أسندت سيلا ذقنها إلى يدها، وعبست كما لو أنها لا تفهم.
“ولمَ عليّ أن أُوقف من يرغب في الرحيل؟“
“لأن…”
“إلا إن كنتَ تريدني أن أقول وداعًا؟ إذن، وداعًا. حتى وإن كانت وجهتنا واحدة، فلنحرص على ألا نلتقي مجددًا أبدًا…”
قاطعته في منتصف جملته،
ولوّحت بيديها يمينًا ويسارًا لتؤكّد كلماتها.
تلعثم توربين، ولم يستطع حتى رفع قدميه عن الأرض.
فتح شفتيه على عجل محاولًا الكلام.
“إن ذهبتُ، سيكون في ذلك ضرر لكِ. ألن توقفينيّ حقًا؟“
“ولماذا قد يحدث لي شيء سيء؟ لا شيء لديّ لأخفيه، ولا سبب لديّ لأشعر بالذنب.”
ردّت سيلا بثقة، ورفعت كتفيها بلامبالاة.
“هاه، لكنكِ أنتِ من حثّني على قول الحقيقة بشأن علاقتي مع ليليا، ووعدتِ بمساعدتي إن فعلت!”
“لا أعلم عمّ تتحدث، ولكن إن كنت واثقًا إلى هذه الدرجة،
فاذهب إلى ماركيز آرسيل بنفسك.”
“…”
شدّت سيلا شفتيها بابتسامة خفيفة وهي تنظر إلى توربين.
كانت عينا توربين ترتجفان، وعرق بارد يبلل جبينه،
وتكتل ظاهر في حلقه يفضح ارتباكه.
ومضة من الشك مرت في ذهنها.
‘ربما ذهب إليه فعلًا.’
كان مجرد تخمين ناتج عن تصرفاته،
لكنها لم تكن لتأبه حتى لو صحّ ذلك.
‘لا يوجد دليل على أنني الجانية،
لكن يوجد الكثير مما يشير إلى أن توربين هو المتهم.’
وفي النهاية، لم تكن مزاعمه جديرة بالثقة.
“إذًا، وداعًا. ولنحرص على ألا نلتقي مجددًا.”
وبينما كانت سييلا تغلق باب العربة، تمسّك به توربين بيأس،
وراح العرق ينزلق من راحتيه وهو يحاول منع انزلاق قبضته.
شدّ أصابعه بقوة حول الحافة ليصمد.
‘كنت واثقًا جدًا من نجاح خطتي!’
اللعنة، اللعنة. شتم نفسه مرارًا داخل عقله، وهو يعض شفتيه بغيظ. وبعد أن لفظه الماركيز، بات مصيره ميؤوسًا منه إن لم يحصل على دعم سييلا. وبينما كانت أفكاره تتقلب بجنون، اتسعت عيناه فجأة.
‘الماركيز! نعم، الماركيز هو المفتاح!’
اعتدل توربين في وقفته وتحدث بإصرار متجدد:
“دعيني أقدّم لكِ عرضًا! سأخبركِ بما يخفيه الماركيز آرسيل عنكِ، لكن بالمقابل، عليكِ أن تسددي دَيني!”
“لست مهتمة.”
“الأمر يتعلّق بالماركيز آرسيل الراحل.
هل أنتِ متأكدة أنك لا ترغبين في معرفة الحقيقة؟“
تراخَت قبضتها قليلًا عن مقبض الباب.
“يقال إن الماركيز الراحل كان يُوليكِ اهتمامًا خاصًا.
ويبدو أنكِ لا تستطيعين تجاهل ذلك تمامًا.”
عندما رأى ردة فعلها على كلماته، اتسعت ابتسامة توربين بثقة.
أما سيلا، فقد التزمت الصمت وهي تراقب ملامحه بعناية.
‘إنه لا يكذب.’
تذكّرت كيف كان يكذب أثناء علاقته بليليا — آنذاك، كانت كذبه واضحة ومرتبكة.
‘لقد انتابني الشك حين علمت أن الماركيز هو من سدّد ديونه.’
كانت تلك المعلومة هدية من العم كين. في ذلك الوقت، ظنت أن ماركيز آرسيل كان عازمًا على تزويجها بأي ثمن.
فقد شوهت سمعتها الشائعات الخبيثة، ومع خطوبتها السابقة المفسوخة، لم يعد أي وريث من عائلات النبلاء المركزية يرغب في الاقتران بها. وللماركيز، الذي أراد التخلص منها مع الحفاظ على كرامة العائلة، بدا آل تورتيليك خيارًا مناسبًا.
لكن الآن…
‘قصة عن الماركيز الراحل يخفيها الماركيز الحالي عني؟‘
لم تكن قادرة على استخلاص معنى واضح من كلماته.
“إن وافقتِ على عرضي، تعالي إلى النزل الذي أقيم فيه، مساء الغد.”
قال وهو يعطيها موقع النزل الذي يقيم فيه، ثم أضاف.
“إن فوتِّ هذه الفرصة، فلن تعرفي الحقيقة أبدًا. فكري جيدًا.”
وبكل ثقة بأنها ستأتي،
غادر توربين والابتسامة الظاهرة لا تفارق وجهه.
‘يبدو أن الحكام لم تهجرني بعد.’
لقد تذكّر حديثه السابق مع الماركيز في اللحظة المناسبة – وكأنه تدخل إلهي. آمن توربين بأن الحكام قد رقّت له ومدّت إليه يد العون.
‘لا يمكن لشخص مثلي،
وريث عائلة تورتيليك، أن يظل في هذا الوضع للأبد.’
غدًا سيكون يوم نهاية ديونه.
جعلت هذه الفكرة خطواته خفيفة كريشة، في تناقض حاد مع مرارة مشاعره السابقة حين طرده الماركيز ببرود.
توقف توربين فجأة،
وأدار رأسه ليركز بصره على مكان العربة التي كانت هناك.
عيناه كانتا مظلمتين ومهددتين.
‘لكن إن كنتِ تظنين أن هذه هي النهاية، فأنتِ واهمة، يا سيلا.’
فهي السبب فيما آل إليه حاله. ولن يتردد في فعل أي شيء
– أي وسيلة كانت – لانتزاع المزيد من المال منها.
لقد خسر كل شيء، لكن كان هناك وقت كان فيه يقامر ويشرب ويخالط الناس في الحفلات.
“هيهيهي.”
راحت المكائد الدنيئة التي سمعها في تلك الدوائر تدور في ذهنه، فارتعش كتفاه من أثرها.
“آه!”
سقط شيء على كتفه.
“مياو.”
لقد قفزت قطة صفراء على كتفه، ثم نزلت بخفة من على الجدار إلى الأرض، بحركة خفيفة كالفراشة.
***
في قرية بروتشي الهادئة جنوبًا، تسللت أشعة الشمس إلى داخل منزل من طابقين يتسم بأجوائه الدافئة وترحيبه الودود.
وفي الداخل، كان رجل يرتدي معطفًا أبيض يفحص حالة أحد المرضى.
“يبدو أنكِ قد شفيتِ تقريبًا.”
“أوه، شكرًا لك! شكرًا جزيلًا! لقد تعافيت بسرعة بفضلك، يا دكتور.”
“سأعطيكِ دواءً لثلاثة أيام إضافية، احتياطًا.
رجاءً، تناوليه صباحًا ومساءً.”
“أنت تعتني بي بهذه العناية،
ومع ذلك لا أستطيع دفع كامل الأجر…”
“لا بأس. صحة المريض أهم من المال.”
كانت أشعة الشمس تتسلل من النافذة لتضيء وجه الرجل المعروف بلقب الطبيب. ورغم أن الضوء كان قويًا حتى يكاد يعمي الأبصار، لم يبدُ عليه الانزعاج، واحتفظ بابتسامة هادئة. تأثرت المريضة بلطفه، ووجدت صعوبة في الحديث بينما امتلأت عيناها بالدموع.
“سأرد لك معروفك يومًا ما…”
وبعد أن غادرت المريضة مع وصفتها الطبية، اقترب مساعد الطبيب منه.
“السيد ثيودورو، لقد وصلك خطاب.”
“هم؟ أعطني إياه، من فضلك.”
تناول ثيودورو الخطاب، بينما كان يراجع ملف أحد المرضى.
كان الظرف يحمل ختم عائلة ماركيز آرسيل.
“هذه من الماركيزة أرشيل.”
بلمسة رقيقة، فتح الظرف.
وعندما فتح الرسالة، لاحظ أن الخط، رغم أنه مألوف، كان أقل ترتيبًا من المعتاد، وكأن الكلمات قد كُتبت بقوة على الورق.
[“صحتها تتحسن.”]
ذلك لم يكن ممكنًا.
انكمشت شفتا ثيودورو في خط مشدود.
وانعكس ضوء الشمس على عدسته الأحادية ليصنع بريقًا حادًا مثل تعبير وجهه.
“يبدو أن عليّ إجراء زيارة منزلية.
أرجو أن تقوم بالترتيبات اللازمة.”
“مفهوم.”
نزع ثيودورو نظارته ونهض واقفًا.
كان هناك أمور عليه إنجازها قبل أن يغادر في تلك الزيارة.
صعد إلى الطابق الثاني ودخل غرفة.
بهدوء، تفقد الأطفال،
الذين كانوا مستغرقين في نوم عميق منذ وقت مبكر من اليوم.
تحرك في الغرفة بكفاءة مدروسة.
***
في هيئته القططية،
جلس كاليكس على جدار يحيط بقصر ماركيزية أرسيل.
كانت عيناه الذهبيتان، المضيئتان بضوء الشمس، مركّزتين على طريق واحد—الطريق الذي تسلكه كل العربات القادمة إلى القصر.
“…”
ساعده سمعه الحاد كقط.
في كل مرة يلتقط فيها صوت عجلات عربة من بعيد، كانت أذناه ترتجفان وعيناه تفتشان الطريق، لكن لم تصل أي عربة.
– “يبدو أنك اتخذت هيئتك القططية.
هل لاحظت الدوقة المستقبلية ذلك؟“
ترددت الفكرة، كما لو أن صوتًا مرحًا لكنه قلق يتردد في عقله.
تأرجح الجرس المعلّق بعقده برفق بينما تردد صدى صوت رون عبرها.
باستخدام الأداة السحرية، أرسل رسالة تخاطرية من بعيد.
“نعم.”
– “هذا مؤسف.”
“سأتحقق لاحقًا عندما أعود.”
– “كنت أعني أنه من المؤسف أنك لم تواصل موعدك. ولكن من حسن الحظ أنك ستتمكن من العودة إلى هيئتك البشرية بسرعة أكبر بعد تناولك لتفاح الجنية.”
لم تأتِ رسائل أخرى بعد ذلك.
خفض كاليكس جسده إلى وضعية استلقاء. وبينما تحرك، تأرجح الجرس قليلاً لكنه لم يصدر صوتًا. ثم التقطت أذناه صوت عجلات مرة أخرى. انتفضت أذناه ونظر إلى الطريق، فرأى عربة تقترب.
‘إنها سيلا.’
تلألأت عيناه بضوء الشمس،
ومع ارتفاع ذيله المتمايل بلطف، تجمد فجأة.
‘ما الذي يفعله هذا الرجل هناك؟‘
وقف خطيب سيلا السابق مباشرة أمام العربة القادمة، معترضًا طريقها. ارتجف فراء كاليكس بغريزة حادة، قبل أن يهبط ذيله بانزعاج. ألقى نظرة سريعة حوله، ثم قفز إلى شجرة، ومنها إلى جزء آخر من الجدار.
“رون.”
–”….”
“لا تتظاهر بأنك لا تسمعني وأنت تسمع بوضوح.
إن لم تكن مهتمًا بمحادثة جدية، فلا تُكلّف نفسك.”
– “أمرك، سيدي.”
“تعال فورًا إلى قصر أرسيل.”
اقترب من المنطقة التي توقفت فيها العربة. التقطت أذناه القططيتان كل تفاصيل المحادثة. وبينما كان يراقب الموقف، تبِع توربين، الذي بدأ بالابتعاد، على طول الجدار. وأخيرًا، بحركات رشيقة وسريعة، قفز وهبط على كتف توربين بقوة تشبه لسعة نحلة.
“آخ!”
أمسك توربين بكتفه المشتعل وكأنه قد احترق، متأوهًا من الألم.
رفع رأسه وحدّق في القط الذي هاجمه. وزاد وجهه قتامة حين وقعت عيناه على الجرس المألوف المعلّق في عنقه.
“ظننت أنه مجرد قط منحوس، لكنه يبدو أنه يشبه مالكته.”
“مياو.”
‘منحوس؟‘
أظهر تيتي مخالبه التي كانت مخفية تحت كفيه الناعمين. تألقت عيناه بضوء بارد، ثم قفز بسرعة وخدش خد توربين بجرح حاد.
“أيته القط الملعون!”
صرخ توربين غاضبًا، محاولًا الإمساك بتيتي.
لكن، مهما لوّح بذراعيه أو ركض خلفه، لم يستطع القبض عليه.
“هاه… هاه…”
‘أي نوع من القطط يملك هذه السرعة؟‘
وضع توربين يديه على ركبتيه، يلهث وكأن أنفاسه تصل إلى حافة ذقنه. كان صدره يعلو ويهبط بشدة، ورأسه ينبض بألم خافت. وقبل أن يستسلم تمامًا في محاولته للإمساك به، اقترب تيتي منه.
“مياو.”
لوّح تيتي بذيله برشاقة وجلس،
وكأنه يدعوه إلى الإمساك به بسهولة.
“مياو.”
نغمة السخرية في صوته كانت لا تخطئها الأذن، فتجعد وجه توربين كقطعة ورق وهو يحدّق في القطة المتباهية.
“أيهاالـ…!”
إن أمسك به، فلن يدعه يفلت منه بهذه السهولة. وهو يغلي غضبًا، شدد توربين على أسنانه وثبّت ساقيه، ثم انقض على تيتي بكل ما أوتي من قوة.
“أبقى بمكانك!”
لكن تيتي تجنّبه بسهولة. وكلما تعب، كان يقترب منه بمكر، ويطلق مواءً متحديًا، ثم يهرب برشاقة حين يحاول الإمساك به. استمرت هذه المطاردة حتى وجدوا أنفسهم في زقاق خالٍ.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 39"