تجمّعت عائلة آرسيل في مكان واحد للمرة الأولى منذ زمن طويل لحضور حفل أقامته عائلة كونت بلانشيت. نظرت كلارا إلى زوجها نظرة حادة.
“ليليا وأنا سنستقِلّ عربتين منفصلتين.”
“هل تريدين للشائعات أن تنتشر في أوساط المجتمع الراقي عن سوء علاقتنا؟ إن لم يكن كذلك، يجب أن نذهب معًا. الأمر مؤلم بالنسبة لي أيضًا.”
كان الجو مشحونًا إلى درجة أن الخدم القريبين كادوا يحبسون أنفاسهم. ورغم أن العلاقة بين الماركيز والماركيزة لآرسيل لم تكن يومًا عاطفية بشكل خاص، إلا أنها كانت طبيعية إلى حد ما – حتى بدأت بالتفتت تدريجيًا، ووصلت الآن إلى أسوأ مراحلها.
“بما أن رئيس الأسرة مُصِرّ، فعلينا أن نطيع رغبته.”
اشتدّت ملامح الماركيز عند سماع نبرة كلارا الساخرة، لكنها اكتفت بالقهقهة وقادت ليليا بعيدًا. وعندما التفتت فجأة وكأنها متجهة نحو العربة، استقرّت نظرتها على سيلا.
“هل أنت سعيدة؟ الآن وقد أصبح والدك إلى جانبك، هل تشعرين بالارتياح لأنك تسيطرين تمامًا على هذا المنزل؟”
“أمي… يا لها من كلمات جارحة.”
“كم أنا سعيدة.”
اختبأت مشاعر سيلا الحقيقية خلف تعبير حزين متعمّد. ألقت كلارا نظرة اشمئزاز قبل أن تصعد إلى العربة، لكنهما كانتا في نفس العربة، فاستمر شعور الانزعاج طوال الرحلة.
“أمي، أبي.”
راقبت ليليا وجهي والديها بعناية وحاولت كسر الصمت الثقيل، لكن الهوّة العاطفية بينهما كانت عميقة جدًا بحيث لا يمكن إصلاحها ببضع كلمات.
‘يا لها من متعة.’
ضغطت سيلا أصابعها على زوايا شفتيها لتمنعها من الانحناء.
ففي الماضي كانت دائمًا تشعر بالغربة، مضطرة لتحمّل الانزعاج حين يضحكون ويتحدثون، أما الآن بعد أن انقلبت الأدوار، أصبح حتى الصمت مصدرًا للرضا.
“شكرًا على دعوتكم لحفل عائلة بلانشيت.”
ولم تتبدّل تعابيرهم إلا بعد وصولهم إلى مقر عائلة بلانشيت ونزولهم من العربة.
تحقق الخادم من الدعوة التي سلّمتها سيلا له وانحنى باحترام مرة أخرى. ومع اكتمال عملية التحقق، كان الماركيز على وشك التقدّم نحو قاعة الحفل، حين قطع الخادم طريقه فجأة.
“كيف تجرؤ على منعي من المرور؟”
“أعتذر بشدّة عن أي إهانة، سيدي. ومع ذلك، هناك حدث خاص يقام في هذا الحفل، ومن المعتاد شرح تفاصيله قبل السماح بالدخول، ولهذا يجب أن أؤخر حضوركم الموقّر لحظة.”
تلاشى استياء الماركيز الظاهر على وجهه بسرعة عند سماع كلمات الخادم اللطيفة وابتسامته الودّية.
“تفاصيل الحدث مكتوبة على هذه الورقة. يُرجى ملاحظة أن كل ضيف سيتلقى وصفًا مختلفًا للحدث، لذا يجب ألا تشارك المعلومات المخصّصة لك مع أي شخص آخر.”
“……”
“إذا شهد موظفو قاعة الحفل أي انتهاك لهذه القاعدة، فسيُعتبر فشلًا على الفور وستفقدون حقكم في المكافأة الممنوحة لمن يُنجز الحدث بنجاح. كما يُمنع تمامًا سؤال الضيوف الآخرين عن تفاصيل الأحداث، لذا يرجى توخي الحذر واتباع القواعد.”
بدت القاعدة بسيطة، لكنها كانت تحذيرًا مرعبًا للنبلاء المتفاخرين.
‘إنهم يفضلون الموت على أن يكونوا الوحيدين المستبعدين عما يحصل عليه الآخرون.’
تحقّقت سيلا سرًّا من تفاصيل الحدث التي عرضها الخادم.
“صافحِ ايدي فتاةً تبدو رائعة باللون الأحمر.”
على الأرجح، حصل بقية أفراد عائلة آرسيل على مهام مشابهة من بين عشرين مهمة مختلفة.
‘ومن بين هذه المهام العادية، هناك واحدة ستجعل فتاة معينة تفقد صوابها بالتأكيد.’
“تحدثي مع فتاة أخرى أمام فتاة مرتبطة باللون البنفسجي وتأكدي من مدحها. ومع ذلك، تحت أي ظرف، لا تدعيها تعرف ما تتحدثين عنه أو تسمع حديثكما.”
‘في المجتمع الراقي، هناك فتاة تتبادر إلى ذهني فور التفكير باللون البنفسجي.’
اسمها فيوليت، وكانت تعشق الفساتين البنفسجية أكثر من أي أحد. لم تكن هناك فتاة ترتدي اللون البنفسجي كما تفعل هي.
ابتسمت سيلا بابتسامة عارفة وأعادت الورقة للخادم. وبعد جمع أوراق باقي الضيوف، تراجع الخادم عن المدخل وانحنى مرة أخرى.
“حسنًا، أتمنى لكم حظًا موفقًا.”
عند دخول سيلا قاعة الحفل، أمعنت النظر حولها. وبفضل مساعدة كين، رصدت بعض أعضاء النقابة المعروفين يختلطون بالضيوف.
بالقرب من كونت بلانشيت، وقف ممثل ‘سيل’ الذي تبادل معها نظرة سرّية.
“سيلا.”
“نعم، أعلم.”
في تلك اللحظة، أرسل لها الماركيز إشارة خفية بعينيه، حاثًّا إياها على الظهور وكأنها تصالحت مع كانا. كان استعجاله واضحًا – أراد أن يصلح الأمور مع كونت بلانشيت ويستأنف مفاوضات التجارة بأسرع وقت ممكن.
“كل ذلك من أجل عائلة آرسيل. اجعلي الأمر على ما يرام.”
مع بقاء كلمات نصيحة الماركيز في ذهنها، حملت سيلا كأسين من الشمبانيا وتوجّهت إلى كانا.
“الأنسة كانا بلانشيت، شكرًا جزيلًا لدعوتي إلى هذا الحفل.”
اتسعت أعين الفتيات المحيطات بكانا من الدهشة عند ظهور سيلا المفاجئ.
“الشرف لي. شكرًا على قبول دعوتي، يا انستي. ومجدّدًا، أعتذر عن ما حدث من قبل.”
“لا بأس. كل ذلك أصبح من الماضي، فلا داعي للانشغال به. تعالي واشربي معي.”
لاحظت سيلا أن تعابير كانا أشرقت أكثر مما كانت في المرة السابقة، فوّضت لها كأسًا من الشمبانيا. ومع تبادل المشروبات وخوض حديث خفيف، انتشرت الهمسات بين الحضور.
“يبدو أن الأنسة آرسيل لم تعد تحمل ضغينة عن الحادث.”
“لقد توسلت حتى إلى جلالة الإمبراطور في المرة الأخيرة… يا له من قلب كريم!”
“الأمر يصب في صالحنا. على الأقل لم نعد نقلق بشأن فقدان المكانة.”
كانت الفتاة من العائلة التي توزع حصريًا الأحجار المضيئة المكرّرة. حتى الآن، كانوا مترددين في الاقتراب من كانا بسبب كبرياء ونبل النبلاء، لكن الحقيقة أن كل من حضر كان يرغب في تقوية الروابط مع عائلة بلانشيت.
بينما كانت سيلا تمهّد الطريق للآخرين للقاء كانا، بدأ النبلاء في التحدّث إليها واحدًا تلو الآخر.
‘يا لها من راحة.’
حاملة كأس الشمبانيا، تراجعت سيلا بهدوء عن المجموعة. وعندما أشارت كانا بامتنان بنظرة، ردّت بابتسامة لطيفة وأخذت رشفة من كأسها.
وسّعت نظرتها لمسح المكان، فلاحظت الماركيز يحاول جذب كونت بلانشيت للحديث، واضحًا حرصه على أن يضيف كلمة أخرى.
‘تابع، حاول كما تشاء.’
مهما قيل – آلاف أو ملايين المرات – أن الماضي يجب أن يُنسى بعد أن ساعد بإقناع سيلا بمسامحة كانا، لم يتأثر كونت بلانشيت.
‘ومع استمرار شعور الماركيزية بالإحباط…’
‘سيقترب من الماركيز.’
كادت سيلا تكتم ابتسامة، محاولة تهدئة أفكارها المظلمة بالشمبانيا. في تلك اللحظة،
“ها أنتِ.”
احتضنها كاليكس من الخلف. محاصَرة في أحضانه الواسعة، اتسعت عينا سيلا من المفاجأة، لكنها ما إن تميّزت صوتَه المألوف، استدارت لمواجهته.
“كنت أبحث عنك في كل مكان، سيلا.”
“وأنا أيضًا كنت أبحث عنك.”
خفق قلبها بشدة، فتراجعت سيلا تلقائيا لخلق بعض المسافة.
‘اتفقنا مسبقًا على التظاهر بأننا عاشقان متلهّفان، بما أننا لم نر بعضنا منذ فترة.’
زفرت ببطء، مدركة أنها كانت تحبس أنفاسها دون أن تشعر. رغم الشمبانيا غير الكحولية، كان الجو من حولها دافئًا.
“عندما رأيت حبيبي، لم أستطع كبح حماسي. هل أدهشتك؟”
“لقد فُوجئت قليلًا في البداية، لكنني سعيدة جدًا برؤيتك، كاليكس. لا تتخيل كم أسعدتني كلماتك في رسالتك حين قرأت أنك ستجد وقتًا لحضور الحفل الذي كنت سأذهب إليه.”
نظرت حولها ولاحظت أن تعابير ليليا قد صلّبت.
وبقلبٍ مفعم بالبهجة، ربطت ذراعها بذراع كاليكس واستندت برأسها على كتفه. بدا وكأنهما وحدهما في تلك اللحظة.
“أنتم الاثنان ما زلتم متأججين بالشغف كما عهدناكم.”
“أنسة أييشا.”
“حتى مع انشغال الدوق وعدم رؤيتكما لبعض الوقت، إلا أنكما ما زلتما متوقدي العاطفة معًا. أنا حقًا غيورة.”
كانت الأنسة أييشا تلوّح بمروحتها وهي تقترب منهما.
“أكره أن أقطع على هذا الثنائي الرقيق، لكن هل يمكنني التحدث مع الأنسة سيلا وحدها للحظة؟”
تبادلت سيلا نظرة سريعة مع كاليكس، فتراجع لإتاحة مساحة للحديث بين المرأتين.
“أنسة أييشا، هل هناك شيء تحتاجينه؟”
“هل نحتاج حقًا إلى سبب للحديث؟ هاها. مجرد مزاح – أنا متأكدة أنك تفهمين قصدي.”
دون توضيح، غطّت الأنسة أييشا وجهها بالمروحة وابتسمت بمكر بعينيها.
“آه، فهمت. في هذه الحالة، سأدّعي أنني لا أعلم، فقط من أجلك.”
استطاعت سيلا أن تخمن أن الأنسة أييشا جاءت لها بشأن تعليمات الحدث. لم تكن متأكدة أي من المهام العشرين كُلّفت بها.
“شكرًا لتفهمك. لكن الأهم، هل أنتِ حقًا موافقة على مسامحة الأنسة بلانشيت هكذا؟”
“نعم. لم أتأذّى، أعتقد أن هذا يكفي.”
كان الجاني الحقيقي، وليس الشخص البريء، من يجب معاقبته.
لم تعرف بالضبط كيف تمّ غسل الدماغ، لكن هذه المرة لن يفلت الجاني بسهولة كما في السابق.
عبرت فكرة فجأة ذهن سيلا، فالتفتت تبحث عن فيوليت.
‘آه، وجدتها.’
أمسكت بحافة تنورتها بإحكام، وبدت على وجهها علامات القلق الواضحة. كانت كالقنبلة الموقوتة، جاهزة للانفجار في أي لحظة، تنبئ بجوّ مشحون بالوتر. تجمع حولها مجموعة صغيرة من الأشخاص، يهمسون لبعضهم البعض، على الأرجح حول المهام الموكلة لهم في الحدث.
‘همم.’
بغمزة مرحة وابتسامة، حولت سيلا نظرتها إلى أييشا.
“أنسة أييشا، إذا تظاهرت بعدم المعرفة، هل يمكنك مساعدتي في أمر ما؟ إنه أمر أعرف أنك مطّلعة عليه.”
فسّرت السيلا كلماتها كطلب للمساعدة في حل إحدى مهام عائلة بلانشيت، فأغلقت الأنسة أييشا مروحتها. وبدلًا من أن تحرّك المروحة المزخرفة، قدّمت ابتسامة مشرقة، وعيناها تلمعان بالفضول.
“كيف يمكنني مساعدتك؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 81"