استمتعوا
ارتجافٌ خفيف—
اهتزّت اليد التي تحمل الكوب.
“أيُعجبك القهوة أم الشاي يا سيّدي الفارس؟ على أية حال، لم يتبقَّ لدينا قهوة، فاشرب الشاي.”
سؤالٌ لا معنى له في الظاهر، لكنها كانت تحاول صرف الانتباه، فقد كانت لولو في غاية التوتر.
نظرة الفارس التي تسلّطت عليها، بنظراته الضيقة المستهجنة، جعلتها ترتبك أكثر.
من المؤكّد أنّ الفارس كان، حتى وقتٍ قريب، ينوي حماية الطفلة لولو.
لكن لولو أفسدت كلَّ شيء في النهاية.
قبل عشر دقائق فقط…
“هنا أعمق نقطة في غابة الظلال، فكيف تعيشين هنا؟”
“آكل بيضًا مقليًّا وأنام!”
“لقد عُثر على أداة الحاجز السحرية التي نصبتها الأميرة في هذا المكان، أين الأميرة الآن؟”
“ليست أختي الكبرى، بل الأميرة؟”
“…لماذا تركوا طفلة في هذا المكان الخطر وحدها؟ من هو ولي أمرك؟ لا، أين ذهبت الأميرة؟”
“أممم…”
بدأ عقل لولو الصغير بالدوران.
في هذا البرج، الشخصيات الموجودة.
هي نفسها، التنينة الصغيرة، والفارس، وأختها… والأميرة؟
لكن حتى وإن كانت صغيرة، فإنها تدرك تمامًا أن الكشف عن حقيقتها كتنين قد يؤدي إلى كارثة.
خصوصًا أن الفارس يحقق ويمعن النظر وكأنّه يشكُّ في شيء.
لذا…
“أنا… أنا الأميرة.”
قالتها وهي تميل برأسها بخفة، وتعلو وجهها نظرة مصطنعة من البراءة.
كم هي ذكية! فكرة عبقرية!
إن استطاعت خداعه بأنها الأميرة، فلن يشك بهويتها الحقيقية.
ارتسمت على وجهها ابتسامة واثقة.
لكن…
“أنا أعرف وجه الأميرة جيدًا، عن أي هراء تتحدثين؟”
تغير وجه الفارس فجأة. أصبح مرعبًا.
“هِيَك!”
نظرةٌ أشدُّ رعبًا من أي وحشٍ، من أي خفاشٍ، من أي ذئب…
لذا، لجأت لولو إلى الخطة البديلة: تحضير الشاي!
تحويلٌ سريع في مجرى الأحداث!
“تفضل الشاي، ايها الضيف.”
اقتربت منه على أطراف أصابعها، ووضعت الكوب أمامه.
“احذر، إنه ساخن… انفخ عليه أولاً.”
صحيحٌ أنها ارتكبت خطأ، لكنها لا تزال تعتقد أن المهم ألا يكتشف أنها تنين.
لكن الفارس لم يعلّق، بل ظلّ يحدّق بها بصمت، بنظراتٍ لم تعهدها من أحد من قبل.
بدأ العرق يتصبب من جبينها، خوفًا من تلك النظرة الثاقبة.
“هل… هل لا تستطيع النفخ؟ هل أساعدك؟”
“…”
يا إلهي! هل هو غاضب لأنني كذبت وادعيت أنني الأميرة؟!
فابتدأت بمحاولة استرضائه أكثر.
“إذاً… سأساعدك أنا! فووووو—بف!”
لكنها لم تنفخ… بل أطلقت اللهب! وأحرقت وجه الفارس!
مصيبة!
“سيدي الفارس…!”
حرقت الكثير من الأشياء من قبل، لكن إنسانًا؟ هذه أول مرة!
وجهه يحترق أمامها!
“ماء! ماء!!”
أمسكت كوب الشاي لتسكبه عليه، ثم تداركت الأمر، وملأت كوبًا بالماء البارد، وسكبته عليه بسرعة.
فجأة…
“تنين، إذاً.”
قطرات الماء تقطر من شعره، وعيناه الحمراوان تتوهّجان بجنون.
من المفترض أن يُصاب بالحروق… لكنه كان سليمًا!
ورغم سلامته، كان أكثر رعبًا.
“لم أتوقّع وجود مخلوق صغير مثلكِ… تمكنتِ من الاختباء في غابة الظلال، أليس كذلك؟”
خطا خطوة نحوه.
ارتجفت يد لولو الصغيرتان.
مع كل خطوة يقترب بها، بدا أكبر وأكثر رعبًا.
“آآآسفة! لم أكن أقصد أن أُحرقك… لولو لا تُجيد التحكم في أنفاس النار بعد، وتُطلقها دون قصد عند التوتر!”
“هل كنتِ تنوين الاختباء حتى تنضجي، ثم تهاجمي الإمبراطورية كما حدث قبل أربع سنوات؟”
ماذا؟ لكنها تبلغ فقط أربع سنوات! لم تكن قد وُلدت أصلًا!
“لم أفعل شيئًا! أقسم!”
راحت تفرك يديها الصغيرتين، راجيةً الرحمة.
“تتخفين في جسد طفلة لتكسبي الشفقة؟ انتي لا تخدعيني، أعلم أن بداخلك وحشًا.”
تشااااااااااااااااااااانغ—
أخرج سيفه الطويل، أطول من جسدها الصغير بكثير.
ومع انعكاس الشمس من خلف النافذة، غرق وجهه في الظل، فصرخت لولو وأغمضت عينيها، متوقعة النهاية.
لكن فجأة!
“مَن يجرؤ على اقتحام برجي واتهام طفلتي بالوحشية؟!”
صوتٌ مألوف ترافق مع صوت انهيار الباب!
وعندما فتحت لولو عينيها…
كان الفارس قد اختفى، وفي مكانه وقفت أختها، تلهث وقد بدا على ملامحها الغضب.
“لولو! هل أنتِ بخير؟ هل آذاكِ؟!”
“أختي…!”
لقد أتت لإنقاذي.
وأخيرًا، اندفعت دموعها، التي ظلت تحبسها رغم الرعب.
كانت على وشك أن ترتمي في حضن أختها، لكن… توقفت.
شعرت بخيانةٍ مؤلمة.
“لماذا… لم تخبريني؟”
لو كانت تعرف أنها تنين شرير منذ البداية، لما سمحت لنفسها بحلم السفر، أو بقراءة القصص.
لبقيت مختبئة إلى الأبد داخل البرج.
“القصص تقول إن التنانين سيئة… تخطف الأطفال وتحرق القرى. وأنتِ، تحرقين، لولو.”
“…ماذا؟”
“ثم إن الفارس يبحث عن الأميرة. من تكون الأميرة؟ هل أنتِ؟”
اسودّ وجه الأخت.
“…دعينا نحتضن بعضنا أولًا، يا لولو.”
“لا!”
حاولت أن تحتضنها، لكنها دفعتها.
ظنّت أن أختها ستعتذر وتبكي، لكنها قالت بوجهٍ صارم.
“لولو، هل تصدقين أختك التي عاشت معك عامًا؟ أم تصدقين رجلاً غريبًا اقتحم برجنا دون إذن؟”
“هممم…”
حيرة.
من أصدق؟ أختي؟ أم الفارس؟
كِلاهما يقول إنني إما تنين شرير أو طيب.
أجابتها الأخت بابتسامة دافئة، وقد وضعت يدها على كتفها.
“أنتِ وحدكِ من يقرر إن كنتِ تنينًا طيبًا أم شريرًا. فما الذي تريدينه؟”
“…تنينة طيبة.”
قالتها بخجل.
“إذًا فأنتِ طيبة. حتى في القرية، يمدحكِ الجميع، أليس كذلك؟”
“حقًا؟”
“بالطبع. تحيين الكبار، وتأكلين كل الخضار التي يعطونكِ إياها.”
“…أنا لا أختار الطعام!”
فتّحت عينيها في دهشة، قبل أن تبتسم.
“إذاً أنا… تنين طيب؟”
“نعم! أنتِ طيبة!”
“أنا تنين طيب!!”
وأخيرًا، عانقت أختها، والفرح يغمرها.
“لكن، أختي… لقد أحرقت وجه الفارس… هل ما زلت طيبة؟”
“…ماذا؟”
توقفت الأخت عن التربيت على ظهرها.
***
في مكانٍ آخر…
وضعت أنجيلا لولو النائمة على السرير، وتنفست بعمق وهي تنظر إلى الفارس المغمى عليه.
“ظننت أن إخفاءها كافٍ، لكن يبدو أن الأعداء يأتون بأنفسهم.”
نظرت إلى وجهه الوسيم وقد انكشف بين الحجارة، دون أن يصاب إلا بخدش طفيف، بفضل دروعه السحرية.
“فيليكس كاردين… دوق الإمبراطورية.”
من الواضح أنه جاء تنفيذًا لأمر إمبراطوري، للعثور على الأميرة الهاربة.
ولما سمع أنها خُطفت من قِبل تنين، ربما أراد قتل التنين بيده، خصوصًا وأن عائلته قد أُبيدت على يد تنين.
“لكن… هل كان عليه مهاجمة طفلة؟”
تنهدت.
“آه… حسنًا.”
تذكرت والدها الامبراطور المجنون، وهروبها مع لولو، وكل ما مرّت به.
لقد بذلت جهدًا كبيرًا لتربية لولو، حتى إنها كانت تقرأ لها فقط القصص التي تكتبها بنفسها، لتُبعد عنها فكرة أن التنانين شريرة.
لكن الآن… تحطمت خطتها على يد هذا الفارس.
“إن استيقظ… سيهاجمها مباشرة. ولا يمكنني الوثوق به ليكتم السر.”
فكّرت…
“إذًا، لا بد من حبسه.”
ما من حل آخر.
قالت وهي تضع يديها على صدرها بتصميم.
ومن خلف الباب المفتوح…
“آها… سَجنه؟”
لولو، التي كانت تتجسس، هزّت رأسها بعزم.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 3"