الفصل 188
“ما هذا؟ أليس اسم القديسة ماريا؟”
“بل سمعتُ أنّها يتيمة… قيل إنّ والديها ابتلعهما الوحوش!”
“ما الذي يحدث هنا؟”
اضطربت الجموع بشكلٍ كبير أمام هذا الموقف الصّادم.
أغلقت ماريا قبضتها بقوّة.
منذ أن ذهب نوكتيرن إلى منطقة الشّقوق بدلًا من الدّوق كايروهان السّابق، شعرت بالرّيبة.
ربّما استسلم لهمس دافني وحاول مراقبتها.
لكن نوكتيرن لم يقترب منها أبدًا.
بل ذهب لتفقّد شقوقٍ أخرى، قائدًا جنوده بعيدًا عن جيش وليّ العهد. ظنّت أنّها كانت قلقةً بلا داعٍ…
لكنّها أدركت الآن.
لم يكن غرض نوكتيرن من التّحقيق في الشّقوق مراقبتها، بل…
‘كان يبحث عن الأشخاص المرتبطين بهذا الجسد…!’
الدّوق بيريجرين والدّوق الشاب، السبب في وجودهما معًا كثيرًا كان على الأرجح هذا.
‘الثلاثة كانوا يعرفون كلّ شيء. ربّما شكّوا أنّني دخلتُ جسدًا ليس لي!’
والشّخص الذي قدّم هذا الدّليل…
‘دافني بيريجرين !’
نظرت ماريا إلى دافني بحدّة. لكن الزّوجين في منتصف العمر ظلّا متشبّثين بها.
“أنيت، لماذا لا تتكلّمين؟ أنا أمّكِ!”
“يبدو أنّ ذاكرة ابنتنا مشوّشة. لكنّها بالتّأكيد ابنتنا…!”
كانا يذرفان الدّموع. دموعٌ مختلطة بحزنٍ لعدم تذكّرها لهما، وفرحٍ لأنّها على قيد الحياة.
تحوّل المحكمة إلى فوضى. مذهولًا بهذا التّطوّر غير المتوقّع، سأل الكاردينال نوكتيرن:
“السّير، السّير كايروهان. هل أنت متأكّد أنّهما والدا القديسة؟”
“المكان الذي فقدوا فيه ابنتهم، السمات الخارجيّة، كلّ شيء متطابق. لكن بما أنّ الأسماء مختلفة، أحضرتهما للتأكّد.”
“حتّى لو كان الأمر كذلك، أن تأتي بأشخاصٍ آخرين إلى هذه المحكمة المقدّسة…!”
“ألم تتعرّض القديسة لانتقاداتٍ كثيرة لكونها يتيمة؟”
توقّف الكاردينال عند كلام نوكتيرن.
في الواقع، حتّى قبل أيّام، كان الإمبراطور ينظر إلى ماريا بعدم رضا، ولم يخفِ ذلك. السبب الرئيسيّ كان كونها يتيمة.
“من أجل جلالتكم، ومن أجل المعبد، كنتُ أعتقد أنّ هذا التّأكيد ضروريّ.”
القديسة يجب أن تكون نقيّة، سواء في النّسب أو غيره.
كان هذا ما ردّده الكاردينال حتّى سئم فمه.
نوكتيرن، سليل عائلة بطوليّة، لم يكن ليجهل هذا.
بما أنّه استخدم هذا المنطق، لم يكن بإمكانهم الاعتراض.
‘لكن…!’
الطّريقة الوحيدة لتأكيد النّسب حاليًا هي استخدام القوّة المقدّسة لفحص تطابق الطّاقة السّحريّة. فالأقرباء يملكون طاقةً متشابهةً بشكلٍ كبير.
لكن جسد ماريا كان مغطّى بطاقة سحريّة قويّة، متراكمة منذ زمنٍ طويل.
على الرّغم من أنّ معظم النّاس يملكون طاقةً سحريّة بعد نزول الشّيطان إلى الأرض، إلّا أنّ ماريا معروفة كقديسة.
إذا عُلم أنّ لديها طاقة سحريّة تفوق قوّتها المقدّسة، ستصبح الأمور أسوأ.
عندما سكت الكاردينال، بدأ الجمهور بالتّذمر مجدّدًا.
“إذا كان هذا صحيحًا، أليس هذا أمرًا جيّدًا للقديسة؟ كان يجب إجراء فحص القوّة المقدّسة على أيّ حال. وإيجاد والديها المفقودين فرصةٌ رائعة.”
“لكن لماذا يبدو الكاردينال والقديسة غير راضيين؟”
مع استمرار الصّمت، بدأ النّاس يعبّرون عن شكوكهم.
في هذه الفوضى، ابتسمت دافني بهدوء.
يبدو أنّهم لم يتوقّعوا أبدًا أن تتحوّل ‘المحاكمة المقدّسة’ التي نادوا بها إلى هذا الشّكل.
في تلك اللحظة، تحدّث الإمبراطور.
“أيّتها القديسة، ألم تقمي بتطهير الشّقوق والطّاقة الشّيطانيّة حتّى قبل أيّام؟”
“نعم، هذا صحيح.”
أجابت ماريا بسرعة. تنهّد الإمبراطور بأسف وقال:
“حتّى لو طهّرتِ، فإنّ الطّاقة الشّيطانيّة القويّة تبقى في الجسد، أليس كذلك؟”
“نعم؟ آه، نعم! هذا صحيح.”
أجاب الكاردينال بسرعة على سؤال الإمبراطور، محاولًا تأخير فحص النّسب بحجّة الطّاقة الشّيطانيّة.
“أفهم مشاعركم، لكن الفحص الآن سيكون صعبًا.”
“لا، هذا لا يمكن…!”
“أنيت…!”
نظر الزّوجان إلى ماريا بيأس. بدت ماريا وكأنّها المذنبة، لا تعلم ماذا تفعل.
“لا أتذكّر الآن، لكن انتظروا قليلًا. يمكننا الحديث لاحقًا.”
أمسكت ماريا بيديهما وهي تقول ذلك.
قبل أن يردّا، اقترب الكهنة بسرعة وأخذوها، محاولين إنهاء المحاكمة قبل أن يزداد الرّأي العام حدّة.
“لا حاجة للانتظار.”
رنّ صوتٌ واضح. ابتسمت دافني وهي تنظر إلى ماريا المحاطة بالكهنة.
“هناك طريقة.”
“ماذا؟”
تمتم الإمبراطور بذهول.
“ما هذا…! أيّتها الأميرة، هل تعتقدين أنّ قراءة تدفّق الطّاقة السّحريّة في الجسد أمرٌ سهل؟”
أدان الكاردينال ادّعاء دافني كأنّه مستحيل.
نعم، تعرف ذلك. تعرف مدى صعوبة فحص الطّاقة السّحريّة وتطلّبه مهارةً عالية.
بل قد يُكشف أنّها ليست دافني الحقيقيّة إذا أخطأت.
لكن…
نظرت دافني إلى الزّوجين الباكيين.
ربّما بسبب حزن فقدان ابنتهما، بدَوا أكبر سنًا من أقرانهما. كانت أيّامهما جحيمًا بالتّأكيد.
كلام ماريا بالنّسبة لهما كان كزرع أملٍ زائف.
أملٌ قاسٍ وحلو في آنٍ واحد بأنّ ابنتهما لم تمت، بل تعاني من ارتباكٍ في الذّاكرة.
لم تستطع تحمّل خداعهم.
“هل تعلمون أنّه تمّ اختراع جهازٍ لفحص الطّاقة السّحريّة النّقيّة فقط؟”
“ماذا؟”
عبس الإمبراطور بذهول.
في عالمٍ يُقدّر الطّاقة السّحريّة بقدر القوّة المقدّسة، حاول العديد من العلماء قياس الطّاقة السّحريّة في الهواء وتحويلها إلى طاقة.
“لكن تلك التّجارب فشلت دائمًا. مستحيل أن يُصنع جهازٌ كهذا فجأة! ولو صُنع، لكان قد وصلني تقرير!”
“لقد أُرسل التقرير. لكن جلالتك لم يرى ذلك.”
“ماذا؟ ما هذا التّعسّف-”
في اللحظة التي حاول فيها السّخرية من كلام دافني، تذكّر فجأة.
“سيان بيريجرين يطلب مقابلتك، جلالتك.”
“قل إنّني مشغولٌ جدًا ولا أستطيع مقابلته.”
“لكن، يقول إنّ لديه شيئًا يجب أن يريك إيّاه…”
“مهما كان، لا أستطيع مقابلته. هل يجب أن أكرّر؟”
الشّخص الوحيد الذي طردته.
سيان بيريجرين.
لم يكن بمستوى لياي، لكنّه كان أحد العلماء الذين يدرسون الطّاقة السّحريّة بعمق. وكان هدفه الأسمى…
‘تحويل الطّاقة السّحريّة في الهواء إلى طاقة.’
أدرك الإمبراطور كلّ شيء، وظهر اليأس على وجهه.
“كان خالي الصّغير يريد أن يريك هذا. لكن جلالتك رفضت المقابلة.”
“هذا…”
“على الرّغم من أنّ الهدف مختلف، إلّا أنّ استخراج الطّاقة السّحريّة النّقيّة ممكن. لا داعي للقلق بشأن الطّاقة الشّيطانيّة. ما رأيكم باستخدامه؟”
نظرت دافني إلى الزّوجين.
“سنفعل!”
“مهما كان، افعلوا ذلك!”
صرخت الزّوجان بوجهٍ مغطّى بالدّموع فرحًا بأنّه لا حاجة للانتظار.
“…”
لكن وجهي الكاردينال وماريا تصلّبا.
كان الجميع ينظر إليهما بوجوهٍ مليئة بالتّشويق والفضول.
صرخ الإمبراطور بسرعة.
“كيف نتحقّق من أمرٍ بهذه الأهميّة بجهازٍ لم يُختبر؟ هناك وقتٌ كافٍ، فلنراقب الوضع أكثر-”
“لا داعي للقلق.”
قاطع نوكتيرن خطّة الإمبراطور.
“أستطيع أن أضمن دقّة الجهاز.”
“ماذا؟ هل تقصد…؟”
تمتم الإمبراطور بذهول.
كان معروفًا أنّ الدّوق كايروهان السّابق لا يزال يشكّك في نسب نوكتيرن كابنٍ غير شرعيّ، رافضًا الاعتراف بـ’خطأه’.
“لكن جهاز فحص الطّاقة السّحريّة أظهر طاقتين: طاقة الدّوق السّابق بنفس اللون، وطاقة أمّي الحقيقيّة.”
“…”
“عندها، اعترف الدّوق أيضًا.”
أنّني ابنه الحقيقيّ.
تحدّث نوكتيرن بهدوء، دون أيّ أثرٍ للألم رغم ذكره لوصمة ‘الابن غير الشّرعيّ’ لأوّل مرّة.
“إذا كان الدّوق كايروهان قد قال ذلك، فهو مؤكّد.”
“إذًا، يمكننا إجراء فحص النّسب؟”
تصاعدت أصوات التّشويق والفضول، وظهر اليأس على وجه الكاردينال.
“جلالتك…!”
“…”
نظر إلى الإمبراطور طالبًا المساعدة، لكن الإمبراطور أغلق قبضته ولم ينطق.
الخصم هو كايروهان.
لا يمكن التّعسّف معه، ولا يجب ذلك. سيسعى نوكتيرن لإثبات الحقيقة، وربّما…
‘قد يُكشف أنّ أمّي استخدمت السّحر الأسود.’
لا يمكنه التراجع، ولا المضيّ قدمًا.
أغمض الإمبراطور عينيه بقوّة.
“…أحضروا جهاز الفحص.”
“جلالتك، كيف تصدر مثل هذا الأمر…!”
“لا يمكن، جلالتك!”
رغم الصّراخ لمنعه من اتّخاذ قرارٍ متسرّع، لم يتراجع الإمبراطور.
سرعان ما أُحضر جهاز فحص الطّاقة السّحريّة الذي صنعه سيان.
وضع الزّوجان أيديهما على الجهاز أوّلًا.
انتشر ضوء طاقتهما السّحريّة الفريدة في السّماء.
الآن، جاء دور ماريا. تطلّعت إليها أعين الجميع المليئة بالتّشويق.
“أيّتها القديسة، ضعي يدكِ هنا.”
“أنا، أنا…!”
تراجعت ماريا بوجهٍ شاحب.
كيف وصلت إلى هنا؟
لا يمكن أن تخسر كلّ شيء بهذه الطّريقة.
“لا، لا يمكن، أنا…!”
تراجعت بخوف، لكن الفرسان، بأمر الإمبراطور، وضعوا يدها على جهاز الفحص.
في تلك اللحظة.
بانغ!
مع دويٍّ هائل، انتشرت طاقةٌ سوداء في السّماء.
التعليقات لهذا الفصل " 188"