“الآنسة يوديث كانت أيضًا قائدة فرسان حامية الحدود. وقد وصلت إلى هذا المنصب في سن الحادية والعشرين، بفضل براعتها الخارقة في المبارزة، حتى رغم كونها امرأة. فوفق تقاليد آل هيللايد، يجب على الرجال والنساء على حد سواء أن يتعلموا فنون القتال منذ الصغر.”
“لابد أن الأمر كان صعبًا للغاية عليها.”
لا عجب أن يُلقب آل هيللايد بسيوف الإمبراطورية. والآن بات من السهل فهم شخصية كاردن.
“الآنسة يوديث كانت قائدة متميزة، وقد حققت إنجازات عظيمة. لقد قضت على مئات من الوحوش. ولكن…”
“ولكن؟”
“لكنها أعلنت أنها لم تعد قادرة على مواصلة القتال، وغادرت قلعة الشمال. كان ذلك بمثابة هروب.”
يبدو أن شقيقة كاردن لا تقل عنه بأسًا. شخصيتها صريحة ومنعشة، تعجبني.
“وماذا فعل الدوق حينها؟”
حك بيرك ذقنه المكسوة بشعيرات خشنة، ثم تحدث بنبرة جادة:
“ظاهريًا، قام الدوق بحرمانها من حقها في وراثة اللقب، بحجة أنها تخلّت عن واجب العائلة. كان ذلك بمثابة طرد رسمي.”
“طرد؟”
“نعم. وفق قوانين آل هيللايد، فإن الموت أثناء مقاتلة الوحوش هو شرف يليق بعائلتنا. أنا فارس، ولكن رجال آل هيللايد ونساؤهم، فرسان حتى النخاع. ولأن الآنسة يوديث خالفت تلك القوانين، كان القرار بطردها.”
“رغم ذلك، فهي شقيقته! أن يُقدم على طردها يبدو قرارًا قاسيًا جدًا.”
شعرت بالأسى من أجل شقيقة كاردن.
تُجبر على قتال الوحوش لمجرد أنها تنتمي إلى عائلة آل هيللايد؟ لا بد أن لديها أحلامًا وطموحات أخرى في الحياة.
لكن بيرك هز رأسه نافيًا وصحّح لي بلطف:
“شوشو، الأمر ليس كما تظنين.”
“هاه؟”
“صحيح أن الدوق أعلن رسميًا طردها، لكنه لم يسحب منها حقها في الميراث أو مكانتها كوريثة للعائلة. بل في الواقع، كان يتمنى لها حياة حرة. أرادها أن تعيش كما ترغب.”
“حقًا؟”
فتحت عيناي على وسعهما من الدهشة، بينما بدا على أوين — الذي ظل صامتًا — علامات المفاجأة.
“الدوق، المعروف بشدته، سمح لها بالرحيل؟ لم أكن أتوقع ذلك.”
“دوقنا الجليل يبدو صارمًا من الخارج، لكن قلبه دافئ كقلب فارس نبيل بحق. لم يُرِد لأخته الوحيدة أن تعاني في هذه الأرض القاسية، لذا قرر تحمّل عبء حماية الشمال والحدود وحده… آه…”
بدأت عينا بيرك تدمعان، فمسحهما بظاهر كفه، ثم رفع كأس النبيذ واحتساه دفعة واحدة.
ساد لحظة من الصمت والسكينة على الطاولة.
من كان يظن أن في قلب كاردن قصة كهذه؟ لم يخطر ببالي أبدًا.
حين دخلت قصر الدوق لأول مرة، كانت جميع اللوحات المعلّقة على الجدران تصوّر أسلافه، ولم يكن بينهم أحد حي سوى كاردن.
آل هيللايد، تلك العائلة التي كرّست نفسها للقتال وسحق الوحوش لحماية المملكة، نالوا المجد بدمائهم. لكن في نهاية المطاف، لم يتبقَ سوى كاردن وحده.
ربما سمح لشقيقته بالرحيل لأنه أراد حمايتها، على الأقل هي.
تساءلت في قلبي، بأي شعور كان يراقبها وهي تغادر؟ وكيف له أن يواصل العيش وحيدًا في هذه الأرض المقفرة، وقد دفن فيها كل من أحب؟
كدت أن أبكي، لكنني تمالكت نفسي.
الناس يرونه “سيف الإمبراطورية”، لكنني أشعر وكأنه أُجبر على أن يكون هذا السيف، ولم يُمنح خيارًا آخر.
في أثناء ذلك، أدار بيرك وجهه إلي وهو يراقبني، ثم نقر بلسانه مستنكرًا:
“شوشو، أنتِ أيضًا حزينة لأن أبناء عشيرتك غادروا، أليس كذلك؟ خذي، اشربي كأسًا وانسي الهم!”
“ككك؟ نبيذ؟!”
ارتفعت فروتي كلها انتشاءً، وذُيلي انتصب من الفرح.
النبيذ؟ كم عانيت بعد تجسدي هنا دون أن أتذوق ولو رشفة واحدة!
أخذت ألوّح بذَيلي بحماس، وشرعت أومئ رأسي بقوة. لكن فجأة، اعترضني صوت غير متوقع. إنه الطالب المثالي… أوين.
“هذا مرفوض تمامًا.”
لحظة، أوين، رجاءً، التقط الإشارة. هذا ليس وقت التدخل!
ظهرت التجاعيد بين حاجبي بيرك وهو يتمتم بضيق:
“ما الذي تقوله؟ على الأقل يجب أن تتعلم شوشو كيف تتذوق الخمر.”
“مع ذلك، لا يمكن السماح لها. شوشو من سلالة الوحوش، والمشروبات البشرية قد تؤثر سلبًا على جسدها.”
“آه، يا سير أوين، لمَ هذا التشدد؟ في نهاية المطاف، لا يُعد الإنسان بالغًا بحق حتى يتعلم كيف يشرب الخمر!”
بالضبط! من لا يعرف طعم الخمر، لا يُعد إنسانًا بحق.
بيرك أحيانًا ينطق بالحِكَم.
هززت ذيلي موافقة بكل سرور.
كان بيرك يناولني كأس النبيذ، بينما أوين يرفض بشدة، يتجادلان بصوت مرتفع. حينها، خيّم ظل ضخم خلفهما.
رجل ضخم البنية، ذو ملامح قاسية، يرتدي مريولًا أسود، ظهر حاملاً صينية نحاسية وعلى وجهه عبوس مطبخي مخيف.
تراجع بيرك وأوين خطوة للخلف بتأثير هيبته.
هل ينوي ضرب أحد بالصينية؟!
لكن بدلًا من ذلك، وضع الكوب أمامي برفق.
“شوشو، تذوقي هذا.”
رغم هيئته القوية، لطالما عاملني هذا الطاهي كعمٍّ عطوف، يمنحني دائمًا وجبات خفيفة ولحمًا مجففًا.
نزل الكوب على الطاولة، وكان يعجّ بشرائح ليمون مجففة تطفو على سطح سائل دافئ تفوح منه رائحة عطرية.
“ما هذا، عمي الطباخ؟”
“إنه بَنْشو.
نبيذ دافئ يُطهى مع الليمون المجفف، والتفاح، والعنب، والعسل. نكهته تشبه النبيذ، لكن تأثيره خفيف، مناسب لكِ.”
“شكرًا لك، عمي.”
“إطعامكِ مسؤوليتي، فلا داعي للشكر.”
ربت الطاهي على رأسي بلطف. كنت الوحيدة التي تعرف كم تكون لمسته حانية رغم ضخامة كفه.
“والآن، فلنرفع الكؤوس جميعًا!”
رفع بيرك وأوين كؤوسهما، ولامسوا برقة كأسي الخزفي.
وسط ضحكاتهم، شعرت بشيء ينقصني. تمنيت لو كان كاردن هنا معنا.
“متى سيعود الدوق؟ لقد تأخر كثيرًا في اجتماع مجلس النبلاء.”
قلت ذلك بنبرة خفيفة مشوبة بالحزن، فابتسم بيرك قائلًا:
“لا، لا. أنا فقط… من الجيد أن نجتمع جميعًا. هذا كل ما في الأمر.”
أشحت بنظري بخجل.
ربّت أوين على رأسي بحنان وقال:
“لا تقلقي، شوشو. سيعود قريبًا. إلى ذلك الحين، كوني معنا. اشتقنا إليكِ.”
“سير أوين محق. من الجيد أن نتحدث معكِ حين يغيب الدوق.”
ضحك بيرك ملء صوته وواصل شرب النبيذ. كان يشرب كمن لا يمسّه السكر. ربما يجب أن يُقدَّم له برميل لا زجاجة!
ارتشفت من كأس البنشو. كانت نكهته الحلوة والعطرية تمزج بين العنب والليمون، ساحرة.
رغم أنه شبه خالٍ من النبيذ، إلا أن مذاقه رائع. أكتفي برائحته لأشعر بالسكر.
وبينما أنا منغمسة في التذوق، ناولني أوين شيئًا صغيرًا ملفوفًا بمنديل.
“تفضلي، شوشو. هدية صغيرة لك.”
“هدية؟ لي؟ حقًا؟”
فتحت المنديل لأجد مشبك شعر مرصع بحجر مصقول على هيئة ندفة ثلج، يتلألأ تحت الضوء.
“آه… كم هو جميل.”
“اخترته لأنه يناسب شعركِ الفضي.”
“أوين، شكرًا لك من أعماق قلبي. أحببته كثيرًا.”
احتضنت المشبك برقة، وابتسمت من كل قلبي. لم أتوقع هذه الهدية المفاجئة، وقد أثرت بي فعلًا.
“حين أصبح إنسانة، سأرتديه فورًا.”
“أنا متشوق لرؤية شوشو في أبهى حلّتها.”
ابتسم أوين بلطف، وخصلاته الذهبية تهتز تحت وهج الضوء. للحظة، شعرت وكأننا في صالون أرستقراطي فاخر، لا مطبخ الجنود.
بيرك الذي كان يراقب، نقر بأصابعه متأسفًا:
“آه، لو كنت أعلم، لأحضرت لكِ هدية أيضًا! انتظريني، شوشو!”
“ككك؟”
“سأقضي على بعض الوحوش وأجلب لكِ حجرًا سحريًا. أو ما رأيك في عقد مصنوع من أنياب الوحوش؟ سيكون رائعًا!”
“أقدّر نيتك فقط، سيدي.”
عقد من أنياب الوحوش؟ مجرد تخيله جعلني أرتجف. ارتجفت بشدة.
ثم عدت لاحتساء البنشو والتلذذ باللحم المجفف الذي يقدمه أوين، حين راودتني فجأة فكرة.
“بالمناسبة، كيف أصبحت الآنسة يوديث سيدة تجارة؟”
كان بيرك يمضغ اللحم ويهز رأسه بالإعجاب:
“بعد أن ذهبت إلى العاصمة، بدأت الآنسة يوديث بإدارة قافلة تجارية تابعة لعائلة هيللايد. كانت قافلة صغيرة تبيع الأحجار السحرية وجلود الوحوش. لكنها وبفضل موهبتها التجارية، طوّرت القافلة ووسعت نطاقها حتى غطّت أرجاء الإمبراطورية. هذه القافلة تُعرف الآن باسم قافلة هيليون.”
“رائع! إنها مذهلة حقًا. أن تحقق كل هذا بمفردها… كم أتوق لرؤيتها.”
شقيقة كاردن، لا بد أنها فاتنة ومهيبة كما هو تمامًا.
* * *
يا بنات، بمناسبة عنوان (من لا يعرف طعم النبيذ لا يُعد إنسانًا بحق)، أحب أقولكم إننا مش بشر بقى… إحنا أنقى
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 60"
بالله المترجمة سكر 😭🤍🤍🎀