“أشكركم لقدومكم كلّ هذه المسافة من أجل سيلا. سأرسل خَدَمي للبحث عنها.”
“وسنرسل خَدَم عائلة ليموند للمساعدة كذلك. لقد مضى أكثر من ساعة على اختفائها، ونحن نشعر بالقلق.”
أعربت شابّات أخريات عن استعدادهِنّ للمشاركة في البحث.
“سيلا لم تَعُد طفلة، فلا بُدّ أنّها بخير. فضلًا عن ذلك، في مثل هذا اليوم، لا يصحّ لسيلا أن تُحدِث جلبة لا ضرورة لها. سأكتفي بحُسن نواياكنّ، هذا كلّ ما في الأمر.”
لوّحت كلارا بمروحتها بخفّة ثم عادت إلى الخيمة. لم تكن كلماتها خاطئة، كما أنّ التدخّل في شؤون أُسرٍ أخرى لم يكن بالأمر اليسير، فتراجعت الشابّات على مضض، غير أنّ ثقلاً خفيًّا ظلّ جاثمًا في قلوبهنّ.
وفيما كنّ ينتظرن عودة سيلا بسلام، بدأ الأفق يكتسي بالون البرتقالي مع غروب الشمس.
عاد النبلاء والفرسان الذين شاركوا في الصيد واحدًا تلو الآخر، محمّلين بما اصطادوه من خنازير وأرانب وغزلان، بل وحتى وحوشٍ بين الفينة والأخرى.
قدّموا صيدهم إلى لجنة التحكيم، التي منحتهم الزهور بحسب النقاط التي أحرزوها.
“ليكن المجد حليف تلك الانسة، أجمل من الزهرة التي صلّت من أجل سلامتي.”
المشاركون الذين تلقّوا مناديل حريرية سابقًا قدّموا زهورهم لمن أهدَينهم إياها، فيما قدّم الآخرون الزهور لمن أرادوا تقديمها لها.
وكانت الانسة التي تجمع أكبر عدد من الزهور تُتوَّج بـ”سيّدة مهرجان الصيد” لتلك السنة.
“ماركيزة آرسيل، أما زلتِ لم تجدي سيلا؟”
“لا، لقد بحثنا في كلّ مكان، حتى الحقول المفتوحة، ولم نجد لها أثرًا. إن لم تكن قد دخلت الغابة، فلا سبب يمنعنا من رؤيتها.”
“أليس من الأفضل أن نُبلّغ عن اختفائها الآن؟”
“كحال ابنة الكونت ليموند، أشعر بالقلق حيال سيلا، لكن هذا وقتٌ حرج.”
أخفت كلارا انزعاجها وراء رفة مروحتها وقالت مجددًا.
“حالما تُعلَن سيّدة مهرجان الصيد، سأطلب العون من العائلة الإمبراطورية.”
كان هذا الحدث مهمًّا للغاية لدرجة أنه لا يُحتمل فيه أيّ مقاطعة. وأشاحت كلارا بوجهها عن أييشا متعمّدة.
“لكن… لقد مضت عدّة ساعات…”
تباطأت كلمات أييشا ثم سكتت تمامًا، وهي تحاول المواصلة.
‘هل كانت تبتسم؟’
في مجال نظر أييشا، كانت ليليا، الواقفة بجانب الماركيزة، تبتسم.
ارتعشت أوصالها من رأسها حتى أخمص قدميها. وحين همّت أييشا بسؤال ليليا عن سبب ابتسامتها، غمر الهتافُ النبيل صوتَها.
“لقد وصل سموّ وليّ العهد!”
“يا للعجب! أليست تلك مخلب أُغْرٍ؟”
“رغم أنّ وحوش الغابة خاضعة لسيطرة سيّد الغابة، كيف أمكنه اصطياد هذا؟!”
كان خلف ولي العهد خادمان يحملان مخلب أُغْر ضخم.
كان ولي العهد يُشبه الإمبراطور شبهًا عجيبًا، لا في حُسن قيادته المدنيّة والعسكريّة فحسب، بل في عينيه الثعلبيتين الحادّتين وشَعره الذهبي المُحمرّ الذي يلمع تحت ضوء الغروب كما يلمع شعر الإمبراطور.
كان وجوده يفرض نفسه بطبيعة الحال، كأنّه خُلق ليكون الحاكم المستقبلي.
“كما هو متوقَّع، فإنّ سيّدة الصيد ستكون انسة دوقية دياني.”
“لا يمكنك الجزم بذلك! ماذا عن دوق إيكاروس؟”
“آه، هذا صحيح! لم يُقدّم الدوق زهرة لأحد من قبل، لكنه الآن يملك من يستحقّها!”
كاليكس، الذي شارك فقط بصفته الرسميّة ولترويض الوحوش، اصبح له الآن شريكة. هذا وحده أثار حماس كثيرٍ من النبلاء.
وقد أضفى هذا المهرجان منافسةً أكثر إثارة من سابقاتها.
وإذ كانوا ينتظرون بحماس، وقعت حادثة غير متوقعة وصادمة.
“أقدّم الشرف الذي نلته إلى الانسة ليليا.”
بخطًى رشيقة، تقدّمت هايلي نحو ليليا وقدّمت لها الزهرة.
وفي تلك اللحظة، خيّم صمتٌ ثقيل على المكان.
صحيحٌ أنّه لا يوجد ما يمنع مَن نال زهرة من إهدائها لشخصٍ آخر، غير أنّ هذا كان أمرًا نادر الحدوث.
لكن هايلي دياني لم تكن شخصًا عاديًّا. فهي خطيبة وليّ العهد، وزهرة المجتمع الراقي. وما فعلته كان إعلانًا غير مباشر بدعم ليليا كرمزٍ جديدٍ للجمال والنفوذ في أوساط النبلاء.
“أشكركِ يا انسة هايلي على هذا الشرف.”
قالتها ليليا وهي ترفع أطراف فستانها بانحناءةٍ أنيقة، مستلمةً الزهرة.
ثمّ جاء شريك ليليا، أمير دياني، وعددٌ من الفرسان والنبلاء الشبّان الذين يُعجبون بها، وقدّموا لها الزهور. حتى الشابّات اللائي كنّ مع هايلي قدّمن لها الزهور التي نلنها.
كان عدد الزهور كبيرًا لدرجة يصعب حمله بكلتا اليدين.
وبهذا، شعر النبلاء أن لقب “سيّدة مهرجان الصيد” قد حُسم مسبقًا.
“حتى لو عاد دوق إيكاروس، سيكون من العسير قلب النتيجة، أليس كذلك؟”
“أتّفق معك، ما لم يهزم جميع الوحوش في الغابة.”
“لا، هناك طريقة أخرى، حتى دون هزيمة الوحوش كافة.”
“عن أيّ شيء تتحدث؟”
“ألَا تذكرون؟ عودوا بذاكرتكم إلى شبابنا… قبل ثلاثين عامًا، حين سُيطر على سيّد الغابة واستُخرج ‘الساهانسام’.”
فبصفته كائنًا مقدّسًا، لا يمكن قتل سيّد الغابة، ولكن يمكن إدخاله في سبات بسحب “الساهانسام” منه.
وعند سماع كلمات النبيل في منتصف العمر، التفت بعض الحاضرين ممن شهدوا أحداث تلك الحقبة نحو المنصّة، وبالتحديد إلى الإمبراطور الذي كان يُراقب المهرجان، والمقعد الشاغر بجانبه.
“حقًّا… لو أنّ الأمر يتعلّق الساهانسام، فقد تبقى فرصة للانقلاب على الموازين. ولكن الأمر ليس بالهيّن.”
“صدقتَ. فبعد ما جرى قبل ثلاثين عامًا، حاول كثيرون الظفر الساهانسام من سيّد الغابة، ولم يفلح أحدٌ حتى برؤية ظلّه.”
ومع شعور الجميع بأن النتيجة قد حُسمت، بدأ الحماس يخبو تدريجيًّا.
ولم يبقَ سوى عشر دقائق على نهاية المهرجان.
كان معظم المشاركين قد عادوا إلى الساحة، لكن شخصًا واحدًا لم يظهر بعد.
“لِمَ لم يعد دوق إيكاروس بعد؟”
“هل حدث له مكروه في الغابة؟”
“دوق إيكاروس من بين الجميع؟ هذا غير وارد!”
وإذ بدأ القلق يسري بين الحشود، إذا بأحدهم يصرخ فجأة.
“انظروا! أحدهم يخرج من الغابة!”
“إنه دوق إيكاروس ومعه… الانسة آرسيل؟”
كان على ظهر الحصان الأسود ‘إيدن’ كلٌّ من كاليكس وسيلا.
كان من الطبيعي أن يخرج كاليكس من الغابة، لكن ما الذي تفعله سيلا آرسيل برفقته؟ بل إنّ ثوبها ملوّثٌ بالأعشاب وممزّقٌ عند الحاشية.
عجز النبلاء عن تفسير المشهد، وراحوا يُحدّقون بدهشةٍ وهم يقتربون.
وعندها نطق الإمبراطور، الذي كان يُراقب بهدوء، بصوتٍ هادئ.
“ما الذي يجعل سيلا آرسيل تخرج من هناك مع دوق إيكاروس؟”
ترجّل كلٌّ من سيلا وكاليكس وانحنَيا باحترام أمام الإمبراطور.
“نحيي جلالتك. أعتذر على الجرأة، لكن ألتمس منك الإذن في تأجيل الحديث عمّا جرى لي حتى انتهاء هذا الحدث الشريف.”
أضافت سيلا وهي تنحني قليلًا.
“لا أرغب في أن تُلقي ظروفي بظلالها على هذا الحدث العظيم الذي يحتفي بمستقبل الأمة.”
“سأسمح لكِ.”
وبعد إذن الإمبراطور، اقتربت سيلا من حيث تقف الانسة أييشا والماركيز آرسيل وليليا.
كان الماركيز يُمسك لسانه على مضض، فيما أخفت المركيزة ملامحها خلف مروحتها.
وحين التقت نظرات ليليا بسيلا، تفحّصت ليليا هيئتها بنظرةٍ عابرة من رأسها إلى قدمَيْها. ورغم عبوس حاجبها للحظة، فإنها سرعان ما صرفت نظرها نحو كاليكس الذي كان يتّجه إلى الحكّام كأنّ شيئًا لم يكن.
‘جمعت زهورًا كثيرة…’
ضيّقت سيلا عينًا واحدة وهي ترى ليليا تحتضن كمًّا من الزهور.
حتى وإن كان المتسابقون الآخرون قد أهدوها زهورهم، فإنّ الكمية تفوق بكثير ما حصدته العام الفائت.
‘لقد نالت أكثر ممّا نالته هايلي العام الماضي.’
وبينما كانت سيلا تتفحّص الحاضرين، وقعت عيناها على هايلي الواقفة بجوار وليّ العهد.
‘ألا تحمل هايلي أيّ زهور؟’
اتسعت عيناها في دهشة، لكن في تلك اللحظة، اقتربت الانسة أييشا منها.
“انسة سيلا، هل أنتِ بخير؟ هل أصبتِ بأذًى؟”
“انسة أييشا…”
“من الذي…؟”
تمتمت أييشا وهي تُحدّق حولها، ثم اقتربت وهمست في أذن سيلا.
“هل يمكن أن تكون لما حدث علاقة بالآنسة ليليا آرسيل والمركيزة آرسيل؟”
“أيمكنني أن أسأل عن سبب ظنّك ذلك؟ وهل تخبرينني بإيجاز عمّا جرى أثناء غيابي؟”
وخلال ذلك، كانت عينا ليليا مُعلّقتين على ظهر كاليكس.
‘كيف أمكنها أن تلتقي بكاليكس في غابةٍ بهذا الاتّساع؟’
رغم شعورها بخيبة الأمل لأنّ سيلا لم تُصَب بالسمّ، سرعان ما ابتلعت ليليا مرارتها.
فثمة ما هو أهم.
‘يداه خاليتان.’
بذلك، شعرت بالاطمئنان — لن تكون هناك مفاجآت حين تُتوَّج بلقب “سيّدة الصيد”.
‘أن أكون نجمة هذا الحدث الوطني له وقعه، لكن…’
بالنسبة إلى ليليا، لم يكن لقب سيّدة الصيد سوى جسرٍ لعبور نحو هدفٍ أعظم. إذ إن هذا اللقب يخولها أن تخلع قناعها في حفل الأقنعة، وترقص الرقصة الأولى أمام الجميع مع شريكها.
هناك، كانت تنوي كشف ما ظلّت تُعدّ له طويلًا.
‘قريبًا… سأعيد كلّ شيء إلى نصابه.’
وفيما كانت تُحدّق في ظهر كاليكس بعينين مفعمتين بالعاطفة، شدّت قبضتها أكثر حول باقة الزهور التي في ذراعيها. وانتشر عبق الزهور الحلو كأنّه يلفّ كيانها ببركةٍ خفيّة، وفي تلك اللحظة، ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ وادعة.
غير أن صوت الحَكَم دوّى مذهولًا.
“هـ، هذا… يا دوق إيكاروس! أليس هذا هو الساهانسام؟!”
فتلوّى وجه ليليا فورًا من الذهول.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 62"