5
في الحقيقة، وبالدقّة، لم يكن الطابق السادس موجودًا أصلًا.
فالسُّلَّم الصاعد إلى الأعلى كان ينتهي عند سقف الطابق الخامس، وكأنّه قُطِع هناك.
كيف يمكن وصف هذا المشهد؟
سُلَّم إلى الغيوم؟
آخ، كيف انتهى بهم الأمر إلى تنفيذ البناء على هذا النحو؟
هل لهذا السبب قالوا إنّ الطابق السادس ممنوعٌ دخولهُ؟
“سيدي كبير الخدم، لديّ سؤال واحد فقط.”
“أنتِ، هذا الذراع…….”
“متى شُيِّد هذا القصر؟”
“قبل ثلاثمئة وثلاثة وستين عامًا وأربعة أشهر بالضبط.”
“يا إلهي. بناء سيّئ التنفيذ منذ أكثر من ثلاثمئة عام!”
“ماذا……؟”
“يبدو أنّ الفساد في مواقع البناء رفيق دائم، سواء في الماضي أو الحاضر. المكان الذي كنت أعيش فيه سابقًا كان مليئًا بهذه الأمور. هل تعرف شقق ‘الدجاج المُخلى’؟”
“الدجاج المُخلى؟”
“الهيكل الذي يفترض به تحمّل الوزن يكون منزوعًا، ولا يبقى سوى القشرة، لذلك يسمّونها شقق الدجاج المُخلى، لم يبقى فيها سوى الدجاج المُخلى بدون العظام. هذا المكان يشبهه كثيرًا.”
صحيح أنّ شقق الدجاج المُخلى تكون ناقصة ممّا يجب أن يوجد،
بينما درج هذا القصر يختلف بكونه يضمّ ما لا يجب أن يوجد أصلًا.
‘لكن على الأقل، عرفتُ حقيقة واحدة.’
وهي أنّ هذا العالم لا يعرف شيئًا يُدعى الشقق السكنيّة.
كان ذلك واضحًا من نظرة كبير الخدم التي دلّت على أنّه لم يفهم شيئًا.
كنتُ قد خمّنتُ هذا من ذكريات لينا،
لكنّي كنتُ آمل، ولو قليلًا، أن أكون مخطئة.
يبدو أنّ التخلّي عن أيّ توقّع لوجود مظاهر حضاريّة حديثة هنا هو القرار الصائب.
“على أيّ حال، أزيلي ذراعك فورًا.”
“إييه، حسنًا.”
كنتُ قد تشابكتُ بذراعه عمدًا لأبدو ودودة،
لكن يبدو أنّ ذلك كان تصرّفًا غير موفّق.
فككتُ ذراعي بسرعة ووقفتُ باستقامة.
عندها نظر إليّ كبير الخدم كما لو كنتُ مخلوقًا غريبًا للغاية.
“هيهي.”
ابتسمتُ ابتسامة بريئة،
إذ لا أحد يبصق في وجه من يبتسم، أليس كذلك؟
‘عادةً، سادة العمل في وظائف الدوام الجزئي كانوا يحبّون طريقتي اللطيفة.’
صحيح أنّ المبالغة في التودّد كانت محصورة بصاحبات العمل النساء فقط،
لكن بما أنّ كبير الخدم رجل مسنّ يبعث على الطمأنينة،
ظننتُ أنّ الأمر سيكون مقبولًا.
يبدو أنّ الدم النقيّ لكبير الخدم المثالي الذي يجري في عروقه شعر بنفورٍ من تصرّفي.
فحاولتُ تصحيح خطئي بابتسامة أعرض.
“سيدي، عليك أن تتناول طعامك أيضًا. لننزل معًا.”
“لا داعي.”
أجاب بعد لحظة، وقد عاد وجهه إلى بروده المعتاد،
لكنّه بدا متعبًا على نحوٍ غريب.
آه، صحيح. اليوم هو يوم الاثنين.
لعنة يوم الاثنين.
“انزلي أنتِ أولًا.”
“وأنتَ، سيدي؟”
“لا تشغلي بالك بي.”
كرّر رفضه مجددًا.
ولا يصحّ إجبار من يرفض مرارًا على النزول.
حسنًا، لا حيلة لي.
“حسنًا. سأنزل أوّلًا إذن. أتمنّى لك وجبة شهيّة!”
“لينا.”
“آه؟ هل غيّرتَ رأيك؟”
“لا. لديّ ما أبلغه لك. تعالي إلى مكتب الكونت قبل الساعة 13:13.”
لماذا فجأة مكتب الكونت؟
وحين اكتفيتُ بالرمش دون ردّ، أضاف:
“الكونت يرغب في رؤيتك.”
“آه…… نعم! مفهوم.”
لم أفهم السبب، لكنّني شعرتُ أنّ الأمر في صالحي.
كنتُ أنوي سؤال رئيسة الخدم عن الراتب السنوي،
لكن إن كان بإمكاني مقابلة الزعيم مباشرة، فهذا أفضل.
لا داعي للدوران. سأذهب وأسأل بنفسي.
“سأكون هناك في الموعد. أتمنّى لك وجبة شهيّة، سيدي كبير الخدم.”
انحنيتُ بعمقٍ حتّى خصري، ثمّ استدرتُ دون تردّد.
آه، أنا جائعة.
في الحقيقة، منذ فترة وأنا أشمّ رائحة طعام شهيّ، وكان من الصعب الصبر.
كيف سيكون طعام قصرٍ لأرستقراطيّ عظيم؟
خفّت خطواتي على الدرج من شدّة الحماس للإفطار.
* * *
توقّف كبير الخدم ألفريد عند المكان الذي غادرت منه لينا.
الخادمة التي تحمل اسم لينا دخلت قصر ريتشموند قبل خمسة عشر يومًا بالضبط.
دخلت عبر إعلانٍ في الصحيفة، كما هو الحال دائمًا.
كان ريتشموند بحاجة دائمة إلى الأيدي العاملة،
لكن هذا لا يعني أنّه يقبل أيّ شخص.
كانوا يختارون بشرًا يمكن أن يختفوا في أيّ وقت،
دون أن يبحث عنهم أحد،
ودون أن يثير اختفاؤهم أيّ مشكلة.
أولئك فقط كانوا يدخلون ريتشموند عبر الأجيال،
ثمّ يختفون بصمت بعد فترة قصيرة.
صحيح أنّ بعضهم امتلك قدرة عالية على البقاء.
لكن هل تغيّر المصير بسبب ذلك؟
في النهاية، كان مآلهم أن يصبحوا طعامًا لذلك الشيء.
وكان من المفترض أن تلقى لينا المصير ذاته.
لكن ما هذا؟
“أن يُغلِق الباب.”
كان الصباح قد أشرق،
وكان الطابق السادس مفتوحًا بوضوح.
ذلك لأنّ القصر استجاب لإرادة لينا حين قالت إنّها تريد الصعود.
لو واصلت صعودها حتّى الطابق السادس،
لالتهمتها الكائنات الجائعة القاطنة هناك بالكامل.
بقسوة لا يمكن تخيّلها،
حيث تنفصل العظام عن اللحم،
ولا يبقى ما يمكن التعرّف عليه أصلًا.
“لننزل معًا، سيدي كبير الخدم.”
لكن الباب الذي كان مفتوحًا على مصراعيه،
أُغلِق فورًا حين عبّرت لينا عن رغبتها في النزول.
“هل كان ذلك مجرّد صدفة؟”
بمفارقة عجيبة،
قالت لينا إنّها ستنزل إلى الطابق الأوّل قبل لحظة واحدة من رؤيتها للطابق السادس.
ومن لا يرغب في الصعود أكثر،
لا يُظهِر له القصر سوى درجٍ مقطوعٍ على نحوٍ مشوّه.
وحده هذا كان كافيًا ليثير الشكّ،
فما بالك بحظٍّ مبالغٍ فيه إلى هذا الحدّ.
“المكان الذي كنت أعيش فيه سابقًا كان مليئًا بهذه الأمور. هل تعرف شقق الدجاج المُخلى؟”
“الدجاج المُخلى؟”
“الهيكل الذي يفترض به تحمّل الوزن يكون منزوعًا، ولا يبقى سوى القشرة…..”
بل وتركت كلمات ذات دلالة عميقة للغاية.
‘هل كانت تعرف ما الذي يوجد في الطابق السادس؟’
وإلّا، لماذا تستخدم كلمة ‘الخالي’؟
لم يكن ألفريد يعرف ما هي الشقق.
ففي حياته الطويلة، لم يسمع بهذا المصطلح قطّ.
لكن أن تقول إنّها رأت حالات تُنزَع فيها العظام ولا يبقى سوى اللحم؟
ألا يبدو ذلك وكأنّها كانت تدرك مسبقًا أنّه لو واصلت الصعود،
لانتهى به الحال على هذا النحو؟
وكأنّها كانت تختبره.
“…… لا يمكنني الاستخفاف بالأمر.”
نبت شكّ صغير في أعماق ألفريد.
إن كانت كلّ تلك الأفعال جزءًا من خطّة لينا،
فهذا يعني أنّ ريتشموند أدخل شخصًا مريبًا إلى القصر.
وذلك قد يشكّل خطرًا على الكونت.
لهذا، أقسم ألفريد في سرّه ألّا يتهاون أبدًا.
* * *
“هاه، شبعتُ تمامًا.”
خرجتُ من قاعة الطعام وأنا في مزاج رائع بعد إفطارٍ مذهل.
“كيف يمكن أن يكون الطعام لذيذًا إلى هذا الحدّ؟ كان رائعًا فعلًا…….”
قبل أن أتجسدَ،
كان إفطاري غالبًا مجرّد حبوب إفطار.
الأرخص، والأسرع، والأكثر ملاءمة.
ولم يكن الغداء أو العشاء أفضل حالًا.
لم يكن لديّ مال،
وكانت مصاريفي محدودة،
فكانت وجباتي دائمًا بائسة.
كنتُ أسدّ جوعي أحيانًا ببقايا لفائف الأرز من عملي في المتجر،
أو بكوب نودلز.
لماذا أطلتُ الحديث؟
لأنّ هذه الوجبة جعلت رغبتي في البقاء في قصر ريتشموند أكثر رسوخًا.
سرير مريح، وطعام شهيّ……
هل توجد وظيفة أفضل من هذه؟
لماذا كانت لينا تريد المغادرة أصلًا؟
“لينا، مهمّتك اليوم تنظيف أدوات الفضّة المخزّنة في هذه الغرفة.”
“هل عليّ تنظيفها كلّها؟”
“لا يوجد ما يستعجل. افعلي ما تستطيعين، وعلى مهل.”
بل إنّ العمل نفسه كان سهلًا إلى هذا الحدّ!
المهمّة بسيطة للغاية،
والعيب الوحيد أنّني كنتُ وحدي،
ممّا جعل الأمر مملًّا بعض الشيء.
“لكن موعد لقاء الكونت في 13:13…….”
تمتمتُ بينما أمسح الأدوات بقطعة قماش جافّة.
حين أخبرني كبير الخدم بالموعد،
خطر في بالي أمر واحد فقط.
غريب الأطوار.
الكونت غريب أطوار بلا شكّ.
لا تفسير آخر.
13:13؟
إن كانت الواحدة فلتكن الواحدة،
أو الواحدة وعشر دقائق،
لكن لماذا الواحدة وثلاث عشرة دقيقة؟
هل هي قافية؟ ماذا؟
“وفوق ذلك، وقت الغداء يبدأ من الواحدة!”
إن كان الإفطار البسيط بهذا الروعة،
فكيف سيكون الغداء؟
سأنهي اللقاء خلال عشر دقائق فقط،
وأذهب لتناول الطعام.
كنتُ أمسح الفضّة بحماسٍ مشتعِل.
وأخيرًا، حلّت الساعة 13:13.
“أهلًا بكِ، لينا.”
في المكتب الذي دخلتُه،
كان هناك رجل شديد الوسامة، إلى حدّ يُبهِر الأبصار.
واو……
من اليوم فصاعدًا،
نموذجي المثالي هو الرجل غريب الأطوار.
التعليقات لهذا الفصل " 5"