“تلك المرأة بالخارج. كانت تحدث ضجة كبيرة، لذا اضطررت إلى تكميم فمها.”
تحولت نظرات كايل إلى وحشية قاتلة عند سماع تلك الكلمات، لكن فابيان ضحك باستهزاء وأضاف.
“ألا تستطيع حتى تحمل مزحة؟ أنت نسخة طبق الأصل من والدك.”
تكئ فابيان على كرسيه، وألقى نظرة كسولة على كايل قبل أن يأخذ نفسًا آخر من سيجاره.
“إذن، ما الذي كنت تفعله حتى تقع ضحية لحيلة ساحرة منخفضة المستوى وتظل تتلوى من الألم هكذا؟”
كان كايل يتوقع استجوابًا—أسئلة حول سبب وجوده هنا أو هدفه—لكن النبرة غير المبالية والتوبيخ المبطن أزعجاه.
“…ماذا تعني؟”
سأله كايل، مرتبكًا.
نظر إليه فابيان بشفقة وأكمل.
“السبب وراء انهيارك بالأمس. هذا عرض شائع لمن يتعرضون للشموع أو المشروبات الممزوجة بتعاويذ الساحرات المصممة لجعل الرجال أكثر… نشاطًا في الليل. عادةً، يزول التأثير بمجرد أن تتخلص من طاقتك، لكن إن لم تفعل، فسينتهي بك الحال مثلك—تحترق بالحمى كل ليلة.”
أوضح فابيان أيضًا أن المعالج أعطاه دواءً لكبح الحمى حتى لا يعاني أكثر.
لكن كايل بالكاد سمع ذلك، فقد غمره إحساس شديد بالإحراج.
طفا على سطح ذاكرته مشهد واحد—الرائحة القوية للشموع في غرفة النزل.
“لأجل العروسين، أشعلت بعض الشموع الخاصة أيضًا،” هكذا قال صاحب النزل.
ضربت الحقيقة كايل كصفعة قوية.
تلك الشموع الخاصة كانت السبب في معاناته.
صرّ على أسنانه وشتم صاحب النزل الذي تسبب له في كل هذا العناء.
كان يريد العودة إلى هناك وسحقه، لكنه قبض يديه وقمع غضبه—جزئيًا بسبب النظرات الحادة التي كانت تراقبه من قريب.
“سمعت أنك نُفيت إلى مكان لا يمكنك العودة منه أبدًا. يبدو أن ذلك المكان كان أراضي روبينوس القاحلة.”
قال فابيان بسخرية.
كان كايل متوترًا بالفعل، فردّ عليه بحدة.
“يبدو أن التجسس ليس مقتصرًا على جانبنا إذا كنت تعرف مثل هذه التفاصيل.”
لكن بغض النظر عن مدى حدة ردود كايل، لم تؤثر أبدًا على فابيان المتمرس، الذي رد بلا مبالاة.
“حدث بحجم استبدال الوريث لن يمر دون أن يلاحظه أحد.”
تحولت تعابير كايل إلى البرود عند سماع رد فابيان غير المكترث.
حدق فيه بغضب، لكن فابيان اكتفى بهز كتفيه.
“ربما أنت توجه نظراتك إلى الشخص الخطأ. بعد كل شيء، أنا في نفس القارب معك. تمامًا كما تم إقصاؤك من قبل أخيك، تم إقصائي من قبل أخي—والدك.”
تعاظم فضول كايل بشأن نوايا فابيان.
ما هدفه من جره إلى هنا والاعتناء بإصاباته؟
لا يزال عابسًا، سأل كايل.
“لماذا؟ لماذا تذهب إلى هذا الحد لإنقاذي والاعتناء بي، أنا ابن الرجل الذي سرق مكانك، حتى بعد أن دخلت أرضك دون إذن؟”
نفث فابيان نفخة أخرى من الدخان وأجاب بلا مبالاة.
“أولًا وقبل كل شيء، أنت الشخص الذي أنقذ ابني، أسترِد، وأعدته إلى المنزل.”
“أسترِد؟”
قطّب كايل حاجبيه.
هل كان يشير إلى ذلك الذئب الصغير الذي التقى به الليلة الماضية؟
عاد إلى ذهنه مشهد الطفل وهو يصرخ ويتنقل بحماس قبل أن يفقد كايل وعيه.
“أبي! هؤلاء هم من أنقذوني!”
إذًا، ذلك الطفل كان بالفعل ابن فابيان. شعر كايل بشيء غريب تجاهه منذ البداية، لكنه تجاهله وساعده على أي حال، مما أدى به في النهاية إلى هذا المكان.
“لم أكن أعلم أنه ابنك.”
قالها كايل ببرود.
لم يُبدِ فابيان أي دهشة، بل ضحك بخفّة على ردة فعل كايل المتحفظة، مما جعل كايل يشعر بعدم الارتياح ويلزم الصمت.
ساد السكون بينهما، لم يقطعه سوى صوت احتراق سيجار فابيان بين الحين والآخر.
بعد فترة، تحدث فابيان مجددًا.
“تلك المرأة في الخارج تقول إنك تخطط للعودة إلى وادي رودين. لماذا قد يرغب شخص منفيّ في العودة؟”
كانت كلماته قاسية، خاصة قوله “شخص منفيّ.”
هل كانت الوقاحة سمة عائلية؟
لكن كايل كان مُنهكًا لدرجة أنه لم يعد قادرًا على الردّ على كل استفزاز، فأجاب بجفاف.
“ليس من شأنك.”
“هاه.”
عند سماعه رد كايل الوقح، ضحك فابيان وكأنه وجد الأمر مسليًا.
ثم، بنبرة أكثر ليونة وكأنه يحاول مواساة الشاب الغاضب، قال:
“أنا أسأل لأنني أهتم. أنت في نفس موقفي. العودة لن تعيد لك مكانتك، أليس كذلك؟”
رفع كايل رأسه عند سماع هذه الكلمات وردّ بسؤال.
“هل هذا هو السبب الذي جعلك لا تعود أبدًا؟”
لأول مرة، بدا شيء من الاضطراب في عيني فابيان اللتين كانتا عادةً هادئتين.
كان الأمر لحظة خاطفة، بالكاد يمكن إدراكها، لكنها كانت موجودة.
وبعد صمت قصير، تحدث فابيان بنبرة هادئة على نحو غير متوقع.
“في البداية، حاولت العودة. قاتلت بشراسة لاستعادة مكاني. لكن مع تقدمي في العمر، بدأ كل شيء يبدو… مرهقًا. لذلك، تخليت عن الأمر.”
حدّق به كايل، غير قادر على الاستيعاب.
تخلّى عنه لأنه كان مرهقًا؟
كانت تعابيره تصرخ: أي نوع من الهراء هذا؟
لاحظ فابيان عدم تصديقه، فانفجر ضاحكًا.
وبعد أن هدأت ضحكته، أوضح قائلاً:
“من الجيد أن تستمر في التحدي، لكن عندما تبدأ في رؤية نفسك كشخص بائس، فمن الأفضل أن تترك الأمر.”
تجمد كايل، ينظر إليه بدهشة.
لم يكن من الصعب فهم معنى كلمات فابيان. لقد حاول التغلب على والد كايل، الأخ الذي سلبه مكانه، لكنه أدرك في النهاية أنه لا يستطيع ذلك، فقرر التوقف.
بينما كان كايل يحاول استيعاب هذا الاعتراف غير المتوقع، واصل فابيان حديثه، بنبرة غير مبالية لكن مشوبة بحزن خافت.
“بالطبع، استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أصل إلى هذه القناعة. طويلًا جدًا، في الواقع. وبحلول الوقت الذي أدركت فيه ذلك، كانت المسافة بيني وبين والدك قد أصبحت شاسعة جدًا، إلى درجة يستحيل تجاوزها.”
اتسعت عينا كايل وهو يستمع.
كان يعتقد أن عمه يحمل نفس الكراهية تجاه والده التي كان والده يحملها تجاهه.
ظن أن هذا هو السبب الذي جعلهما يعاملان بعضهما كأعداء لدودين.
لكن هذا لم يكن صحيحًا.
من خلال كلمات فابيان، استطاع كايل أن يشعر بمرارته الداخلية.
لم يكن يكره شقيقه، بل كان يتوق للتصالح معه منذ زمن طويل.
لقد سامح الأخ الذي سلبه كل شيء.
“هل كنت… تريد التصالح مع والدي؟”
سؤال كايل المتردد بقي معلقًا في الهواء.
أخذ فابيان نفسًا من سيجاره ورفع عينيه ببطء ليلتقي بنظرات كايل.
ثم ابتسم بمكر وقال:
“كنت فقط فضوليًا لأرى كيف سيكون شكل ابن أخي.”
ثم أضاف بنبرة ساخرة:
“لكنني أشعر بخيبة أمل. أنت نسخة طبق الأصل من والدك.”
“…”
بهذه الملاحظة المستفزة، وقف فابيان، وأطفأ سيجاره في المنفضة على الطاولة بجانب السرير، ثم تحدث مرة أخرى.
“سواء عدت أم لا، وأي طريق ستسلكه، فهذا قرارك وحدك. فقط لا تختر طريقًا يدمر حياتك.”
كانت كلماته هذه المرة جادة تمامًا، خالية من أي سخرية.
عند سماعها، شعر كايل بموجة مفاجئة من المشاعر تتدفق داخله.
قبض يديه بإحكام، ثم رد بمرارة.
“حياتي قد دُمّرت بالفعل. وبسبب والدي وأخي، لا أقل ولا أكثر.”
كانت كلماته مشبعة بالاستسلام والغضب.
أدرك كايل أخيرًا أن عداءه تجاه فابيان كان في غير محله.
لقد كان والده هو من أسقط مخاوفه وانعدام أمانه على كايل، مما جعله يتصارع مع عدو غير موجود.
لقد كانت قسوة الحياة غير عادلة بشكل ساحق.
تمتم كايل بصوت خافت:
“لا أظن أنني أستطيع مسامحتهما كما فعلت.”
توقف فابيان للحظة عند مدخل الخيمة.
لم يلتفت إلى كايل، لكنه كان واضحًا أنه استوعب ألمه.
لكن فابيان لم يعد ذلك الشاب الذي كان يستهلكه الغضب على ما فقده.
لقد سمح له الزمن بالتغلب على جراحه، حتى بات قادرًا على رؤية الأمور بمنظور مختلف.
قبل أن يغادر، قال فابيان آخر كلماته.
“والدك عانى أيضًا. أكثر من أي شخص آخر، لا بد أنه كان يأمل ألا يعيش أبناؤه الحياة التي عاشها هو.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"