Chapters
Comments
- 3 2025-08-21
- 2 2025-08-21
- 1 - مات زوجي 2025-08-21
ترجّلت إستيلّا من القطار ومعها الطفلة، في مدينة تُدعى “تشاميرون”، والتي تُعرف في الإمبراطورية بـ”العاصمة الثانية”.
وكانت الساحة أمام المحطة فسيحة، مرصوفة ببلاط أنيق، تعلوها ساعة شاهقة مبنية من الطوب الأحمر.
مكانٌ يأسر الأبصار… إلا أنه، بالنسبة لإستيلّا، لم يكن ليكون أسوأ.
“مدينة كهذه… أسوأ ما قد أواجهه.”
كل شيء فيها باهظ الثمن، وهي الآن مضطرة لأن تبدأ حياتها من جديد، من لا شيء.
وفقط التفكير في ذلك، يكفي لأن يورّثها الصداع.
“هوو…”
أول ما فعلته هو أن قادت الطفلة عائدة إلى داخل المحطة، متجهة إلى ركن هادئ، بعيدٍ عن الأنظار.
“هل تشعرين بالجوع؟”
هزّت الطفلة رأسها.
“أجيبي بالكلام.”
“…لا.”
“جيد.”
وبعد هذا الحوار القصير، أخرجت إستيلّا مظروفاً ورقياً من حقيبتها اليدوية—كانت قد وضعت فيه المال مسبقاً—وأدخلته في حقيبة الطفلة.
ثم وضعت الحقيبة الصغيرة بجانبها وقالت بنبرة حازمة:
“أنصتي جيداً.”
ركعت إستيلّا لتصبح بمستوى عيني الطفلة، وقالت:
“ابقي هنا وابحثي عن زوجين مسنين، يبدوان مهندمين ولطيفين. وحين ترينهما، اذهبي إليهما فوراً.”
نظرت الطفلة إليها بعينين تائهتين، لكنها واصلت حديثها بلا لين.
“أي شخص يمكنه التواجد في محطة القطار هذه، فهو بالتأكيد من الأثرياء. لذا لن يكون من الصعب العثور على من يبدو ثرياً.”
“…”
“ومن بينهم، اختاري زوجين كبيرين بلطفٍ ظاهر، ثم ابكي… وقولي إنك فقدتِ والدك. فهمتِ؟”
بعد لحظة صمت، سألت الطفلة بصوت خافت:
“…لماذا؟”
“لأن من ينظر إليك الآن، سيظنّكِ ابنة أحد النبلاء.”
ولهذا السبب نزعت إستيلّا عن الطفلة ثوب الحداد الأسود، وألبستها شيئاً يبدو فاخراً.
“لن يشكّ أحدٌ في كونكِ يتيمة. سيأخذك أحدهم إلى كنفه.”
رمشت الطفلة ببطء، ثم قالت:
“وماذا عنكِ؟”
“أنا راحلة.”
“لن… تبقي معي؟”
“صحيح. إن بقيتُ معكِ، فلن يأخذك أحد.”
فلا أحد ينتشل الأطفال من الشوارع.
أما الطفلة التي تبدو من النبلاء؟ فالأمر مختلف.
إن حالفها الحظ، ستتبناها أسرة نبيلة. وإن لم يحالفها، سيأخذها أحد الحراس إلى دارٍ لائقة.
“…”
لكن الطفلة لم تكن تدري شيئاً من ذلك.
وغامت ملامح وجهها بحزنٍ ثقيل.
حدّقت فيها إستيلّا وقالت بصرامة:
“لا تتخذي ذلك الوجه. أنتِ لستِ طفلةً تخلّى عنها أهلها—أنتِ طفلةٌ فقدت والديها.”
“لكن…”
“وإن سأل أحدٌ عن المال الذي أعطيتكِ إيّاه، فقولي إنه مال سفرٍ أعطتكِ إيّاه عائلتكِ. هكذا سيصدقون أنكِ من بيتٍ كريم، مفهوم؟”
ثم أتبعت كلامها بتعليمات أخرى:
لا تذكري أن والدكِ قد مات. قولي إنكِ كنتِ في رحلة عائلية.
وتجنّبي النساء اللواتي يضعن مساحيق تجميل كثيرة أو يرتدين ثياباً فاضحة.
وبصراحة، لم تكن إستيلّا تظن أن الطفلة ستتذكر كل هذا.
لكن بقية من ضميرها المرهق دفعتها لأن تشرح ما استطاعت.
“إن فعلتِ ما قلته بالحرف، فستنتهي بكِ الحال في بيتٍ محترم. وسيكون هذا أفضل بكثير من البقاء معي.”
وبهذه الكلمات الأخيرة، التي بدت أقرب للاعتذار منها للشرح، استدارت إستيلّا.
التقطت حقيبتها بسرعة، قبل أن تتمكن الطفلة من الإمساك بتنورتها.
لكن الطفلة لم تتحرك.
وقفت كتمثالٍ حجري، تراقب ظهر إستيلّا بصمتٍ مطبق.
وكانت إستيلّا تشعر بوخزٍ في ظهرها من شدة الذنب.
وحلقها كأنما امتلأ بالأشواك.
ومع ذلك، لم تتوقف.
“هذا هو الصواب.”
امرأة معها طفلة؟ لا تجد وظيفة حتى كخادمة بسيطة.
وطفلة لها أمّ على قيد الحياة؟ لا تثير أي تعاطف.
“لذا… فهذا الأفضل لكلينا.”
تتمتم بهذه التبريرات لنفسها، غادرت إستيلّا المحطة.
وما إن اقتربت من برج الساعة الكبير في الساحة، حتى سقط شيء ثقيل وبارد على جبهتها.
بلب. بلب.
“…هاه.”
وكأن ما مرّ لم يكن كافياً، ها هي السماء تتلبّد، وتهطل الأمطار فجأة.
حقاً، للبؤس وقاحة لا حدود لها.
“لا شيء يسير كما ينبغي…”
تنهدت طويلاً، وركضت نحو أقرب شجرة تحتمي بها من المطر.
كان يمكنها العودة إلى المحطة، فهي أقرب…
لكن، ماذا لو رأت الطفلة عودتها وركضت نحوها؟
وإن حدث ذلك…
هزّت إستيلّا رأسها بسرعة.
“طفلة في الثامنة من عمرها قادرة على النجاة بنفسها.”
إستيلّا—بل “ستيلا”—كانت يتيمة منذ ولادتها.
لابد أن لها أمّاً أنجبتها وأباً ساهم في وجودها، لكنها لا تذكر أحداً قط.
أول ذكرى لها كانت وهي تنبش في سلة قمامة، وتنال خدشاً من قطّ شارد.
كانت في الخامسة من عمرها حينها… تقاتل وحدها لأجل البقاء.
“تلك الطفلة… محظوظة في الحقيقة.”
لديها ثياب أنيقة، وحتى المال لتشتري به خبزاً.
“هذا ترفٌ… ترفٌ محض.”
وكأنها تحاول أن تقنع أحداً، كرّرت إستيلّا هذه الكلمات وهي تفتح حقيبتها.
كانت تنوي إخراج معطفٍ لتحتمي به من المطر.
لكن أول ما وقع عليه بصرها لم يكن معطفاً…
بل عقدٌ من اللؤلؤ.
“هذا…”
قطعة مجوهرات باهظة الثمن، كانت قد سرقتها خفية من القصر.
وضعتها في حقيبة الطفلة… قطعة ضمير أخيرة.
“لماذا هو هنا…؟”
ثم تذكّرت.
قبل نحو ثماني ساعات، بعد صعودهما إلى القطار، غلبها النعاس، ولم تنتبه حتى لأمتعتها.
— خشخشة!
— “آه…”
صوت ارتطام الحقائب، وهمسة خفيفة من الطفلة.
راودها أن تفتح عينيها، لكنها كانت منهكة تماماً—
من جنازة الأمس، ومن رحلتها إلى تشاميرون اليوم.
فأهملت احتمال أن تكون الطفلة قد عبثت بالحقيبة.
وأغفلت فكرة أن أحدهم قد يوبّخها لرؤية متاعها مبعثراً.
ثم نامت.
“إذاً…”
لابد أن الطفلة قد أخذت عقد اللؤلؤ والأقراط من حقيبتها، ووضعتها في حقيبة إستيلّا.
بيدٍ متيبّسة، التقطت إستيلّا العقد العاجي.
“لماذا… تفعل هذا…؟”
لقد وضعته في حقيبتها، أولاً ليُكمل مظهر “ابنة النبلاء”.
وأكثر صدقاً، لتخفف عن نفسها عبء ذنبها في ترك طفلة في الثامنة وحدها.
لكن ها هو، قد عاد إليها…
ضغطت إستيلّا شفتيها وأغمضت عينيها.
“كم هو أمرٌ مزعج…”
عضّت على أسنانها، وأغلقت الحقيبة بعنف، وما زالت تمسك بالعقد في يدها.
وكان المطر، الذي بدأ برذاذ خفيف، قد تحول إلى سيلٍ منهمر، يبلل أطراف ثوبها.
حدّقت إستيلّا في حاشية تنورتها الموحلة، وتمتمت مجدداً:
“كم هو مزعج… بحق الجحيم.”
الطفلة.
الوضع كله.
وأسوأ ما في الأمر—ضميرها المتخبط.
“هاه…”
أخيراً، حملت أمتعتها، واندفعت عائدة وسط المطر.
فشششش…
كان المطر الكثيف يحجب عنها الرؤية.
أكان ذلك من المطر، أم من شعورها الداخلي، لم تعد تدري أين تمضي قدماها.
لكن اللآلئ الباردة في يدها، كانت لا تزال تبثّ إحساساً حاداً لا يخطئه قلب.
لم تحاول إستيلّا أن تتجاهل هذا الإحساس.
ركضت عائدة نحو المحطة، ممسكة بعقد اللؤلؤ.
“هاه… هاه…”
تلهث، وهي تمسح جبهتها المبللة وعينيها، بيدٍ لا تزال تشدّ على العقد.
“آيلا…”
ومن دون تردد، بدأت تسير—بل تكاد تركض—نحو المكان الذي تركت فيه الطفلة.
وكان الماء يتساقط من شعرها المشبع.
“آيلا؟”
أخبرت نفسها أن القطرات المنحدرة على خديها ما هي إلا ماء المطر، ونادت مجدداً:
“آيلا!”
لكن لم يأتِها ردّ.
ولا حتى ظلّ الطفلة حيث تركتها.
فاض القلق في صدرها كالسيل.
جعلت تجري بين أروقة المحطة، تمسك الغرباء وتسألهم:
“هل رأيت فتاة صغيرة؟ تحمل دمية أرنب، ومعها حقيبة—”
“كلا، عذراً.”
“هل رأيت فتاة بهذا الطول؟”
“فتاة؟ همم، لست متأكداً.”
كم من الوقت أمضته تبحث؟
“هل رأيت فتاة صغيرة وحدها؟”
وأخيراً، ضيّقت سيدة مسنّة عينيها، كأنما تذكّرت شيئاً.
“فتاة… أعتقد أنني رأيت واحدة هناك، قبل قليل.”
“أين؟ أي اتجاه؟”
“هناك، عند البوابة الغربية.”
وأشارت إلى باب زجاجي—في الجهة المقابلة تماماً للبوابة التي دخلت منها إستيلّا.
كأن آيلا قد تعمّدت الابتعاد عنها قدر المستطاع.
“شكراً لكِ يا سيدتي.”
وانحنت إستيلّا لها بامتنانٍ عميق، ثم هرعت نحو البوابة الغربية.
وقبل أن تصل، أبصرت هيئة صغيرة جاثية في زاوية مظلمة—تحتضن ركبتيها بذراعيها.
لم ترَ وجهها، لكنه لم يكن هنالك شك:
إنها آيلا.
وعاد الدم يتدفق إلى أصابع إستيلّا المتجمدة.
“آيلا…”
ما إن نادت اسمها، حتى اجتاحها شعور عارم بالارتياح—كأن قلبها قد سقط إلى الأرض، ثم عاد ينبض.
صرخت إستيلّا بصوت أعلى، يتردد صداه في المحطة:
“آيلا!”
ارتجفت الطفلة، ورفعت رأسها.
واتسعت عيناها.
“أ…”
—أ…ماما؟
بدت وكأنها على وشك قولها، لكنها أطبقت شفتيها بسرعة، وأشاحت وجهها بعيداً.
“……”
كان وجهها الصغير يرتجف، وهي تكبح دموعها بصعوبة.
وذقنها الصغير تجعّد من شدّة كتمانها للبكاء.
اندفعت إستيلّا نحوها، وجثت على الأرض، قبالتها مباشرة.
“لماذا ما زلتِ هنا؟”
“……”
لم تجب الطفلة، وظلّت تدير وجهها، كأنها ترفض حتى النظر إليها.
لكن كلما تحدّثت إستيلّا، ازدادت عينا آيلا امتلاءً بالدموع.
ورؤية ذلك… كأن وتداً حديدياً قد غُرس في صدر إستيلّا.
“آيلا…”
زفرت، ثم، دون أن تفكر، جذبت الطفلة إلى حضنها برفق.
“أنا آسفة.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات