1
كانت الأمطار تهطل بهدوء.
كانت قطرات المطر الغزيرة ، التي تكاد تؤلم الجلد ، تتساقط على نوافذ الزجاج.
حقًا ، كان الطقس يتناسب تمامًا مع أجواء قصر الماركيز الكئيبة.
اقتربت الخادمة التي كانت تنظر خارج النافذة بهدوء من زميلتها التي بجانبها.
“هل سيعود الماركيز اليوم؟”
“أجل ، كم يومًا مرّ و هو غائِب بالفعل؟”
“أسبوع كامل”
على الرغم من أنّ ربّ الأسرة لم يعد لمدّة أسبوع دون أيّ تواصل ، كانت الخادمتان هادئتين بشكل لافت.
لو كان الأمر يتعلّق بعائلة أخرى ، لأبلغوا السلطات أو نظّموا فريق بحث ، لكن هنا كان قصر الماركيز درايتون.
نعم ، عائلة الأمير الأحمق.
كانت عائلة الماركيز درايتون تمتلك تاريخًا يمتدّ لأكثر من مئة عام ، لكنها بدأت بالانحدار السريع منذ عقود.
كان من الواضح مدى تدهورها ، إذ وصلت إلى درجة استقبال زوجات ماركيز متواضعات المنصب واحدة تلو الأخرى.
تمتمت الخادمة بهدوء و هي تنظر إلى العربة المتوقفة تحت المطر الغزير: “آمل أن اكون قد حضرت زوجة الماركيز هذا الحفل بهدوء هذه المرّة”
“و هل حدث ذلك ولو مرّة واحدة؟”
كان سبب استمرار وصول الدعوات لهذه العائلة هو أنّ عائلة درايتون كانت كالسمكة التي تقفز على لوح التقطيع في الأوساط الاجتماعيّة ، لا تترك مجالًا للملل.
*المجتمع بيمضيها نميمة على عائلة درايتون لهيك بيدعوهم للحفلات*
و في قلب هذه الشائعات ، كانت السيدة الكبرى ، إيبلرا ، إحدى الزوجات المتواضعات الأصل.
“حقًا ، إنه أمر يثير السخرية!”
ما إن نزلت الخادمتان إلى الردهة حتى دوّى صوت غاضب.
كانت إيبلرا ، التي أفسد المطر مزاجها السيّء أصلًا ، قد تعرّضت لإهانة كبيرة في الحفل اليوم.
“إذا كشفوا عن ديوني في الصالون بهذه الطريقة ، فماذا سأصبح أنا؟”
كانت ثروة عائلة الماركيز قد نفدت منذ زمن ، و كانوا يُراكِمون الديون هنا و هناك.
الجميع يعرف ذلك ، لكن من أجل الحفاظ على ماء الوجه ، لم يكن أحد يتحدّث عن الأمر علنًا.
لكن في الحفل اليوم ، يبدو أنّ أحدهم أشار إلى ذلك ، حتى إنّ وجه إيبلرا احمرّ حتى بدا أسود تقريبًا.
“و ما شأني إن عاد كاليون إلى القصر أم لا؟ تلك المرأة جعلتني أبدو و كأنني زوجة أب شريرة!”
فكّرت الخادمة ، و هي تخفض رأسها ، أنّ كلام إيبلرا ليس خاطئًا تمامًا.
‘لأنها ليست أمّه الحقيقيّة’
كان الماركيز درايتون ، كاليون ، ابنًا غير شرعيّ أحضره الماركيز السابق ، و كان عمره خمس سنوات عند دخوله القصر.
إيبلرا ، التي تزوّجت من عائلة الماركيز بفضل ثروة عائلتها الغنيّة رغم كونها من عامّة الشعب ، لم تنجب وريثًا ، و لديها ابنة واحدة فقط.
في هذه الأثناء ، بدلاً من إحضار طفل رضيع من فرع العائلة كما كان مخططًا ، قرّر الماركيز السابق فجأة تعيين ابنه غير الشرعي وريثًا. بالطبع ، لم ترحّب إيبلرا بهذا الطفل.
لكن ، لحسن الحظ أو سوئه ، كبر كاليون ليصبح جاهلاً أكثر فأكثر.
لم يكن جهله يعيق حياته اليوميّة ، لكن في سنّ السادسة و العشرين ، كان يفتقر حتى إلى المعرفة الأساسيّة ، مما جعل إيبلرا المتحكّمة الفعليّة في العائلة.
لكن من كانت من أصل شبه نبيل من عامّة الشعب ، كيف كان بإمكانها إدارة شؤون العائلة بكفاءة؟
بعد وفاة الماركيز السابق ، بينما كان كاليون يرتاد بيوت القمار و مباريات صراع الدجاج ، كانت إيبلرا تنفق بحرص ما تبقّى من أموال العائلة المنهارة.
بل إنها كانت تستغلّ اسم عائلة الماركيز لمضايقة النبلاء من الطبقات الدنيا.
كان لإيبلرا دور كبير في تحوّل عائلة درايتون النبيلة إلى مهرّج في الأوساط الاجتماعيّة.
“أنتِ! إيزولي!”
التفتت إيبلرا بحدّة و أشارت بإصبعها إلى امرأة كانت تتبعها.
رفعت المرأة ، التي كانت تحدّق في الأرض ، رأسها ، فظهر وجهها.
كانت بشرتها خالية من أيّ مكياج ، تبدو شاحبة تقريبًا ، و كانت ترتدي ملابس أكثر تهالكًا من ملابس الخادمة.
و مع ذلك ، لم تُخفِ عينيها الرقيقتين المتدلّيتين قليلاً و ملامحها المتوازنة الخالية من العيوب.
“لماذا لم تتفوهي بكلمة هناك؟”
“أمّي …”
“أمرُ كاليون هو مسؤوليّتكِ كزوجته ، فلماذا أنا من تتعرّض للإهانة؟”
زوجة الماركيز درايتون ، إيزولي ، عضّت شفتيها قليلاً و أخفضت عينيها.
إيزولي درايتون.
كانت في السابق إيزولي مينتريا ، سليلة مباشرة لعائلة الدوق مينتريا ، إحدى العائلات المؤسسة للمملكة ، لكنها أصبحت بطلة مأساويّة اضطرت للعيش في قصر الدوق بعد فقدان والديها مبكرًا.
“حقًا ، لا تستطيعين قول كلمة واحدة بوضوح أمام الآخرين ، ولا حتى الحمل. ما الذي تجيدينه؟ خداع الناس للزواج بكِ؟”
كانت إيبلرا تريد زوجة ابن من عائلة نبيلة مرموقة لإعادة إحياء العائلة.
بسبب انشغالها بالشائعات المتداولة في الأوساط الاجتماعيّة ، لم تعرف الكثير عن إيزولي ، و اختارتها كزوجة ابنها بناءً على اسم عائلتها فقط.
بذلت إيبلرا كلّ جهدها لتزويج إيزولي بإبنها.
لكن بعد الزواج ، أدركت أنّ إيزولي لم تجلب أيّ فائدة ، فبدأت تعاملها بقسوة.
“أنا آسفة ، أمّي. أنا …”
“كيف يمكن لزوجة الماركيز أن تفكّر فقط في الاعتذار؟”
أضاء وجه إيبلرا فجأة عند سماع صوت جديد.
“ميلاريا!”
كانت المرأة التي نزلت السلالم في الثلاثينيات من عمرها.
كانت واحدة من القليلات اللواتي يحظين بثقة إيبلرا.
كانت ميلاريا خادمة مقرّبة من ابنة إيبلرا ، زوجة الكونت إيدن ، التي توفيت مبكرًا ، و كذلك مربيّة ابنها ليو.
“هل جاء ليو معكِ؟”
إيبلرا ، التي كانت تتجهّم قبل لحظات ، ابتسمت بسعادة و أمسكت بيد ميلاريا.
لم تكن تحبّ ميلاريا فقط لأنها مربيّة حفيدها الوحيد.
كانت ميلاريا ابنة أخت إيبلرا ، أي ابنة أختها.
“لا ، جئتُ وحدي اليوم. عمّتي ، لن تطردينني لهذا ، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا!”
حاولت إيبلرا صعود السلالم مع ميلاريا.
لكن ميلاريا ، كما لو تذكّرت شيئًا ، التفتت إلى إيزولي المنكمشة و قالت: “زوجة الماركيز ، هل أكملتِ تصليح الفستان الذي تحدّثتُ عنه سابقًا؟ إذا انتهيتِ ، أحضريه بسرعة”
“نعم ، سيدتي المربيّة”
حتى مع مربيّة من عامّة الشعب ، رحّبت إيزولي بأدب ثم اتّجهت إلى غرفتها.
“سيّدتي ، هل أنتِ بخير؟”
سيلي ، التي شاهدت كل شيء ، سألت بقلق و هي تتبع إيزولي.
“حقًا ، المربيّة تتجاوز حدودها! كيف يمكنها أن تطلب من زوجة الماركيز تصليح الملابس؟”
كانت استبداد ميلاريا ، التي كانت تتّكل على دعم إيبلرا ، معروفًا منذ زمن.
لكن عندما تزوّجت فيولا ، ابنة إيبلرا ، من عائلة الكونت إيدن و أخذت ميلاريا معها ، كانت زياراتها مجرّد زيارات عابرة.
لكن قبل خمس سنوات ، عندما تزوّجت إيزولي ، توفيت فيولا ، و بدأت ميلاريا تتردّد على قصر الماركيز مع ليو ، ابن فيولا ، كما لو كان بيتها.
بدأت مع إيبلرا بمضايقة إيزولي ، و أصبح تكليفها بتصليح الملابس أمرًا شائعًا.
“لا بأس ، أنا معتادة على هذا”
“لم تأكلي شيئًا في الحفل أيضًا ، أليس كذلك؟ سأحضر الطعام ، انتظري قليلاً”
مهما تعرّضت إيزولي للمضايقة من إيبلرا ، لم يتعاطف معها الخدم.
كان الجميع مشغولين بمعيشتهم ، و كانت إيزولي معزولة.
عندما دخلت سيلي القصر لأول مرة ، لو لم تغطِّ إيزولي على خطأها ، لكانت لا تزال وحيدة. منذ ذلك الحين ، أصبحت سيلي الخادمة الوحيدة التي تهتمّ بإيزولي.
“شكرًا ، سيلي”
غادرت سيلي ، و سارت إيزولي في الممرّ الهادئ حتى دخلت غرفتها.
طق-!
في اللحظة التي أُغلق فيها الباب –
“آه ، الخروج في يوم ممطر ، كان الأسوأ”
– اختفت تعابيرها الكئيبة في لحظة.
جلست إيزولي على الأريكة و هي تصدر صوتًا خفيفًا بلسانها.
عندما تذكّرت كلمات إيبلرا ، سخرت بهدوء.
‘كاليون و أنا لسنا حتى زوجين حقيقيين ، فكيف يمكن أن تكون أموره مسؤوليّتي؟’
إذا سُئلت إيزولي عن أيّ نوع من الأزواج هو كاليون ، كانت ستبدي رأيها دون تردّد.
زوج عديم الكفاءة و جاهل ، بلا قيمة.
كان بإمكانها وصفه بهذه الطريقة بوضوح و سهولة.
كان وجهه الوسيم ، الذي يبدو و كأنّه صيغ بعناية مُقدّسة ، يضيع هباءً بسبب جوهره الفاسد.
كان جهله يفوق الخيال ، لذا لم تتوقّع منه أبدًا تحمّل مسؤوليّة ربّ الأسرة.
‘تعالي هنا ، لماذا لا تمنعين كاليون من الذهاب إلى بيوت القمار؟ أنتِ زوجته ، أليس كذلك؟’
‘أمّي ، لقد تحدّثتُ إلى كاليون ، ألم يخبركِ؟’
‘ماذا؟ لا أعرف شيئًا ، لم يخبرني أبدًا’
لكن عندما كان الخلاف بينها و بين إيبلرا يشتعل ، كان دائمًا يتظاهر بالجهل و يتجاهل إيزولي.
‘إيزولي ، هل لديكِ مال؟ المال الذي أحضرته معكِ عند الزواج ، أعطيه لي. أنا زوجكِ ، إذًا هو مالي’
كان دائمًا يتذمّر طالبًا المال عند أيّ فرصة.
في البداية ، اعتقدت إيزولي أنّ هذا الزواج ليس سيئًا.
لأنه أتاح لها الهروب من قصر الدوق المخنوق.
لكن زوجها ، عندما كان في موقف غير مواتٍ ، كان يلقي اللوم عليها ، و مع تكرار ذلك ، بدأت تشعر بالضجر منه.
في النهاية ، لم يبقَ لديه أيّ قدر من المودّة.
في مثل هذه الظروف ، لم يكن مفاجئًا أنها لم تشعر بشيء عندما لم يعد لمدّة أسبوع.
لم يتشاركا الفراش أبدًا خلال خمس سنوات من الزواج ، بل كان عدد المرّات التي ناما فيها في سرير واحد معدودة على أصابع اليد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"