منذ الحفلة التي كشفت لي فيها حقيقة مشاعر يوديث، والتي ملأتني رعبًا وذهولًا، تغيرت طريقة تعاملها معي تمامًا.
كانت في الماضي ترتجف وتتوتر كلما رأتني، وتتجنبني وكأنني شبح، لكنها الآن… تلاحقني في كل مكان وتتصرف كخادمة وفية بطريقة مخيفة.
على مدى يومين بعد حفلة الفرسان، كانت تنتظرني أمام غرفتي، تقترح أن نتناول الطعام معًا، أو تركض خلفي بجنون في ساحة التدريب.
وبعد هذين اليومين من المطاردة، أصبحت أخاف من مجرد رؤية ظلها!
واليوم، في اليوم الثالث، بدأت أتنقل خلسة هنا وهناك لأتفاداها، حتى وصلت أخيرًا إلى مكتب كاردين.
تأكدت أن الممر خالٍ تمامًا، ثم أسرعت بالجري نحوه.
لكن فجأة، اخترق أذني صوتٌ غريب، نابض بالفرح المبالغ فيه من خلفي:
“هاه! وجدتكِ!”
يا ويلي… لقد تهاونت!
ظننت أن حاستي الحيوانية ستنقذني، لكن يبدو أن يوديث تجاوزت حدود البشر.
كيف تطاردني دون أن أشعر بها إطلاقًا؟!
استدرت مرتجفة، فرأيتها في نهاية الممر تبتسم لي ابتسامة مشرقة… لكنها كانت بالنسبة لي مشهدًا من فيلم رعب.
وبلمح البصر، اندفعت نحوي وركعت على ركبة واحدة أمامي.
“شو-شوو! اشتقتُ إليكِ! إلى أين تذهبين؟ سألاعبكِ! تعالي إليّ!”
صوتها الرقيق الناعم كان غريبًا جدًا عن تلك الأخت الكبيرة الباردة الكاريزمية التي كنت أعجب بها.
أين ذهبت تلك المرأة القوية التي كنت أتطلع إليها؟
هل كانت ضعيفة لهذه الدرجة أمام كرة فرو لطيفة؟!
قلت بجمود:
“صباح الخير، آنسة يوديث. أنا في طريقي إلى مكتب الدوق.”
حاولت أن أبدو جادة ورسميّة… وكأنني بشر، لا ثعلب صغير ناعم!
لو كنت أعلم أنني سأقابل يوديث، لتحولت إلى هيئة بشرية… لكن من الذي يريد غسل الشعر ووضع المكياج وارتداء تلك الفساتين الثقيلة؟! كوني ثعلبة أسهل بكثير—يكفي تسريح بسيط ويصبح الفراء منتفخًا وناعمًا، والجسد خفيف، وسهل الحركة.
“آه، أرأيتِ؟ حتى قلوبنا أصبحت متصلة! أنا أيضًا كنت في طريقي لرؤية أخي، فلنذهب سويًا.”
قالتها مبتسمة ثم اختطفتني في حضنها الدافئ دون أن أتمكن حتى من الهرب.
“هاه؟! أنزليني!”
“لا. ماذا لو تآكلت كفوفكِ اللطيفة؟! أختكِ ستحملك بنفسها. قولي فقط أين تريدين الذهاب، وسآخذك حيثما شئتِ.”
وبينما أحاول الخروج من بين ذراعيها، تغيرت نظرة عينيها تدريجيًا إلى تلك النظرة المجنونة التي تُرى في عيون من فقدوا عقولهم.
“آآآه، حتى دلعكِ لطيف للغاية! أحبك كثيرًا، حتى أن رؤيتك تؤلمني…”
“كآآآع!!”
ارتعد بدني بالكامل من الرعب.
يبدو أنه يجب عليّ أن أتوقف عن التمثيل أمام هذه المرأة… لا، يجب ألا أتظاهر بأنني ثعلب أصلًا.
لو أخرجت ريحًا أو تجشأت، فستقول إن ذلك ‘لطيف جدًا’ أيضًا!
لم أجد مفرًا سوى أن أبقى متصلبة في حضنها، كدمية بلا روح.
وأثناء مرورنا في الممر، بدأ الخدم يلقون التحية ليوديث، لكنهم ما إن رأوني في حضنها، حتى تبادلوا نظرات متفاجئة وهمسوا فيما بينهم:
“آنسة يوديث تحمل الآنسة شو شو؟! ظننت أنهما لا تتفقان.”
“حقًا! إنه أمر غريب… لكن من الجيد أن علاقتهما تحسنت.”
أنتم مخدوعون، كلكم! ألا ترون الحقيقة؟!
أنا أعيش تهديدًا لحياتي الآن، أرجوكم! أوقفوا جنون يوديث هذا!
رمقت الخادمات بنظرات استغاثة، لكنهن اكتفين بالابتسام لي كأنني طفلة صغيرة وحيينني بأيدٍ ملوّحة.
وما إن دخلنا إلى مكتب الدوق، حتى قفزت بكامل قوتي من حضن يوديث إلى طاولة كاردين.
“لا تذهبي، شو شو!”
صرخت يوديث ومدّت يدها تمسكني، لكنها أمسكت بالهواء فقط.
هبطت بهدوء بجوار كاردين، الذي كان يوقّع على بعض الأوراق، وحركت ذيلي بلطف.
“يا سيدي، أرجوك… ساعدني، كفها عن ملاحقتي!”
قطّب كاردين جبينه قليلًا وكأن الأمر كان متوقعًا.
“تبدين مرهقة. تعالي إليّ.”
مدّ ذراعه واحتواني بهدوء، فانكمشت في حضنه مرتاحة للمرة الأولى منذ يومين.
لكن منظرنا أغاظ يوديث كثيرًا، حتى أنها بدت كمن تحترق من الغيرة.
“أخي، هذا ظلم! كيف تستأثر بشو شو وحدك؟! دعني أحضنها أنا أيضًا!”
نظر إليها كاردين بنظرة حادة مليئة بالشفقة، وكأنه يرى طفلًا سخيفًا.
“يوديث، التزمي الوقار. لا تزعجي شو شو أكثر من هذا، وإلا فلن أقف مكتوف اليدين.”
“إزعاج؟! أنا فقط أحبها وأهتم بها!”
“شو شو رفيقتي. أنا من يتولى أمر حمايتها ورعايتها، لا أحد غيري… يوديث.”
قالها كاردين بنبرة هادئة صارمة، ما جعل يوديث ترتجف وتقبض يديها بقوة.
شعرت وكأن ظلالًا سوداء تنبعث من خلفها، كما لو كانت وحشًا شيطانيًا.
“رفيقة؟! لا أقبل بهذا أبدًا. لن أسمح بأن تصبح شو شو زوجتك!”
زوجته؟! لحظة، هل انتقلنا إلى ذلك المستوى بهذه السرعة؟!
كنت على وشك الاعتراض، لكن يوديث تقدّمت بسرعة مريعة وضربت الطاولة بيد واحدة بقوة.
“لا يمكنني أن أترك شو شو تتزوج من أخ بارد القلب وعديم المشاعر مثلك! ستعاني طوال حياتها! سأتبناها كأخت صغرى، أربيها بحب، وأغمرها بالعطف، ونعيش بسعادة!”
ثم تنفست بعمق، ونظرت
إلى كاردين بنظرة متسلطة ملؤها التهديد.
شعرها الأسود يتطاير، وزاوية فمها تنحني بابتسامة ملتوية، وكان الجو مشحونًا لدرجة أنني شعرت وكأنني أرى نسخة ثانية من كاردين.
لكن كاردين لم يتراجع، بل واجهها بنفس الحدة.
“كفى هراء، يوديث. لا تتجاوزي حدودكِ.”
أوه، لا يا دوقي العزيز… لا تكن قاسيًا جدًا على أختك!
نظرت إليهما بتنهيدة عميقة. أنا مجرد روبيان عالق بين صراع الحيتان.
أوه، لا… يوجد روبيان آخر.
في زاوية المكتب، كان مساعد كاردين، مايلد، واقفًا وهو يحمل مجلدات كأنها عبء حياته.
يا له من مسكين… تبادلنا نظرات تفهم، وابتسم لي ابتسامة باهتة يملؤها اليأس.
طرقت بمخلبَي على الطاولة بشدة:
“توقفا كلاكما! لا تتشاجرا بسببي! تحليا بالعقل.”
يبدو أن كلمتي كانت لها وزن، فتراجعت يوديث خطوة للوراء، وأومأ كاردين بالموافقة.
“بما أن شو شو قالت ذلك، فسنوقف الأمر لهذا اليوم.”
“حسنًا.”
مجرد التفكير في هذا الوضع بين الأخ وأخته أرهقني… ربما الهرب من المنزل سيكون أفضل.
بينما جلسنا أنا ويوديث على الأريكة في غرفة الاستقبال، بدأ كاردين الحديث:
“يوديث، كما طلبتِ، سأصعد إلى العاصمة بعد أسبوع.”
ابتسمت يوديث بفرح شديد.
“هذا رائع، أخي. ستكون جدّتنا في قمة السعادة. لقد هددتنا بقطع كل تعاملاتها التجارية معنا إن لم أحضرَك معي إلى العاصمة هذه المرة. ولا يمكننا خسارة علاقاتها مع سيدات الطبقة العليا.”
حقًا، لم تأتِ بلا هدف. تاجرة بارعة كما توقعت.
وضيّق كاردين حاجبيه، وكأن كلامها لم يكن مفاجئًا له.
“كنت أعلم أن وراءكِ شيئًا. لا يمكن أن تتركي كل شيء وتأتين بلا فائدة. لكن في الحقيقة، جدتنا ليست السبب الوحيد… هناك أمر أكثر إلحاحًا.”
“ماذا هناك؟”
“وصلنا هذا الصباح خطاب من القصر الملكي. جلالة الإمبراطور أمرني بالصعود إلى العاصمة.”
تبدّل وجه يوديث تمامًا، وأصبح جادًا وقلقًا.
“إذاً، القصر الملكي علم بأن طاقتك السحرية استقرت.”
“أجل. بفضل شو شو، استعاد عمي بيرت استقراره ويخضع حاليًا للعلاج. الإمبراطور مهتم بالأمر ويريد أن يسمع كيف نجحنا بذلك… بنفسه.”
التفت كاردين إليّ بنظرة ثابتة.
فشعرت بقشعريرة تملأ جسدي.
لا تقل لي…
“جلالة الإمبراطور أمر بأن تحضري معه يا شو شو.”
“أنا أيضًا؟!”
“شو شو أيضًا؟! مستحيل!!”
صرخت يوديث واقفة، وفتحت عينيّ على وسعهما من المفاجأة.
ما الذي يجعلها تعارض بهذه الحدة؟ هل هناك شيء خطير حقًا؟
“إذا عرف القصر بقوة شو شو، فقد يطمعون بها! ماذا عن موقف النبلاء الكبار؟ قد تُستخدم في صراع على السلطة! والأهم من ذلك…”
وأخيرًا، بدأت أستوعب خطورة الوضع.
أجل… يبدو أن راحتي في القصر الشمالي جعلتني أُغفل الواقع.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"