3
الانستا: aahkk_7
******
「المجلد الأول: تجسُّدٌ فاشل」
الفصل الثالث
منذ ما يربو على عشر سنوات، في إحدى الليالي التي سبقت امتحانات القبول الجامعي، كنت قد سئمتُ من معركة لا تنتهي بيني وبين مسائل الرياضيات اللعينة، تلك التي كانت تلاحقني وتتلصص حتى على أدنى طرفٍ في أحلامي من مطلع النهار حتى غسق الليل. عندها، مددت يدي إلى عالمٍ آخر، عالم الروايات الرومانسيّة الخياليّة؛ لا لشيء إلا لأفرّ قليلًا من واقعِي المتعِب؛ فما كان مني إلا أن تعلقتُ وغرقتُ فيه حدَّ النخاع.
قلت في نفسي بدهشة: ” أيُعقل أن يكون في الدنيا ما هو مسلٍّ إلى هذا الحد؟!”
ولعلّني في تلك الأيام كنت أجد المتعة في أي شيء، كيف لا، وأنا أحاول أن أتناسى ولو للحظة واحدة أنني على بُعد مئة يوم فقط من ذلك اليوم المصيري الذي سيحدد مستقبلي. وهكذا، وجدتُني مشدودة إلى الحكايات التي تنسجها خيالات الكاتبات، حيث الأمير يُراقص البطلة في حفلة تنكرية، أو حيث يتنازعان بلباقة على السيطرة في جلسة شاي يملؤها التحدي والتهذيب في آنٍ واحد.
وذات ليلة، وفي ساعة متأخرة، أمسكت دفتري وبدأت أكتب روايتي الخاصة. لا أعلم لمَ أسميت البطل “كوكُّوا”، سوى أنني كنت في تلك اللحظة أحتسي كوبًا من الكاكاو الساخن. وربما كنتُ قد استلهمت فكرة القصة من حلم رأيته وأنا أغفو على مكتبي في الليلة السابقة.
هكذا شرعت في رسم البطلة، وتخيّلت الأشرار، وخططت للقاء قدريّ بين البطل والبطلة… لكنني ما إن بدأت أكتب حتى انفتح باب الغرفة فجأة، وسمعت صوت أمي تصيح:
“هيه، مالهي! هل أنهيتِ دراستكِ؟!“
وأسرعت بإغلاق الدفتر، كمن ارتكب جرمًا؛ إذ كانت تلك الفترة تستوجب مني أن أكرّس جهدي كله للدراسة، حتى نسيت تمامًا أنني ذات يوم كتبت رواية.
” ما هذا الذي… ما الذي يجري بحق خالق السماء!! “
عَجّ ذهني بالفوضى من كثرة التساؤلات حول كيفية وصول حالي إلى روايةِ لم أكتب منها سوى بضعة سطور ليست إلا وصفًا للقاء البطلة بالبطل!
غير أنها هذا لم يكن الوقت المناسب للتفكير بهذا الآن؛ فقد كان عليه إنقاذ الرّجل الذي يتلوّى أمامي ويئنُّ بين الفنيّة والأخرى
عدتُ للبحث في دفتر اليوميات علّني أجد خيط نجاة فيها…
” وتحسُّبًا لأي كارثة، جُهّز القصر بالعديد من الإمدادات والمؤن…
أولها: ما يكفي من الطعام لعشر سنوات، يمكن العثور عليه في القبو المقابل للمطبخ.
وثانيها: الأدوية والمواد العلاجية.
ففي حال تعرّضتَ أو تعرّض أحد مرافقيك للأذى، فقد أعددتُ بعض الجرعات العلاجية مسبقًا، تجدها داخل خزانتي، في الدرج المخصّص للملابس الداخلية.“
راودني تساؤل عابر: لِمَ يا ترى خبأت صاحبة اليوميات الأدوية في درج الملابس الداخلية؟ غير أنني آثرت تأجيل التفكير في ذلك، وصعدت السلالم على عجل بحثًا عن جرعةٍ علاجية.
كانت غرفة تبديل الملابس فسيحة حتى ضعت فيها لولهة، إلا أنني سرعان ما اهتديت إلى مكان الجرعات.
انتقيت إحداها على عجل، تلك المخصصة للإصابات الخطيرة، ثم أسرعت عائدة إلى الطابق السفلي وجثوت بجانب الرجل الملقى أرضًا.
كان وجهه قد شحب حتى غدا كصفحة بيضاء خاليةً من أي لون يعجّ بالحياة، والعرق البارد يتصبب منه غزيرًا.
هل يعقل أن يموت هكذا؟ لم يمضِ وقت طويل على دخولي هذا العالم، ولن يكون من المناسب أن أبدأ حياتي الجديدة بجثة بين يدي… خصوصًا في عالم أجهل فيه عدد من بقي حيًّا أصلًا.
“هل تُشرَب الجرعة، أم تُسكَب؟ “
كنت أعلم أنني دخلت داخل روايتي، تلك التي بالكاد بدأت كتابتها، لكنني لا أذكر أنني رسمت تفصيلًا كهذا.
من كان ليتصور أنني سأدخل في قصة لا تعدو عن أن تكون مقدمةً مبتورة؟!
تنهّدتُ بخِنقَه، وشرعتُ بفكّ أزرار قميصه كلّها حتى بانت ترقوته المشدودة وصدره العريض المتين، زممتُ شفتيّ وتنهدت مجددًا بغير وعي
إن وسامة وفتنة هذا الرجل تخوّله — إن لم يكن البطل على أقل تقدير — بأن يكون حبيب البطلة البديل عنه
ولكن… هل سبق وأن تخيّلتُ رجلًا بهذه الوسامة في روايتي أصلًا؟
” هااه…لا بأس لنتعامل مع الجرعة كأنها مطهر جروح”
صببتُ الجرعة كلها على كتف الرجل الذي غطّت الدماء جلده؛ إذ لم يكن في وضع يسمح له بابتلاع أي شيء.
كنت أودّ أن أمسح الدم المتخثر عنه، غير أنني لم أبلغ بعد ذلك القدر من الهدوء الداخلي.
راقبت كتفه عن كثب؛ فرأيت رغوة بيضاء تُغرغرُ حول الجرح الغائر، تغلي وكأنها تتفاعل مع شيء ما.
ترى، هل تؤتي الجرعة مفعولها؟… لعلها كذلك…
” أآه… آغغ…! “
كنت أراقبه بقلق حين بدأ يتلوى من الألم فجأة. انكمش وجهه الوسيم متشنّجًا، وبدأ كتفه يرتجف بعنف تحت وطأة الألم.
صرخت في وجهه برجاء يعتريني:
” تحمّل! لا تمُت هنا! أرجوك! لا يمكنك أن تموت الآن! “
أمسكت يده بقوة، وأنا أدعو ألا يسلبه الألم وعيه إلى الأبد.
لم يتبقَّ لي ما أفعله سوى أن أسحب غطاءً وأمسّده على جسده البارد المستلقي على الأرض الحجرية.
” ولكن من تكون؟ وما الذي جاء بك إلى هنا؟…والأهم من ذلك ما الذي حصل لك لتصير على هذه الحالة!؟…أرجو أن تجيبني حالما تستيقظ “
مددتُ يدي برفق وأزحتُ شعره المبلغ عن جبينه المتعرّق، مهما بلغ هذا الغريب من الحُسن والجمال؛ فلا يُعقل أن أظل متأملةً لوجهه هكذا طوال اليوم.
رمقته بنظرة تفحّصٍ أخيره، التقطتُ يومياتي، وعدتُ أدراجي للغرفةِ التي وجدتُ نفسي فيها لأول مرّة.
دخلت الحمام، اغتسلتُ من الدماء التي غطت بعض جسدي، وبدّلتُ ثوبي بثوبِ نومٍ آخر مريح على هيئة فستان
“آاه هذا القصر، ليس طبيعيًّا بالمرّة”
كان العالم الخارجي قد اجتاحته فوضًى شاملة، في حين أن هذا القصر كان بهِ ماءٌ ساخن، و سقفٌ ثابت يُتكأُ عليه…وليس هذا فقط
بل الأنوار أيضًا كانت لا تزال مضاءة، وهذا يعني أن الكهرباء لم تنقطع عنه
هل هو تأثير كوني من عوالم الروايات الرومانسية الخيالية؟ أم أن القصر مسحور بسحر خارق لا أفهمه؟
ربما… لا عجب؛ فقد ذُكر في اليوميات أن والد صاحبة اليوميات كان أحد سحرة البلاط الملكي.
” إن كان هذا العالم قد انهار فعلًا كما قال والدي، فلا تفزَع أو تغادر القصر، عليك أن تبقَ هنا، في هذا المكان الذي تملكه، هذا القصر هو لك.“
تمددت على السرير، وبدأت أتصفح اليوميات من منتصفها، متنقلة بين الصفحات، كانت اليوميات سميكة ومليئة بالكلمات والسطور، وقراءة كل ما كُتب فيها ستستغرق وقتًا طويلًا بالتأكيد.
فجأةً اجتاحتني وحدةٌ خانقة، لم يكن في هذا القصر أحدٌ سواي أنا و ذلك الرجل الممدد في الأسفل، والعالم الخارجي لا يبدو صالحًا للخروج إليه…
“هل السبب في أني جائعة؟ لهذا أشعر بالكآبة؟”
غسلتُ وجهي على عجل كنوعٍ من تنظيف الغضب المكبوت، وهممتُ للأسفل
لم أتناول شيئًا منذ أن حللت في هذا الجسد.
لعل القليل من الطعام يعيد لي بعض النشاط.
قررت مغادرة الغرفة متجهة إلى المخزن أو حيثما يُحتمل أن أجد طعامًا.
” عادة ما تكون المطابخ في أسفل طابق، أليس كذلك؟ لو كنتُ أنا فعلًا من وضع هذا العالم؛ فلا بدّ أن يكون هناك. “
نزلتُ إلى الطابق السفلي.
في النهاية، قالت إنني أنا مالكة هذا القصر؛ فلا داعي لأن أتردد بعد الآن.
حين وصلت للأسفل، وجدت مطبخًا ضخمًا يتناسب مع حجم القصر، وبابًا خشبيًا، وأماكن مخصصة لإقامة الخدم وغرفة للغسيل.
بدا واضحًا أن الخدم كانوا يعيشون هنا في السابق.
لكن لماذا لا يوجد أحد الآن؟
هل السبب أن العالم قد انهار بالفعل؟
دفعتُ الباب الخشبي المقابل للمطبخ ببطء، بدا أنه يؤدي إلى مخزن، وهذا ما تأكدت منه فور أن رأيتُ الداخل المعتم والبارد.
تحسست بيدي قرب الباب حتى وجدت المفتاح الكهربائي.
أضاء المصباح الأصفر المكان، ليكشف عن مخزن بحجم قاعة مدرسية تقريبًا.
” لحم مقدد؟ ويوجد بيضٌ أيضًا! “
خرج صوتي لأول مرة بنبرة مبتهجة، كأنه انفراجة صغيرة في صمت داخلي. حملت بعض الأطعمة المألوفة وتوجهت بها إلى المطبخ، حيث وجدت التوابل الأساسية – كالملح والفلفل – موضوعة في مكان واضح.
أخرجتُ مقلاةً من الحديد وبدأت أقلي شرائح اللحم والبيض، وفي قدر صغير وضعت قطع الخبز مع الماء والملح، وتركتها تغلي حتى تحولت إلى خليط يشبه العصيدة.
سكبت المزيج في وعاء، ورغم أنني حضرت الطعام لنفسي؛ فقد غابت عني الشهية فجأة حين جلست أمامه.
“آه… يا إلهي…”
في تلك اللحظة، صعدت إلى الطابق العلوي مجددًا، حيث وجدت ذلك الرجل الغريب يئن وكأنه يحتضر. اقتربت منه ووضعّت ظهر يدي برقة على جبينه المتعرق.
لم أكن أريد أن أرى أحدًا بهذه الحالة.
ترددت قليلاً، ثم أخذت ملعقة من العصيدة ونفخت عليها لتبرد، واقتربت بهدوء.
“أوه…”
“آسفة… هل ما زالت ساخنة؟”
كنت أعلم أن حالته لا تسمح له بالأكل، لكن لم أستطع تجاهله. دفعت قليلًا من العصيدة إلى فمه؛ فزمّ حاجبيه بانزعاج وأطلق أنينًا متألمًا.
“هممم…”
“الآن لم تعد ساخنة، صحيح؟”
“أووو…”
لاحظت ارتعاشةً طفيفة في رموشه المغلقة.
رفعت ملعقة أخرى، أمسكت بذقنه، وفتحت فمه بالقوة
“إنها فقط…”
“…؟”
“طعمها سيء…”
ذلك الوغد؟!
هل كان مستيقظًا طوال الوقت؟
وضعتُ الوعاء جانبًا وحملقتُ في وجهه، رغم ذلك ظلّ مستلقيًا وعلى أمارته تشنُّجٌ منزعج
أكنت ساذجةً إلى ذلك الحدِّ البسيط؟
أما كان من الأفضل أن أظلّ في المطبخِ أتناول طعامي بصمت؟
بينما كنت أهمُّ بالنهوض، اهتز كتفه فجأة، وبحركةٍ خاطفة أمسك ذارعي وجذبني نحوه بقوّة
” هيييي! لقد أفزعتني! “
“من أنتِ؟”
قالها بصوت أجشّ، وهو يضغط على جسدي بقوة ليجبرني على الاستلقاء أرضًا.
” لا تتحرّكي… هناك سكين على عنقك.”
*****
الانستا : aahkk_7
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - تجسُّدٌ فاشل⁴ 2025-06-14
- 3 - تجسُّدٌ فاشل³ 2025-06-13
- 2 - تجسُّدٌ فاشل² 2025-06-13
- 1 - تجسُّدٌ فاشل¹ 2025-06-13
التعليقات لهذا الفصل " 3"