ترددت سيلا قليلًا وهي تحدّق في الرجل المتلعثم، تنتظر جوابه بصمت.
وأخيرًا، لم يقوَ رون على احتمال ثقل الضغط، فمرّر أصابعه أسفل عينيه المثقلتين بالهالات السوداء، ثم تنفّس عميقًا وقال.
“الدوق يكاد يكون من الحديد، نادرًا ما يمرض، لكن في الآونة الأخيرة بات لا يهنأ بنوم هادئ ليلًا، فاضطربت حالته وصحته لم تعد على ما يرام.”
حرّك عينيه بتوتر وهو يرفع نظارته ويلوّح بيده متعجلًا.
“لكن لا تقلقي، ليس الأمر بسبب سمٍّ أو ما شابه، فليطمئن بالكِ تمامًا. ما إن يستريح يومًا واحدًا حتى ينهض معافًى.”
“هل يمكنك أن ترشدني إلى غرفة كاليكس؟”
“نعم، تفضلي.”
سارت سيلا وراء رون عبر الممر بخطى هادئة.
‘قال رون إن الأمر لا علاقة له بالسمّ، لكن…’
أيّ عاقلٍ يصدّق كلامه في حالته هذه؟ لولا السمّ، لربما قاوم جسده كما اعتاد، لكن في هذه الحال المضطربة، كان السمّ بالتأكيد القشة التي قصمت ظهر البعير.
“ها قد وصلنا، يمكنكِ الدخول.”
“أشكرك.”
ما إن ولجت سيلا الغرفة واتجهت إلى السرير، حتى وجدت كاليكس قد رفع نصف جسده، وعيناه مثبتتان عليها.
“سمعت وقع خطواتي، أليس كذلك؟”
لم يُجب، بل اكتفى بابتسامة مائلة وهو يزيح خصلات شعره الأمامية. كانت جبينه محمرة بحرارة الحُمّى.
نظرت سيلا حولها تبحث عن كرسي تجلس عليه، فحرّك رون مقعدًا صغيرًا بالسحر ووضعه إلى جانب السرير.
“سأدعكما الآن.”
وما إن غادر رون حتى خيّم الصمت، ولم يبقَ سوى أنفاس الاثنين.
تكلم كاليكس أولًا.
“بفضل الترياق لم يعد في جسدي أثر للسمّ، وما أشعر به الآن مجرد صدفة لا أكثر.”
“رون أيضًا قال إنها مصادفة.”
“إذن انظري إليّ، ألا أبدو بخير؟”
يا للعجب! كيف يمزح وهو يتصبب حرارة؟ أطرقت سيلا نصف جفنها، تنظر إليه بتمعّن. أن يزول المرض في يوم واحد؟ لم يحدث أن شُفي جسده بهذه السرعة قط، مما جعل الأمر عسير التصديق.
‘كنت أنوي أن أسلّمه الدواء ثم أنصرف، متذرعة بأنني هنا لمواجهة دينيس…’
لكن في هذه الحال، بدا الرحيل مستحيلًا.
أخرجت سيلا صندوقًا صغيرًا من صدرها وقد تظاهرت برباطة جأش تخفي ارتباكها.
تأمل كاليكس الصندوق بفضول، فتحه وتحقق من الدواء الثمين داخله، ثم أغلقه مجددًا وقدّم الصندوق إليها.
“أنا بخير. الأفضل أن تتناوليه أنتِ، سيلا.”
ابتسم ابتسامة واثقة وهو يدفع بالصندوق نحوها.
“جسدي قوي بطبيعته، وحتى إن مرضت من فرط الإجهاد، فأنا أتعافى بعد يوم واحد. ألستُ أنا كاليكس؟”
لا شك أن سيد السيف أشبه بكائن يتجاوز حدود البشر… لكن،
‘الآن أفهم شعوره.’
هي تعلم أنه سيتعافى حتى لو لم يشرب الدواء، وكلامه من الناحية العقلية وجيه.
فكم مرة كانت هي نفسها تقول الشيء ذاته؟ كم مرة امتنعت عن تناول الأدوية لأنها لم تُزل عنها اللعنة، وتمنت لو أُعطيت لكاليكس ليستفيد منها في موضع أنفع؟
أما الآن، وقد رأت الأمر بعينيها، أدركت سرّ كرمه.
‘فقط لأنه لا يريدني أن أتألم.’
ابتسمت بمرارة وقالت.
“كاليكس، أعتذر على قولي المتكرر أنني لا أريد منك هدايا الأدوية، وأعتذر أيضًا لأني حاولت مرة أن أبيعها خفية.”
ضحك ضحكة قصيرة محبوسة بين شفتيه، ثم أسند ذقنه إلى كفّه.
“بهذا، لا أستطيع الرفض بعد الآن.”
“لم أقل ذلك لتشعر بالحرج. لكن، لو شربته، فسيسرّني.”
قال مبتسمًا، وقد اشتعلت في عينيه الحمراء لمعة ماكرة.
“حسنًا، أقبل اعتذارك وأتناول الدواء، لكن بشرط…”
توقفت عيناه الضاحكتان عندها.
“أطعِميني بيدك.”
ارتجفت رموش سيلا دهشة، وإن كانت تعلم أنه يمزح. أخرجت الدواء من الصندوق بصمت، واقتربت.
“سيلا؟” ناداها بدهشة، كأنما لم يتوقع منها أن تستجيب.
لكنها مدت يدها، ممسكة بالدواء الصغير كحبة طماطم، وقالت بهدوء.
“افتح فمك.”
“….”
رمش كاليكس ببطء، ثم أنزل يده التي كان يسند بها ذقنه.
قالتها بلهجة ثابتة، وإن كانت لا تصدقها، ثم رفعت حاجبها.
“لكن، لماذا شربت من فنجاني فجأة؟”
كان يعرف أن الشاي مسمومًا، أليس كذلك؟ لكنها لم تُكمل العبارة، بل بللت كفّيها عرقًا من التفكير.
“لم يكن صدفة، بل تعمّدت ذلك.”
“ماذا قلت؟”
“حين نتشارك الفنجان، فهذا أشبه بقبلة غير مباشرة، أليس كذلك؟”
“…أتزعم أن هذا هو السبب؟”
“نعم.”
بُهتت سيلا، تحدّق فيه عاجزة عن الكلام. هل هو جاد؟! ومع ذلك، حين تذكرت تعاملاته السابقة، وجدت أنّ هذا التفسير، على غرابته، لم يبدُ بعيدًا عن طبيعته.
تأملها كاليكس، ثم ابتسم بخفة.
“هذا التعبير يليق بكِ أكثر من أي وجه عابس.”
مهما كان الأمر—سمًّا أم صدفة—لم يكن يندم على فعله.
“كفى هذرًا، واستلقِ للراحة.”
“هل ستبقين حتى أنام؟”
“إن لم تغمض عينيكِ الآن، فسأرحل.”
“حسنًا.”
وما إن أطبق عينيه، حتى خيّم السكون. جلست سيلا تراقبه طويلًا.
وحين استوى تنفّسه بعد نصف ساعة، مالت لتضع يدها على جبينه، تتحسس حرارته.
لكن فجأة، حرّك رأسه في نومه، محكًا جبينه في كفّها كقطة مدللة.
تجمدت سيلا، تحدّق في يدها بذهول. تلك الحرارة، تلك الألفة الغريبة…
‘مستحيل…’
ذكّرها الأمر بأذنين صغيرتين مكسوّتين بالوبر الذهبي.
صورة تيتي، قطّها العزيز، انبثقت في ذهنها كاللهيب.
“لا يعقل…” تمتمت وهي تبتسم بارتباك.
ثم همست باسمه. “تيتي.”
وكأن لمسة سحرية، أسند كاليكس خدّه إلى راحتها، تمامًا كما يفعل تيتي.
شهقت وهي تبتلع ريقها بعسر. قلبها يخفق في إيقاع مختلّ.
‘هل يمكن أن يكون كاليكس هو تيتي حقًا؟’
هزت رأسها نافية. هذا غير منطقي، سحرًا أو عقلًا. لكن إن كان محض صدفة، فلماذا تكررت تلك الصدف مرارًا؟
رائحة أشبه بالشمس، العادات المتشابهة، وجوده في الغابة يوم الصيد، إدراكه لوجود السم…
وذلك الصوت—صوت الجرس الذي يرن كل مرة يختفي فيها ‘لأمر عاجل’، متزامنًا مع ظهور القط الأصفر.
‘لو وجدت ذاك العقد…’
حينها، لن يكون مجرد حدس.
جالت بعينيها تبحث في أرجاء السرير. فتشت بين الملاءات، تحت الوسائد، بحذر شديد لئلا توقظه—لكن لم تجد شيئًا.
تنفست بارتياح، هامسة.
‘كما توقعت. لا يعقل أن يكون هو.’
لكن سرعان ما اتسعت عيناها.
‘انتظري… ما زال مكان لم أتحقق منه.’
مدّت يدها نحو الغطاء الذي كان يغطي جسد كاليكس، وعزمٌ جديد يتأجج في عينيها.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 92"