تساءل آرون في نفسه إن كان دائمًا بهذا القدر من الغباء. وحتى حين ذكر الدروس الخصوصية، لم يبدُ على كيم أي ارتباك.
لماذا بحق السماء تبكي الآن…
كان قد أقسم ألّا يهتم بعد الآن، لكن… أليس البكاء تجاوزًا للحد؟
عيناها المغرورقتان بالدموع أمر يمكن احتماله، لكن وجنتيها المتورّدتان بحمرة أشبه بثمرة برقوق برزتا بوضوح على بشرتها الصافية. ولسبب ما، تلك الحمرة أشعلت شيئًا داخله. فزفر بضيق خفي واقترب منها أكثر.
“هناك اختبار في الهندسة غدًا.”
كان قد قرر سلفًا أن يخطئ في كل الأسئلة ويحصل على صفر، ولكن… كان هذا العذر الوحيد الذي يمكنه التمسك به، لذا شدّد عليه.
“…حسنًا، سأُلخّص لك النقاط المهمة.”
من نبرة صوتها أدرك أنها لم تعد تبكي. عندها استدار آرون متجهًا نحو غرفة تبديل الملابس، لكنه تذكّر فجأة شيئًا.
“سأغتسل أولًا. انتظريني في الردهة.”
لو لم يقلها بهذا الشكل، لكانت غادرت على الأرجح. لذلك تعمّد أن يجعل صوته حازمًا.
“مفهوم؟”
وحين سألها مجددًا ليأخذ منها جوابًا أكيدًا، هزّت كيم رأسها بخفة. لم يكن واثقًا إن كانت قد هزّت رأسها فعلًا أم أن وضعيتها جعلتها تبدو كذلك، لكنه اختار أن يصدق ذلك.
✧ ✦ ✧
“حسنًا، انتهينا. ركّز فقط على حفظ القوانين التي شرحتها لك.”
بعد أن أنهينا جلسة الدروس العاجلة على إحدى طاولات الكافتيريا، علّقتُ حقيبتي على كتفي بتثاقل.
“حتى لو أخطأت، ستنال درجة C على الأقل.”
“يا.”
فجأة، حدّق أيزنهاور في وجهي. عيناه العسليتان كانتا تضجان بالاستياء.
“ماذا…؟”
لم تكن لدي حتى طاقة للمجادلة.
“لماذا كنتِ تبكين في وقت سابق؟”
لقد بكيتُ لأن الفتى الذي كنتُ معجبة به لا يراني سوى دجاجة تبيض له درجات A. لكن الاعتراف بذلك سيكسر كبريائي.
“…لا شيء مهم.”
تهربتُ من السؤال ببرود، لكن ما تبع ذلك كان غير متوقع.
“هل ضايقكِ الطلاب مجددًا؟”
“مجدّدًا؟” تجعّدت حاجباي فورًا.
“أعلم… أنكِ تتعرضين للتنمّر من الآخرين.”
واصل أيزنهاور حديثه، وقال:
“هل يسببون لكِ المتاعب—”
“اهتم بشؤونك.”
خرج صوتي أكثر حدّة مما توقعت، لدرجة فاجأني ذلك. لكنني واصلت ببرود متعمّد:
“ما شأنك أنت؟”
ابتسم أيزنهاور بسخرية:
“أنتِ محقّة. لا شأن لي. آسف لأنني تظاهرت بدور البطل النبيل. مثير للاشمئزاز، أليس كذلك؟”
وبهذا، نهض واقفًا فجأة.
“هيا. سأوصلكِ للمنزل.”
“لا داعي.”
“وكيف ستعودين إلى المنزل إذن؟”
سواء عدتُ سيرًا على الأقدام أو قضيتُ الليل في المدرسة، كان أفضل مئة مرة من أن أركب سيارة مع آرون أيزنهاور وهو بهذا المزاج.
“على الأقل قدّري أنني—”
“كلوي!”
حينها ارتفع صوت سكوت مدوّيًا.
“سكوت!”
لم أشعر يومًا بالسعادة لرؤية تلك النظارات المستديرة مثلما شعرت في تلك اللحظة.
“ألم تذهب إلى المنزل بعد؟”
حين سألته، حكّ سكوت وجنته بتردد وأجاب:
“آه، نعم… حدث أمر ما، لذا…”
“جيد إذن. هل توصلني إلى المنزل؟”
عندها أطلق آيزنهاور ضحكة ساخرة، ثم خرج من الكافتيريا مرورًا بالردهة من غير أن ينبس بكلمة.
“آه… ما المشكلة؟ هذا لا يُكلّف شيئًا.”
تردد سكوت وقد بدا أنه التقط الجو الغريب، ثم سألني:
“هل حدث شيء بينكِ وبين آرون…؟”
“لا؟”
“… حقًا؟”
هزّ رأسه أخيرًا مستسلمًا، ثم قال:
“حسنًا، لنذهب إذن.”
“نعم.”
وهكذا ركبتُ سيارة سكوت وعدتُ إلى المنزل.
✧ ✦ ✧
في اليوم التالي…
«خلال استراحة اليوم، يُرجى من طلاب الصفين الحادي عشر والثاني عشر التوجّه إلى قاعة العروض.»
قبل بدء الحصة الأولى، دوّى صوت رئيس مجلس الطلبة، ديريك، عبر مكبرات الصوت. على الفور أشرقت وجوه الفتيات، وبدأن يتهامسن بحماس.
“يبدو أنّه سيُعلن اليوم.”
“سأصوّت لكِ.”
“وماذا في ذلك؟ على أية حال، الفائزة ستكون بريتني.”
عن ماذا يتحدثن؟ تساءلت مرتبكة، لكن ضحكات مكتومة وصلت من الخلف. كان ذلك من كايل المهرج وبعض أتباع آيزنهاور. لكنه كان جليًّا أنهم يحيكون شيئًا، يكادون يسقطون من شدّة الضحك.
“يا رجل، هذا عظيم. سنفعلها فعلًا؟”
“طبعًا.”
أملتُ رأسي، عاجزة عن فهم مؤامرتهم الصغيرة، حتى صفع المعلّم يده على المنضدة.
“هدوء. الدرس سيبدأ الآن.”
سكنت الهمسات مع بداية الحصة الأولى، لكنها سرعان ما عادت للاشتعال بعد انتهاء الحصة الثالثة.
“هيا بنا.”
“أشعر بتوتر.”
“لا تقلق، ستُرشحين بالتأكيد.”
“هاه، وأنتِ أيضًا.”
ضحكات خفيفة وأحاديث متشابكة ترددت فيما كان الطلاب يتوجهون جماعات إلى قاعة العروض، فلحقت بهم وجلستُ في أحد المقاعد الخلفية.
“شكرًا لحضوركم. خلال هذه الاستراحة سنختار المرشحات للقب أميرة العودة وملكة العودة.”
[أوهانا*: سيتم الشرح بالأسفل]
ما إن أنهى كلماته حتى دوّى هتاف صاخب في القاعة.
“طلاب الحادي عشر، اكتبوا أسماء ثلاث زميلات ترون أنهن مناسبات للقب أميرة العودة. وطلاب الثاني عشر، افعلوا المثل للقب ملكة العودة.”
وبينما كان يشرح، بدأ أعضاء المجلس بتوزيع أوراق صغيرة.
“بعد الانتهاء، يرجى وضع أوراق التصويت في الصناديق الموضوعة أمامي، مرتبة بحسب الصف.”
وما إن أنهى حديثه حتى تعالت أصوات الأقلام على الورق. آه… إذن هذا ما كان وراء كل ذاك الحماس. عندها فقط فهمت سر حماسة الفتيات.
همم… من سأكتب اسمها؟
الفتاة الوحيدة التي أعرفها جيدًا هنا هي البطلة: بريتني أندرسون.
إذن… بريتني ثلاث مرات.
من غير تفكير طويل، كتبت اسمها ثلاث مرات، ثم نهضت متجهة نحو صندوق التصويت. شعرتُ بنظرات ديريك بيرسون الملحّة تلاحقني، لكنني تجاهلته متعمّدة. وضعت ورقتي في الصندوق وغادرت القاعة، مثبتة نظري على الأرض حتى النهاية.
اقتربت نهاية آخر حصة في اليوم، مادة التاريخ العالمي، حين وقع الأمر.
دينغ-دونغ-دينغ~
«نود إعلامكم بإعلان قصير….»
عند سماع صوت المدير، أمسكت الفتيات بأيدي صديقاتهن ونظرن نحو مكبّر الصوت. وكذلك فعلت بري وصديقاتها المقرّبات.
“سنقوم الآن بالإعلان عن المرشّحات لمنصب أميرة العودة وملكة العودة.”
“كياا!”
“بري، لا تقلقي. بالتأكيد سيتم اختياركِ.”
جلست بري وكأن شيئًا لا يحدث، لكنني كنت أستطيع أن أرى بوضوح…
بري، أنتِ متحمّسة جدًا، أليس كذلك؟
لقد أفصحت وجنتاها المتورّدتان عن ذلك. بالطبع، كنت أعلم مسبقًا أنها ستصبح أميرة العودة، لكنها لم تكن تعرف. ولهذا لم يكن غريبًا أن تكون متوترة إلى هذا الحد. بدت لطيفة للغاية في تلك اللحظة، حتى أنني لم أستطع منع نفسي من الابتسام ابتسامة دافئة.
“أول مرشحة لأميرة العودة هي…”
ما إن قال المدير ذلك، حتى خيّم الصمت التام على الصف.
“… بريتني أندرسون.”
“كياا! بري!”
“يا رفاق، اصمتوا. لا تزال هناك مرشحات أخريات.”
“لكنها بري!”
وسط صرخات صديقاتها، حاولت بري أن تهدّئهن بصوتها. لكن المدير، متجاهلًا الضجّة، أعلن اسمًا آخر.
“وأخيرًا، المرشحة الأخيرة لأميرة العودة هي…”
آه، إذًا سيختارون ثلاث مرشحات. كنت أنتظر بلا اكتراث انتهاء الإعلان، لكن فجأة دوّى اسم غير متوقع:
“كلوي كيم.”
ماذا؟! للحظة، شككت في أذني.
“واو! مبارك، أيتها النيرد!”
وانفجرت تصفيقات مدوية من مؤخرة الصف. كانوا أولئك الفتيان الذين يتسكّعون كظلٍّ خلف آيزنهاور.
“هيه، لقد صوّتُّ لكِ.”
قالوا واحدًا تلو الآخر، وهم يبتسمون نحوي.
“وأنا أيضًا. ألا تشعرين بالامتنان؟”
عندها فقط أدركت… لقد سجّلوا اسمي فقط ليسخروا مني مجددًا…
“لا تقلقي، أيتها النيرد. لقب أميرة العودة مضمون لكِ.”
“اصمتوا!”
ولأن الإعلان عن مرشحات ملكة العودة لم ينتهِ بعد، سارع الأستاذ هاينز إلى تهدئة الفوضى التي أحدثها الفتيان.
“…وبهذا نكون قد أنهينا الإعلان. نتمنى حظًا موفقًا للمرشحات.”
وبانتهاء البث، أنهى المعلم الحصة. واحتشد الطلاب وهم يصرخون ويهنّئون بري بسعادة. أما أنا، فقد تلقيت بدوري التهاني… تهانٍ مليئة بالسخرية.
“هيا، أيتها النيرد، أبلي بلاءً حسنًا.”
“بإمكانكِ فعلها!”
“يا رفاق، انظروا! النيرد خاصّتنا تطمح لتصبح أميرة العودة~!”
راقبتهم وهم يصرخون بذلك في ممر المدرسة علنًا، وزفرت تنهيدة ثقيلة. غمرت عيناي دموع حارقة. ما الذي اقترفته بحقهم؟ لماذا يستغلّون كل فرصة للسخرية مني؟ لم أجرؤ حتى على التوجّه نحو خزانتي، كنت متأكدة أنهم سيستغلونها للسخرية مجددًا…
وفجأة، طرق أحدهم باب الصف.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
🔹 حفل العودة للوطن (Homecoming)
هو تقليد سنوي في المدارس الثانوية والجامعات بأمريكا، يقام عادة في فصل الخريف مع بداية موسم مباريات كرة القدم الأمريكية. يشمل أنشطة مثل مباراة كرة قدم كبيرة، موكب، حفلة رقص، ولمّ شمل الخريجين القدامى.
🔹 لقب “أميرة العودة” (Homecoming Princess)
يختار الطلاب عادةً أميرة العودة من بين طالبات الصفوف الأصغر (غالبًا الصف العاشر أو الحادي عشر).
هي جزء من ما يسمى “محكمة العودة للوطن” (Homecoming Court)، التي تضم الأميرات والأمراء المرشحين من كل صف.
يُعتبر هذا اللقب شرفًا اجتماعيًا، يعني أن الطالبة مشهورة ومحبوبة بين زملائها أو ن
اشطة في الأنشطة المدرسية.
🔹 لقب “ملكة العودة” (Homecoming Queen)
يمنح عادةً لطالبة من الصف النهائي (الصف الثاني عشر).
هو اللقب الأرفع، وغالبًا ما يُرافقه لقب “ملك العودة” للطلاب الذكور.
التعليقات لهذا الفصل " 8"