الفصل 63 – أنتِ من لمس جسدي أولاً
تفحّصني كاردين بنظرة صامتة من رأسي حتى قدمي، ثم غطى فمه بكفه وأدار وجهه جانبًا.
لحظة… لا يمكن أن يكون يسخر مني، أليس كذلك؟
كان كتفاه العريضتان ترتجفان بخفة وكأنه يبذل جهدًا خارقًا لكتم ضحكته.
أثارت ردة فعله سخطي قليلًا، فرمقته بنظرة جانبية مغتاظة.
“كاردين، هل… هل تضحك؟”
“لا، فقط… لا يليق بكِ كثيرًا.”
قالها بعد أن تمالك نفسه بالكاد وأخمد ابتسامته.
نفخت وجنتيّ برقة وحركت كمّ الرداء بملل. رغم أني طويت الأكمام مرارًا، إلا أنها ما زالت تتدلى على يديّ.
نظرات كاردين جعلتني أتساءل فجأة.
هذا الرجل أمامي يختلف كليًّا عن كاردين الشرير في الرواية الأصلية، ذاك الذي اعتدت قراءته. أمره يبعث على الدهشة.
في الرواية، كان كاردين مثالًا للفجور والانحطاط، لا يكاد ينام ليلًا دون امرأة جديدة، ثم ينبذهن بعد أن يملّ.
أما الآن… فهو رجل طاهر لا يدنو حتى من النساء، وكأن الطهر مجسّد في هيئته.
كنت دائمًا بجواره كرفيقة ظريفة، ومع ذلك لم أره قط يقترب من امرأة أخرى.
حتى الخادمات، بالكاد يتبادل معهن بضع كلمات.
ما الذي جعله يتغير هكذا؟
يقال إن الناس يتبدلون عندما يشعرون بدنو أجلهم…
نظر إليّ بريبة، وكأنه قرأ أفكاري.
“شوفيليا، لماذا تحدقين بي بهذه النظرة المريبة؟”
“آه؟ لا لا! إنها مجرد أوهام، لا شيء مهم.”
أجبت بسرعة مع ابتسامة مرتعشة. تبًا لحسّه المفرط.
حاولت كسر التوتر بخطى واثقة نحو السرير، لكن ما إن اقتربت حتى تراجع كاردين خطوة إلى الوراء.
“سأنام في الخارج.”
“ماذا؟ لماذا؟ أليست هذه غرفتك؟”
“لديّ العديد من الغرف الفارغة في القصر. ستشعرين بعدم الراحة هنا، لذا سأغادر.”
أسندت ذقني إلى كفيّ مفكرة، ثم قلت بابتسامة مرحة:
“ممم، لا بأس. فلننم هنا معًا.”
“ماذا؟!”
اتسعت عينا كاردين بدهشة مفرطة. ردات فعله هذه مبالغ فيها جدًا. يتصرف وكأن كل جملة مني زلزال.
“أعني… هذه غرفتك، وهذا سريرك. نم هنا، وسأذهب أنا لغرفة الضيوف.”
“لا يجوز. الليل بارد، وتدفئة غرفة الضيوف ستأخذ وقتًا. قد تصابين بالبرد قبل ذلك.”
قالها بنبرة صارمة قاطعة. آه، نسيت كم هو عنيد.
“أنا ثعلبة! لا أصاب بالبرد بهذه السهولة!”
انتفخت وجنتاي وقلت بتحدٍ.
رغم أنه ابتعد عني قليلاً، إلا أن عيناه الزرقاوان في ضوء الموقد كانت تخترقانني بنقاء باهر.
“أنا فقط… أقلق عليكِ.”
كلماته، التي خرجت بصوت عميق حنون، لامست قلبي.
ذلك القلق الصادق منحني شجاعة… بل، جرأة خفيفة.
“إذًا… لننم معًا.”
“ماذا؟!”
كاردين أغمض عينيه ثم فتحهما ببطء، مذهولًا.
رباه، أعتقد أنني أخطأت التعبير. أسرعت في التوضيح:
“أ-أعني، لا أقصد أن ننام على نفس السرير! أنا سأفرش على الأرض!”
“آه، فهمت الآن.”
بهدوء، مرر كاردين يده عبر خصلات شعره المتساقطة على جبينه، وظهر على شفتيه ابتسامة رخية.
اختفت عنه الصرامة، وبدا أكثر ارتياحًا.
رفع زاوية حاجبه بثقة وقال:
“شوفيليا… لا تندمي على قولكِ هذا لاحقًا.”
هذه المرة، أيقنت أنني تسرعت حقًا. الندم بدأ يتسلل إلي. ليتني قلت ببساطة: “سأنام في غرفتي الخاصة.”
“لا تقلق! وإن جرّأت على لمس جسدي، فسأعضّك!”
قبضت قبضتيّ وصرخت متحدية. نظر إليّ كاردين من علٍ، واضعًا ذراعيه بتأنٍ.
“همم… لكنكِ دائمًا من تبدأين بلمسي أولًا.”
… ماذا؟ أنا من لمسه أولًا؟!
“مستحيل! لا تفتعل الأكاذيب!”
استلقى كاردين على السرير بزاوية مائلة، مسندًا رأسه إلى يده، ناظرًا إليّ بثبات.
“حين كنتِ ثعلبة صغيرة، دائمًا ما كنتِ تحشرين نفسك بين ذراعي أو تنامين فوقي. إن استمرّت تلك العادة وأنتِ على هيئة بشر، فسيكون الأمر مربكًا.”
صرخت في داخلي.
صحيح! حين كنت ثعلبة صغيرة، كنت أستغرق في النوم على صدره القوي الدافئ بلا تردد.
ماذا لو تكررت تلك العادة الليلة…؟!
“لن يحدث هذا أبدًا! ألست تصدقني؟!”
حضنت وسادتي وصرخت بثقة. كاردين ابتسم برقة، وربّت بخفة على جانبه من السرير.
“أصدقكِ. الأرض باردة. تعالي للنوم هنا.”
“همف، فقط لأنك توسلت بلطافة! وإلا لما فكرت!”
تسللت بخجل إلى أحد طرفي السرير، محتضنة وسادتي كدرع.
لحسن الحظ، كان السرير واسعًا بما يكفي لنبقى بعيدين عن بعضنا.
“ستسقطين من حافة السرير.”
“لدي توازن ممتاز!”
“لكنني أذكر أنكِ تتحركين كثيرًا أثناء النوم…”
استدرت فجأة، مصدومة:
“أنا؟! تتحرش بي بالكلام؟!”
“عندما كنتِ ثعلبة، كنتِ تشخرين، وتتحركين، وأحيانًا تركلينني على وجهي.”
لم أجد ما أردّ به… كانت الذكريات تعود إلي.
تدور فوق سريره الكبير، ثم تغفو على بطنه المرتفع… يا للحرج.
دفنت وجهي في الوسادة، أفكر في العودة إلى غرفتي.
لكنه بعثر شعري بلطف وهمس:
“سواء كنتِ ثعلبة أو إنسانة… فأنتِ دومًا لطيفة.”
“توقف عن السخرية!”
غطيت رأسي بالملاءة، عاجزة عن التصرف.
كثعلبة، كنت أتباهى بلطافتي بلا تردد، لكن كبشر… الأمر مختلف.
“ستختنقين إن نمتِ
هكذا.”
“أ-أنا بخير! تصبح على خير، كاردين!”
صرخت من تحت الأغطية، وسمعت ضحكته المكتومة تخرج بخفة.
“تصبحين على خير، شوفيليا.”
ثم شعرت بشيء يلامس رأسي برفق. هل… هل قبّلني فوق الغطاء؟
لم تكن قبلة مباشرة، ومع ذلك سرت قشعريرة لذيذة في جسدي، وتجمعت أصابع قدمي بخجل.
تدثرت بالأغطية كدودة قز، متظاهرة بالنوم.
مرت دقائق، ثم بدأ صوت تنفس كاردين الهادئ يصل إليّ.
هو من النوع الذي يغفو ما إن يلامس رأسه الوسادة.
نظرت إليه وهو نائم بثبات نحو السقف، وأطلقت تنهيدة ارتياح خافتة.
قلبي ما زال يخفق بعنف. لا يمكنني النوم هكذا.
بدأت أعد نقوش الزهور على السقف… زهرة واحدة، اثنتان، ثلاث…
* * *
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
- سُبحان الله .
- الحَمد لله .
- لا إله إلا الله .
- الله أكبر .
- لا حَول و لا قوة إلا بالله .
- سُبحان الله و بِحمده .
- سُبحان الله العَظيم .
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.
-لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
-اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
-يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك .
التعليقات لهذا الفصل " 63"