كان صباحًا هادئًا.
استيقظت ليانا في غرفتها الضيقة داخل الدير، ورفعت عينيها نحو السماء.
كانت السماء صافية وزرقاء، ويبدو أن الطقس سيكون جميلًا اليوم أيضًا.
(يا لهُ مِن طقسٍ جَميل)
ذهبت ليانا إلى بئر الحديقة، واستقت الماء وغسلت وجهها، ثم رتّبت نفسها.
جمعت شعرها الطويل الفضي بعناية، وخبأته تحت الحجاب الأسود.
لقد مرّ عام تقريبًا منذ أن جاءت إلى هذا الدير البعيد عن العاصمة الملكية.
(بموت قعدت سنة بعيدة عنهم ومش عارفين يوصلوا لها😂😂😂)
في البداية، لجأت إلى دير كانت تألفه، لكن أختها كانت تعرف هذا المكان.
ولو علمت الأخت أن ليانا قد فقدت الاتصال بها، فقد تأتي إلى هناك مباشرة.
كانت ليانا أيضًا تشتاق لرؤية أختها.
وكانت قلقة إن كانت قد شُفيت من مرضها أم لا.
لكنها كانت «الشريرة لانا»، وكانت مكروهة من نّاريج، خطيب أختها.
وفوق ذلك، بعد طلاقها من دوق كيرينا كارلايز خلال عام واحد، أصبحت سُمعتها أسوأ مِمّا كانت عليه.
وجودها لن يكون في مصلحة أختها، ولا في مصلحة عائلة كونت كاروتا.
لذا، كانت تتمنى أن تنسى أختها أمرها تمامًا.
لو استطاعت أختها أن تكون سعيدة، فستشعر ليانا أن ما فعلته لم يكنْ عبثًا.
بهذا التفكير، قررت مغادرة ذلك الدير رغم أن فراق الأطفال كان صعبًا عليها.
ولجأت ليانا إلى ديرٍ يجمع النساء اللواتي لا سند لهن.
كانت الأعمار متنوعة، من عجائز فقدن أزواجهن، إلى نساء تطلقن لأسباب مختلفة.
وكان هناك أيضًا أطفال بلا والدين.
لم يكن هناك نساء في نفس عمر ليانا، لكن النساء الأكبر سنًا كُنّ يعتنين بها ويهتممن لأمرها.
إحداهن كانت تدعى مارتينا، وكانت في سن والدتها حين توفيت.
كانت تدير مخبزًا في العاصمة، لكن قبل عدة سنوات، فقدت زوجها وطفلها بسبب مرضٍ وبائي.
وبعد وفاة زوجها الذي كان يصنع الخبز، لم تستطعْ الاستمرار في تشغيل المتجر، فأُغلق وأفلست، ثم دخلت هذا الدير.
قالت مارتينا ذات مرة، بابتسامة حزينة، إنها لو كانت أغلقت المتجر بعد وفاة زوجها مباشرة، لكانت ما تزال قادرة على العيش في العاصمة.
حاولت الحفاظ على المتجر رغم عدم خبرتها في صنع الخبز، واستمرت بالعمل فيه.
لكن الخبز الذي كانت تصنعه لم يكن يُقارن بما كان يصنعه زوجها، ولم يُبع شيئًا، فاستمرت الخسائر، واضطرت لبيع المتجر والمنزل.
استعانت بأحد معارفها وخرجت من العاصمة، لكنها لم تستطع البقاء هناك طويلًا، وانتهى بها المطاف في هذا الدير.
ومع ذلك، لا تزال مارتينا تحب صنع الخبز، وكانت تخبز أحيانًا لـ ليانا والأطفال هنا.
وكان خبزها لذيذًا لدرجة أنه يصعب تصديق أنها أغلقت متجرها بسببه.
– “يجب أن تأكلي أكثر.”
قالت هذا وهي تقدم لها الكثير من الطعام.
(لكني بلغت السابعة عشرة بالفعل…)
وعلاوة على ذلك، لديها تاريخ زواج – ولو كان شكليًا فقط.
ورغم ذلك، كانت تعامل كما لو أنها أصغر من الأطفال الآخرين، وهو ما كان محرجًا بعض الشيء.
لكن قد مرّ بالفعل ست سنوات منذ وفاة والدتها.
كانت تعتقد أنها أصبحت مستقلة.
لم تتخيل أبدًا أن وجود امرأة أكبر سنًا، تبتسم لها بلطف، قد يمنحها هذا الشعور الكبير بالراحة.
كانت وظيفة ليانا في الدير هي رعاية المرضى، وغسل الملابس، والاعتناء بالحديقة.
وبجانب الدير كان هناك مستشفى خيري، وكانت جميع الراهبات البالغات يعملن هناك في رعاية المرضى والجرحى.
أما غسل الملابس، فكانت ليانا واحدة من ثلاث مسؤولات عنه.
كانت قد غسلت الملابس أيضًا عندما كانت تعيش مع أختها، لذا لم يكنْ العمل صعبًا كثيرًا، باستثناء كثرة الكمية.
لكن العناية بالحديقة كانت من مهام ليانا وحدها.
عندما جاءت إلى هذا الدير، كانت الحديقة مهملة تمامًا ومليئة بالأعشاب.
قالوا لها إنه لم يكن هناك أحد يعتني بها منذ سنوات.
لكن رغم الإهمال، كانت بعض الزهور لا تزال تتفتح، فأرادت ليانا أن تجعلها أجمل، وبدأت تزيل الأعشاب وتسقيها كلما أتيحت لها الفرصة.
– “هل تحبين الزهور؟”
في أحد الأيام، قالت لها الرئيسة بلطف وهي تبتسم، فرّدت ليانا برأسها موافقة.
– “نعم، أحبها.”
وفور ردّها، تذكرت حديقة قصر دوق كيرينا الجميلة التي رأتها من قبل.
كانت الزهور تتغير مع الفصول، وتمنح ليانا شعورًا بالفرح.
لو أتيح لها تحقيق أمنية واحدة، لطلبت أن تنظر إلى تلك الحديقة مرة أخرى.
– “إذًا، هل تهتمين بالحديقة؟ قبل سنوات كنت أعتني بها بنفسي، لكن أصبت بألم في الظهر…”
ومنذ ذلك الوقت لم يلمسها أحد.
– “سيكون من الرائع أن تهتم بها من تحب الزهور مثلك. لدينا ميزانية صغيرة، يمكنك أن تزرعي الزهور التي تفضلينها.”
– “شكرًا جزيلاً!”
فرحت ليانا كثيرًا بعرض الرئيسة، وابتسمت من قلبها.
كانت تحب النظر إلى الزهور، لكنها كانت تحلم أيضًا بزراعتها بنفسها.
لكن الاعتناء بالزهور كان أصعب مما توقعت؛ سقت بعضها أكثر من اللازم فذبلت، وزرعت البعض في أماكن غير مناسبة فلم تنمو.
ومع ذلك، استمرت في التعلم بكلِّ جهد بمساعدة الرئيسة.
وحين نجحت في إنبات زهرة كانت توصف بأنها صعبة النمو، شعرت بفرحة وإنجاز لم تشعر به من قبل.
كانت تعمل بجد يوميًا، وهناك من يهتم بها مثل مارتينا.
لا أحد يحتقرها، ولا أحد يسيء إليها.
كانت حياتها أكثر هدوءًا وسلامًا من ذي قبل، ومع ذلك كانت تشتاق لأختها.
لقد مرّ عامٌ بالفعل.
ربما أُقيم حفل الزفاف الآن.
وربما عاد الإقطاع إلى أختها، وتولى ناريج لقب كونت كاروتا.
لم تكن تحمل انطباعًا جيدًا عن ناريج، لكنها كانت واثقة من أنه يحب أختها.
كانت تؤمن بأنه سيجعلها سعيدة.
كانت تأمل على الأقل أن تسمع شائعةً عنهم، لكن الدير الموجود في الريف نادرًا ما تصله أخبار النبلاء.
ترجمة فيبي(❀❛ ֊ ❛„)♡
التعليقات لهذا الفصل " 35"