4
وفوق ذلك، لم أكن قد قرأتُ مؤخرًا أيّ رواية يظهر فيها نبلاء يعيشون في قصرٍ فخم كهذا، مع خدمٍ يتنقّلون في أرجائه.
لذلك، لا بدّ أنّ الصحيح هو أنّني تجسّدتُ داخل ذلك المنشور الساخر الخاصّ بالتوظيف الذي قرأته.
أوّل تجسّد في منشورٍ فكاهي في تاريخ العالم.
لا بدّ أنّه لم يسبق لأيّ شخصٍ متجسّد أن دخل عالم منشورٍ فكاهي من قبل.
“آه، ذاك الشخص قال لي شيئًا ما.”
نا،نا… ما اسمه… ذاك الشيء.
ضغطتُ على صدغَيّ محاوِلةً استدعاء ذاكرتي، لكنّني لم أتذكّر شيئًا.
لقد كان فعلًا مصطلحًا أراه لأوّل مرّة.
وبعد أن حاولتُ نبش ذاكرتي عدّة مرّات، استسلمتُ أخيرًا.
فحتّى لو تذكّرتُ الكلمة، فلن أعرف معناها على أيّ حال، لذا لا فائدة من ذلك.
‘…لكن، إذًا، هل سيعطونني كما كُتب في المنشور، مليارًا في السنة؟’
خرجتُ لأتفقّد داخل القصر، لكن أفكاري استقرّت مرّةً أخرى عند مسألة الراتب.
في الحقيقة، كان ذلك أكبر ما يشغلني في الوقت الحالي.
ماذا؟
هل أنا شخصٌ مخجل إلى هذا الحدّ؟
لكن لا حيلة لي.
لم أعد أرغب في عيش حياةٍ يملؤها القلق والخوف من المستقبل دون دخلٍ ثابت.
‘مليار في السنة… سيحوّلونه إلى عملة هذا المكان ويعطونني ما يعادله، أليس كذلك؟
لا أعرف مستوى المعيشة هنا، لكن لا يمكن أن يكون مكانًا مرعبًا لدرجة أنّ مليارًا لا يكفي لشراء منزل.’
لعلّ ذلك بسبب نومي العميق ليلةَ البارحة، إذ بدأ تفكيري الإيجابي يعمل بلا توقّف.
صحيح أنّني تجسّدتُ في مكانٍ مجهولٍ دون إرادتي، لكن بدا لي أنّ كلّ شيءٍ سيسير على ما يُرام.
حسنًا.
هدف اليوم هو التكيّف أوّلًا، ومع مراقبة الفرص، سأسأل رئيسة الخدم عن راتبي!
“همم همم.”
بدأتُ أتمشّى في ممرّ الطابق الأوّل وأنا أدندن بخفّة.
كانت مساكن الخدم متّصلة مباشرةً بالمطبخ وقاعة طعام الخدم.
وعلى الجهة المقابلة، خلف السُّلّم المركزي، وُجدت قاعة خاصّة بالخدم، وغرفة غسيل، وعدّة غرفٍ أخرى يبدو أنّها تُستخدم كمخازن.
“هنا يوجد سُلّم أيضًا.”
لا بدّ أنّ هذا هو السُّلّم الذي يُسمح للخدم باستخدامه.
وحين صعدتُ الدرج، ظهر الطابق الثاني أكثر فخامةً ورُقيًّا.
كان الطابق الثاني مساحةً مشتركة، تضمّ قاعةً للحفلات، وغرفة طعام، وعدّة غرفٍ أخرى.
“واو، هذه قاعة حفلات.”
نظرتُ إلى الداخل بخلسة، فكان مبهِرًا إلى حدٍّ مذهل.
عادةً ما يرقص البطل والبطلة في روايات الرومانسية الخيالية في أماكن كهذه.
لكن بما أنّني لم أتجسّد في رواية رومانسية، فلا علاقة لي بذلك.
الطابق الثالث مخصّص للكونت، ولا يُسمح لي بالتجوّل فيه بحرّية في هذا الوقت.
تجاوزتهُ.
الطابق الرابع كان مكتبةً ضخمة.
ومن نظرةٍ سريعة، بدا أنّ هناك غرفةً عُلّقت فيها لوحاتٌ فنيّة.
واو، هذا المكان أشبه بمتحفٍ حقيقيّ.
أمّا الطابق الخامس، فمعظم غرفه بدت فارغة.
ليست خالية تمامًا من الأثاث، لكنّها غير مستخدمة حاليًّا.
حسنًا، فالقصر بهذا الحجم، من الطبيعي ألّا تُستعمل كلّ الغرف.
ثمّ…
“الطابق السادس….”
كان لا يزال هناك درجٌ يصعد إلى الأعلى.
تردّدتُ قليلًا أمامه.
لقد صعدتُ حتّى الطابق الخامس، ومع ذلك لا يزال هناك درجٌ آخر.
لكن في قواعد العمل التي قرأتها بالأمس، ذُكر بوضوح أنّه لا يوجد طابقٌ سادس.
إذًا، إلى أين يؤدّي هذا الدرج؟
“هل هو السطح…؟”
مرّت في رأسي صور مقاهي الأسطح الفاخرة التي رأيتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالطبع، لا يمكن أن يوجد شيء كهذا هنا، بل سيكون مجرّد سطحٍ عاديّ.
“هل من الممكن أنّهم كتبوا الطابق السادس بدلًا من السطح عن طريق الخطأ؟”
إن كان كذلك، فحظر الدخول إلى الطابق السادس يصبح مفهومًا إلى حدٍّ ما.
فالأسطح، بطبيعتها، مناطق يجب حظرها احتياطيًّا.
لم أرَ في حياتي، لا في مدرسة ولا في مجمّعٍ سكنيّ، سطحًا مفتوحًا للجميع.
الأسطح المفتوحة لا تظهر إلّا في المسلسلات، حين يستمتع الموظّفون بالقهوة وأوقات الراحة.
“هممم.”
أنا فضوليّة قليلًا.
هل يمكنني رؤية ما في الأعلى من بين درجات السُّلّم؟
بعد تردّدٍ قصير، لم أضع قدميّ على الدرج، بل اكتفيتُ بالاتّكاء على الدرابزين وإمالة رأسي.
فهذا أوّل يومٍ لي في العمل باسم لينا، وخرق القواعد منذ البداية لا يبدو أمرًا جيّدًا.
“أوه، لا أرى شيئًا.”
صحيح أنّ الدرج واسع، لكن ليس إلى درجةٍ تمنع رؤية الطابق الذي يعلوه.
فلماذا لا يظهر شيء؟
كان مظلمًا على نحوٍ غريب، وكأنّ أشعّة الشمس لا تصل إلى الأعلى أبدًا.
وفي اللحظة التي أملتُ فيها جسدي أكثر بدافع العناد…
“لينا.”
“آآآه!”
نادى أحدهم اسمي فجأة.
ارتبكتُ وقفزتُ كدتُ أسقط من فوق الدرابزين.
جلستُ في مكاني، ثمّ رفعتُ رأسي.
“ه-هَه… رئيس الخدم؟”
كان ألفريد غراي، رئيس خدم عائلة إيرل ريتشموند، ينظر إليّ بوجهٍ جامد.
كان رجلًا متقدّمًا في السنّ، وقد شاب شعره، ولعلّ هيبته جعلتني أشعر كطفلةٍ ضُبطت وهي ترتكب خطأً.
نهضتُ بسرعة وقلتُ:
“آه، حسنًا… استيقظتُ مبكّرًا جدًّا، فخرجتُ لأتمشّى قليلًا.”
“تتمشّين داخل القصر؟”
“نعم.”
حدّق بي رئيس الخدم مطوّلًا.
لا بدّ أنّ كلامي بدا غريبًا.
فالمرء عادةً يتمشّى في الحديقة، لا داخل القصر،
وخاصةً في هذا الفجر الهادئ حيث لا يوجد أحد.
‘لا تقل لي إنّه ظنّ أنّني أحاول سرقة شيءٍ خِلسة؟’
وفي اللحظة التي هممتُ فيها بتقديم عذرٍ إضافي…
“هل تودّين الصعود؟”
أشار رئيس الخدم بذقنه نحو الأعلى وتحدّث فجأة.
اتّسعت عيناي دهشةً.
هل يُسمح لي بالصعود؟
مع أنّ القواعد نصّت بوضوح على عدم الصعود إلى الطابق السادس.
“هل هذا مسموح؟”
“الأمر متروكٌ لكِ.”
قالها ببرود.
تردّدتُ قليلًا.
كنتُ فضوليّة لمعرفة ما إذا كان الطابق السادس هو السطح فعلًا،
وإن كان كذلك، فمشاهدة الشروق الآن قد تكون منظرًا رائعًا.
كما أنّني سأتمكّن من إلقاء نظرة على محيط القصر.
بما أنّ رئيس الخدم هو من اقترح، فلا بأس، أليس كذلك؟
“نعم. سأصعد.”
وبمجرّد أن أجبته، بدأ بالتقدّم دون كلمةٍ واحدة.
وكأنّه كان ينتظرني لأقول ذلك.
طُك… طُك.
في القصر الساكن، لم يُسمع سوى وقع خطواتنا على الدرج.
ربّما لأنّني أرتدي حذاءً، بدا الصوت أعلى من المعتاد.
حتّى الآن، كنتُ منشغلةً بمشاهدة المكان، فلم ألحظ صوت خطواتي.
يا للعجب، من الجيّد أنّني لم أتجوّل في الطابق الثالث.
لو استيقظ الكونت بسبب الضجيج، لكان الموقف محرجًا بحقّ.
‘هم؟’
…لكن، لماذا يوجد صوتٌ واحد فقط؟
توقّفتُ فجأة أثناء الصعود.
وحين توقّفت، توقّف رئيس الخدم أيضًا عند زاوية الدرج.
“ما الأمر؟”
“لا، لا شيء…”
أملتُ رأسي باستغراب ثمّ قلتُ له:
“سيدي، هل يمكنك أن تصعد قبلي؟”
حدّق بي للحظة، ثمّ صعد درجةً واحدة.
يا إلهي…
لم أكن أتخيّل، لكنّه حقيقيّ.
“مذهل!
خطواتك لا تُصدر أيّ صوتٍ على الإطلاق!”
هل هذه هي الخبرة التي لا يمتلكها سوى كبار الخدم؟
أُعجبتُ به من أعماق قلبي.
يُقال إنّ خدم العائلات النبيلة قديمًا كانوا يدرسون في مدارس خاصّة.
بالفعل، أنا، خادمةٌ مبتدئة، لا يمكن مقارنتي بهذه الأناقة.
“هذا رائع حقًّا.
كيف يمكنني المشي بأناقةٍ وهدوءٍ مثلك؟”
“……”
“هل ترفع كعبك أثناء المشي؟”
قلّدتُ خطواته عدّة مرّات في مكاني.
كان في داخلي نصف رغبةٍ بالتعلّم، ونصف رغبةٍ بالتملّق.
فكرّتُ بالأمر، ورئيس الخدم هو صاحب النفوذ الأكبر بين الخدم.
لن يضرّ أن أترك انطباعًا جيّدًا منذ الآن!
طَق طَق.
كانت خطواتي تُصدر صوتًا كراقص نقرٍ على الأرض.
توقّفتُ وأطلقتُ ضحكةً محرجة.
“هيهي، لا أنجح في ذلك.”
“……”
“آه، بالمناسبة، كم الساعة الآن؟
أظنّ أنّ وقت الإفطار اقترب.
في الحقيقة، لم أتناول العشاء البارحة واغمى عليّ، ومنذ قليل ومعدتي تُصدر أصواتًا.”
“السادسة وخمسون دقيقة.”
“هاه! لم يتبقَّ الكثير!”
قفزتُ درجتين دفعةً واحدة.
وحين اقتربتُ فجأة، اتّسعت عينا رئيس الخدم دهشةً.
تشابكتُ بذراعه كما تفعل حفيدةٌ مدلّلة مع جدّها.
“لننزل معًا، سيدي.”
“ما الذي تفعلينه…؟”
“أوه.”
وحين وصلتُ إلى بسطة الدرج، وقع بصري أخيرًا على الطابق السادس،
فخرجت منّي صيحة إعجابٍ لا إراديّة.
التعليقات لهذا الفصل " 4"