لم يستطع غيلبرت سوى تحريك وجهه قليلاً جانباً،
وكان عاجزاً عن رفع جسده من على السرير.
وعندما اقتربت منه، جلست أوريليا بجانبه لتكون على مستوى نظره.
“إنه لشرفٌ لي أن تتذكرني رغم أننا التقينا لفترةٍ وجيزة فقط، يا سيد غيلبرت.”
ثم نظرت إليه بابتسامة لطيفة.
“لقد جئتُ إلى عائلة إليزيل لأكون زوجةً لك، سيد غيلبرت.”
نظر غيلبرت إليها متعجباً.
“لتتزوجيني؟”
“ألم يخبرك بيل بأي شيء؟”
“سمعت أنه يرغب في دعوتكِ إلى هنا، لكن لم أكن أعلم أن الأمر يتعلق بهذا الموضوع…”
اقترب فيل من غيلبرت ونظر إليه،
“لو لم أفعل ذلك، لما وافق أخي أبداً. لهذا السبب،
طلبتُ دعوة الآنسة أوريليا لتأتي إلى هنا.”
صمت غيلبرت قليلاً، ثم نظر إلى أوريليا.
“لن أقول شيئاً سيئاً، لكن الأفضل أن تعودي إلى منزلكِ. جسدي بحالٍ سيئة،
وإذا تزوجتيني، فلن أجلب لكِ إلا المتاعب. رؤية وجهكِ هنا تكفيني.”
نظرت أوريليا إلى الابتسامة اللطيفة التي رسمها رغم تعبه، وشعرت بضغطٍ في قلبها.
‘كما قال بيل، يبدو أن غيلبرت سعيدٌ بحضوري، ولكن…’
نظرت أوريليا إلى غيلبرت و تحدثت بجدية،
“لقد جئت إلى هنا برغبة أن أكون بجانبكَ يا سيد غيلبرت.
لكن، هل أفتقر للكفاءة اللازمة لهذا؟ فكما ترى، لدي ندبة قبيحة على وجهي،
وكمعالجة، ليست لدي قدرات مميزة.
إن كنت سأكون عبئاً عليك، فسأغادر على الرغم من أسفي.”
“هذا مستحيل…، لا يمكن أن تكوني عبئاً…”
“إذاً، أرجو أن تترك لي الفرصة للبقاء بجانبك.
لدي ظروف عائلية تجعلني مضطرة لمغادرة عائلة الفيكونت فورغ.
قد تكون لدي عيوب كثيرة، لكن إن كنت تتمنى ذلك،
فسأبذل قصارى جهدي لأقوم بواجبي كزوجتك.”
“هل أنتِ متأكدة من رغبتكِ بذلك؟”
رأت أوريليا الضوء يعود في عينيه، وابتسمت بسعادة نحو غيلبرت،
الذي كان ينظر إليها بشيءٍ من الإعجاب.
“نعم، يا سيد غيلبرت.”
احمرَّ وجه غيلبرت قليلاً، ورفع يده اليمنى ببطء من تحت البطانية نحوها.
“شكراً لكِ يا أوريليا. سأقبلُ عرضكِ بسرور.”
أمسكت أوريليا يده برفق بكلتا يديها.
“أتمنى أن نكون على وفاق من الآن فصاعداً، يا سيد غيلبرت.”
“وأنا أتمنى نفس الشيء يا آنستي.”
نظرت أوريليا إلى بيل بنظرة خفيفة، فوجدته ينظر إلى غيلبرت بابتسامةٍ واسعة.
‘أنا سعيدة. لكن لا تزال هناك الكثير من الاشياء التي لا افهمها…’
كانت أوريليا لا تزال تتساءل عن السبب الذي جعل غيلبرت،
الذي كان محط غيرة الجميع بقوته ونسبه وجماله، يرغب بها.
ومع ذلك، عندما رأت الابتسامة الهادئة ترتسم على شفت غيلبرت،
شعر قلب أوريليا بالدفء وهو يتسرب إليها تدريجياً.
في تلك اللحظة، طُرِق الباب برفق. وعندما فتح بيل الباب، أطلَّ كبير الخدم المسن.
“آه، إنه ألفريد.”
“أعتذر على الإزعاج.”
انحنى ألفريد باحترام، ثم تحدث بنبرة دافئة بعد أن شعر بالأجواء المريحة التي تملأ الغرفة.
“أعتذر عن المقاطعة، يا آنسة أوريليا، لا بد أنكِ متعبة من رحلتكِ الطويلة.
لقد جهزنا غرفتكِ، وسيسرني أن أصحبكِ إليها متى رغبتِ.”
“شكراً لك.”
أومأت أوريليا برأسها امتناناً لألفريد، ثم التفتت نحو غيلبرت وابتسمت له.
“سأعود لاحقاً.”
“نعم، شكراً لكِ على كل شيء.”
وبعد أن أُغلِق الباب، اقترب بيل من غيلبرت بخطواتٍ نشيطة، وجلس بجانب سريره.
“يسعدني أنك لم ترفض بشكل عنيد هذه المرة، أخي. أليس كذلك؟ ألم يكن قدومها أمراً جيداً بالنسبة لك؟”
غطى غيلبرت وجهه بيده ليخفي احمرار وجهه.
“أجل، لم أتوقع أن يحدث شيء كهذا. ما زلتُ قلقاً من أن تندم على الزواج مني، لكن… شكراً لك، بيل.”
ابتسم بيل وبدت عيناه تلمعان.
“لا تقلق، أخي. جاءت الآنسة أوريليا إليك بإرادتها الحرة.”
“إذا كنت تقول هذا يا بيل، فسأصدقك… لم يسبق أن أسأتُ فهمكَ ولو لمرةٍ واحدة.”
“نعم، على الرغم من أنني غالباً ما أتضايق من سماع الأصوات المزعجة في عقول الناس، لكن هذه المرة فقط أشكر الرب على هذه القدرة.”
كانت لدى بيل قدرة فريدة على سماع أفكار الآخرين، وهي قدرة وُلِد بها ولم يكن مرتاحاً دائماً بسببها.
في عائلة الدوق إليزيل، لطالما وُجد أفراد يمتلكون قوى غريبة مختلفة عن السحر التقليدي.
ورغم هذه الميزة، إلا أن بيل عانى كثيراً بسبب سماعه المتكرر لنوايا الكبار المليئة بالطمع والحسد، ما جعله يشعر بالنفور منهم.
في تلك الليلة، خرج بيل إلى الحديقة بعد أن ضاق ذرعاً بالأصوات المزعجة التي تغلفها الرغبات الدنيئة، راغباً في البقاء وحده، وهناك رأى بالصدفة ترافيس وبريجيت وأوريليا، فاستمع بصمت إلى حديثهم وأفكارهم الدفينة.
‘لم أكن أتخيل أبداً أن تتاح لي مثل هذه الفرصة..’
بينما كان يعيد التفكير في أصواتهم التي سمعها، تبع أوريليا بهدوء وهي تبتعد.
نظر بيل إلى أخيه الذي استعادت عيناه بريقهما بعد طول غياب، فازداد سعادةً.
“الآنسة أوريليا شخصٌ رائعٌ حقاً. لم أقابل من قبل شخصاً صادقاً ونقياً بهذا الشكل، تبدو لي وكأنها بحيرة صافية وشفافة.”
“هل شعرت بذلك أيضاً يا بيل؟”
مد غيلبرت يده و ربت بلطف على رأس بيل.
التعليقات لهذا الفصل "6"