ابتسم دينيس ابتسامة دافئة وهو ينظر إلى كاليكس الجالس مقابله.
وقال.
“لقد مضى زمن طويل منذ أن اجتمعنا إلى مائدة واحدة. حين كنت صغيرًا، كنت تمسك بيدي وتأخذني معك إلى كل مكان، أليس كذلك؟”
فأجاب كاليكس بهدوء.
“نعم، هذا صحيح.”
ضحك دينيس بخفة وهو يمسح التجاعيد حول عينيه كمن غرق في ذكريات بعيدة.
وأضاف بصوت يغمره الحنين.
“كنتَ تبتسم آنذاك ابتسامةً مشرقة تضيء وجهك. هيه هيه.”
كان كاليكس يجيبه أحيانًا بعبارات مقتضبة، غير أنّ نظره ظلّ يتجه مرارًا نحو مدخل المطعم.
لقد حان الوقت تقريبًا.
فكل انتباهه كان منصبًّا على شخص واحد لم يصل بعد.
حينها ثبّت بصره على دينيس برهة، غير أن عينيه الخاليتين من الدفء عكستا قسوةً باردة بين الفينة والأخرى.
قال دينيس وهو يبتسم بمرح.
“هل هناك ما يثير الاستغراب في وجهي؟ لقد اعتزلت الفروسية منذ زمن، ومع ذلك تبدو كما أنت. لا يسعني إلا أن ألاحظ.”
فأجابه كاليكس بصوت خفيض.
“هذا لأن صقل سيفي وشحذه هو متعتي الوحيدة.”
قهقه دينيس وهو يربت على ذراعه الغليظة، مفاخرًا بأنه تمكن حديثًا من إطلاق طاقة السيف.
أما كاليكس فاكتفى بقول.
“فهمت.”
ثم حوّل انتباهه إلى الخطوات التي اقترب صداها.
كان من المفترض أن تكون تلك الخطوات لسيلا. غير أن الصوت بدا غريبًا، وما لبث أن ظهرت ليليا أمامه.
قال بحدة.
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
ابتسم دينيس وقال.
“سموك، تفضّل بمعاملتها بلطف. فأنا من دعاها.”
انتزع كاليكس نظره الحاد عن ليليا، والتفت إلى عمّه، وقد انطلقت من عينيه نظرة كالشفرة القاطعة تطالبه بالشرح.
“ما الذي قلته الآن؟”
أجاب دينيس بثقة مفرطة.
“لقد جئت العاصمة مؤخرًا، والتقيت صديقةً طلبت مني أن أرتب لقاءً لك معها. فأردت أن أحقق لها أمنيتها.”
زمّ كاليكس شفتيه وقال ببرود.
“إذن لقد كذبت عليّ؟”
قهقه دينيس مرة أخرى.
“ولمَ تقول ذلك بنبرة مخيفة كهذه؟ أقسم بروح أخي الراحل في السماء أنني لم أكذب قط على سمو الدوق.”
ثم تابع بنفس النبرة الهادئة وكأن شيئًا لم يحدث.
“حين تحدثنا آخر مرة، أشرتُ عليك أن تتناول طعامك مع زوجتك المستقبلية لا مع عشيقتك، وأرجو أن تكون الانسة ليليا هي خيارك الأمثل.”
ثم انحنى انحناءة المخلص وتابع بلسان متملّق.
“على الرغم من صراعها مع الشائعات الكاذبة، فإن الانسة ليليا لم تقصّر قط في أداء واجباتها. حين شهدت فضلها بعيني، أدركت جوهر مبدأ النبلاء ملزمون بالفضيلة.”
انهمر كلامه مدرارًا بين إقناع ومديح، حتى بدا صوته متحمسًا وهو يعدد الأسباب التي تؤهّل ليليا لتصبح دوقة.
ثم قال.
“وإن كنت أتمنى أن أُسمع ابن أخي الوحيد الكلمات العذبة فقط، فإن مصلحتك تقتضي أن أُسدي إليك مرّ النصيحة. فالحب وهمٌ عابر، كحلم صيفي قصير الأمد. أما اختيار ليليا فهو في صالح أسرة إيكاروس، فأنصت إليّ.”
مع كل كلمة، كانت الأجواء حول كاليكس تزداد ثِقلاً. ومع ذلك، ظل دينيس ينحني بوقاحة بلا حياء.
حينئذٍ انطلق صوت كاليكس كزئير وحش مفترس.
“يبدو أن عمي يتجول في العاصمة وعيناه وأذناه مغلقتان، وإلا لما نطق بمثل هذا الكلام.”
وبينما كان على وشك الاسترسال، غلّف كلامه تهديد خطير.
“سأتظاهر بأنني لم أسمع شيئًا مما تفوّه به اللورد ماجوبيرو. لو علمت أنّ اللقاء سيكون على هذه الشاكلة، لما جئت أصلًا!”
عندها ضمّت ليليا كفيها مذعورة وهتفت.
“ليـ… ليليا، الانسة ليليا.”
ثم قالت بخضوع.
“أعتذر سمو الدوق. حاولت أن أرتّب الأمور، لكن رغبتي في مشاركتك مائدة واحدة كانت شرارة هذه الفوضى.”
وانحنت قليلًا وهي تمسك بطرف تنورتها.
تنهد دينيس متظاهرًا بالاستسلام وقال.
“إن كانت هذه رغبتك، فلن أُصر أكثر.”
ثم قبض على كتف كاليكس.
“لكن بما أنك أتيت إلى هنا، فأتمنى أن تجلس قليلًا وتتناول الطعام، إكرامًا لصديقتي.”
غير أن كاليكس تخلّص من قبضته بلامبالاة وقال.
“أعتذر، لكن لدي موعد سابق. استمتعوا أنتم بوجبتكم.”
وغادر بخطوات ثابتة. أما دينيس فقد تجهم وجهه وهو يرى ابن أخيه يدير ظهره له أمام ليليا، فاشتعل الغضب في قلبه.
أخفى غيظه بابتسامة مفتعلة وقال بصوت جهوري.
“أهو بسبب الانسة سيلا؟ جميل أن تحبها، لكن إن رحلت هكذا، فلن أنظر إليها بعين الرضا مستقبلًا. هل ستقف ضد عائلتك الوحيدة من أجل امرأة لطّخت سمعتها خِطَبٌ فاشلة متكررة؟”
توقفت خطوات كاليكس فجأة.
ثم قال بصرامة.
“إن كان عشاء واحد كافيًا لتعيد النظر، فلنجلس معًا.”
لكن حين التفت إليه، ارتجف دينيس من هيبة ظل الدوق الذي غمره.
قال كاليكس بنبرة تحذير.
“رئيس هذه الأسرة هو أنا. أما أنت، فلك حق الكلام بوصفك تابعًا، ولا أكثر.”
ارتجفت شفتا دينيس ولم يستطع الرد.
واصل كاليكس ببرود.
“إنها ليست نصيحة من أجلي، بل من أجلك أنت.”
ذلك الوجه اللامبالي بدا فجأة مهيبًا مرعبًا.
ثم أضاف.
“كفّ عن حماقتك في إهدار كل ما فعلتُه من أجلك حين كنتَ صغيرًا.”
حاول دينيس أن يرسم ابتسامة كاذبة وهو يختنق تحت سطوة هيبته، مرددًا في داخله.
‘ذلك الغِرّ فقد عقله حقًا.’
تأجج الغضب في صدره حتى كاد أن يطحن أسنانه.
‘حتى أخي الراحل لم يعاملني هكذا قط!’
وفجأة خفّ ثقل الجو، وما لبث أن سمع وقع أقدام يقترب.
“كاليكس، لقد تأخرت قليلًا، أليس كذلك؟”
وضعت سيلا يدها على ذراعه الصلبة ورفعت رأسها نحوه.
فابتسم قائلاً.
“بل جئتِ في الوقت المناسب تمامًا.”
حين التقت عيناهما، انفرجت شفتاه عن ابتسامة دافئة مطمئنة، وعندها شعر بالارتياح. لم يفت الأوان بعد.
قال بخفة.
“فلنذهب إذن إلى مكان آخر؟ لقد أسرعت بالحضور، وأنا جائع الآن.”
فردت سيلا بابتسامة مشرقة.
“وهل هناك احتمال آخر؟”
عندها أمر كاليكس الخدم بإخراج دينيس وليليا من القاعة، رغم احتجاجاتهما الصاخبة.
وبعد أن خيّم السكون، التفتت سيلا إليه قائلة.
“هل أنت بخير؟”
فأجابها.
“أنا بخير… وما زلتِ لا تصدقينني؟”
لم تنكر، فقد كانت تعلم في قرارة نفسها ما لا يمكن إنكاره. أحسّت بوخزٍ طفيف من الذنب.
“إن قلتُ إنني لست بخير… هل كنت ستضمبني إليك؟”
“إن كنت بحاجة إلى ذلك.”
اتسعت عينا كاليكس، اللتان كانتا تضيقان مازحًا، على اتساعهما.
وبينما كان يرمقها بصمت، بدا وكأن الزمن قد توقّف.
تدفّقت الحرارة حتى بلغت أطراف أذني سيلا المستترتين بشَعرها.
‘لِمَ قلتُ ذلك؟’
بين نصف ندم ونصف شجاعة، بدأ القرار الذي اتخذته في لحظة الصمت الوجيزة يتحوّل إلى ندم.
عضّت سيلا على أسنانها بعزم، ثم آثرت أن تتظاهر وكأنها لم تقل شيئًا
“لنتظاهر أنني لم أقل ذلك.”
“بل أنا بحاجة لذلك، وبشدة.”
كاليكس، وقد فتح ذراعيه على اتساعهما، ارتسم على وجهه تعبير يفيض بالتوقّع.
“…”
ابتلعت سيلا ريقها ببطء، ثم عانقته بحذر.
لكن محاولة احتضان ذلك الرجل الضخم انتهت بأن وجدت نفسها في أحضانه هو.
راحت تربّت على ظهره بخفّة وبإيقاع ثابت، قبل أن تسرع بالابتعاد عن عناقه
“يا لها من راحة أنك لم تبدأ الطعام بعد.”
ثم شرحت له سيلا نظريتها حول غسيل الدماغ.
“فهمت الآن لِمَ أُجبرت على تناول الطعام معه. لكن لم تكن ليليا من فعلت ذلك، بل عمي.”
جلست صامتة تراقبه وهو يغوص في التفكير. كانت تتأمل الأسباب التي جعلت دينيس يقف إلى جانب ليليا. إما أن يكون قد تحالف معها، أو أنه وقع بالفعل تحت تأثيرها. وفي كلا الحالين، كانت المواجهات كهذه ستتكرر بلا نهاية.
فكّرت.
‘هل ينبغي أن أكشف لكالكس عن حقيقة دينيس؟’
لا. إن كان مستعدًا لأن يسمح لنفسه بأن يُحتضن على هذا النحو، فيبدو أنّه يواجه صعوبة حتى في رفض ليليا، التي كانت تجبره على الزواج.
‘لا بد أن أجعله بنفسه يهرب من العاصمة ولا يعود.’
حينها أغمضت عينيها للحظة.
قال لها كاليكس.
“ما جرى اليوم قد يتكرر لاحقًا.”
“نعم، أظن ذلك أيضًا.”
“لهذا أريد أن أمنعهم من التدخل في خطبتي مجددًا.”
ثم قبّل ظهر يدها وأضاف.
“سيلا… هل تقبلين أن تصبحي خطيبتي الرسمية؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"