الفصل 17: سر القصر الغربي
راح “رون” يحدق بي مستندًا إلى يده، وعيناه تلمعان بفضول متقد.
‘رون، لا تنظر إليّ بذلك البريق المتلألئ كنجم الليل… قلبي الصغير لا يتحمل هذا الخفقان.’
قال بابتسامة عذبة:
“أحببت حقًا أنكِ تستطيعين التحدث الآن، من الجميل أن نتحادث هكذا.”
فابتسمت له وأنا ألوّح بذَيلي برقة:
“وأنا أيضًا سعيدة بالكلام معك، يا رون.”
راح “رون” يداعب وسادات قدميّ الصغيرة الناعمة، وسألني بحماس:
“هل ترغبين بشيء ما يا شوشو؟ أيمكنني أن أصنع لكِ قطعة أثرية باستخدام السحر؟”
فأجبته وأنا أفكر:
“همم، سأفكر في الأمر وأطلب لاحقًا. لكن رون، هل أنت بخير؟ تبدو شاحب الوجه.”
كانت الهالات السوداء تحت عينيه واضحة، وملامحه يغشاها النعاس، وكأنه قضى الليل ساهرًا في البحث.
سارع “رون” إلى مسح وجهه بكم قميصه قائلًا:
“لا بأس، قضيت الليل أبحث في آلية امتصاصكِ للقوة السحرية، وقد استغرقتني الحماسة… فلم أستطع التوقف.”
شعرت بالذنب فجأة. أن يسهر طفل في عمر النمو لأجلي؟ غمرني شعور بالأسى والندم.
في تلك اللحظة، اقترب “أوين” وربّت بلطف على رأس “رون” المجعد:
“أحسنت يا رون. لا بد أنك بذلت جهدًا كبيرًا.”
أجاب “رون” وهو يحك مؤخرة رأسه بخجل:
“آه، أوين، لا بأس. أنا بخير، لا شيء يُذكر.”
كنت أراقبهما بابتسامة دافئة، كأنهما شقيقان حميمان. حتى ملامحهما الوسيمة كانت تبعث على الراحة… مشهد كفيل بأن يُنعش الأبصار.
ناول “أوين” “رون” صحنًا يحتوي على حساء وخبز، وربت على كتفه:
“أنت في طور النمو. لا بأس بالبحث، لكن عليك أن تستريح أيضًا. تذكّر أن الجميع يقلق عليك.”
“شكرًا، أوين. سأتذكر ذلك. وسآكل هذا الخبز بكل سرور.”
إنه حقًا رجل لطيف. “أوين” يبدو محبوبًا من الجميع، وحتى مع “رون” يعامله وكأنه شقيقه الأصغر.
في أرض قاحلة كأرض الحدود هذه، من المؤسف أن يُهدر شخص مثله.
“رون”، الذي يبدو أنه كان جائعًا للغاية، ملأ فمه بالخبز وراح يمضغه وهو يقول:
“يبدو أن القصر الملكي قد أرسل عددًا كبيرًا من المُعالِجين هذه المرة. آمل أن تمر الأمور بسلام.”
فجأة، تجهم وجه “أوين” وقال بنبرة صارمة لم أعهدها منه:
“رون.”
انتبه “رون” فجأة، وراح يحك رأسه بحرج:
“آه، صحيح… نسيت أنه لا يجب علي قول ذلك.”
ساد الصمت، وتيبّست الأجواء.
نظرت إليهما بارتباك، بينما هما يتجنبان نظراتي بشكل متوافق، وكأنهما اتفقا مسبقًا.
‘ما هذا السر الغامض؟ ولماذا تغير وجه أوين فجأة؟’
سألت بنبرة محتجة:
“كاانغ. لماذا أتى المُعالِجون؟ هل من المعتاد أن يزوروا هنا؟”
أجاب “أوين” مبتسمًا، ولكن صوته حمل ما يكفي من التوتر ليكشف الحقيقة خلف الابتسامة:
“آسف يا شوشو… لا يمكنني إخباركِ.”
لكنه لم يكن يعتذر فقط. كانت نظراته تقول بوضوح: لا تحاولي أن تعرفي أكثر.
‘ما الذي يخفونه عني؟ لا بد أن الأمر كبير حقًا.’
عدت إلى الجناح الرئيسي للدوقية وأنا أحمل هذا الفضول الثقيل.
كنت أرتاح في غرفتي، حين التقطت أذناي صوتًا غريبًا آتيًا من الخارج. قفزت إلى النافذة فورًا.
عربة مجهولة كانت تدخل باحة القصر بسرعة غير معتادة. الخدم كانوا ينتظرونها في القاعة الرئيسية.
فتح باب العربة، وخرج منها المُعالِجون وهم يتمايلون وقد علا وجوههم الرعب، كأنهم رأوا شبحًا.
أسرع الجنود لمساعدتهم، بينما أقبلت الخادمات ومعهن الماء.
تقدم رئيس الخدم وتحدث إليهم. وددت لو أفتح النافذة لسماع ما يُقال، لكن للأسف، لا تملك ثعلبة صغيرة مثلي القدرة على فتح النوافذ الثقيلة.
بعد أن شربوا الماء واستعادوا أنفاسهم، هزّ المُعالِجون رؤوسهم بشدة وكأنهم يرفضون شيئًا، ثم أسرعوا إلى عربتهم وغادروا القصر وكأنهم يفرّون من موت محقق.
‘ما الذي حدث؟ ولماذا غادروا بهذه الطريقة؟’
دخلت “بيتي” إلى الغرفة حاملةً صحنًا مليئًا باللحم المجفف، وسألت:
“شوشو، ماذا كنت تنظرين؟”
قلت لها بقلق:
“لقد رأيت المُعالِجين يفرّون بعربتهم. هل تعرفين ما الذي حدث؟”
تغيرت ملامح “بيتي”، لكنها وضعت الصحن أمامي بهدوء، وقالت:
“ربما كانوا في القصر الغربي.”
“ماذا هناك؟”
“أنا آسفة… الحديث عن القصر الغربي ممنوع هنا، لا أستطيع قول شيء.”
أطرقت “بيتي” برأسها عدة مرات في اعتذار متواصل، فعرفت أن الإلحاح سيحرجها.
“لا بأس… فهمت.”
بدأت أتناول اللحم المجفف ببطء، وكأني لا أبالي، فتنفست “بيتي” الصعداء وبدأت بتنظيف الغرفة.
لكنني، في خلسة من الزمن، غادرت الغرفة بهدوء.
‘لابد أن أكتشف السر خلف القصر الغربي.’
ولحسن الحظ، كنت أعرف المكان الذي تتجمع فيه كل المعلومات داخل الدوقية.
هبطت بسرعة عبر السلالم إلى الطابق السفلي.
في الطابق تحت الأرض، كانت توجد مساكن الخادمات، واستراحة، وقبو الخمور.
خففت خطواتي واقتربت من مساكن الخادمات، حيث سُمعت أصوات حديث من الاستراحة:
“هل رأيتِ وجوه المُعالِجين؟ بدوا وكأنهم رأوا شبحًا.”
“أجل، لقد ذهبوا إلى القصر الغربي، أليس كذلك؟”
وقفت أذناي في تأهب عند سماعي لتلك الكلمات.
“لكن، ماري… ما الذي يوجد في القصر الغربي؟ أنا جديدة هنا ولا أعلم شيئًا.”
أجابت خادمة يبدو أنها أكبر سنًا:
“ريني، من تعمل هنا يجب أن تصبح صمّاء وبكماء. لا تسألي أبدًا عن القصر الغربي.”
“لكن، لماذا؟”
“لأن هناك وحشًا ملعونًا يعيش هناك.”
“وحش؟! لا تخيفيني، أنتِ تمزحين، أليس كذلك؟”
“صدقيني أو لا، لا يهمني. لكن كل عام، يزور المُعالِجون القصر لعلاج ذلك الوحش.”
شعرت بقشعريرة تغزو جسدي كله.
‘وحش؟ ما معنى هذا؟ وهل هو حقًا موجود؟ لكن إن كان يُعالج من قِبل مُعالِجين من القصر الملكي، فلا بد أنه ليس مخلوقًا شيطانيًا…’
صرت أكثر حيرة وارتباكًا.
“على أي حال، إن أردتِ مواصلة العمل هنا، فاحفظي لسانك. لا تتفوهي بكلمة. لعنته ستطاردكِ للأبد.”
“لن أتفوه بكلمة، أعدكِ. أقسم بذلك.”
“انتهى وقت الراحة، عودوا لأعمالكن.”
صفقت الخادمة الأكبر سنًا، وسمعت ضجة الحاضرات وهن يتحركن بسرعة.
‘يا للهول! إن بقِيت هنا سأُكشَف!’
عدت إلى الأعلى بسرعة الريح.
✦ ✦ ✦
في تلك الليلة، لم يظهر “كاردين” مطلقًا. لقد اختفى طوال اليوم، وكأن الأرض ابتلعته.
لذا، تسللت إلى سريره ولففت ذيلي حولي وأنا أنتظره.
كنت أرغب في سؤاله عن المُعالِجين، عن القصر الغربي، عن كل شيء… لكنني أعلم أنه لن يجيب بسهولة.
‘من يمكنني إقناعه بالحديث؟ هل أُغرق أوين في نوبة من الدلال حتى يبوح؟ أم أُداعب راحة يد رون حتى يعترف؟’
في تلك اللحظة، سمعت وقع أقدام مألوف. نعم… “كاردين”.
“شوشو، لماذا أنتِ في سريري؟”
كان يرتدي قميصًا من الكتان البسيط. من النادر أن يأتي لينام باكرًا.
“لم أستطع النوم… هل أنهيت أعمالك؟”
“نعم، كان يومًا مزدحمًا جدًا.”
دفع خصلات شعره عن جبينه، وحدّق بي بتلك النظرات العميقة:
“لا بد أن وجودكِ في فراشي له سبب. هل ترغبين بالحديث؟”
“كااانغ… من يدري؟”
ضحك قليلًا، ونهض متوجهًا نحو الخزانة، حيث أخرج مشطًا خشبيًا وعاد به نحوي.
“تعالي، شوشو.”
أدرت وجهي بعيدًا وتذمرت:
“كاانغ، لا أريد! أأنا كلبة تأتي راكضة عندما تُنادى؟”
“كنت فقط سأمشّط لكِ الفرو… وكنتِ تستمتعين بذلك، أليس كذلك؟”
عند سماعي لكلمة “تمشيط”، التفت لا إراديًا.
كان يبتسم بخبث، ممسكًا المشط في يده.
‘آه، يا له من موقف. أعيش كثعلبة، وعليّ أن أتخلى عن كرامة الإنسان أحيانًا… مثل هذه اللحظة.’
فكرت، كيف تأتي الكلاب والقطط لأصحابها كي يطلبوا منهم المداعبة؟ الآن أفهم.
كنت أظن أنني لن أكون مثلهم، لكن في بعض الأوقات، حين يختلط فرائي وتُصيبني الحكة، أشتاق ليدٍ حانية تُمرر المشط برفق.
“هيا، تعالي.”
“فقط هذه المرة!”
نطقت بجفاف، محاوِلة التمسك بما تبقى لي من كبرياء.
جلسني “كاردين” على ركبته، وبدأ في تمشيط فرائي بلطف.
“أريد أن أسألك شيئًا، كاردين.”
لم أعد قادرة على كبح فضولي.
“ما هو، شوشو؟”
“ما الذي يوجد في القصر الغربي؟ لماذا يُرسل القصر الملكي مُعالِجين إلى هناك؟ سمعت إشاعة عن وحش، هل هي حقيقية؟”
توقّف تمشيطه للحظة.
لكنه استأنف حركته كأن شيئًا لم يكن.
“أحيانًا… من الأفضل أن تتجاهلي الحقيقة، شوشو.”
“لكن—”
“شش، لا تتحركي. أنا أُمشّط الآن.”
كنت على وشك أن أصرخ فيه: “تخفي عني شيئًا! هذا جبن!”، لكن…
جسدي الصغير، الضعيف، لم يكن قادرًا على مقاومة لذة التمشيط.
بضع حركات فقط، وبدأت أشعر بالنعاس…
‘لا، لا! يجب أن أسأله عن القصر الغربي… يجب…’
✦ ✦ ✦
في فجر يكسوه الضباب الأزرق، سمعت صوت حركة خافتة قرب رأسي.
كنت ما أزال نصف نائمة، لكن أذني الحساسة التقطت الصوت على الفور.
‘هل هذا… كاردين؟ إلى أين يذهب في هذا الوقت المبكر؟’
من خلال رؤيتي الضبابية، رأيته واقفًا أمام النافذة.
شيء ما في ظهره كان يوحي بعدم الارتياح. ماذا كان يرى خلف الزجاج؟
فجأة، سُمِع طرق حذر على الباب.
دخل “مايلد”، تنبعث منه رائحة مألوفة.
“هناك حالة طارئة، يا صاحب السمو.”
صوته كان مشدودًا إلى أقصى حد. لم يكن كعادته الهادئة.
“رُفِع العلم الأحمر. منذ متى؟”
“قبل ثلاثين دقيقة.”
“وجّه فرقة النخبة إلى القصر الغربي.”
“أمرك، سيدي.”
رغم همسهم، سمعت كل شيء بوضوح.
غادر “مايلد”، ودخل “كاردين” غرفة الملابس ليرتدي درعه.
‘من يرتدي درعه فجرًا، ويرسل النخبة؟ هل ظهر وحش؟’
شعرت بقدومه ناحيتي، فأخفيت رأسي بذَيلي.
شعر بي، وراح يربت على رأسي برقة.
كانت يداه دافئتين، لكنني لاحظت… أنها كانت ترتجف.
وفي تلك اللحظة… فهمت.
‘كاردين… خائف الآن.’
التعليقات لهذا الفصل " 17"