توربين، مُرتبكًا، فتح فمه وأغلقه دون أن ينطق بكلمة بينما كان يتأمل الماركيز آرسيل.
لم تتغير ملامح الماركيز كثيرًا منذ لقائهما في غرفة الاستقبال،
وهو ما لم يكن يتوقعه توربين.
وبينما كان يتلعثم، باغته صوت الماركيز.
“هل كنت تظن أنني سأصدق كلامك؟ وحتى لو كان ما قلته صحيحًا، فإن ذنبك لا يزال كبيرًا.”
رفع الماركيز إصبعه إلى جبهته وزفر تنهيدة طويلة،
لا تزال رائحة سيجاره الكريهة عالقة في أنفاسه.
“كان بيننا اتفاق على زواجك من سيلا.”
“…”
“لو أنك تزوجت سيلا وحققت رغبتي، لكنت قد محوت دَينك وعدت سالمًا إلى الكونت تورتليك.”
كانت عينا الماركيز الحادتان تخترقانه كالسكاكين.
“لكنك، بوقاحتك في ملاحقة ليليا، كنت من بدأ كل هذه الفوضى.”
لو أنه فقط تزوج سيلا وجلب له ما أراده،
لما كان يمانع حتى لو انفصلا بعدها.
لم يكن ذلك ليهم الماركيز على الإطلاق.
كل هذا ما كان ليحدث لو أن ذلك الأحمق عديم الفائدة حافظ على صوابه.
“هل ظننت حقًا أنني إن استمعت إليك سأمحو دَينك فحسب؟
أم أنك كنت تأمل أن أُلقي اللوم على سيلا بدلًا منك؟
يا للبؤس. حتى الحماقة لها حدود.”
انحنى رأس توربين، لا خجلًا، بل من شدة الإحباط—كان يشعر أنه على وشك أن يضرب صدره من القهر.
كانت ليليا هي من اقتربت منه أولًا، وسيلا هي من أجبرته.
كان يرى نفسه ضحية مظلومة تمامًا.
واحمرار الغيظ يتوهج في عينيه،
رفع توربين رأسه فجأة وتكلم بصوت حاد:
“كل ما قالته لي سيلا آرسيل هو الحقيقة المطلقة! وربما الدوق أيضًا…”
لكن الماركيز، الذي كان يحدق فيه بازدراء، قاطعه فجأة:
“سأتجاهل كل ما سمعته اليوم،
حتى لو كان فمك النجس ينطق بالحقيقة.”
“ماذا؟“
عجز توربين عن الرد، ناسيًا ما كان ينوي قوله،
وفتح فمه كأن فكه سقط من مكانه.
نظر إليه ماركيز آرسيل ببرود تام.
وإن كانت سيلا قد تلاعبت فعلًا بتوربين،
فذلك يكفي لإشعال غضبٍ يكاد يفتك بدمه.
لكنها، تلك البطة القبيحة سابقًا،
أصبحت اليوم الإوزة التي تبيض ذهبًا.
‘ما حدث قد حدث.’
ضغط بأصابعه على جسر أنفه بشدة.
‘المشكلة الحقيقية الآن ليست سيلا، بل ذلك الأحمق الملعون.’
زواج عائلتي إيكاروس وآرسيل. والفوائد التي لا تُعد ولا تُحصى التي ستتدفق من ورائه. والعنصر الأساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه هو سيلا، الفتاة التي أسرت قلب الدوق كاليكس إيكاروس.
‘إذا تزوجت الدوق، لن يكون بالإمكان إخفاء ‘ذلك‘ بعد الآن.’
وحين تكتشف سيلا ما يخفيه عنها، لا بد أن يسير كل شيء بسلاسة. يجب أن تبقى الفتاة التي تتوق لحب والدها وتسعى دومًا لنيل رضاه.
‘ولتحقيق ذلك، فإن الخطوة الأولى هي القضاء على كل تهديد محتمل.’
أظلمت عيناه وتصلب عزمه.
تذكّر ماركيز آرسيل الصفقة التي أبرمها مع توربين،
وحدّق في الرجل الذي أصبحت تعابيره الآن تفوح باليأس المُهين.
“لم يعد هناك ما يُقال، يمكنك الانصراف الآن.”
“لكن…!”
“أم أنك تفضل أن تُرمى خارجًا بذل؟“
قبض توربين على قبضتيه، لكنه نهض في النهاية. ما زال يحتفظ بكبريائه كنَسيب من النبلاء. أن يُطرد من قبل الخدم كان سيكون إهانة لا تُحتمل.
“أستأذن بالانصراف.”
استرخى الماركيز في مقعده، غير مكترثٍ بما إذا بقي توربين أو غادر. لم يعد هناك جدوى من تبادل الكلمات مع رجل أصبح في حكم الميت. والسبب الوحيد لعدم التعامل معه بعنف أكبر هو تجنب تلويث أرضه بدم لا ضرورة له.
وبإيماءة نحو الخادم الواقف خلفه بصمت، أصدر الماركيز أمره دون أن يتكلم. فانحنى الخادم احترامًا، ثم بدأ في تنفيذ التعليمات بصمت.
***
مالت سيلا برأسها تتبع الرائحة واقتربت منه حتى لامس أنفها جسده تقريبًا. تنفّست بعمق، وبدأ اليقين يترسخ في ذهنها. كانت تلك رائحة مريحة، كرائحة أغطية السرير التي جفّت تحت أشعة الشمس—رائحة تحبها.
‘إنها تشبه تمامًا رائحة تيتي.’
هل يُعقل أن يشترك شخص وقط في نفس الرائحة إلى هذا الحد؟
تنفست سيلا بعمق مرة أخرى لتؤكد شكّها، وزفرت بهدوء.
عندها، ارتجف جسد كاليكس قليلاً.
ارتعاشة خفيفة.
ارتخت اليدان اللتان كانتا تحيطان بها، ثم تراجع كاليكس بضع خطوات. لمحت سيلا احمرارًا طفيفًا يتصاعد على عنقه.
“لماذا… لماذا تفعلين هذا؟“
“آه.”
أدركت ما فعلته، وأطلقت تأوّهًا صغيرًا محرجًا.
اشتعلت أذناها بحرارة لا تقل عن حرارة عنقه.
“لا شيء.”
هزّت رأسها وضغطت شفتيها بإحكام.
‘قول إنك تشبه رائحة قطتي سيكون وقاحة.’
فالناس في هذا البلد لا يحبّون القطط عمومًا، وبما أن الرواية لم تذكر ما إذا كان كاليكس يحبها أم لا، قررت ألا تقول شيئًا.
“هكذا إذن؟“
وضع كاليكس يده على عنقه.
الحرارة المتدفقة منه كانت كبركان على وشك الانفجار،
ونبضه المتسارع كان واضحًا للغاية.
لا بد أنها سمعته أيضًا.
عندما أنقذها من اقتراب العربة المفاجئ،
لم يفكر في مدى قرب المسافة بينهما.
والآن، وقد أدرك ذلك متأخرًا، حك عنقه بانزعاج.
ابتسمت سيلا ابتسامة صغيرة، لكن التوتر الذي ملأ الجو خنق أنفاسها، وجعل أذنيها تحترقان أكثر.
وفي محاولة لكسر الإحراج، لمعت عيناها فجأة.
“سأذهب لأجلب المزيد من المثلجات.”
نظرت إلى قطعتي المثلجات الملقى على الأرض، واستدارت مبتعدة.
“سأرافقك.”
همّ كاليكس باللحاق بها، لكن…
كلينغ.
رنّ صوت الجرس بوضوح.
توقفت سيلا، التي كانت تركض إلى الأمام، واستدارت لتنظر إليه. انعكست صورة كاليكس المتجمدة في عينيها الزرقاوين.
الموقف كان مألوفًا، وكانت تتوقع ما سيقوله بعد ذلك.
“تذكرت أمرًا عاجلًا عليّ معالجته، لذا سأغادر الآن.
سأترك لك العربة، استخدميها للعودة.”
“بإمكانك استئجار أخرى لاحقًا. فقط خذها—ألم تقل إن الأمر عاجل؟“
“حسنًا.”
كلينغ. كلينغ.
استمر صوت الجرس في الرنين. لم يكن هناك وقت لإقناعها أكثر. أسرع كاليكس مبتعدًا، يبحث بعينيه عن زاوية منعزلة.
“…”
تابعته سيلا بصمت وهو يبتعد أكثر فأكثر.
لقد حدث ذلك من قبل عندما التقيا لتظاهر بأنهما ثنائي أمام الآخرين—في بعض المرات، كان يختفي بعد رنين الجرس. لذا كانت تتوقع الأمر. وبهدوء، اشترت المثلجات وتابعت طريقها وحدها.
‘أين كان مكان تأجير العربات؟‘
تذكّرت الطريق الذي رأته منذ قليل وسلكته من جديد، واستأجرت عربة لليوم. وبينما كانت العربة في طريقها إلى قصر آرسيل، أدارت سيلا نظرها إلى المشاهد العابرة خارج النافذة كما تفعل دومًا. تلاشت الصور المارّة بسرعة، حتى ظهر في ذهنها سؤال عالق.
‘هل يمكن لإنسان أن يمتلك نفس رائحة قطة؟‘
وضعت إصبعها على أنفها وكأنها تتحقق مما إذا كانت الرائحة لا تزال عالقة. كانت تلك الرائحة المريحة، التي تشبه الفراش المُجفف تحت الشمس، تحوم على أطراف حواسها.
‘لا يمكنني أن أُخطئ في رائحة تيتي.’
لم تكن هذه أول مرة تشم فيها تلك الرائحة، فإن كانت مخطئة، فلن تستحق أن تكون مالكة له. أبعدت سيلا نظرها عن النافذة وأسندت رأسها إلى المقعد. ظلت شظايا الأسئلة تدور في رأسها بلا توقف.
‘هل الجرس أداة سحرية تشير إلى أمر عاجل؟‘
لم يكن هناك أي وصفٍ لذلك في الرواية الأصلية.
تلاحقت الأسئلة في ذهنها، وكلما فكّرت فيها أكثر، زادت غموضًا.
وأخيرًا، زفرت سيلا ببطء ورفعت أهدابها بتثاقل.
‘لماذا أزعج نفسي بهذا أصلًا؟‘
وضعت يدها على جبينها وهزّت رأسها بعدم تصديق. فكرة أن كاليكس يشبه تيتي في الرائحة جعلتها تشعر بأنها فقدت عقلها مؤقتًا.
‘ليس وكأن كاليكس هو تيتي.’
عبست في وجه أفكارها السخيفة، ودفنت علامات الاستفهام التي تطاردها، وقررت التركيز على الحاضر. وحين أعادت نظرها إلى النافذة، رأت مباني مألوفة—يبدو أنهم اقتربوا من قصر آرسيل.
ثم حدث ذلك.
طَخ!
توقفت العربة فجأة، مما دفعها إلى الأمام بعنف. كادت أن تسقط، لكنها تمالكت نفسها بالإمساك بحافة العربة، وقد اتسعت عيناها من المفاجأة.
“أعتذر عن التوقف المفاجئ.”
بعد لحظة، فتح السائق الباب وأطل برأسه،
وعيناه موجهتان نحو الأرض بينما بدأ بالكلام.
“رجل ما اعترض طريق العربة فجأة، فلم يكن أمامي خيار سوى التوقف.”
“اعترض الطريق؟“
تذكرت سيلا تلك اللحظة السابقة عندما كادت تُدهس بعربة، فعقدت حاجبيها قليلًا. من ذا الذي يمكنه القيام بتصرف متهور كهذا؟
“نعم، شاب ما، لكن…”
وقبل أن يتمّ جملته، دفعه شخص ما فجأة، فترنّح وسقط. ارتاعت سيلا من الصوت وبدأت بالنهوض، لكنها ما إن رأت توربين حتى عادت لتجلس في مقعدها. وقف توربين في المكان الذي كان فيه السائق، وهو يبتسم بسخرية.
“من غيركِ قد يتجول هكذا دون استخدام عربة العائلة، سيلا؟“
“ومن غيرك انت يتهور ويعرض حياته للخطر بتصرف مجنون كهذا؟“
“هاه، هل ناديتني بضمير ‘أنتَ‘؟“
“ولماذا تتحدث إليّ بهذه الطريقة؟ إن واصلت ذلك، فقد تجد نفسك في موقف لا يُحمد عقباه. هل أنت مستعد لذلك؟“
قطّب توربين حاجبيه من تغير نبرتها، منزعجًا من قلة الاحترام المفاجئة. نظرتها المستعلية عليه من داخل العربة لم تزد الأمر إلا سوءًا.
‘من برأيك المسؤول عن وصولي إلى هذا الحال؟‘
كان صدره يعلو ويهبط غضبًا. وأخيرًا، أجبر نفسه على رسم ابتسامة ماكرة ومليئة بالسخرية، ونظر إليها.
“تفضلي، ابلغي عني إن أردتِ.
ذلك، إن كنتِ في موقف يسمح لكِ بذلك.”
ورغم أن غضبه هو من دفعه أولًا للذهاب إلى الماركيز، كان توربين يعلم أن الحقيقة التي بين يديه تمثل سلاحًا أقوى ضد سيلا.
‘إن لم تسأل الماركيز بنفسها، فلن تعرف أنني ذهبت إليه بالفعل.’
إن سمعت ما على وشك قوله، فستضطر حتمًا للتوسل إليه، أو هكذا ظنّ توربين.
“لا بد أنكِ كنتِ على علاقة بدوق كاليكس إيكاروس حتى قبل فسخ الخطبة. وأنتِ من جعلني أفسد حفلة عيد الميلاد. هل فكرتِ ماذا سيحدث لو عرف الماركيز بذلك؟“
“لا أعلم عمّا تتحدث.”
ابتسم توربين أمام جهلها المصطنع.
“لا تعلمين عمّا أتحدث؟ يا للخسارة. إذًا، ليس أمامي إلا الذهاب إلى ماركيز آرسيل وإخباره بنفسي.”
كان متأكدًا من أن الخوف سيدفعها لإيقافه. في داخله، كان توربين يذوق طعم الانتصار سلفًا، ينتظر منها أن تتوسل إليه ليصمت.
“…”
لكن سيلا لم ترد.
“لِمَ لا تقولين شيئًا؟“
لم يعد يحتمل صمتها، فانفجر أخيرًا وقد طغى الضيق على صوته وهو يطالبها بجواب.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 38"