ذلك الجناح الذي يقع في أقصى الشمال الغربي من القلعة، في أعمق بقاعها وأكثرها عزلةً.
من الخلف، يحيط به غابة كثيفة، كأنها حائط أخضر لا نفاذ منه، ومن الأمام ينتصب سور بعلو ثلاثة أمتار يعزل ما وراءه عن العالم. بل وقد أقيم برجَا مراقبة على كلا الجانبين، وكأنما هو سجن وليس جناحًا تابعًا للقلعة.
أمام البوابة الحديدية الضخمة، وقف عشرات الجنود مدججين بالرماح والدروع، يحيطون بالمكان كحلقة من الفولاذ.
كنت لا أزال بين ذراعي رون، أنظر إلى الجناح وأفواهي مشرعة من الدهشة.
“هذا لا يبدو كمنزل جانبي… بل كأنه سجن!”
همس رون بنبرة حزينة وهو يضمّني أكثر:
“أنتِ على حق، شوشو… الجميع هنا يسمّونه السجن الذي يُحتجز فيه طيف لعنة آل هيلايد.”
آه… الآن تذكرت. لقد كانت الخادمات في القصر يهمسن دومًا بوجود وحش في ذلك الجناح.
كنت على وشك سؤاله عمّا يختبئ هناك، لكن رون أنزلني برفق على الأرض.
“آسف، شوشو. انتظريني هنا قليلًا، عليّ أن أضع تعاويذ الحماية على الفرسان.”
ومضى بملامح جادة، ووقف أمام الفرسان وهو يلوّح بيديه الصغيرة ويتلو التعاويذ. ما إن أنهى تلاوته، حتى تناثرت ذرات ضوء فضي فوق رؤوسهم، تشكّل دروعًا سحرية تحيط بأجسادهم.
كانت ملامحهم متيبسة، مشحونة بالتوتر. كلّ شيء في الجو يشي باقتراب العاصفة.
دار كاردين ببصره نحو جنوده وأصدر أمره:
“سندخل الآن. لا تتهاونوا، العدو خبير بمعارك الحياة والموت. لا تتركوا أي ثغرة.”
“نعم، سيدي!”
تأوّهت البوابة الحديدية العملاقة وهي تنفتح ببطء، مطلقة صريرًا مرعبًا، كأنما تُحذّر من الشر الكامن خلفها.
دلف كاردين أولًا، عباءته السوداء تتطاير خلفه كجناحي غراب. تبعه الفرسان في نظام صارم، أما أنا ورون فكنا في مؤخرة الموكب.
وما إن دخل الجميع حتى أُغلقت البوابة خلفنا بإحكام.
هل يعني هذا أن من بالداخل خطرٌ لا بد من عزل الجميع عنه؟
ركل بيرك باب الردهة الأمامية بقدمه، فانفتح على ظلام دامس، حالك كقبر قديم.
“غريب… أين ذهب الجميع؟ كان من المفترض أن نجد رئيس الخدم وبعض الحراس هنا.”
التفت حوله بقلق، بينما أمر مايلد الفرسان بإحضار المشاعل والمصابيح.
قفزت بهدوء من ذراعي رون.
“شوشو، إلى أين؟ إنه خطر!”
“أنا أجيد الرؤية في الظلام. سأتحقق من الوضع وأعود.”
“انتظري—!”
لم أمهله لأكمل اعتراضه، وانطلقت إلى الردهة.
وقع بصر كاردين عليّ فورًا، فعقد حاجبيه بانزعاج.
(رجاءً، لا تصرخ الآن… الوضع طارئ، كما ترى.)
بينما كنت أتفقد الدرج المركزي الموصل للطابق السفلي، كاد صوتي يخرج صارخًا.
رأيت رئيس الخدم المسنّ وبعض الحراس ممددين أرضًا، وقد غطّت الدماء الأرض من حولهم، وبعضهم يئن بصوتٍ خافت، تتلوى أجسادهم من الألم.
وصل الفرسان بالمشاعل في اللحظة المناسبة، وأضاءوا المكان.
أسرع الجنود لإسعاف الجرحى. لحسن الحظ، كانوا لا يزالون على قيد الحياة.
أسرع كاردين إلى حيث رئيس الخدم العجوز وسنده بلطف.
“ميلبورن، تماسَك! هل أنت بخير؟”
فتح العجوز عينيه بصعوبة، وحرّك شفتيه ببطء:
“س… سيدي الدوق… أنت… هنا…! احذر، سموّ الدوق السابق… كَخ!”
لم يُكمل، إذ سعل دمًا وسقط مغشيًا عليه.
أسرع رون يضع تعويذة شفاء عليه، واستعان الحراس بنقالة لنقل الجرحى إلى الخارج.
أما كاردين، فوقف صامتًا، بلا كلمة.
لم أستطع رؤية وجهه… فقد كان يدير ظهره لنا، لكنه بدا كتمثال حجري جاثم تحت ثقل لا يُطاق.
شعرت بالعجز، لا أدري ما أقول.
ثم، شعرتُ بذراعين يرفَعانني برفق. كانت رائحة مألوفة، دافئة… أوين.
“هل أفزعتكِ، شوشو؟ هل أنتِ بخير؟”
“أوين… قال رئيس الخدم شيئًا غريبًا. أشار إلى الدوق السابق… لكنه عمّ كاردين، أليس كذلك؟ ألم يمت منذ زمن؟”
في الرواية الأصلية، فقد كاردين والديه في حادث حين كان في السابعة عشرة، ثم تولّى عمه الثالث، بيرت، مسؤولية إدارة الشمال مؤقتًا.
لاحقًا، وبعدما حقق كاردين انتصارات عظيمة، تم تتويجه رسميًا بدوق الشمال.
أما العم بيرت، فقد تُوفي بمرض طويل حسب السجلات المعلّقة في القصر…
نظرتُ إلى أوين المرتبك، الذي أطرق برأسه وتنهد ببطء، وكأنه يحمل ثقلًا كبيرًا في صدره.
“ذلك…”
لكن قبل أن يُكمل، تقدم كاردين بوجه صارم وقال:
“شيدوا خطًا دفاعيًا هنا. سأتقدّم وحدي إلى الداخل.”
“لا يمكن ذلك يا سيدي! هذا خطرٌ للغاية!”
“دعني أذهب بدلًا عنك!”
وقف مايلد وبيرك أمامه بعزم، يمنعانه من التقدم.
نظر إليهما كاردين لحظة، ثم نطق بصوت بارد، كالسيف المُسلّط:
“إن كنت صادقًا… فإن ذهابكما لن يُجدي نفعًا. بل ستكون نهايتكما موتًا عبثيًا.”
“لكن—!”
“أنا وحدي من يستطيع الصمود هناك. وجودكما سيزيد الخسائر. التزموا أماكنكم وابقوا على أهبة الاستعداد.”
ثم انتزع المصباح من يد أحد الجنود، وتقدّم وحده نحو الظلام.
شعرت بانقباضٍ في قلبي، فصرخت وراءه:
“انتظر! سيدي الدوق!”
استدار للحظة، نظر إليّ بعينين خفّت حدّتهما، وتسلّل إلى محياه ظلّ ابتسامة.
نظرة تطمئنني… وتقول: (لا تقلقي، شوشو. سأعود.)
“سيكون كل شيء بخير. انتظريني هنا، شوشو.”
“لكن…!”
أدار ظهره، ومضى بخطًى ثابتة.
في الردهة التي غمرها الظلام، لم يكن هناك سوى صوته البعيد وضوء مصباحه المرتجف الذي أخذ يتلاشى… شيئًا فشيئًا…
لم يتجرأ أحد على أن يتبعه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 18"