استمتعوا
مال برأسه متسائلاً.
لم يكن بوسعه أن يترك لولو وحدها ويفرّ هاربًا.
‘ما العمل؟’
في اللحظة التي همّ فيها رايان، وقد استبدّ به الخوف، أن يقترب من أنجيلا، جاء من مدخل البرج صوتُ حديثٍ جاد.
“أميرة، لقد تم تأمين طريق الانسحاب جيدًا. ما إن تستعدّي سنفرّ على الفور.”
“فرار؟ تمهّل… هل قلتَ فرارًا؟”
“نعم، ما الأمر سموكِ؟”
“فجأةً خطر لي… ألسنا نظلم أنفسنا إذا كان خيارنا الوحيد هو الهرب؟”
“لا أراه ظلمًا.”
“لقد اعتنيت بهذا البرج على مدى عام كامل، تنظيفه وترتيبه ورعايته، ثم نهجره ونفرّ؟! بل إنّني كتبتُ على الجدار مراحل نموّ لولو!”
“فلتعدّي ذلك تطبيقًا لروح التبسيط.”
“حتى مزروعات رايان من الكرّاث والسبانخ في الحديقة الخلفيّة نتركها هكذا؟”
“بمثل هذا التشبيه أفهم حزن سموك. خيرٌ أن تُقتلع رؤوس الفرسان من أن تُقتلع كرّاثات رايان.”
“صحيح أيها الدوق. كم فارسًا تقدر أن تواجه وحدك؟”
“يعتمد ذلك على قوّة هجوم سموكِ.”
“فما رأيك أن نواجههم بنسبة واحد إلى واحد، كلٌّ منّا يتكفّل بخمسة عشر فارسًا؟”
كان رايان الذي يتنصّت على الحوار قد استشعر الخجل.
“الأميرة وأخي يعقدان اجتماعًا مصيريًا… وأنا أسرع إلى الاستسلام….”
شعر بالتفاهة إذ جرّب مرارًا ولم يفلح، ثم فكّر في أن يستنجد بالأميرة.
“…إنها أوامر الأميرة، فلا بدّ أن أتمها حتى النهاية.”
استمدّ شجاعة من هراء الكبار، فأخذ الأداة السحرية وسار أعمق في الغابة.
⸻
وبينما كانت الغابة تضطرب وتختلّ،
هبّت على البحيرة السوداء ريح باردة كحدّ السيف.
“لولو… لقد ارتكبتِ أمرًا فظيعًا.”
هزّت لولو رأسها بشفاه مزمومة.
عند قدميها كان فتى أشقر ممدّدًا على الأرض.
وعند أطراف أصابعه كُتبت عبارة.
[القاتل هو التنين]
نعم.
لقد تحوّلت لولو إلى تنين شرير.
قبل نصف ساعة من سقوط الفتى.
كانت المواجهة بين طفلين لا تزال محتدمة عند البحيرة السوداء.
‘آه! رأسي يدور…!’
بدت عيناها الكبيرتان وكأنهما تتدحرجان.
شدّت لولو بخفّتها على شعر الفتى الأبيض.
ذلك الفتى لم يكن صديقًا.
ومعنى ذلك أنّه من الأشرار القادمين مع فرسان القصر.
لكن ما جعل لولو ترتبك حقًا كان أمرًا آخر…
‘لماذا يظلّ ساكنًا؟’
إنّه هادئ على نحو غير متوقّع!
‘لقد عرف أنني تنينة… إذن كان ينبغي أن يخاف أو يكرهني….’
هل أرهقت عقلها أكثر مما ينبغي؟
فجأةً شعرت بالدوار، فتراجعت إلى الخلف خطواتٍ مضطربة.
“آه… كلّه غامض…”
في تلك اللحظة، انفتحت عيناها ببريق خاطف.
ألعلّه ينتظر قدوم زعيم الأشرار؟!
“…أها!”
ارتسمت ابتسامة على شفتي لولو.
‘إذن هذا هو السبب…!’
وانتهت بخيالٍ طفولي إلى استنتاج.
“أنت ثعلب!”
نعم، الفتى ثعلب!
“لولو تعرف كل شيء! الثعلب في الحكايات يخون أصدقاءه ويعذّب الأرانب!”
“…….”
“كنتَ تخفي نفسك بين الأصدقاء لتفاجئ لولو، أليس كذلك؟!”
“صحيح.”
“أواه! الدمية تتكلّم!”
وبسبب هذا الإقرار غير المتوقع، تراجعت الفتاة البيضاء الساقين خطوة إلى الوراء مرة أخرى.
لكن جواب الفتى لم يتوقف عند هذا الحد.
“يمكنكِ نعتي بالخائن. فقد جئت مع فرسان القصر، وانتهى بي الحال هكذا.”
“ماذاا؟!”
بل إنه وصف نفسه بالخائن!
‘…هل يكون نمرًا لا ثعلبًا؟’
مهما يكن، كان واضحًا أنّه فتى استثنائي.
“أيتها التنينة.”
“…ماذا؟!”
“لقد خنتُ الفرسان وجئت إلى هنا لأجل طلبٍ منك.”
“…طلب؟”
رفعت لولو حاجبيها.
فالشرير في القصص لا يطلب.
الشرير يهدم القلاع ويؤذي الناس لينال ما يريد.
‘لكن الطلب عادةً يصدر عن الطيبين….’
“هممم.”
أرهقت رأسها الصغيرة في التفكير، فلم تفهم.
فوجب عليها الرفض.
لكن…
‘ما، ما هذا الطلب يا ترى؟’
عبثت بذقنها وهي تميل رأسها، وقد غلبتها الفضول.
ولما سألت. “ما هو؟” أجابها الفتى وكأنه كان ينتظر.
“طلبي هو…”
ثم فجأةً جثا على ركبتيه أمامها بكل وقار، ورفع بصره إليها.
“اقتُليني.”
ليتمكّن من قول هذا.
“…؟”
ساد صمت ثقيل، والريح الشمالية تعصف من حولهما.
“…أنا؟”
“نعم.”
“أن أقتلك أنا؟”
“نعم.”
“ماذااا؟!”
لا بدّ إذن من حوار طويل بينهما.
فالصفقة التي تتعلّق بالحياة والموت لا بدّ أن تستلزم مشاورة.
جلس الاثنان على صخرة قرب البحيرة، وقد بلغا أشدّ الجديّة.
لكن ما إن نظرت إليهما، بظهريهما الصغيرين ورأسيهما المستديرين، حتى بديا كقواقع ضئيلة ملتصقة بالصخر.
“ألم تأتَ أصلاً لاختطاف لولو؟”
“في الأصل نعم. هكذا أمر الملك، أن أختطفك.”
‘همم، إذن هو شرير كما ظننت.’
تحسّست لولو ذقنها الطريّ.
“لكن لماذا تريد الموت؟ لولو لا تصدّق إلا إن فسّرتَ لها.”
“…لستُ كلباً للملك بإرادتي. الفرسان الذين جاؤوا معي رهائن أيضًا.”
“لكن الكلاب لطيفة اليس كذلك؟.”
أيمكن أن يكون يكره اللطف حتى يتمنى الموت؟
أومأت لولو برأسها كأنها فهمت.
“هل تعرف كلاب مالتيز؟ عند أختي صورة مرسومة لها، لطيفة جدًا! هل تشيس كلب مالتيز أيضًا؟”
*صوره الكلب بنهايه التشابتر
لكن الفتى أعادها إلى صلب الموضوع.
“سمعت أن التنانين قوية جدًا. لذا أنت الوحيدة التي تستطيعين أن تقتليني.”
“هاه؟”
“أجل، اقتليني، أيتها التنينة.”
كان جادًا إلى أبعد الحدود.
خطط لولو لإزاحة الحديث نحو كلاب مالتيز ذهبت هباءً.
‘لماذا يريد السماء الآن؟ أما لولو… فتخاف حتى من سماع هذه الكلمة.’
ارتجف جسدها من غير وعي.
لكنها تذكّرت صوتًا حكيمًا.
-البطل إنما وُجد ليحمي الناس. وليس في أيّ مكان بطل يقتل البشر. فلهذا، ارفض ذلك.
استجمعت شجاعتها وقالت.
“لولو لن تفعل. التنين الطيب لا يؤذي البشر مهما كان السبب.”
“حقًا؟”
“نعم!”
لقد نجحت!
لكن الفتى همس.
“مع ذلك، ستقتلينني.”
“…هاه؟”
لم تفهم، حتى إذا استدار نحو البحيرة، أمسك غصنًا وكتب على الرمل، ثم خرّ صريعًا كأنه مات.
حين هرعت إليه مذعورة، كان قد سبقها ودوّن.
[القاتل هو التنين]
ارتبكت لولو.
“لولو… لقد فعلتِ أمرًا خطيراً…”
لو رآها أحد لاتّهمها، وأعادوا كراهيتهم لها.
لكنها هزّت رأسها بقوّة.
“لم تكن فعله لولو!”
كادت تنخدع بتمثيله.
لكن سقوطه لم يكن للولو شأنٌ به.
“إن أزلت هذه الكتابة فحسب…!”
أسرعت تمحو العبارات المنقوشة، فإذا برأسه يلتف فجأةً وهو يحدّق بها.
“إذن تمحين الأدلة؟”
“لا! لولو لم تفعل شيئًا!”
“الأمر ليس فيما فعلتِ، بل فيما سيراه الناس.”
“آآه!”
لعلّها وجدت خصمًا أشدّ رعبًا من الفرسان.
تعلّقت بالحجر الكريم وهمست.
“ايها الحجر، ماذا نفعل؟”
****
صوره كلب مالتيز
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات