“معكِ أنتِ؟ وكيف يختلف عقدٌ معكِ عن عقدٍ مع أسرة أرسيل؟”
“لأنني أعرضه بصفتي سيلا، لا كفردٍ من أسرة أرسيل. وذلك فارقٌ عظيم.”
رفع الكونت بلانشيت حاجبه وشبك يديه أمامه. وحتى لو كان ما قالته عن إساءة معاملة أسرتها لها حقًّا، فإنها تبقى من نسل تلك الأسرة، فيبدو حديثها له محضَ جدالٍ لا طائل منه. وما إن أطلق زفرةً قصيرة وكاد يرفض، حتى تحدثت سيلا.
“لا تقلق. لن تجني عائلة ماركيز أرسيل من هذا أي منفعة.”
وعند كلماتها الغريبة الثابتة المليئة بالعزم، أخذ الكونت ينقر بإبهامه على كفه الأخرى، أعاد التفكير، ثم أومأ في النهاية موافقًا.
“حسناً إذن. سأمنحكِ حقّ الانتفاع بحرفيي أسرة بلانشيت. لكن لا أرى هذا جزاءً لقولك الحقيقة. فهل ثمّة أمرٌ آخر تريدينه؟”
“ثمة أمر وددت ذكره حين صياغة العقد. أريد أن يكون أولئك الحرفيون ممن لهم خبرة في تنقية أحجار المانا.”
لم تكن عمليةُ استخراج السحر الكامن من الأحجار المضيئة مختلفةً كثيرًا عن تنقية أحجار المانا، سوى في إضافة خطوتين محدّدتين، ومن ثَمّ يمكن استخدام السحر الكامن بطرائق شتّى.
‘غير أنّ عملية تنقية أحجار المانا مشهورةٌ بتعقيدها الشديد.’
وعليه، فإنَّ الحرفيّين ذوي الخبرة الواسعة في تنقية أحجار المانا كانوا ضرورةً لا غنى عنها.
“حرفيون ذوو خبرة في تنقية أحجار المانا؟”
“نعم.”
اتسعت عينا الكونت بلانشيت في دهشة.
“ألعلّكِ اكتشفتِ منجمًا لأحجار المانا؟”
مع أنّ منجمًا جديدًا كان قد اكتُشف قريبًا، ظلّت ندرة تلك الأحجار معضلةً عظيمة للإمبراطورية.
“لا. المعدن الذي أنوي تنقيته شيء آخر.”
“همم… أي معدنٍ يكون هذا؟”
‘فلماذا إذن تحتاج حرفيين بارعين في تنقية المانا؟’
ضيّق عينيه وهو يتفحّص سيلا بعناية. ولأنه خَبِر المواقف العديدة، وثق بحدسه. بدا له ابتسامها الهادئة صادقة، غير أنّ في أجوائها رائحة مالٍ نفّاذة، كأنها على وشك جني ثروة.
“أنوي تنقية الأحجار المضيئة.”
‘هل خَانني حدسي أخيرًا؟’
قطّب جبينه وسأل بحذر وهو متشبث ببصيص أمل.
“هل جرّبتِ تنقيتها من قبل؟”
“ولا مرة.”
وإن كانت تعلم كيف تُفعل، فقد كتمت الباقي واكتفت بابتسامة هادئة بين النظرات المذهولة.
“سمعتُ أنّ ثمة من اشترى كل مناجم الأحجار المضيئة في البلاد مؤخرًا…”
“ذاك كان أنا.”
“ها… لا أصدّق.”
أطلق الكونت أنينًا وهو يغطي رأسه بيده اللامعة تحت ضوء الثريّا.
“أتظنّين حقًّا أنكِ قادرة على تنقية الأحجار المضيئة؟”
منذ اكتشافها، حاول كثيرون تنقيتها، وكلهم باءوا بالفشل. وفي النهاية لم تُسمَّ إلا ‘أحجارًا المضيئة’ لأنها تتوهّج بوجود المانا.
“ما رأيك أن تغيّري طلبكِ ما دام في الوقت متّسع؟ توقفي عن شراء تلك الأحجار – بل ربما لم يبق منها شيء يُشترى – فلعلّك تجدين وسيلة لبيع ما لديك.”
كان نصحه صادقًا، يفيض بالقلق الحقيقي، لكن وجه سيلا لم يتغيّر. بل قلبت الطاولة باقتراحٍ جديد.
“يمكن تنقية الأحجار المضيئة، كما تُنقّى أحجار المانا. وإن لم تصدقني، فلنُراهن إذن.”
واعتدلت في جلستها تتابع بنبرة حاسمة.
“إن فشلتُ في تنقية تلك الأحجار واستغلال سحرها الكامن، فسأزيد ما أدفعه لك كل شهر بنسبة عشرة في المئة. أمّا إن نجحت، فعليك أن تخفّض نصف الرسوم على توزيع أحجار المانا عبر شبكة تجارة بلانشيت.”
“هاه! حسنًا. إن أصبحت تلك الأحجار بديلًا للمانا، فسننتفع نحن أيضًا.”
وما إن فكّ الكونت يديه المشبوكتين، حتى ومض بريقٌ في عيني سيلا.
“جيّد. فلنضع العقد حالًا.”
***
وبعد الفراغ من العقد، غادرت سيلا مع رون قصر بلانشيت. وبينما كان رون يختلس النظر إليها وهي تتأمل الطريق من نافذة العربة، راودته فكرة إيصال خبر مناجم الأحجار المضيئة إلى كاليكس.
“ألقلقك أنني اشتريتُ كل مناجم الأحجار المضيئة؟”
وما إن شعرت بنظراته حتى التفتت نحوه. وابتسمت ابتسامةً ماكرة وقد رأت ارتعاش عينيه لوقوعه على الحقيقة.
“ما ينبغي أن تقلق منه، رون، هو أن قيمة مناجم المانا التي وافقتُ على تسليمها لكاليكس قد تنخفض.”
“نعم، أظنّ الأمر كذلك.”
ومع ذلك بدا بعيدًا عن الاقتناع. فاستندت سيلا إلى مقعدها قائلة.
“ذلك لأنني أعلم كيف تُنقّى الأحجار المضيئة.”
“ماذا؟ أحقًّا هذا؟”
“أنا لا أخوض أمرًا يورث خسارة.”
لمع في عينيها الزرقاوين نصف المغمضتين بريقٌ ما لبث أن انطفأ سريعًا. ولمّا اطمأن رون، عدّل نظارته وأرخى كتفيه.
‘كان الكونت دومًا يهوى الرهانات العظيمة متى ظنّ أنّ النصر حليفه.’
وأدرك أنّ كل ما فعلته سيلا قد تمّ عن قصد. من إثارة الرهان، إلى التطرق لشبكة التجارة، إلى التلاعب بمهارة بين إخفاء الحقائق والابتعاد عن الكذب.
“ولكن، لماذا شبكة بلانشيت التجارية بالذات؟ متى شاع أنّ ثمة موردًا بديلاً للمانا، ستتهافت عليكِ الشبكات كلها.”
“آه، ذلك لأن…”
وأزاحت خصلةً من شعرها عن كتفها، ثم همست.
“بوصفي محافظة على مظهر المودّة مع أسرة أرسيل، لا يسعني أن أتصدّر علنًا عمل الأحجار المضيئة.”
وكان لا بد لها من من يتولى القيادة بدلًا عنها. وأسرة بلانشيت، بروابطها العائلية المتينة ومعرفتها بالحقيقة، بدت المرشّح الأمثل لتحمل هذا العبء طواعية.
‘وهكذا، فسوف يُستفزّ ماركيز أرسيل حتى الحنق.’
وتذكرت الكونت، وقد بلغ به الغيظ ذروته، فأدارت عينيها نحو النافذة هامسة.
“لوحة بالغة المتعة بدأت تتشكّل.”
أما رون، فقد وجد نفسه يمعن النظر فيها بإعجابٍ متجدد.
فسيّده، الذي اضطرته مكائد عمّه دينيس إلى النفور من النساء، والذي شغله حمل لقب الدوق في عمرٍ غضّ، كان دائم المسير قدمًا.
أما المرأة الأولى التي أوقفته عن اندفاعه فكانت سيلا. وولدت مشاعره نحوها في تلك اللحظة.
لكن…
إن صارت هذه الأنسة حقًّا دوقة إيكاروس…
مجرد التفكير بذلك أسرع بنبض قلبه وضيق حلقه وهو يبتلع ريقه.
‘ليت سيّدي يبذل جهدًا أكبر.’
وكان هذا أوان الإفادة من وسامته الفائقة. وتذكّر رون كيف كان سيده يتحوّل إلى قطٍّ ليتسلل إلى الأماكن المخصصة لرؤساء الأسر، حين…
“بالمناسبة، هل كاليكس مشغولٌ جدًا؟”
“هاه؟”
ارتبك رون من السؤال المفاجئ، وردّ دون وعي وهو يحدّق بعينيها متسائلًا.
“في المرة السابقة، واليوم ايضاً، تذرّع بأن أمرًا عاجلًا قد استجدّ. فتساءلتُ عن طبيعة الأعمال التي تشغله.”
كان المخطط أن يزوروا قصر كاليكس ثم قصر بلانشيت قبل أن يخرجوا إلى الخارج. غير أنّ العربة ما إن وصلت قصر أرسيل حتى حضر رون وحده برسالة مقتضبة. “شؤون عاجلة” .
“نعم، تلمّ به أحداث غير متوقعة كثيرة.”
“يبدو منشغلًا حقًّا.”
أبدت ثقتها بحديثه، غير أنّ العذر بدا ضعيفًا، مفتعلًا.
فحتى قبيل اللقاء بيوم، كان كل شيء بخير. لكن في يومه دائمًا ما يطرأ أمر “مفاجئ”، ويتطلّب حضور رئيس الأسرة بنفسه. ومهما كتموا الأمر، فإن تكرار ذلك لا بد أن يُشيع الخبر.
‘غير أنّ شيئًا لم يتسرّب حتى الآن.’
فعادت الشكوك التي كتمتها لتغلي في ذهنها.
‘ما السبب الحقيقي لغيابه؟’
وألقت نظرة على رون المرتجف الكتفين، قبل أن تسند مرفقها إلى إطار النافذة وتسند خدها إلى يدها. فجأة، تذكّرت يوم الصيد.
القطّ الشبيه بتيتي. الخدوش على جسد كاليكس في نفس مواضع إصابات القط. قدومه من جهة الكهف. ورائحة الشمس عليه.
تراكمت الوقائع أكثر من أن تُفسَّر بالصدفة.
‘إن كان هذا القط تيتي، وكان كاليكس… كاليكس هو…’
وقبل أن تكمل الفكرة، عضّت لسانها بشدة.
‘هذا مستحيل.’
فمنطقًا، لا يُعقل.
‘فمهما بلغت براعة السحر، لم يُعرف قط أنّ الإنسان يتحول إلى قطّ.’
غاية ما يبلغه السحر هو الأوهام التي تُخيّل مثل ذلك.
استنشقت نفسًا عميقًا ملأت به صدرها، وما إن هدت أعصابها حتى أحسّت بالخجل من نفسها.
‘أعلم أنّ الأمر محال، ومع ذلك استسلمت لمثل هذا الخيال السخيف.’
ولِمَ أوصلت نفسها إلى هذا الحد؟ فركت وجهها في ضجر، ثم جمدت فجأة وهي تكتم أنفاسها.
‘إذ تساءلت عن سبب غياب كاليكس…’
شعرت بحكة في خدها حيث وضعت كفها. فتنهّدت وأومأت محاولة طرد الأفكار. وما إن أخمدت الضوضاء في ذهنها حتى نظرت من النافذة فرأتهم يدخلون منطقةً صاخبة من المدينة.
“أنزلوني هنا.”
فلقد حان وقت العمل. وما دام الحرفيون قد أُمنت خدماتهم، فالأجدر أن تبدأ مهامها بدل إضاعة الوقت في قصر أرسيل.
وبعد أن تابعت العربة إلى أن غابت عن ناظريها، استدارت سيلا متجهةً إلى لقاء كين.
***
انحدرت قطرة دمٍ حمراء من أنفها حتى بللت طرف ذقنها، قبل أن تتساقط على الورق الأبيض أمامها.
“آه… أنفي ينزف…”
“مياو؟”
وما لبث تيتي، الذي كان يخرخر مستمتعًا بأشعة الشمس، أن قفز نحوها.
“لا بأس، لا بأس.”
طمأنته وهي تمسح الدم بمنديل وتضغط على أنفها.
لم تذكر أنها أصيبت بنزيف منذ أكلت تفاحة الجنية.
‘لقد أنهكني الجدول المزدحم.’
فقد استعملت هوية مزيفة لتسجيل الشركة ولحل مسألة توظيف الموظفين. كما سلّمت للحرفيين طريقة تنقية الأحجار بعد توقيعهم على اتفاقية الكتمان. وإلى جانب عشرات المهام الأخرى، ضحّت بنومها لمراجعة الوثائق، واستمرت بزيارة الانسات النبيلات رغم انشغالها.
‘ليس عجيبًا إذن أن أصاب بالنزيف.’
قهقهت بخفة وهي تضع القلم. ثم فكرت في الاستراحة، غير أنّ نظرها وقع على الساعة.
‘يبدو أنّ الراحة ليست من نصيبي.’
وحين همّت بالنهوض أطبقت على حجرها ثقلٌ مفاجئ.
“مياو!”
وكأن لسان حاله يقول. استريحي! رفع تيتي رأسه إليها بنظرات ثابتة.
“لااا… نونا عليها الخروج الآن، لا أظنني أستطيع.”
*كلمه يقولونها العيال معناها الاخت الكبيرة
“مياو؟”
“أما زلت مصرًّا أن أستريح؟”
أمال رأسه، وعيناه اللامعتان مثل قطّ ذو الحذاء يتوسلانها.*
* فيه فلم يتكلم عن قط لابس بوت يشبه البطل بحط صورته بنهايه التشابتر
‘آه، عليّ الخروج…’
“مياو.”
تقطر الدم ثانية. ورغم ضغطها على أنفها، تدفّق الدم من المنخرين.
وبعد أن هدأ نزيفها، تمكّنت من امتطاء العربة والانطلاق.
‘كان تيتي حنونًا على غير عادته اليوم.’
وكادت أن تعتذر له لمجرد أنها قارنت بينه وبين كاليكس.
‘غير أنّ نظرته إليّ قبل خروجي كانت غريبة. لعلّ الأمر بخير.’
لم يسبق أن سبّب مشكلة، فلا خوف عليه. ومع هذه الفكرة، وصلت إلى مقهى صغير في شارع هادئ، وما إن همّت بالدخول حتى استوقفها صاحب المتجر.
“المعذرة انستي، لسنا مفتوحين اليوم. لو تكرمتِ بزيارتنا في وقتٍ آخر.”
“سمعت أنّ اجتماعًا للآنسات النبيلات يُعقد هنا اليوم. أليس كذلك؟”
“بلى، تفضلي، سآخذكِ إلى الداخل.”
وبينما تتبعه، رأت امرأة تجلس برشاقة قرب النافذة المشمسة. كانت ذات شعرٍ عسلي مضفور بعناية، وحين شعرت بقدوم أحد، استدارت برأسها.
“سررتُ بلقائك. هل أنتِ الآنسة غريس، مؤسسة نادي محبّي القطط؟”
وما إن سبقتها سيلا بالتحية، حتى ارتجفت عينا المرأة الزرقاوين قليلًا وقالت.
“ذلك الصوت… أيمكن أن تكوني أنتِ، انستي…؟”
—————————————————————
صوره القط ذو الحذاء
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 72"