ادّعى لوسيل أنّه قويّ تحمل، لكنّ الحمل المفاجئ كان أمرًا غير متوقّع على أيّ حال.
من الطّبيعيّ أن تنقلب دار دوقيّة بيريجرين رأسًا على عقب.
قفز سيان حاملًا لورينا وصرخ.
«كـ، كيف حدث هذا…!»
«منذ متى…! لا، قبل ذلك، هـ، هـ، هل لم تفعلا شيئًا؟»
«ماذا تعني بـ”لم تفعلا شيئًا”، إرمانو؟»
«لا أعرف أنا أيضًا، جولي… على كلّ حال، يبدو أنّ أختي حامل.»
«أليس هذا أمرًا سعيدًا؟ لكن لماذا يتصرّف الكبار هكذا؟»
«من يدري…؟»
في خضمّ الفوضى التي يقول فيها كلٌّ ما يريد،
نهض الدّوق بيريجرين السّابق الّذي ظلّ صامتًا طوال الوقت.
‘يا للأمر الجلل!’
ابتلع الخادم الرّئيسيّ في قصر بيريجرين ريقه وهو يراقب المشهد بهدوء.
لم يكن سوى أنّهما لم يُقيما الحفل بعد، لكنّ دافني ولوسيل كانا في علاقة خطبة ضمنيّة.
كانا يكرّران أنّهما لا يعترفان بها، لكنّ الدّوق السّابق و لیاس لم ينفياها نفيًا تامًّا.
لكن الحمل قبل إقامة الحفل؟ كان موقفًا يجعل العين تنقلب من الغضب كعضو في العائلة.
وفيما كان الخادم يفكّر جدّيًّا في استدعاء من يهدّئهم،
«لديّ شيء أريد أن أريكم إيّاه.»
كانت دافني أوّل من تكلّمت بعد أن أعلنت خبر الحمل ولم تنطق بكلمة بعده.
«لوسيل.»
«نعم.»
عند نداء خفيف، ناولها لوسيل ما كان يحتفظ به بعناية في صدره. كانا ورقتا برديّ ملفوفتان.
«جهّزتهما تحسبًا لأيّ طارئ.»
قالت دافني وهي تفكّ الورق.
«عندما يولد الطّفل، ربّما يكون شكله هكذا.»
«…»
توقّف الدّوق بيريجرين عند هذه الكلمات. سقطت عيناه على الورق الموضوع على الطّاولة.
كان على الورق رسمٌ لطفلٍ ذي شعر ورديّ وعينين حمراوين.
عينان متضايقتان قليلًا، وخدّان ممتلئان. شفتان بارزتان كالبطّة تمامًا كما كانت دافني في طفولتها.
كأنّه نسخة ذكريّة من دافني لو وُلدت ولدًا…
«لقد لجأتِ إلى الحيلة، يا دافني.»
توقّفت أفكار الدّوق السّابق، ففتح لياس فمه هذه المرّة.
«لو ظننتِ أنّ بإمكانكِ تفادي الغضب برسوم، فهذا خطأ فادح…»
قبل أن يكمل كلامه، فكّت دافني الورقة الأخرى التي لم تُفتح بعد.
هذه المرّة كان طفلة بشعر ورديّ وعينين خضراوين، تضفّر شعرها من الجانبين بأناقة، تبتسم ابتسامة لطيفة وهي تنظر إلى الأمام.
عيناها المائلتان قليلًا تشبهان لوسيل، لكنّ طريقة ارتفاع فمها عند الضّحك كانت نسخة مطابقة من دافني.
«في الواقع سيكون أجمل. لأنّه ليس طفل أيّ أحد، بل طفل سموّه وأنا.»
عندها تدخّل إرمانو وجوليوس فورًا.
«سيكون لطيفًا جدًّا! أنا أفضّل أختًا صغرى!»
«وأنا أيضًا!»
حتّى سيان وريفنيل اللّذان بدا عليهما الصّدمة كانا يرسلان نظرات وقوع في الحبّ مسبقًا وقد قالا إنّه سيكون لطيفًا جدًّا.
كلامٌ لا بدّ أن يكون صحيحًا. على أيّ حال، إنّه طفل دافني، فلا بدّ أن يكون محبوبًا…
استعاد لياس وعيه بعد أن غرق في التّفكير. لا يمكن حلّ كلّ شيء بكلمة «لطيف». قال بصوت صارم.
«ومع ذلك، الحمل في حالة غير مستقرّة بعد هو-»
حينها تكلّم لوسيل بخجل.
«ربّما يكونان توأمين. مثل جوليوس وإرمانو.»
«…»
«طفلان.»
«…»
«سيكونان لطيفين جدًّا، أليس كذلك؟»
أغلق فم لياس الّذي كان يتحرّك أخيرًا بإحكام.
ساد الصّمت فجأة القصر الصّاخب.
نظرت دافني إلى عيون العائلة التي تحولت من النّفي إلى التّوقّع البرّاق، وابتسمت ابتسامة خفيفة.
«من الأفضل إقامة الحفل في أقرب وقت ممكن، أليس كذلك؟»
بالطّبع، لم يعترض أحد.
***
أُعلن خبر حمل دافني للعالم.
فرح البعض بولادة حياة جديدة، لكنّ البعض الآخر كان يهمس بأنّ حملًا دون زواج قد يُضعف مكانة الإمبراطور الّذي توّج للتوّ.
قلقين من أنّ الإمبراطور قد لا يوافق على زواجهما.
وفيما كان الخدم يلقون نظرات على الباب المغلق بإحكام بعد سماع الشّائعات،
انفتح الباب بصوت عالٍ.
خرج لوسيل بوجه كالقطّ الشّبعان. قال من بين الباب الّذي لا يُغلق.
«إذا كنت تريد معرفة المزيد عنّا، فنادوني في أيّ وقت، جلالة الإمبراطور.»
«…لا تعود أبدًا.»
خرج صوت مضغوط على عكس لوسيل المرتاح. أغلق الباب بقوّة كأنّه يعبّر عن رفض شديد.
«يمانع كثيرًا.»
لعب لوسيل بالختم في الهواء مرّات عديدة بوجه متجهّم، ثمّ وضع يده في جيبه وغادر القصر الإمبراطوريّ بهدوء.
‘هل وافق على الزّواج؟’
دخل الخدم الّذين أصبحوا فضوليّين متظاهرين بالتّنظيف. اتّسعت أعينهم فورًا.
كان الإمبراطور ملقىً على الأريكة ويده على جبهته.
«جلالتك، هل أنت بخير؟ هل فعل صاحب السّموّ الاكبر شيئًا آخر-»
«…أنا بخير.»
لو كان للصوت شكل، لكان ممزّقًا تمامًا من قلّة القوّة في صوت الإمبراطور.
«لم يحدث شيء آخر. امتنعوا عن أيّ سوء فهم محتمل.»
كان يقصد الشّائعات الصّغيرة المنتشرة.
«حـ، حسناً، سنأتي بشاي آخر.»
«لا حاجة للشّاي. بدلاً من ذلك…»
وفيما كان الخدم يحاولون الخروج بحجّة العمل وقلوبهم ترتجف، ناداهم الإمبراطور مجدّدًا فالتفتوا.
أنزل يده عن وجهه، وقال بنبرة متعبة جدًّا.
«…أحضروا ماءً نظيفًا. يجب أن أغسل أذنيّ أوّلًا.»
كان وجهه شاحبًا كمن أكل حلوى كثيرة فأصابه عسر هضم.
***
تسارعت مراسم الزّفاف.
أرادت دافني إقامته في أرتيميس، لكنّه تقرّر في القصر الإمبراطوريّ أخيرًا.
«شروط أخي الوحيدة هي أنتم.»
إقامة حفل في القصر الإمبراطوريّ شرف لا يناله إلّا أفراد العائلة الإمبراطوريّة. من المحتمل أن يكون الإمبراطور قد أراد إسكات الشّائعات المنتشرة بإقامة زواجهما في القصر.
«اختيار حكيم.»
«لقد أبدى جلالته الكثير من التّعاون. على عكس الأسلاف، ليس طامعًا في السّلطة.»
أجاب لياس على كلام الدّوق السّابق. من كان يطلب تأجيل الزّواج هما الآن يسابقان دافني في التّعجيل به.
كانت دافني تعرف السّبب جيّدًا.
ذات مرّة، هي من اقترحت أوّلًا.
أليس من الأفضل عدم التّعجيل بالزّفاف؟ أليس بإمكاننا الانتظار حتّى يولد الطّفل؟
عندها توقّفت كلّ حركة لدى الدّوق السّابق و لياس. في جوّ كأنّ الهواء نفسه تجمّد، كان الدّوق السّابق أوّل من تكلّم.
«نعم، قد يكون هناك المرّة القادمة.»
«…»
«…كنتُ أفكّر هكذا أحيانًا.»
كان في صوته البطيء ندمٌ قديم. حينها فهمت دافني معناهما.
أمّها أميليا وقعت في حبّ خادم يُدعى بيل. كان الولادة سمًّا لجسدها الضّعيف، لكنّها أصرت على الإنجاب. الدّوق و لياس اللّذان كانا يضعان ابنته وأخته قبل حفيدتهما في البطن، أدارا ظهريهما ببرود.
لأنّه ليس اليوم بالذّات.
لأنّهما ظنّا أنّ هناك مرّة قادمة.
بعد ذلك اليوم، لم ينظرا إلى أميليا مجدّدًا. انتظرا يومًا سيعودان فيه للقاء. و… انتهى الأمر هكذا.
رحلت أميليا. إلى مكان لا عودة منه أبدًا.
لو علما أنّ عنادهما في انتظار المرّة القادمة سيجلب هذا النّدم، لما فعلا.
لكانا يتفقّدان إن كانت تعاني، وإن كانت تحتاج شيئًا، ولأمسكا بيد ابنتهما المتألّمة بقوّة بدلًا من التّخلّي عنها تاركين الحفيدة…
‘أبي.’
قالت أميليا في الوهم. ضحكت بإشراق لتخفّف قلق والدها رغم معاناتها من الولادة، ثمّ تلاشت تدريجيًّا. قبل أن تختفي تمامًا.
«جدّي.»
اقتربت دافني من الدّوق الّذي لم ينتبه وأمسكت يده.
«على الرّغم من معارضتك، أريد أن أدخل معك يا جدّي.»
التعليقات لهذا الفصل " 208"