صرخ القاتل وغطّى عينيه بذعر. لم تفوّت سارا الفرصة، فسحبت سيلا بسرعة بعيدًا عنه. واغتنم كاليكس اللحظة، فوجه ضربة بسيفه نحو الرجل المذعور، فسقط صريعًا. ومع انقضاء الصخب، عاد السكون إلى الغرفة التي عمّها الفوضى.
“هل أنتِ بخير؟“
“أنا بخير، لكن الغرفة باتت في حالة يُرثى لها.”
“يمكن إصلاح ذلك بسهولة.”
قالها كاليكس بغير اكتراث وهو يتفحص عنقها بعناية. ورغم أنه لم يكن هناك خدش واحد، إلا أن عينيه لم تفارقا عنقها، وكأنهما تأبيان الرحيل.
“لقد فهمتِ شيفرتهم في وقت سابق. هل تعرفين من هم؟“
كان يعتزم إبقاء أحدهم حيًا لاستجوابه، لكن رؤيته لها تُؤخذ رهينة جعله يفقد السيطرة على قواه. وبدلًا من أن تجيب، التقطت سيلا أحد أغماد السيوف الملقاة بين المهاجمين المقنعين.
“شعار الخفاش المحفور على الغمد… إنه رمز كلاب الماركيز أرسيل.”
وبما أنه كانوا يظهرون غالبًا كحليف للبطلة، لم يكن من الصعب تذكّر هويتهم. فهم أناس لا يتلقّون الأوامر إلا من الماركيز أرسيل.
“من تعليقهم على غياب الهدف، يبدو أنهم كانوا ينوون التخلص من توربين.”
على الأرجح، ذهب توربين إلى الماركيز واستفزّه بشدة. أطلقت سيلا الغمد من يدها، فارتطم بالأرض.
‘الماركيز يخفي شيئًا عني.’
صرخات توربين السابقة ما تزال ترنّ بوضوح في ذهنها. لم يكن هذا وقت التردد.
“كاليكس، أظن أننا بحاجة للقاء توربين.”
وكأنما كان يتوقع ذلك، مدّ كاليكس يده نحوها.
“فلنذهب معًا إلى فيلا الدوق.”
وبقيادة كاليكس، وجدت سيلا نفسها في قصر دوق إيكاروس. الهواء الرطب والمُثقل في السرداب جعل قشعريرة تسري في جسدها. بقيت سارا تنتظر في الأعلى، بينما رافقت كاليكس إلى الأعماق.
ومع صدى خطواتهما وسط السكون، وصلا أخيرًا إلى توربين، جالسًا على الأرض مستندًا إلى الجدار، كأنما يستريح.
“……”
بدا توربين شاردًا، ولم يتفاعل إلا بعد لحظة مع اقترابهم، لينتقل بنظره بين كاليكس وسيلا، ثم فجأة أمسك بالقضبان الحديدية بقوة وكأنه يريد كسرها.
“سيلا! أ–أرجوكِ، أخرجيني من هنا!”
توسل بحرقة، وصوته يرتجف.
“هذا المكان فظيع! أرجوكِ! أنقذيني! أرجوكِ!”
ورغم أن أطرافه لم تبدُ مصابة، إلا أن وجهه كان شاحبًا بشكل غير طبيعي، ومرقّطًا بلون غريب.
‘هل يمكن لوجه إنسان أن يتدهور هكذا في نصف يوم فقط؟‘
تراجعت سيلا خطوة للوراء من ردة فعله المفاجئة، فحرّك رجل كان واقفًا بصمت بجانب الزنزانة نظارته ببطء متعمّد.
“من منحك الجرأة لتتحدث بهذه الوقاحة؟“
“آه! آسف! أنا آسف جدًا!”
تلعثم توربين، وانحنى فجأة بذلّ شديد.
تراجع توربين مرتعدًا عن القضبان في الحال. أثار سلوكه المتوتر انتباه سيلا إلى ذلك الرجل الذي أرعبه. وما إن تمعّنت في مظهره، حتى داهمها إدراك مفاجئ.
‘إنه مساعد كاليكس.’
الهالات السوداء تحت عينيه، الداكنة كسواد فوهة مجاري،
كانت مطابقة تمامًا لوصفه في الكتاب.
“تشرفنا بلقائك، آنسة— بل سيدة سيلا. أنا رون، مستشار دوق إيكاروس.”
قالهاون بابتسامة ودودة وانحنى بأدب.
رغم تحضّره، أرسل له كاليكس نظرة حادة،
ربما بسبب لسانه المنفلت.
“سمعت كثيرًا عن مستشار ماهر وساحر بارع يرافق كاليكس منذ زمن. سعدت بلقائك، سيد رون.”
وبينما تبادلوا بعض الكلمات عن لعنة الجنيّة، قطع حديثهم ما هو أهم. وبابتسامة ما زالت مرسومة على شفتيه، أشار رون نحو توربين.
“لقد وعد بأن يخبرك بكل شيء، آنسة سيلا. يمكنكِ سؤاله عن أي شيء.”
…ما الذي فعلوه به بحق السماء؟
نظرت سيلا إلى رون، الذي بدا غير مؤذٍ، ثم حوّلت نظرها إلى توربين. ما مرّ به لم يكن شاغلها الحقيقي. واكتفت بالإيماء.
“جئت لأسمع الحقيقة التي لمحتَ إليها البارحة.”
“قـ، قبل ذلك، هل يمكن أن تخرجيني من هنا؟“
“من مصلحتك أن تقول الحقيقة كاملة. أليس كذلك، رون؟“
“تمامًا. من الأفضل تفادي المبالغة غير الضرورية.”
“مع أن الأمر قد يكون مسليًا إن لم يتحدث هو بوضوح.”
أضاف ذلك بابتسامة مفاجئة، لمع في عينيه الخاليتين من الحياة ضوءٌ متوحش أشبه بعيون الضباع.
ارتعش توربين بعنف، وعاد به شريط الذكريات إلى ما عاناه داخل الزنزانة. فاندفع متوسلًا وهو يفتح فمه سريعًا.
“سأتكلم! أقسم أنني سأتكلم!”
وتشبّث بالقضبان الحديدية، والمخاط يسيل من أنفه.
“ما يخفيه الماركيز أرسيل… هو…”
ارتجف صوته، وكأنما يقاتل دموعه، وهو يبوح بما في صدره.
“…الإرث الذي تركه الماركيز أرسيل الراحل لكِ.”
اقتربت سيلا من الزنزانة، وعيناها الزرقاوان تتوهجان بشدة وسط ظلال السرداب الرطب.
“اشرح بمزيد من التفصيل.”
“هو… هو أراد مني أن أنقل إرث الماركيز الراحل إليه،
مستغلًا كون الزوجين يستطيعان إدارة أملاك بعضهما.”
وحين لاحظ نظرة رون الحادة، انتبه توربين إلى أنه بدأ الحديث بعفوية، فانحنى معتذرًا وصحّح كلامه بأسلوب أكثر تهذيبًا.
“في المقابل، وعدني الماركيز أرسيل بأن يساعدني على استعادة رضا والدي.”
“إذا دفع مبلغًا ضخمًا كهذا، فلا بد أن الإرث الذي تركه لي يفوقه قيمة. ما الذي أوكله إليك الماركيز لتنفذه؟“
“لو سرقت الإرث، فسيكتشف والدي كل الحقيقة. كيف لي أن أفعل ذلك؟“
ومع شخصية الكونت تورتيليك، إن علم بالحقيقة، سيقوم بمسح توربين من السجل العائلي على الفور. فرغم أن إرث الماركيز الراحل قد يكون ضخمًا، إلا أنه لا يساوي شيئًا أمام استقرار الحياة في كنف العائلة. وكان ذلك هو قراره حينها. لكن… لم يعد لذلك أهمية الآن.
مررت سيلا يديها على وجهها، وحدّقت في توربين من بين أصابعها، تراقب ارتباكه وتردده بعيني خبيرة.
‘يبدو أنه لم يعد لديه ما يقوله.’
وما إن همّت بالرحيل وقد أنهت غرضها، حتى…
“سيلا!”
نادى عليها بصوت يملؤه اليأس. كان عليه أن يتوسل إليها لتخرجه.
كانت حبل النجاة الوحيد، حتى لو كان حبلًا مهترئًا.
مدّ يده من بين القضبان محاولًا الإمساك بها،
لكن قبل أن يلمسها، أمسك كاليكس بمعصمه.
“لا تجرؤ على مدّ يديك القذرتين نحوها.”
“آآاه! أرجوك، أتركني!”
صرخ توربين وهو يصارع، شعر كما لو أن معصمه سيتحطم.
لكنّه توقف فجأة حين التقت عيناه بعيني كاليكس الحمراوين،
المتوهجتين بهالة قاتمة تنذر بالهلاك.
كان ثقل نية القتل هائلًا، حتى أن غريزته للبقاء خمدت تمامًا.
ابتلع ريقه ببطء، وعقله يغرق في غشاوة الخوف.
وحين استعاد وعيه، كان وحده. لا أحد هناك لإنقاذه.
***
كانت سيلا تنوي زيارة محامي الماركيز الراحل فورًا، لكن لم يكن لذلك داعٍ. فقد كان كاليكس قد استدعاه مسبقًا بعد استجوابه لتوربين.
“المحاكمة ستستمر نحو أسبوع.”
“شكرًا لقدومك رغم تأخر الوقت.”
“لا بأس. أؤدي واجبي فحسب.”
ابتسم المحامي ابتسامة خفيفة، وتجعدت خطوط وجهه بلطف.
وبصفته محامي الماركيز أرسيل الراحل، كان سعيدًا حقًا برؤية سيلا من جديد بعد طول غياب.
وهو يتذكّر ملامحها حين كانت صغيرة، تحدث بصوت هادئ.
“يسرني أنكِ تجاوزتِ الحزن.
لو علم الماركيز الراحل، لفرح بذلك حقًا.”
وحين سمعت هذه الكلمات،
رفعت سيلا نظرها فجأة من فوق الأوراق.
“ماذا تعني بذلك؟“
“لقد قالها لي الماركيز أرسيل بنفسه.”
ثم بدأ المحامي يروي ما حدث.
بعد وفاة الماركيز الراحل، زعم الماركيز الحالي أن سيلا صُدمت بشدة من وفاة جدها، حتى أنها تُصاب بنوبات عند سماع اسمه.
ولهذا لم يكن بالإمكان إخبارها بأي شيء عن الإرث.
“كنت أكتب له كل عام رسالة أطلب فيها زيارة ملكية أرسيل، لكن في كل مرة كان يُقال لي إنك ما تزالين في حالة صحية لا تسمح بذلك.”
“كنت قلقًا جدًا عليك حينها.”
‘هكذا إذًا منع زيارة المحامي.’
ضحكت سيلا بسخرية، وهي تلعب بأطراف شعرها.
لم تشعر بالغضب هذه المرة، بل كان الأمر أشبه بتذوق قهوة مرة… تترك أثرًا لا يُمحى في الفم.
‘الآن فهمتُ لماذا تصرّف على ذلك النحو.’
كم أزعجه أن تؤول ثروة الماركيز الراحل إليها… وهي ليست ابنته الحقيقية، ولا حفيدته من صلبه؟
“هل هناك ما يزعجك؟“
سأل المحامي وقد لاحظ أخيرًا غرابة ملامحها.
“هل يمكنك إبقاء أمر الإرث سرًا عن الماركيز أرسيل— أعني، عن والدي؟“
“أأنتِ تقولين…”
“وإن أمكن، أرجو أن تسأله من جديد عن حالي، كما كنت تفعل سابقًا.”
رغم أن عقلها كان يدور من كثرة ما تكشّف لها، فإنها لم تتردد في فعل ما ينبغي فعله. أثقل الحزن وجه المحامي، لكنه لم يكن ساذجًا لدرجة ألا يفهم السبب. ومن أعماق ذكرياته الباهتة، تذكّر قلق الماركيز الراحل المتكرر.
‘أتُراها ستكون بخير بعد رحيلي؟‘
“سأفعل ما تطلبِينه.”
“شكرًا لقبولك.”
“طلبكِ ليس صعبًا. والأهم من ذلك، أن الماركيز الراحل ترك لكِ ثروة كبيرة في وصيته.”
وبما أن الجميع كان يعلم بعلاقة سيلا بكاليكس، لم يعترض المحامي على تعليمات الدوق حين طلب إحضار الوصية والأوراق المتعلقة بالإرث.
“يبدو أن لدى الماركيز الراحل أشياء كثيرة أراد أن يقولها لكِ.”
وأعطاها صندوقًا يحتوي على الوصية.
“أتودّين قراءتها الآن؟“
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"