لم يستطع دِينيس أن يتفادى الصاعقة المنطلقة لتصيب معصمه، فسقط سيفه من يده. دوّى صوت ارتطام المعدن بالأرض حادًّا كصرخة مذبوح.
“آااااه!”
وبينما كان يتخبط في الألم، لم تُفلت سيلا الفرصة، فانطلقت مسرعة نحو الباب. ولم تنسَ وهي تتجاوزه أن تركله بساقها لتبعد السيف عن متناول يده.
غير أنّ يدًا آثمة امتدت فجذبت طرف ثوبها بقوة همجية، فمنعتها من المضي قدمًا. لقد كان، على عِللِه وخبثه، فارسًا قادرًا على إظهار طاقته القتالية، فحتى وهو ملقى على الأرض كان يعضّ على أحقاده ليقبض عليها.
“لن أترككِ… لن أسامحكِ أبدًا!”
توحش بصره حتى كاد يمزقها بنظراته، لكن كل ما قدر عليه هو التمسك بها. وحين هوت بعصاها السحرية الطويلة بكل ما أوتيت من قوة، علا صراخه الحادّ واضطر إلى إفلات ثوبها.
مدّت سيلا يدها إلى مقبض الباب، ثم التفتت نحوه وقالت ببرود.
“سأقدّم لك نصيحة واحدة. من الأفضل أن تعود مسرعًا إلى مقاطعتك، وإلا أفشيتُ كل ما أخفيتَه سرًّا.”
“ماذا… تقصدين؟”
“المخبأ الكائن بجوار سريرك.”
اهتزّت حدقتا دِينيس بعنف.
“لا شكّ أنّك تدرك مغزى كلامي.”
“انِـ، انتظري!”
حاول يزحف نحوها، لكنها فتحت الباب دون شفقة. بيد أنّها لم تستطع أن تخطو خارجًا.
كادت أن تنطق باسمه، لكنها تذكّرت أنها متنكرة، فأطبقت شفتيها بقوة. ولحسن حظها أنّ شعرها المستعار لم ينكشف، بل كان مختلفًا عن ذلك الذي ارتدته أمامه من قبل.
جال كاليكس بنظره داخل الغرفة ببطء، ثم اجتازها ليلتقط السيف الملقى.
وقال بنبرة لا تحتمل الرفض.
“أودّ أن تخرحي إلى الممر، وتقومين بالعد داخليًا لثلاثين ثانية، وأغلقي أذنيكِ.”
إذن لقد كشف أمري…
خرجت سيلا كما أمر، وضغطت كفيها على أذنيها. كان الزمن يزحف ببطء قاتل. وحين أتمّت العد، رفعت يديها، وإذا بكاليكس يغلق الباب خلفه ويخرج إلى الردهة. اقترب منها، تفوح منه رائحة دم نفّاذة.
“هل أُصبتِ؟”
“لا… لم يحدث لي شيء.”
“كاذبة.”
أمسك بكفها برفق، يقلبها ويتفحص راحتها. عندها فقط أدركت أنّها قد جُرحت عندما تعثرت وسقطت.
لكن… هذه إصابة طفيفة لا تستحق الذكر.
لم تنطق بذلك، واكتفت بالصمت.
قال بصوت منخفض مليء باللوم.
“لماذا ذهبتِ وحدكِ خفية؟”
“…….”
“لِمَ لم تخبريني؟”
“…….”
“وماذا لو أصابكِ مكروه جسيم؟”
ارتجفت كلماتُه في مسامعها مثقلة بالقلق. رمقت الأرض بعينين مثقلتين بالعجز عن الرد.
كنت أنوي إنهاء الأمر بإرغامه على العودة إلى مقاطعته فحسب…
لكنها لم تكن تريد أن يطّلع هو على هذه الحقيقة الموحلة. فالإحساس بأنّ ما وثقت به لم يكن سوى وهمٍ رديء الطلاء، كان شعورًا جارحًا لا يطاق.
رفعت رأسها تنظر إليه. كان وجهه ملبّدًا كبحر غارق في حبرٍ أسود، وعيناه تترقرقان وكأنهما على وشك أن تذرفا الدموع. فانهارت ذرائعها الملفقة.
“تلك الكلمات التي قلتِها داخل الغرفة، ماذا قصدتِ بها؟”
“……إلى أي جزءٍ وصلَ مسمعك؟”
“منذ أن قلتِ. سأقدّم نصيحة.”
إذن فقد سمع معظم الحوار. عضّت شفتيها وكتمت أنفاسها، قبل أن يدخل الخدم يتزاحمون يتساءلون.
“هل أنتما بخير؟”
قال كاليكس بصرامة.
“رون، ستجد اللورد دِينيس ماغوفيرو داخل الغرفة. كبّله فورًا.”
“نـ، نعم؟!”
تعثر رون في الفهم، لكن كاليكس لم يتوقف ليشرح. أدار بصره نحو سيلا.
“هيا بنا إلى الطبيب.”
أذعنت له، وخرجت بعد تلقي العلاج. طوال الوقت كان وجهه عصيّ القراءة، كأنما حُجب خلف ستار كثيف. وحين فرغ الطبيب وضمّد كفها، نظر إلى ضمادها وقال.
“هل نتمشى قليلًا؟”
“……حسنًا.”
لم تستطع رفض طلبه، فهزّت رأسها. وسارت إلى جانبه بخطى ثقيلة نحو ضفاف البحيرة الزرقاء، حيث اعتادا اللقاء.
قال فجأة.
“سيلا.”
الآن سيسألني… عليّ أن أعتذر أولًا.
لكن قبل أن تنطق، قاطعها هو بصوت مغاير لكل توقعاتها.
“أعتذر.”
“…ماذا؟”
جمدت الكلمات في حلقها.
“لماذا… تعتذر أنت يا كاليكس؟”
حدّق في المياه وهو يجيب.
“لأنّني بتعلقي بما مضى، تسببت في أن تُصاب سيلا.”
شهقت دهشة، وارتج ذهنها.
“لحظة. هل أفهم ما قلته بشكل صحيح؟”
“نعم. كنتُ أعلم بما يقترفه عمي، الكونت دِينيس ماغوفيرو.”
ارتسمت ابتسامة باهتة على فمه وهو يشيح ببصره نحو البحيرة.
“لم أعلم من البداية، لكنني ظللت أتعقب من أرسل القتلة، ومن دسّ السم، حتى اكتشفت الحقيقة. كنت أعرف حتى موضع إخفائه للأدلة، لكنني لم أجرؤ آنذاك على القضاء عليه. كل ما فعلتُه أن أبعدته إلى مقاطعة بعيدة.”
“…….”
“يبدو أنّ الحنين غلب على غضبي وخيبتي.”
كان صوته جافًا كغبار، كأنما يتحدث عن أمرٍ لم يعد يعنيه.
“رأيتُ في عينيك رغبة في الاعتذار، فشعرت أن عليّ البوح. لم يعد لي أي بقايا من ذلك التعلق، لكنني آسف لأنني لم أحسم الأمر منذ البداية. آسف أنّك انجرفتِ في هذا يا سيلا.”
لكنها في قرارة نفسها كانت تقول.
‘كاذب’
لطالما ناداه عمي، ولطالما أبقاه على قيد الحياة، لأنّ بقية من عاطفة ظلت في صدره. كلّما ادّعى عكس ذلك ازداد قلبها اختناقًا.
نظرت إليه طويلاً حتى التقت عيناهما، فتأرجح بينهما نسيم خفيف. وبدت كلماتٌ قديمة تتردد في مسمعها.
[لو قلتُ إنني لست بخير، هل ستضمني إلى صدرك؟
عندما دغدغت خصلات شعرها المتطايرة على أذنيها بفعل النسيم، خطر ببال سيلا ذلك الصوت فجأة، فمدّت ذراعيها إلى الأمام وقدّمت اقتراحها.
“كاليكس هل تريد أن أعانقك؟”
اضطربت عيناه الحمراء كاللهيب. ظل يحدّق بها دون أن يرفّ جفن، حتى إذا هدأ النسيم، همس.
“هل بدأ لك أنني لست بخير؟”
لم تجبه، بل وقفت صامتة، تؤكد له بصمتها أنها لن تُكرهَه على شيء، وأنّ القرار له وحده.
حينئذٍ انمحت تلك الابتسامة المجبرة من محيّاه. وبتنهيدة ثقيلة، أسند رأسه إلى كتفها، وهمس.
“دعيني أستعير كتفك قليلًا.”
فاكتفت بالتربيت على ظهره برفق، على إيقاع هادئ، بغير كلمة.
***
غمره عبق الحديد النازف وهو يشقّ طريقه بين زنازين السجن. هناك، كان دِينيس ملقىً على الأرض، مُكبّلًا كالدابة.
لم يكن أحد ليتخيل أن تنتهي حاله إلى هذا المآل.
اقترب كاليكس، وأمسك بكتفيه بعنف حتى برزت عروقه. قال بصوت كالحديدة.
“ألم أحذرك؟ لقد أنعمت عليك بحكم ما بقي من صلة الدم، فكان جزائي أن ركلتَ العطاء بقدميك.”
“د، دوق…”
“لماذا تجاهلت التحذير… ولمستَ من لا يجوز المساس به؟!”
صرخ دِينيس متألمًا وهو يترنح في قيوده كدودة بائسة.
كان يومًا رجلًا غير منقاد لشهواته، يجلّ أخاه ويحنو على ابن أخيه. كان يومًا شخصًا أحبه كاليكس كأحد من عائلته.
لكنه الآن، قالها بصرامة لا رجعة فيها.
“من هذه اللحظة… لم يعد لي عمّ في هذه الدنيا.”
ثم ألقى أمامه حزمة من الوثائق تحوي كل جرائمه وخيانته. واستلّ سيفه، وغرسه في الأرض إلى جوار فخذه، يخترقها كالمسمار في الطين.
“أيها الكونت دِينيس، أمامك فرصة واحدة لتجيبني بصدق. تلك الأموال الطائلة التي اقترضتها في أغسطس الماضي… أين أنفقتها؟”
كان ذلك في الحادي عشر من أغسطس… أي قبل يومٍ واحد فقط من بداية تحوّل كاليكس إلى قط.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 94"