4
الانستا: aahkk_7
***
「المجلد الأول: تجسُّدٌ فاشل」
الفصل الرابع
كادت الدهشة تزهق روحي، كان سيُغشى عليّ في أيّة لحظة من الذُّعر؛ فما نلته من صدمات خلال هذا اليوم وحده، يكفي لأن يزلزل جبلًا من الرُّكام، وها أنا ذا أُهدَّد بحياتي ذاتها!
” لِمَ… لِمَ تفعل هذا بـ.ـي؟ “
ارتجف صوتي دون إرادةٍ مني، واقشعّر جسدي بأكمله، حتى سرت على طول عنقي المتدلي.
ومن بين خصلات شعري المُهدَّلة، ذات اللون الورديّ الباهت، لاح لي طرفٌ من جسد الرجل، كان يرتدي بنطالاً أسود. وإن اضطرني الأمر، فسوف أضربه في موضعه الحساس بقبضتي، علِّي أنجو بحياتي.
“أعيد سؤالي مرة أخرى. من أنتِ؟”
” أرجوك… دعني أعيش…“
جاء ردي متقطعًا بأنينٍ ممزوجٍ بالبكاء
لقد كنتُ أنا من أنقذ حياته!
أدخلته منزلي، داويته، أعطيته إحدى جُرعاتي، أطعمته العصيدة حتى استعاد وعيه، وها هو مذ أن استفاق حتى شرع بمهاجمتي وتهديد حياتي… يا لي من ثمنٍ بخس
كلما استرجعتُ بذاكرتي مجرياتِ كلّ ما حدث يهدأ خوفي وضغطي شيئًا فشيئًا، لحسن الحظّ أيضًا لا يزال الوعاء الساخن بجواري، لذا لدي بعض الأفضلية عليه على الأقل
إن حاول فعل شيءٍ بي؛ فلن أتردد بإلقائه في وجهه!
” الـ..مـ معذرة… لم أكن أنوي قتلك.”
وسرعان ما بدأ الضغط الذي يحاوط عُنقي يتلاشى، حتى أفلتني تمامًا
وما إن استطعتُ رفع رأسي، حتى أطلقتُ صرخةً حانقة من أعماق صدري:
“أيها اللعين!”
كان الرجل ما زال يحدّق فيّ بثبات، ممسكًا بخنجره، لا أثر للغضب في وجهه رغم ما سمعه من شتائم.
أما أنا، فقد كنت أرمقه بعينين محتقنتين، والغضب يشتعل في صدري.
“ألم يكن بوسعك أن تتحدث بدلًا من أن تهاجمني؟”
قال بهدوء: “قلتُ إنني لم أكن أنوي قتلك. لكن… هذا المكان…”
“ما هذا المكان؟ من أكون؟ إن كنت ستبدأ في التفوّه والتساؤل عن هذه الترهات الآن، فاغرب عن وجهي!”
ما عدت أحتمل سماع كلامٍ لا طائل منه. تراجعت إلى الوراء بسرعة، أتنفس بصعوبة من فرط التوتر.
أغمض عينيه الحمراوين، بلون الدم، وأعاد فتحهما ببطء، ثم أردف:”كيف حال العالم؟”
هاا؟ أيُّ نوعٍ من الأسئلة هذا؟ ألا يُفترض به، هو الذي ولد في هذا العالم سلفًا أن يكون عالمًا ما يجري فيه أكثر مني أنا التي تجسّدت اليوم في هذا الجسد؟
“إنه…يعيث في خراب”
فردّ بهدوء:” علمتُ ذلك”
علمَ ذلك؟…أكان يعرف مسبقًا ما الذي سيحصل لهذا العالم؟
تنهّدتُ تنهيدةً طويلة وسألته :” ومن تكون أنت؟”
هَمسْتُ في داخلي: «بِأيِّ حقٍّ يحدِّثني بهذه النبرة المُتَعالية؟! صحيحٌ أنني رفعتُ صوتي غَضبًا منه، لكن ما عُذرُه هو؟» غير أنِّي لَجمتُ الكلامَ في صدري؛ فلا بدّ أولًا أن أعرِف مَن يكون، ومن أيّ مكانٍ أتى.
” أنا من يوستيبا”
“يوستيبا؟ وأين تكون هذ…آه…”
لم أكن أذكر شيئًا من أحداث الرواية التي كتبتها منذ أكثر من عشر سنين؛ فقد تركتها دون إتمام بعد أن كتبت بدايتها وحسب، ولم تخطر على بالي لاحقًا
لكن، ما إن نطق بكلمة “يوستيبا”، حتى بدا لي وكأن ذاكرةً دفينة قد استفاقت بداخلي.
يوستيبا… أرض الفوضى الوحيدة في إمبراطورية كوكُّوا، ومعقلُ العصابات والفساد.
لطالما تخيلت أن لقاء البطل، لويس دي كوكُّوا، بالبطلة سيكون هناك، حين ينقذها من أيدي الأشرار الذين اختطفوها، وقد مرّ بالمكان مصادفة.
تلك المدينة لم تذكر إلا في سطورٍ قليلة من الرواية التي لم أتمّها.
“انتظر لحظة…”
تأملت الرجل مليًا.
شعرٌ أسود… عينان حمراوان… وهيبة خطيرة تشبه زعيم عصابة.
“لا يعقل… أيُمكنُ أنّك … كيليان؟”
ذاك الاسم لم أذكره في السطور الأولى عمدًا. كنتُ قد خصّصته لشخصيةٍ ستظهرُ لاحقًا على أنها الشرير الحقيقي خلف كل ما جرى، حتى أني بل تعمّدت أن أضمّن في اسمه كلمة Kill كرمزٍ دفينٍ للشرّ الكامن فيه.
قال وهو يضيّق عينيه الطويلتين بارتيابٍ شديد: “كيف عرفتِ اسمي؟”
تغيّرت ملامحه
فجأةً اعتراه البرود، ولمعت عيناه بالحدّة والريبة.
شعرتُ بخطرٍ يزحف على عاموديّ الفقري ببطء؛ ما جعلني أندفع لألتقط الملعقة من وعاء الحساء، غير مباليةٍ بانقلابه من عنف الحركة.
كنت على وشك الانفجار.
“…آه.”
ثم ضربتُ رأس ذلك الأشعث بالملعقة، مُطلقةً تحذيرًا صارمًا:
“لا تكلمني بصيغة غير رسمية! أنا أكبر منك بخمس سنوات على الأقل!”
حينها فقط، لمعَ في عيني كيليان — نعم، لم يعد مجرد رجل غامض، بل كيليان ذاته — بريقٌ غريب، للمرة الأولى مذ أن استفاق.
ظلّ صامتًا لبرهة وكأنه فقد الكلمات التي كانت في جعبته للرد، ثم ارتفع طرف شفتيه الممتلئتين بابتسامة خفيفة:
“لم أكن أعلم أنكِ أكبر مني، ظننتكِ صغيرةً في السن.”
“…!”
“يو؟”
أضافها بنبرةٍ مرحة، وهو يكتم ضحكته.
وفجأة، لَفَت نظري شيء ما يتحرك عند النافذة.
“شـ… شخص!”
دفعتُ كِليان بعيدًا دون تفكير وركضت نحو النافذة.
يا إلهي، ما أجمل أن ترى كائنًا حيًا! شعرت وكأن الدموع تكاد تنهمر من عيني من شدّة الفرح.
أسرعتُ بفتح النافذة، أبحث بعينيّ عن أولئك الأشخاص الذين كانوا يقتربون من بعيد.
كانوا جميعًا ملثّمين بالسواد، يتحرّكون تحت السماءِ البنفسجيةِ الملبّدةِ بالرماد، يتحدّثون همسًا كما لو كانوا يتآمرون على شيءٍ ما.
“حتى الآن، لم يحدث شيء هنا.”
“فلنُسرع إذًا، ولننهب ما يمكن بيعه!”
رغم بُعدهم، إلّا أن كلماتهم قد استرقت مسامعي بوضوحٍ غريب، كأنهم يهمسون من فوق كتفي.
كان ذلك غير طبيعي على الإطلاق.
وبينما كنت أُحاول تفسير هذا الشعور، أشار أحدهم فجأة إلى القصر الذي أقيم فيه، وصاح:
“هيا، أسرعوا! هل رأيتم أحدًا خرج حيًا من منزل عائلة الباك؟”
“لا، لم أرَ أحدًا، بأية حال… ألم يُقتل الكونت آرثر بالفعل؟
…هاه؟ ما الذي أسمعه الآن؟
هل قُتل والد صاحبة هذا الجسد؟ متى؟ كيف؟ ولماذا لا أعلم شيئًا عن ذلك؟
ارتبكتْ، وعَيناي لا تَزالان تُراقِبانهم من خلفِ السّتارة، وجسدي مشدودٌ كالوَتَر. شيءٌ ما في نَبْراتهم أيقَظ في داخِلي خوفًا لم أفْهَمه بعد. امتَدّت يدي بِبُطء نحو دفترِ اليَوميّات على الطّاولة،… أصابعي ترْتَجف قليلًا.
فَتَحتُه بعَشوائيّة، كأنني أبحَثُ فيه بِيَأس عن إجابةٍ، عن معنًى، عن أيّ خيطٍ قد يُوقف هذا الزَّحْف المُتَصاعد في صَدرِي.
“ أمّا عن السحر المطبَّق على القصر:
هذا المكان محاط بعدد هائل من تعاويذ الهجوم، صُممت خصيصًا لصدّ المتسللين غير المصرّح لهم.
لكن لا تقلق، فجسدك يحمل ختمًا سحريًا يحميك من أي هجوم.
للتوضيح…“
آه، السحر… قراءته في الروايات …مسلٍّ، لكن محاولة فهمه في الواقع؟ شيء آخر تمامًا. لم أفهم من كل هذا الكلام شيئًا.
تابعت تقليب الصفحات بملل، حتى وقعت عيناي على جملة واحدة كُتبت بوضوح مريح:
“ببساطة، أنت لا تُقهَر داخل حدود هذا القصر.“
أها، إذًا هذا يفسّر سماعي لأصوات أولئك الرجال رغم بُعدهم… الختم السحري هو السبب.
صرخت نحوهم بصوتٍ عالٍ:
“أيها السادة! هنا!! إلى هنا!”
كان مظهرهم يوحي بلصوصٍ جاءوا لنهب القصر، وكلامهم أكّد ذلك. ورغم ذلك، لم أستطع إخفاء فرحتي برؤيتهم.
فمهما كانوا؛ فإن البقاء وحدي مع رجلٍ اسمه Kill يبدو أكثر جنونًا وخطرًا من اقتحام ونهبِ القصر نفسه.
لربما… لو وجدوا ما يغريهم من مال، قد يَعطفون عليّ، أو على الأقل يُصغون لي.
فتحت فمي لأُنادِيَهم مرة أخرى، لكن…
ششششققق!!
“آآااااه!!”
ما حدث بعدها كان كابوسًا حيًا، أشبه… بِمَشْهدٍ من فيلم رعب دموي.
“تبًّا!!!!!”
“آه، لا! زيك، فِم!”
انهالت السهام من العدم، حمراء، حادة كالشفرات، تَهوِي عَليْهِم مخترقةً تلبُّد السماء.
غُرِزت في جِبَاههم وصُدورِهم.
سقطوا جميعًا، دون بصوتٍ دوّى أُذُني رغم مستواه العادي .
آخرهم حاول الفرار، لكنه لم ينجُ.
تراجعت خطوة.
“ما هذا بحق خالق الجحيم؟”
قَبضتُ على السّتارة.
تَنَفّسِي كان ثقيلًا، ورأسِي خاملٌ يَدُور.
أكانوا مُتسلّلين غير مصرّحٍ لهم بالدخول؟ أهذا هو سببُ تلك النّهاية المُفجِعة؟
لكن… لكنّني كنتُ على وشك التّرحِيب بهم! أليس القصر ممتلئًا بالغرف الفَارِغة والطّعام الفَائض؟!
…كنتُ.. كنتُ على وَشك استِقبَالهم توًّا…
التفتُّ إلى كيليان.
لم ينبس ببنت شفه، لكنه كان يحدّق بصمْت.
نظراته كانت كافِيَة لِجَعل رأسي يعجُّ بالأسئلة
كيف بحقّ الله دَخَل هذا القصر؟
أليس مغطىً بِتَعاويذِ الحماية؟
أحسستُ بِمَعدتي تنْقلب.
أمسَكْتُ نَفْسي عن التَّقيُّؤ.
وبينما كنتُ أحاول إدارة ظهري للنّافذة كي أتجنب النظر لتلك الجثث، طرق مسامعي فجأةً صوتٌ خَافِت:
“ميااو”
رَفعتُ رأسي بِبطْء.
لا، ليس القطط!
لا أريد أن أرى أحدًا آخر يموت مجددًا.
نهضت بصعوبة، أتَماسَكُ على ركبتيّ المرتجفتين، وهَرعتُ إلى النّافذة كمن يَتشَبّث بأملهِ الأخير.
تجاهلت السهام، الجثث، الدماء… تجاهلت كل ما يُقال عنه “نجاة”، وفتّشت بنظري عن تلك الحياةِ الصّغيرة.
“أين أنتِ، صغيرتي؟ لا تتركيني الآن…”
الرماد كثيف، كل شيء في الخارج يبدو كأنه صُنع من العتْمة من شدّة دُكونَته.
يَداي ارتفعتا بلا وعيٍ منّي، تشكلت أصابعي في دائرة أمام عينيّ، كأنني أستدعي الضوء من قلبِ هذا السّواد، كأنني أتوسلُ أعيُني: “رجاءً، لا تَخذُلاني…!”
كييييـنغ.
انقلب المشهد!
كل شيء صار أقرب، أوضح، كأن الأرض نَفسها انحنت لتُقّرب المسافة بيننا.
شهقت بفرحة!
ثم تمتمتُ بارتجاف مُتعَب…بصوتِي المُتهدّج برجاءٍ خافت:
“كوني بخير… فقط كوني بخير… لا أريد أن أدفن قلبًا آخر اليوم.”
****
الانستا: aahkk_7
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - تجسُّدٌ فاشل⁴ 2025-06-14
- 3 - تجسُّدٌ فاشل³ 2025-06-13
- 2 - تجسُّدٌ فاشل² 2025-06-13
- 1 - تجسُّدٌ فاشل¹ 2025-06-13
التعليقات لهذا الفصل " 4"