1
الانستا: aahkk_7
*******
「المجلد الأول: تجسُّدٌ فاشل」
الفصل الأول
” لقد دُمّر جلُّ العالم…”
تناقرت قطرات الأمطار كالمطارق على الأسفح الزجاجية للنوافذ الكبيرة التي تقابل مقاعد السادة في الغرفة، ومع اندثار أي ضوْءٍ حيوي من السماء المطلّة عليهم، خيّمت على الغرفة بأجواءٍ خانقة، باهتةٍ، وباردة…
كانت أشبه بأجواءٍ قاتمة لجريمةٍ قتلٍ قد اقتُرِفت توًّا، والمشبه بهم عالقون في دوّامة تسفك بهم، ما بين النجاة و الموت.
لم يكن هنالك ما يُقاطع خيط ذلك الصمت الرهيب سوى قرقعات نار المدفأة، النور الوحيد الذي يهيج بتقاسيمه أرجاء المكان…
ومع دوّي الرعدٍ المهيب الذي غرس أجواء الغرفة الهادئة بالفزع، و صدّى المكان كالزلزال، اقشعرّ الموجودون رعبًا…
خشخشة
وسط هذا المشهد الدرامي الكئيب، كانت هنالك يد مغمّرة بالجروح تتحرّك خلف ستارٍ مغمّسٍ بالظلال، يكادُ يُرى، لكن وجوده طاغٍ، ومحسوس، دون توقفٍ أو كلل
” وماذا بعد؟”
سأل بصوتٍ هادئ تعتريه نبرة استهتار، ببرودة أعصابٍ لا تلائم فداحة الموقف الذي حُشروا فيه، بل لم يكلّف نفسه عناء رفع رأسه عمّا يُشغل يديه.
تقلّصت أنفاس رئيس الأساقفة العجوز، لم يمضِ وقتٌ على وصوله لبرّ القصر برفقةِ خيوله التي كانت على شفا الهلاك، والآن قد تحين نهايته!؟،
اتسعت فُتحتا أنفِه انفراجًا، ثم صاح وهو يلهث ككلبٍ مسعورٍ وخائف:
“ إنها نهاية العالم!! إنها… إنها كما جاءت في نبوءة لابالي العظيم!!، ستخترق أعمدة النار أديم الأرض، وتَغرقُ السماء بالسواد الآثم، سيُنزل لابالي غضبه على كلّ نجيس أحمقٍ عارض حكمه! وتجرّأ على ارتكاب الخطايا بحقّه!! “
وما إن أنهى خطابه الدرامي حتى اخترقت صاعقةٌ زرقاء السماء خلفه، مع دوي رعدٍ يخلع القلوب.
فزعت الصغيرة التي كانت تعْبث بدميتها قُرب الموقد، وارتمت بين أحضان خادمها العجوز، الذي بدوره جعل يُربّت عليها بلطف محاولًا تهدئتها
خشخشة خشخشة خشخة
” أ أ أنا خائفة…جدّي أوجّــين…! “
” لا عليكِ آنستي الصغيرة؛ فطالما نحن لا نزال أحياءً؛ فالخرابُ لن ينال منّا، ما من داعٍ للخوف “
مع ابتسامةٍ حنون علّها تُهدّىُ من روعها.
بينما أنا التي تأففتُ بانزعاج بسبب تفاهات ذلك البطريرك الخرف، أغلقتُ دفتري بحنق، وهممتُ غاضبة
“كفَّ هُراءكَ هذا عن النبوءات؛ فأنت تخيف الطفلة!”
حملق فيّ رئيس الأساقفة بعينيه الغائرتين اللتان تعلُوان وجنتيه المنتفختين، وأردف باستهزاء
“ طفلة؟ أي طفلةٍ هذه، بعد عامين أو ثلاث ستبلغُ حيضها“
ماذا؟ ما الذي تفوّه به توًّا؟ يا إلهي أكاد أنفجر غضبًا…أكاد أتمالك نفسي حتى لا أرفسه خارج القصر
ورغم غضبي البادي على محياي، تجاهل البطريرك تقاسيمي المنزعجة وأشار إلي متعاليًا بذلك الإصبع السمين
“اسمكِ ماري صحيح؟ اسمٌ مباركٌ ذُكر في الكتب المقدّسة”
وأمال تلك الشفاه المتدلية، الشبيهة ببراطم النقّاق، وهي تصفع بعضها بعضًا بابتسامة ماكرة
” أنتِ آخر امرأة على وجه هذه الأرض، وواجبكِ إنجاب جنسٍ جديدٍ من البشرية لذا…”
“لا أريد” قاطعته ببرود
” ما الذي تقولينه! تتجرّئين على تجاهل نصيحتي، أنا البطريرك ساندرو العظيم! الخادم المخلص والأمين للابالي! “
بتنهيدة يائسة، تابعتُ بسأم ذلك المشهد المزعج لملكة الدراما، الخالي من زر الإيقاف…
لماذا سمحتُ له بالدخول؟
كنت لأفضّل الاستماع لنصيحة كيليان
واستمرت براطم النفاق تلك بالتفوّه بالهراء تاليًا
” وجهكِ حسَن، تليقين أن تكوني… في خدمتيَ وأُنسيَ في الليالي،
ما رأيكِ؟…
أن نرسم معًا… تاريخًا جديدًا يُشرّف …آااه…“
توّقف شريط الراديو لتلك البراطم عن العمل حين غُرست رأسُ سكينٍ في منتصف جبهة البطريرك، وسقط أرضًا بصوتٍ مكتوم.
تبسّمتُ بازدراء
“اعذرني لكنني لم أستطع سماع أيٍّ مما ما قلته؛ فقد انتهى بي الأمر بالتركيزعلى مدى قباحة منظرك”
ثم ساد الصمتُ بغرابةٍ أرجاء المكان، عدا عن شهقات الصغيرة المرتجفة في أحضان خادمها العجوز
و مع تقاطعٍ آخر، حرّك رجلٌ كان منهمكًا في نحت قطع التفاح على شكل أرانب رأسَه بهدوء، أمال عينيه بحنوّ نحوي وسأل بكّل هدوء كأنه لم تسقط بسببه للتوّ جثة عملاقة تتوسط الغرفة
” ماري أتودّين بعض التفاح؟ “
كنت أحملق فيه بانزعاجٍ يحتوي شيئًا من الضيق، كانت قطتي الرمادية تداعب نفسها على فخذيه، ما هذا المشهد؟
هادئ، بارد، لم يحاول حتى أن يغزو الاضطراب تلك التقاسيم المنحوتة أمامي، دقيقةٌ واحدة كانت كفيلةً لأُدرك أنه لم يبالي حتى بقتل الكاريندال، بل على الأرجح كان يكبح نفسه منذ وقتٍ طويل بسببي…
أجبته بعدما تنهّدت:” آه نعم…التفاح جيد”
ناوَلني قطعة التفاح، كانت على شكل أرنبٍ ظريف… مضحك…
أعطى أخرى للصغيرة التي لا تزال مرتميةً بين أحضان الخادم
ثم عاد لزاويته المظلمة، و شرع في تقشير الخوخ الآن
يا له من مشهدٍ عائلي تملؤه الأُلفة، يكادُ يكون عاديًّا بقدر أُلفته
في الواقع، ذلك الرجل القابع في ظلّ الزاوية، لم يكن سوى الظلّ الأسود لهذه الرواية
كلا بل كان ليُصبح أساس ظلامها لولاي أنا
لو لم ينحدر هذا العالم إلى هاوية الفَناء كما حكى ذلك البطريرك…
لو لم…لو لم يترك كاتب تلك النصوصِ قلمَه في المنتصف…
كلا…
بل لو لم أتوقف أنا…!
لابتلعَ هذا الرجل بفوّهة رذيلته العالم بأسره!!
ولكن ها هو هنا، يرتدي مئزر خادمة منزليًّا من الدانتيل، ويقشّر لي الفواكه في ركن الغرفة
حدّقت في ألسنة اللهب المتراقصة على فحم الموقد، أُمسك بيدي قطعة التفاح التي قشرها لي كيليان، ولستُ أردي بالضبط بما هو عقلي هائم
في الواقع لم يكن عليّ الاستذكار بما حدث منذ زمن طويل؛
فقد بدأ كل شيءٍ قبل ثلاثة أيامٍ بالضبط.
******
“أخيرًا أتى لي ذلك اليوم!”
حالما فتحتُ عينيّ لمحتُ سقفًا غريبًا عليّ، طأطأتُ بقدميّ من شدّة الانفعال
كنتُ قارئةً شغوفة لعشر سنواتٍ كاملة، قلبي وروحي سكنَا روايات الفانتازيا والرومانسية، أيُعقل ذلك…! أُيعقل أن أحلامي قد ابتسمت لي أخيرًا!؟
هبطت عن سريري العملاق، الذي يبدو بحجم سريرين بسبب عُرضه، وتوجهتُ من فوري إلى المرآة، صرختُ وأنا أُنطْنِط من هول فرحتي
” يا إلهي ما أجملني!”
شعرٌ مموجٌ حالميّ كقطع القطن الطافية، ورديٌّ كالحلوى، بشرةٌ تشعُّ بياضًا، أهدابٌ طويلةٌ أنيقة تزيّن بريق الذهب من عينيّ…
أيُعقل أن هذا البهاء المقطّر بالحُسن موجود على هذه الأرض؟
هل سأكون هذه الفاتنة ابتداءً من اليوم؟
“لا يُصدّق…أحس وكأني في حلم”
كان قلبي يخفق بشدّة، هل سأبدأ حياتي الرومانسية من اليوم، أيُعقل أن أعيش مثل تلك الحيواتِ البهيجة كما في الروايات؟
بينما كنتُ منهمكةً بتأمل جمالي الخلاب، جذب نظري طاولة صغيرة، وفوقها…
“هممم؟”
دفترٌ بوضعية مائلة يتوسط الطاولة بغلافٍ أحمر قاتم
شعرتُ بشيءٍ من الرهبة الممزوجة بالنفور، شيءٌ ما يُخبرني أني يجب ألا ألمس ذلك الدفتر، لربما هو دفتر يوميات صاحبة الجسد الحقيقي
شعرتُ بالخجل من نفسي، أنا ها هنا أقفز فرحًا بسبب تجسُّدي، مع جهلي بشأن ما حدث لصاحبة الجسد، أو إذا ما كانت حتى قصتها مأساوية، أو حول ما يدور عليه هذا العالم الجديد
” إن كنتُ قد علقتُ في خضم حكايةٍ كئيبة…أو قصة رعبٍ؛ فسيكون ذلك مزعجًا”
لكن عليّ أن أُدرِك وضعي، ورغم شكّي الذي كان يزداد مع كلّ خطوة ونيّة، إلا أني استللتُ ذلك الدفتر
وقلبتُ الغلاف لتصفعني الصفحة الأولى بما تحتويه…
” إلى من استحوذ على جسدي…“
انفرجت عيناي بإرتِعاد، وألقيتُ الدفتر بعنف
مـ مـ مـ مـ ماذا!!؟
هذا ليس دفتر يوميّات!
ثمّة خطبٌ ما، ما…ما هذا التخريف الذي قرأته!! بحق الله ما الذي يجري!
أخذت أنظاري تدور حول الغرفة، ستائر كثيفة تحجب الخارج بطريقةٍ غريبة، و أضواءٌ تضيءُ الغرفة بشكلٍ مبالغٍ فيه
“لا لا لا لا…هنالك شيءٌ مريب يحدث“
ابتلعتُ ريقي بمرارةٍ موجعة، ومددتُ يدي المرتجفة للدفتر وأعدت فتحه، وأنا أدعو ألا يكون ما يُسرَد في قلبي صحيحًا
” إلى من استحوذ على جسدي،
سعيدةٌ بلقائك،
وددتُ لو كان بيدي أن أحييكِ بما يرجوه قلبي من بشاشةٍ وحُب،
أنا مدركةٌ بأن قلبك الآن يعتريه القلق والريبة؛ لذا سأدخل في صلب الموضوع مباشرة،
أولًا، علي أن أعتذر بصدقٍ خالصٍ لك…“
“آه”
ودون تردد ألقيت بالدفتر مجددًا،
اقشعّر جسدي بكلّ أوصاله، كيف علم صاحب الجسد أن هناك من تجسدّ فيه!؟
أجُررتُ توًّا إلى روايةِ رعب؟
لكن أجواء الغرفة تقول عكس ذلك تمامًا!!
بات ذلك الدفتر الملقى على الأرض كابوسيَ الأسمى، ولكن ورغم هشاشة شجاعتي في هذه اللحظة، عليّ أن أفهم ما تم حشري فيه
لذا استجمعتُ شجاعتي الهشة، والتقطتُ الدفتر مجددًا
” أعلم بأنك مصدومٌ الآن، أنا نفسي لم أستطع تصديق أن شيئًا كهذا يمكن أن يحدث، لكنه حدث، وكونك تقرأ هذه الكلمات الآن؛ فهو الدليل القاطع على ذلك،
وهذا يعني أننا، أنا وأنت، قد تبادلنا الأجساد عبر الأبعاد.
لا شك بأنك خائف، ومذعور…
قد تقول أن هذه الكلمات هي ضربٌ من الجنون، وربما قد تتمنى أن يكون كلّ هذا حلمًا، ولكنه… واقعٌ مرير، إنه حقيقي.
ما حدث لي ولك كان نتيجة تجربة والدي، ماثيو آرثر، أحد السلك الثاني لسحرة البلاط الإمبراطوري، كان غريب الأطوار، ولكن عظيم الفراسة والتنبؤ.
وكان يؤمن إيمانًا لا يتزعزع بأن هذا العالم، عاجلًا أم آجلًا، مصيره إلى الدمار والانهيار…“
“مـ مـ ماذا!! ما الذي قلته!؟“
انعقدت تقاسيم وجهي من فرط الدهشة
أتقول لي أنني دخلتُ إلى عالمٍ يتداعى إلى الهلاك!؟
لم أستطع تصديق ما ورد في ذلك الدفتر،
كلا! بل لم أُرد
ألا يمكن أن تكون صاحبة الجسد الذي حللتُ فيه مختلّة بعض الشيء…أو ذات خيالٍ خصب؟
نعم ذات خيالٍ خصب!
ولكن…ثمة ما يُؤرقني، غرفةٌ جميلة، بمثل هذا الحجم، لا بد أنها في قصرّ ضخم
ألا يجب أن يكون محتشدًا بالخدم؟
مع ذلك، السكون يعمّ الأرجاء، لا أكاد أسمع وقع أي خطًى أبدًا
“هذا محال…صحيح؟”
لو كان هذا المكان مصحّة عقلية؛ فسوف يكون حالي أعلى من ضرب الجنون بمراحل!
و دون أي تفكير هرعتُ للنافذة، و أزحت الستائر بقوة
حتى بهت محياي من هول الصدمة جرّاء ما سقطت عليه عيناي…
امتد على مرأى ناظريّ عالم كالح…
أرضٌ قد تفحّمت عن بُكرة أبيها…
مشهدٌ يكاد لا يختلف عن تصوّر الجحيم الحقيقي…
******
الانستا: aahkk_7
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - تجسُّدٌ فاشل⁴ 2025-06-14
- 3 - تجسُّدٌ فاشل³ 2025-06-13
- 2 - تجسُّدٌ فاشل² 2025-06-13
- 1 - تجسُّدٌ فاشل¹ 2025-06-13
التعليقات لهذا الفصل " 1"