.”  

 

[وهذا يعني أن ذلك الصبي من عالم النجوم قد يكون له تأثيرٌ مدمرٌ على هذا العالم.]  

 

 

مدت الملكة الارواح يدها وجمعت حبات الضوء المنثورة في الظلمة بين أصابعها.  

 

[كان الصبي بمجرد وجوده يمتص كل المانا الطبيعية في قارة أرانداست إلى جسده. كل الأنظمة التي تم وضعها للحفاظ على التوازن رأت أنه تهديدٌ للعالم――]  

 

 

ما إن أطبقت قبضتها حتى تلاشت بقايا الضوء في لحظة.  

 

[وحكم عليه بأنه خطأٌ يجب القضاء عليه.]  

 

 

عدو العالم.  

 

 

رددت سينفينا تلك الكلمة التي تعرفها في ذهنها بصمت.