بعد أن كشفت لها الحقيقة، أدركت شيئًا واحدًا — السبب الذي جعل زوجي آرسيل يحيطانها بالكثير من الحنان حين كانت صغيرة، ولماذا لم تظهر لِيليا في قصر الماركيز إلا بعد وفاة الماركيز الراحل.
‘لابد أن جدي كان يحميني حينما كان حيًا.’
لكن ها هي الآن، توشك بيديها على هدم العائلة التي قضى حياته في بنائها. تسللت تلك الفكرة إلى قلبها كعضّة نملة صغيرة، لكنها كانت مؤلمة بشكل حاد في صدرها.
وفي تلك اللحظة، تكلّم كاليكس الذي ظل واقفًا بصمت إلى جوارها، بصوت خافت.
“أنصحكِ بأن تفتحيها.”
“كاليكس؟“
“على الأرجح، ظل الماركيز الراحل مؤثرًا في عائلة آرسيل حتى وفاته. أشك في أنه كان يجهل كل شيء.”
“…”
“وإن كان يهتم بكِ حقًا إلى درجة ترك إرث لكِ، فلابد أنه ذكر شيئًا عن اللعنة في وصيّته.”
تمامًا كما لو أنها فتحت الصفحة الأولى من كتاب مغطى بالغبار، عاد إلى ذاكرتها ببطء وجه جدّها المبتسم بإشراق. ورغم بروده مع الآخرين، إلا أنه كان دومًا شمسًا تضيء لها، حتى في لحظاته الأخيرة.
“أنت على حق.”
بصوت هادئ بدا كأنه يمدّها بالقوة، فتحت الظرف وأخرجت الصفحة الأولى من رزمة الرسائل السميكة.
[إلى سيلا.]
استقبلها الخطّ المتعجّل والمألوف الذي لطالما اشتاقت لرؤيته.
[إذا كنتِ تقرئين هذه الرسالة، فهذا يعني أننا لم نعد نتشارك اللحظة ذاتها.]
قلبت الصفحة الأولى، فوجدت فيها كلمات مليئة بالاهتمام والمحبة العفوية عن حالها. ثم، مع الصفحة التالية، تغيّر نَفَسُ الرسالة.
[سيلا، هناك أشياء كثيرة يجب أن أعتذر عنها. وسأخبركِ الآن بما لم أملك الشجاعة لقوله، وبما كنت أؤجله طوال حياتي.]
[أخشى أن تصدمكِ هذه الحقيقة. فإن شعرتِ بالخوف، فلا تتابعي القراءة.]
وانتهت الصفحة بذلك التحذير القصير.
لكن سيلا قلبت الصفحة التالية دون تردّد.
[حين كانت طفلة كلارا قد تجاوزت العام بالكاد، أصابتها حمى شديدة. حتى مع استشارة أشهر الأطباء، لم يكن هناك تحسن. وفي ذلك الحين، قالت لي كلارا شيئًا.]
كانت كلارا هي مركيزة آرسيل.
[قالت إنها حين كانت حاملًا، دخلت في مشادة صغيرة مع امرأة معينة. أخبرتها تلك المرأة. “طفلتكِ ستعاني من ألم لا يُفسّر، ولن تعيش أكثر من عشرة أعوام.” ]
“عشرة…؟“
تمتمت سيلا، وعقدت حاجبيها قليلًا. دفعت تلك الأسئلة المفاجئة بعيدًا وتابعت قراءة الرسالة.
[وحين نطقت المرأة بتلك الكلمات المشؤومة، رأت كلارا خلفها شيئًا — جناحين شفافين يشبهان أجنحة الجنيات الأسطورية.]
[بصراحة، كان من الصعب تصديق ذلك. لكن مع غياب أي تفسير لمرض الطفلة، بدا أن كلارا صدقت تلك الكلمات. وربما لأنها عانت كثيرًا حتى تنجب… (محذوف)… ثم في أحد الأيام، أخبرتني كلارا بفرح أنها وجدت طريقة لإنقاذ ابنتها. قالت إن اللعنة يمكن نقلها، لكنني رفضت فكرة التضحية بشخص آخر من أجل ابنتها.]
الجدّ الذي تتذكّره بشكلٍ مبهم كان شخصًا يُقدّر الحياة، ولم يكن ليتعامل معها باستخفاف أبدًا.
[وفي أحد الأيام، غادرت كلارا سرًّا مع ويدرو، آخذة معها الطفلة. وعند عودتهما، سارعت إلى فحص الطفلة، ولم يستغرق الأمر طويلًا لأدرك.]
[الطفلة التي أعادتها كلارا لم تكن ابنتها.]
وعرفت سيلا فورًا عمّن كانت تتحدث الرسالة.
‘إنها أنا.’
وربما لأن الجدّ عارض الأمر بشدة، حاول زوجا آرسيل إخفاء الحقيقة عنه. ورغم إصراره، أصرّت كلارا على أن سيلا هي ابنتها الحقيقية. واعترف لاحقًا بأنه لا يعلم الطريقة التي استخدماها لنقل اللعنة.
[أنكرت كلارا، لكن كيف لي ألا ألاحظ الفارق في مراحل نمو الطفلتين؟ وحتى تقلّ الفروقات الظاهرة بينكِ وبين ابنتهما، ادّعيا أنكِ مريضة، وأبقياكِ حبيسة غرفتكِ.]
[وكما حصل مع طفلة كلارا، لم أستطع مساعدتكِ حين كنتِ تمرضين. كل ما استطعت فعله هو الجلوس إلى جانبكِ وأنتِ تبكين من الألم، وأقسمتُ أن أربيكِ كحفيدتي الوحيدة، دون أن ينقصكِ شيء.]
في البداية، كان دافع الجد هو الشعور بالذنب، تجاه الطفلة المريضة التي أخذت مكان حفيدته البيولوجية. لكنه، ومع كل لحظة كبرت فيها سيلا، ومع كل مرة نادته فيها بـ‘جدي‘ قبل أن تنطق بكلمة ‘أبي‘ أو ‘أمي‘، ومع كل خطوة أولى قطعتها أمامه، نمت محبته لها بوتيرة مخيفة.
وكبرت معها مشاعر الذنب، ورغبته في أن يقدم لها كل شيء. لكنه لم يكن قادرًا على فعل الكثير لطفلة مريضة استبدلت بابنة كلارا.
[إن أردتِ يومًا أن تبحثي عن عائلتكِ الحقيقية، فاذهبي إلى دار الأيتام المذكورة في الصفحة الأخيرة. استغرق الأمر وقتًا كي أتحقق من الأمر دون أن يُكشف، لكن يبدو أن كلارا أخذتكِ من هناك. كما أرفقتُ لكِ معلومات عن لعنة الجنية، فتأكدي من قراءتها.]
[لا أنوي الادعاء أن ما كتبته يخفف من ذنبي. أردت فقط أن أترك لكِ شيئًا كجدّكِ… (محذوف)… حتى وإن كرهتِني بعد أن عرفتِ الحقيقة، فلا بأس. افعلي ما تشائين، كل ما أرجوه هو أن تجدي السعادة حتى النهاية.]
[أعتذر لأنني أخبرتُكِ بذلك متأخرًا.]
وانتهت الرسالة. الصفحة الأخيرة احتوت على تفاصيل لعنة الجنية، وموقع دار الأيتام، وأشارت كذلك إلى أن الفيلا التي ورثتها سيلا تحوي بضع شجرات من تفاح الجنيات. أعادت سيلا الصفحة إلى الظرف.
“هل أنتِ بخير؟“
سألها المحامي، فهزّت رأسها مبتسمة ابتسامة باهتة رغم ملامحها الغائمة.
“نعم. ولم لا أكون؟“
لم تكن تكذب.
‘فقط… ذهني مضطرب قليلاً.’
اتكأت إلى الوراء على الأريكة، وبدأت تُنقّب في أفكارها، تعبث بلا وعي بالوصيّة التي بين يديها. حينها، تكلّم كاليكس الذي كان يراقبها بصمت.
“عليكما أن تمكثا الليلة في قصر الدوق.”
“الطقس بدا ملبدًا، لذا كنت سأطلب ذلك على أي حال. شكرًا لتفهمك المسبق.”
“أنتم ضيوفي، ومن الطبيعي أن أحرص على راحتكم. فقط اتبعوا الخادم المنتظر عند الباب.”
“إذن، أستأذنكم.”
خرج المحامي أولًا، فخيم الصمت برهة في الغرفة.
“سأرحل أنا أيضًا.”
قالت سيلا، ونهضت من مكانها. كانت تنوي أن تنام مبكرًا لتعود في الصباح إلى قصر آرسيل. إلى أن أوقفها كاليكس.
“قبل أن تهطل الأمطار… أود أن أذهب معكِ إلى مكان ما.”
“حسنًا.”
رمشت سيلا ببطء، وفكّرت قليلًا قبل أن تومئ. لم تكن تعرف إلى أين ينوي أخذها، لكنها لم ترَ في الأمر مشقة.
“انتظريني للحظة.”
خرج كاليكس قليلًا ثم عاد، يحمل على ذراعه اليمنى بطانية، وفي يده الأخرى كوب يخرج منه البخار. خرجا إلى الحديقة، فضرب وجهيهما نسيم رطب لطيف. مشت سيلا خلفه بخطى أبطأ من خطواته الواثقة.
‘إلى أين يأخذني؟‘
سار كاليكس أعمق فأعمق داخل الأراضي. وحين بدأت تساؤلاتها تتزايد، وصلها عبير الماء الرقيق، فتوقف أخيرًا.
“لقد وصلنا.”
اتسعت عينا سيلا بدهشة.
‘هذا المكان…’
امتد أمامها بحيرة شاسعة متصلة بالغابة، تملأ الأفق أمامها. وبدلاً من النجوم التي أخفتها الغيوم، كانت اليراعات تتراقص فوق الماء برقة.
“جميلة، أليست كذلك؟“
ناولها كاليكس الكوب، وبسط البطانية بلطف، ثم لفّها بها وجلس بجانب البحيرة، وكأنه اعتاد هذا المكان من زمن بعيد.
“لا مكان في قصر الدوق ليس جميلًا، لكن هذا المكان تحديدًا أفخر به. فيه شيء خاص… سحر فريد.”
استدار إلى سيلا، وربّت على الأرض بجانبه بيده.
“ما هو هذا السحر؟ هذا سر. لكن إن رغبتِ في معرفته، اجلسي هنا واكتشفيه بنفسكِ.”
‘أنا أعرفه مسبقًا.’
رغم ذلك، جلست سيلا بجواره. كانت تعرف هذا المكان وتدرك تمامًا السحر الذي تحدّث عنه.
‘لكن لم أتوقع أن يأخذني إليه.’
فنظرًا لتعقيد الطريق المؤدي إليه، نادرًا ما يعرف الخدم عن وجوده. وكان مكانًا اعتاد كاليكس زيارته مع والديه حين كان طفلًا. وبعد وفاتهما المفاجئة وتحمله مسؤولية الأسرة مبكرًا، أصبحت زياراته نادرة. لكنه كان يعود إليه دائمًا حين يثقُل كاهله ولا يحتمل.
حتى في القصة الأصلية، لم تكن لِيليا لتعرف عن هذا المكان لولا ‘مصادفة‘ غريبة. لقد كان ملاذًا مخصصًا لكاليكس وحده.
“حين أنظر إلى هذا المكان، مهما كانت الأحزان، أشعر وكأن ذهني يتصفّى. كأنني تحت تأثير تعويذة.”
أسندت سيلا ذقنها على ركبتيها. حتى وإن حاولت أن تشكك في نواياه كما كانت تفعل من قبل، فإن هذا الشك انهار كقلعة رملية.
‘لا يبدو عليه أنه يتظاهر بالاهتمام…’
هكذا كانت قيمة هذا المكان. نظرت سيلا إلى يرعة اقتربت منها بتعبير معقّد.
‘لكن بدلًا من أن أشعر بالسكينة…’
شعرت بدوار من نوع آخر. التقطت الكوب الذي وضعته جانبًا، ورشفت منه رشفة.
‘طعمه غريب…’
على الرغم من افتقاره للرائحة، كان الطعم حادًّا بشكل لاذع ومفاجئ. وما إن خطر لها ذلك، حتى تذكرت فجأة كتبًا قرأتها سابقًا عن أنواع الإكسير. فاستدارت نحو كاليكس برأس مرتجف.
لا… لايمكن…
بشيء من القلق، سألت سيلا.
“ما هذا المشروب بالضبط؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"