الفصل 76
بل على العكس، تسربت ضحكة خافتة من شفتيه دون أن يدرك صاحبها.
يبدو أن الصوت كان مرتفعًا بعض الشيء.
“…صاحب السمو؟”
التفتت عينا دافني المستديرتان نحوه.
فأخفى لوسيل تعابيره ببراعة حتى لا تشعر دافني بالحرج.
“أوه، منذ متى وأنت هناك…؟”
“وصلت للتو.”
أجاب لوسيل بابتسامة لطيفة.
وجه خالٍ من أي ذرة كذب. تنفست دافني الصعداء بهدوء كما لو شعرت بالارتياح.
“هل انتهى حديثكِ؟”
“نعم. شكرًا لك على ترك المكان لي، صاحب السمو. وللمساعدة التي قدمتها للتو أيضًا.”
ابتسم لوسيل بجمال وقال إنه سعيد إذا كان قد ساعد.
“لكن، صاحب السمو، ما الذي جاء بك إلى الأكاديمية؟”
“آه، كان لدي أمر صغير بسبب السحرة. التقينا صدفة، وأنا سعيد حقًا أن شيئًا مروعًا لم يحدث.”
بالطبع، كان قد أجبر السحرة المرهقين على المجيء ليجعل الأمر يبدو كصدفة.
ابتسم لوسيل بلطف وهو يخفي نواياه الحقيقية وقال:
“هل ستعودين الآن إلى منزلكِ، سيدتي ؟”
“لا. أنوي الذهاب إلى حقل الأعشاب. يبدو أن غايل يساعد في تحويل جزء منه إلى ممشى.”
“فهمت.”
أومأ لوسيل برأسه، واستقرت عيناه على دافني وهي تخفي الأوراق في صدرها.
على عكس المعتاد، لم يكن يرتدي قفازات.
“يبدو أن وجهتنا واحدة.”
تحدث لوسيل عن مصادفة أخرى ومد يده نحوها.
“إذا كان ذلك لا يزعجكِ، هل ترافقينني؟”
مُدت يد بيضاء كبيرة بلا قفازات نحوها.
***
تحركت العربة إلى الأمام مع صوت ارتطام خفيف.
بفضل السحر المطبق عليها، كانت الاهتزازات أقل من تلك في العربات العادية.
كان بإمكانها أن تفتخر بأنها أفضل من العربات التي تستخدمها العائلة الإمبراطورية.
لكن تعبير لوسيل كان متصلبًا بشكل غريب.
كانت عيناه مثبتتين على يده العارية بدون قفازات.
على عكس المعتاد، اليوم، أمسك يدها لفترة أطول بحجة مرافقتها.
كانت دافني تستخدم أداة سحرية صنعها هو، ولم تكن ترتدي قفازات.
لم يكن مبالغة أن نقول إنها مليئة بآثاره، لذا اعتقد أنه سيشعر بها بوضوح اليوم.
ما الذي تفكر فيه. ولماذا يشعر بهذه المشاعر، كل شيء.
لكن في اللحظة التي أمسك فيها يد دافني،
اختفت كل الشكوك التي كانت تملأ رأسه في لحظة.
لا، بل أصبحت أكثر وضوحًا ونقاءً.
شعر كما لو أن الطنين والألم الخفيف الذي كان يزعج أعصابه اختفى فجأة.
كان شعورًا مشابهًا لما شعر به عندما شرب الدواء الذي أعطته إياه دافني.
في تلك اللحظة، توقف لوسيل، ناسيًا حتى أنه يجب أن يرافقها.
‘هل هذا ممكن؟’
حتى لو لم يشعر بمشاعرها، كيف يمكن أن يصبح ذهنه صافيًا بهذا الشكل؟
‘هذا لا يعقل.’
فكر لوسيل أنه يجب أن يكتشف ما يحدث بالضبط.
‘لكن للقيام بذلك، أحتاج إلى قضاء وقت أطول معها…’
للأسف، كانت دافني مشغولة بأمور عديدة.
كان بإمكانه إيقافها بطرق معينة، لكنه لم يكن يرغب في عرقلتها إلى هذا الحد.
بينما كان لوسيل يفكر في حل ويعبس،
“صاحب السمو؟”
نادته دافني بهدوء. عندها فقط استيقظ لوسيل من أفكاره.
كانا يركبان العربة معًا متجهين إلى حقل الأعشاب.
لكن منذ أن صعدا العربة، ظل لوسيل صامتًا، مما جعل دافني تشعر بالحيرة حتمًا.
“هل هناك مشكلة أخرى…؟”
“لا، سيدتي . فقط للحظة…”
كنتُ أفكر في شيء آخر.
كان لوسيل على وشك قول ذلك، لكن شفتيه توقفتا فجأة.
ثم ابتسم بصعوبة وقال:
“أعتذر، يبدو أنني أعاني من دوار الحركة عند ركوب العربة…”
“هل تشعر بالغثيان؟”
فورًا، امتلأت عينا دافني بالقلق.
“نعم، دوار الحركة شديد…”
أومأ لوسيل برأسه بسرعة.
كان ركوب العربة التي لا يستخدمها كثيرًا معها جزءًا من خطته، لكن لم يكن هناك طريقة لتكتشف دافني ذلك.
لذا قرر لوسيل أن يوجه الموقف لصالحه قدر الإمكان.
“هل تشعر بتوعك شديد؟ إذا شعرت بالغثيان، يمكننا إيقاف العربة للحظة…”
“لا، ليس ذلك، بل…”
خفض لوسيل حاجبيه وقال:
“رأسي… يدور قليلاً…”
“رأسك؟”
“نعم، أشعر بحمى خفيفة… أخ.”
أمسك لوسيل رأسه وأطلق أنينًا مليئًا بالألم.
عندما يكون هناك شخص مريض أمامك، فإن ما يجب فعله واضح.
“صاحب السمو!”
كما هو متوقع، نهضت دافني المذعورة بسرعة وجلست بجانبه.
“هل أنت بخير؟ كيف رأسك… لا، أولاً، سأتفقدك، معذرة.”
هبطت يد دافني الدافئة على جبهته البيضاء المستقيمة.
فاختفى الطنين والألم المألوفان له مرة أخرى في لحظة.
لم يكن ذلك وهمًا. كان مختلفًا عن المعتاد.
عندما تلامسه، تختفي كل الأشياء التي تحيط به.
مع زوال الألم، دفعته رغبة أولية بشكل طبيعي.
“هل أنت بخير؟ وجهك محمر، دعني أتحقق من حالتك للحظة…”
“ابقي هكذا …”
“ماذا؟”
” ايضا…”
تمتم لوسيل بصوت حالم وهو يفرك جبهته بيد دافني.
“يحدث هذا أحيانًا. يكفي أن أبقى هكذا…”
ربما كان يبدو الآن كشخص مريض يتصرف بطريقة طفولية دون وعي بسبب الألم.
المظهر الشاحب والبائس يثير تعاطف الناس بسهولة. ومع إضافة مظهره الخاص، كان التأثير مضاعفًا بلا شك.
“إذا كان الأمر كذلك…”
وكما هو متوقع، لم تستطع دافني دفع شخص مثله بعيدًا بسهولة. سحبت يدها ببطء، التي كانت تنوي فحص حالته بها.
إذا كان الشخص المريض يريد البقاء هكذا، فإن إراحته تأتي قبل أي فحص غير ضروري.
كم مضى من الوقت على هذا الحال؟
“صاحب السمو، لدي سؤال.”
“نعم.”
“…هل تعاني من هذا المرض كثيرًا؟”
بعد لحظة، سألت دافني بحذر.
كان هناك قلق في صوتها. ابتسم لوسيل بخفة وهز رأسه كما لو لم يكن الأمر كبيرًا.
“نادرًا جدًا. حقًا نادرًا.”
على الرغم من حيله العديدة حتى الآن، كان هذا كذبًا صريحًا.
فقد كان يعاني باستمرار من الألم بسبب القوة السحرية التي تدور في جسده.
بالطبع، حتى ذلك الألم أصبح مألوفًا له لدرجة أنه لم يعد يؤثر عليه.
في تلك اللحظة، عبست دافني قليلاً.
“إذن، هل ذلك الكلام صحيح أيضًا؟”
“أي…”
“…قلتَ إنه عندما يحدث خلل في الأداة السحرية، يشعر السحرة بنفس الألم، أليس كذلك؟”
يبدو أنها لم تنسَ الكلمات التي قالها لتخويف جايد.
لقد اتفقا على الشراكة.
لذا، إذا قال إن البائع يتحمل مخاطر أي مشكلة في المنتج، فمن الطبيعي أن تقلق كشريكة له.
ابتسم لوسيل بلطف ليطمئنها وقال:
“لا داعي للقلق بشأن ذلك. إنه أمر نادر جدًا، وحتى لو حدث، فهذا القدر لا يعني شيئًا…”
“صاحب السمو.”
في تلك اللحظة، قاطعته دافني بحزم.
فتح لوسيل عينيه مجددًا بعد توقفه ونظر إليها.
كانت تعبس بوجه جاد. للحظة، شعر لوسيل بالارتباك.
‘هل قلت شيئًا خاطئًا؟’
لكن قوله إنه لن يحدث شيء كان صحيحًا.
ظهر الارتباك على وجه لوسيل نادرًا. رمش بعينيه وحاول التفكير فيما يقوله.
عندها سألت دافني وهي تضيق حاجبيها.
“قلتَ إنك تشعر بالألم، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“وهذا… ينطبق عليك أيضًا، صاحب السمو، صحيح؟”
“….”
“لكنك تقول إنه لا يهمك؟ كيف…”
توقفت دافني عن الكلام وأغلقت فمها.
كانت تبدو غاضبة ومتضايقة في الوقت ذاته.
كان هذا رد فعل لا يمكن للوسيل فهمه.
‘لماذا؟’
لماذا تتفاعل بهذا الشكل؟
الألم ملكي، ولن يؤثر عليكِ بأي شكل، فلماذا…
‘آه.’
ظهر الإدراك في عيني لوسيل متأخرًا.
سبب تعبيرها هذا.
كانت دافني تظهر قلقًا حقيقيًا تجاهه.
كان عليه أن يبتسم بلطف كالعادة ويطمئنها…
“….”
لكن، لسبب غريب، لم يستطع فتح فمه.
بسبب ذكرى عادت إليه فجأة.
***
في طفولته المتقطعة التي تتذكرها بشكل غامض، لم يستطع لوسيل الخروج خطوة واحدة من المعبد الذي ذهب إليه باسم العلاج.
بل، حتى لو استطاع الخروج، لما كان هناك شيء يمكنه فعله.
فقد كان لا يرى جيدًا بسبب القوة السحرية التي كانت تقيد جسده.
لكن ذلك اليوم ظل محفورًا في ذاكرته بوضوح.
كان ذلك بسبب أصوات الكهنة المشغولين يوميًا بتحضيرات الحدث التي كانت تصله.
بعد فترة، عندما هدأت الأصوات حوله، فتح لوسيل عينيه ببطء. كان ضوء الشمس يتسرب بشكل خافت من خلال القضبان.
‘آه، إنه ساطع.’
في رؤيته المغشاة كما لو كانت مغطاة بالضباب، فكر لوسيل الصغير في ذلك ببلاهة.
لكنه كان يعلم أن هذا لن يدوم طويلًا.
بينما كان يهم بإغلاق عينيه مجددًا، متخليًا عن استسلامه المألوف،
“أيـ، أين هذا المكان…؟”
سمع صوتًا طفوليًا مرتعبًا.
“جـ، جدي… خالي…”
كان هذا الصوت مختلفًا عن الأصوات المليئة بالطمع التي اعتاد سماعها. ولهذا السبب، كان كافيًا لجذب اهتمام لوسيل.
“ما هذا؟ قبو؟”
رفع لوسيل رأسه تتبعًا للصوت الذي كان يقترب.
“أوه…؟ إنـ، إنه شخص!”
ثم سمع صوتًا مندهشًا بشدة.
ندم لوسيل على رفع رأسه.
تساءل عما إذا كان قد أخاف ذلك الشخص بمظهره الشبيه بالوحش.
لكن،
“لماذا أنت هناك؟ هل أنت مريض؟”
كان هناك دفء في الصوت الذي عاد إليه.
كلمات لم يسمعها من أحد، حتى من عائلته. رفع لوسيل رأسه مجددًا.
رؤية ضبابية، قضبان تحجب الخارج، ضوء يتدفق عكسيًا، كل شيء كان غير واضح…
لكن تلك النظرات القلقة بقيت محفورة بوضوح في ذاكرته.
بالطبع، بعد ذلك، شعر بالألم مجددًا، فاعتبرها حلمًا ونسيها.
لكن، لماذا؟
بدت تلك الرؤية من حلمه تتداخل مع دافني التي أمامه الآن.
التعليقات