فقد ارتكب جرائم شنيعة، مثل تمويله سراً للمعتدين على القصر الإمبراطوري قبل 18 عامًا، وتعذيبه الأميرة ومحاولته اغتيالها.
كل واحدة من هذه الجرائم كانت من الثقل بحيث عجز الناس عن استيعابها، فتملكهم ذهول عميق.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تكشّفت حقيقة أن الأميرة التي اعتقد الجميع أنها ماتت لا تزال على قيد الحياة، وأن هويتها باتت معلومة.
تزامنًا مع يوم إعدامه، احتشد الناس في الساحة. وبينما كان فرسان يقتادون الماركيز مكبلاً وسط الحشود الغفيرة، ارتطمت حجر طائش جبين الماركيز أرسيل بقوة.
“كخ!”
أطلق الماركيز أنينًا ورفع جفنيه بصعوبة، فسمع صوتاً غاضباً.
“أيها اللعين! اذهب إلى الجحيم!”
كان الصوت لرجل عجوز فقد ابنه الفارس في هجوم قبل 18 عامًا، وكان يرفع في إحدى يديه عصاه وفي الأخرى حجرًا.
“طفلتك فقط هي من لها قيمة؟! كيف يمكنك أن تمول سرًا جماعة مجرمين قتلت ابني الذي كنت فخورًا به، والذي كان سعيدًا بكونه فارس الإمبراطورية، وقتلت معهم عددًا لا يحصى من الأبرياء!”
في الأيام العادية، لم يكن بارون تافه مثله ليجرؤ على النطق بكلمة واحدة ضده، فكيف يتجرأ الآن؟! حاول فتح شفتيه الجافتين، لكن لم يخرج من حنجرته سوى صوت كصوت خدش المعدن.
“أووه…”
لقد أنهكته آثار التعذيب الطويل، فاستسلم وتخلى عن محاولة الغضب.
لم يكترث الفارس لحاله، بل جره بالقوة. لم يقاوم الماركيز، وتحرك كدمية ورقية ضعيفة. لكن عندما صعد إلى المقصلة، أدرك فجأة حقيقة مصيره الذي لا مفر منه.
‘هل سأموت هكذا؟’
انبعثت فيه قوة لا يعلم مصدرها، رغم جسده المتهالك من التعذيب.
تلوى وحاول التملص من قبضة الفارس، لكن قوة الفارس الضخمة كانت أكبر من أن يتغلب عليها. تم إخضاعه بسهولة، ودُفع رأسه تحت المقصلة.
“…آخ.”
ارتجف الماركيز، وهو يحدق في الحشود المتعطشة لوفاته.
صعد غيظ عميق من صدره وهو ينظر إليهم. فلم يكن قد دعم المعتدين على القصر الإمبراطوري سوى لفترة وجيزة، وبعد ذلك تولى الدعم والد كلارا، عائلة شتاين.
أما معظم الجرائم التي ارتكبت، فكانت من تدبير زوجته وابنته اللتين لا يعلم مكانهما.
ثم، لو علم أن سيلا أميرة، هل كان سيعاملها باحتقار كهذا؟
‘لو كنت أعلم، لكنت عاملتها جيدًا منذ البداية!’
عامل سيلا بشكل جيد في الآونة الأخيرة، فلماذا يجب أن يلقى نهاية كهذه؟
تذكر في آن واحد صورة سيلا التي لم تكن تنظر إليه سوى من الخلف لعقد من الزمان، وصورتها وهي ترمقه بنظرة باردة وكأنها تعلم كل شيء.
“لقد ارتكب هذا المجرم العديد من الجرائم التي لا يمكن التجرؤ على ذكرها. وجرائمه هي…”
عندما بدأ جلاد المقصلة يقرأ قائمة جرائمه، تبددت صورة سيلا الباردة من ذهنه، ولم يتبق سوى سيلا المتعطشة لحب عائلتها.
تلك الطفلة المسكينة التي كانت تبكي من الحزن، لكنها كانت تسعد بمجرد أن يناديها باسمها. لو قال لها إنه سيعاملها بشكل أفضل، فهل ستمنع إعدامه؟
لم يتبق لديه عقل يميز به بين الأمل الكاذب والحقيقة.
“…ـلا!”
حاول الماركيز أن يصرخ باسمها بكل ما أوتي من قوة.
“…سيلا!”
وبينما الحشود لا ترغب إلا بموته، بحث عنها بجنون.
“نفذ الحكم!”
لكن قبل أن تتحقق أمنيته، قام الجلاد بقطع الحبل الذي كان يثبت النصل الثقيل.
فطأ الظل القاتل أنفاسه بقسوة.
عبر عينيه المجهدتين واللتين لم تنطبقا بعد، انعكست صور الحشود المبتهجة، والصارخة بأقذع الشتائم، واللعنات له كي لا يجد راحته في الآخرة. وحتى اللحظة التي أغمض فيها عينيه بالكامل، لم يكن هناك من يحزن على موته.
***
في نفس اللحظة التي أُعدم فيها الماركيز أرسيل، كانت سيلا تصعد برجًا عاليًا لا نوافذ له. ففتح لها الفارس الذي كان يرافقها بابًا خشبيًا ثقيلًا بمفتاح.
“الرجاء الانتظار هنا. سندخل نحن إلى الداخل.”
“لكن الإمبراطور أمرنا…”
“نحن ذاهبون لمقابلة شخص فاقد الوعي على أي حال.”
“…حسنًا. ولكن إذا حدث أي شيء، اصرخي على الفور.”
“نعم. سأفعل، أيها الفارس.”
حاول الفارس أن يعطيها مصباحًا، لكن باتريك صنع كرة من الضوء بالسحر. وعندما وصلا إلى الغرفة في أعلى البرج، وجدا ليليا ملقاة على الأرض.
‘هذا صحيح.’
عندما حاول الجني الشرير الهرب من جسد ليليا، استخدم قوته بشكل مبالغ فيه. ونتيجة لذلك، لم تفتح ليليا عينيها منذ ذلك اليوم.
‘باتريك أخبرني أن ليليا كان يجب أن تموت منذ زمن.’
لكن بأمر من الإمبراطور بالإبقاء على حياة المجرمين حتى تستيقظ سيلا، لم تمت ليليا.
أما المجرمون الباقون فقد أبقوا على قيد الحياة وعذبوا حتى استيقظت سيلا، ثم أُعدموا واحدًا تلو الآخر. بدأوا بثيودور وعصابته، ثم أُعدمت عائلة الماركيز شتاين التي مولتهم، وأخيرًا، اليوم، أُعدم الماركيز أرسيل.
الآن، لم يتبق سوى ليليا.
لكن سيلا طلبت من الإمبراطور إعفاء ليليا من الإعدام.
وبينما كانت تحدق في ليليا الممددة كأنها ميتة، لمعت عينيها ببريق غريب.
“باتريك، من فضلك.”
أشارت سيلا إلى باتريك بعينيها.
“أغه. لقد وعدت.”
حك باتريك رأسه مترددًا، ثم مد يده نحو ليليا.
أحاط ضوء أبيض ليليا، وتحركت جفناها بصعوبة، وكأنها لم تفتح عينيها أبدًا. وبعدما فتحت جفنيها، رأت سيلا ففتحت شفتيها.
“…لماذا.”
خرجت الكلمة بالكاد مع أنفاسها، وعمتها مشاعر متضاربة.
كانت تجاهد لتتحدث بسبب ضعفها، فتمتمت بصعوبة.
“…كيف بقيتِ على قيد الحياة؟”
أهذا كل ما لديها لتقوله بعد أن استفاقت؟ ابتسمت سيلا ابتسامة جانبية وجلست على الأرض.
“يبدو أن مصيري لم يحن بعد. ثم، بقي شيء يجب أن أرده لك.”
“ماذا… كح!”
أرادت ليليا أن تسأل. ‘ماذا تقصدين؟’ لكنها فجأة انحنت وسعلت بعنف.
كح! كح! كح! وفي نهاية السعال العنيف، تقيأت دمًا.
عندها، استعادت وعيها الغائم، وعبست.
“…يؤلمني…”
هاجمها ألم لا يمكنها تمييز من أين أتى. شعرت وكأنها تعرضت للضرب بمطرقة ثقيلة، واشتعل جسدها كله. كان عليها أن تفرغ أحشاءها مرارًا وتكرارًا، كأن معدتها تتلف.
لم تستطع ليليا تحمل هذا الألم، فانهمرت دموعها.
“بهذا، وفيت بوعدي، ليليا.”
قالت سيلا ذلك بهدوء، فنظرت إليها ليليا وكأنها لا تفهم شيئًا.
“لقد وعدتكِ أن أعيد لكِ ما أخذته منكِ.”
أمسكت سيلا بذقن ليليا، وأجبرتها على النظر إليها.
كانت آثار الدم تلطخ شفتيها الشاحبتين.
“لقد رددت لكِ وعدي. هويتكِ كابنة عائلة أرسيل التي انضمت إلى المتمردين، والألم الذي عانيت منه بسبب اللعنة. كيف تشعرين؟ هل أنتِ راضية الآن بعد أن حصلتِ على كل شيء؟”
“…لا. لم أكن أريد هذا.”
كح كح. بيدين ترتجفان مثل حمل صغير، أمسكت ليليا بطرف ثوب سيلا. كانت بالكاد تستطيع ذلك، فشهقت شهقات عنيفة وتوسلت بيأس.
“…أنا أيضًا ضحية. لقد علمت لاحقًا أن ثيودور هو من دبر كل شيء. لذا،”
“لذا؟”
“…أنقذيني.”
سخرت سيلا من نظرتها المتوسلة.
قد تكون محقة في أن اللعنة لم تكن بسببها.
لكنها منذ الصغر فرقت بينها وبين أصدقائها، وأبعدتها عن المجتمع الراقي، وتلاعبت بها لتجعل الجميع يكرهونها.
لقد علمت جيدًا أنها ستموت وهي تحمل اللعنة بدلًا عنها، ورغم ذلك كرهتها لمجرد أنها على قيد الحياة، ودفعتها إلى الهاوية مرارًا وتكرارًا.
فهل حقًا ليليا لا ذنب لها؟
“المرء قد يظن أنني من يقتلك. لكنني فقط وفيت بوعدي معك.”
تركت سيلا ذقن ليليا ونهضت.
“لا تقلقي. لن تموتي أبدًا.”
“…ماذا تقصدين؟ كح!”
“جسدكِ كان مدمرًا لدرجة أنه كان يجب أن تموتي. لكنني أبقيت عليكِ على قيد الحياة، ولهذا السبب استيقظتِ. بالمقابل،”
“…”
“الآن، لن تستطيعي الموت حتى لو أردت ذلك، حتى نهاية عمرك.”
شحب وجه ليليا على الفور. إذا كان لديها عقل، فلن تجهل ما يعنيه أن تعيش طوال حياتها بهذه الحالة الجسدية. حاولت ليليا مد يدها للإمساك بسيلا، لكن لم يسمع سوى صوت السلاسل وهي تشد بقوة.
“…أختي، أرجوكِ.”
تراجعت سيلا مبتعدة عن متناول يدها، ورفعت طرف ثوبها بأناقة.
تمنت أن تبقى هذه الصورة محفورة في ذاكرة ليليا إلى الأبد، وأن تبقى تلوم مصيرها وتشعر بالألم لبقية حياتها.
“أتمنى لكِ حياة سعيدة، آنسة ليليا أرسيل.”
وقالت لها وداعها الأخير.
***
بينما كانا ينزلان من البرج، كان باتريك يضم ذراعيه ويرتعش.
“هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها قوة الجني تستخدم بهذا الشكل.”
يمكن للجني أن يفعل عكس ما يفعله البشر، فهو لا يستطيع القتل أو اللعن، لكنه يستطيع أن يمنح الحياة. لكن باتريك لم يفكر قط في استخدامها بهذه الطريقة. فليليا التي كانت مجرد إنسانة ستحمل جسدًا محطمًا طوال حياتها، تعيش فقط لتتألم ثم تموت.
الإنسان يبدو ضعيفًا، لكنه مخيف حقًا.
“الآن، هل يمكنني أخيرًا أن آكل كل ما أريده من الطعام؟”
“نعم. هذا ما اتفقنا عليه. ولكن ماذا عن الجني الذي أحضرته؟”
“آه، سيذهب بمفرده.”
“حسنًا.”
نظرت سيلا إلى باتريك الذي كان يمسح لعابه.
عندما فتحت الباب الخارجي الذي يؤدي إلى خارج البرج، أشرقت عليها أشعة الشمس الدافئة.
عبست قليلاً، ثم رأت شخصًا قادمًا في مجال رؤيتها الضيق.
“كاليكس.”
“كنت في انتظاركِ.”
توقف كاليكس على مقربة منها. أشعة الشمس الدافئة أحاطت به من الخلف، فبدت ابتسامته أكثر إشراقًا.
“يبدو أنك انتهيت من عملك باكرًا اليوم.”
عائلتها التي لا تزال غريبة عنها كانت تزعج كاليكس مؤخرًا.
“أعطاني جلالة الإمبراطور كومة من الأعمال كالعادة، لكن من أنا؟”
“كاليكس.”
“نعم. لقد انتهيت من كل ما كان يجب أن أنجزه اليوم. والآن بما أن المزعجين مشغولون، يمكننا أن نكون وحدنا بعد فترة طويلة.”
نفث باتريك باستهزاء. ‘إنه يبالغ وكأننا سنبقى وحدنا.’ هز رأسه في استياء. ‘أجل، المزعجون يجب أن يختفوا.’ أمسك باتريك بفارس كان مرتبكًا، ونقله فورًا عن بعد.
“نعم. إنها حقًا فترة طويلة لم نكن فيها وحدنا.”
ابتسمت سيلا ابتسامة خافتة، ومدت يدها إليه. تشابكت يداهما بإحكام. شعرت بالاستقرار من لمسته الدافئة. كانت دائمًا تشعر بهذا الشعور عندما تمسك بيده، شعور بالراحة ينتشر من يدها إلى قلبها، وكأنها تضع وجهها على قطة.
‘هذا شعور جميل.’ قالت سيلا بصوت خفيض.
“أشعر بفراغ كبير بدون تيتي. هل أنت بخير كاليكس؟”
“أنا أيضًا أشعر بالوحدة لأني لا أستطيع النوم بجوار أنستي العزيزة.”
نظرت سيلا إليه واقترحت.
“إذًا، هل نعيش معًا؟”
توقف كاليكس عن السير إلى جانبها. توقفت سيلا أيضًا.
نظرت إليه وهو يفتح عينيه على وسعهما، وقالت له بهدوء.
“لقد خسرت الرهان، وتعهدت أن أتزوجك.”
رفعت سيلا يدها اليسرى بحرية، ومسحت خده.
“لنتزوج.”
“كنت سأقولها أولاً.”
مال كاليكس برأسه إلى لمستها، كما يفعل عادة، وقال بصوت خافت. رفع ابتسامة لطيفة، وأمسك بيدها اليسرى بحذر.
“هل تسمحين لي أن أحبكِ لآخر العمر؟”
نزع كاليكس خاتم الخطوبة من إصبعها الرابع، وأخرج خاتمًا من جيبه.
عندها، لاحظت سيلا أن خاتمًا آخر قد حل محل خاتم الخطوبة في إصبعه.
لقد جاء إلى هنا لهذا السبب. وقفت سيلا على أطراف أصابعها، وقبلته على شفتيه.
“هل هذا يكفي كجواب؟”
ابتسم كاليكس وعيناه تضحكان، وأمال جسده نحوها.
عندما اقتربت رائحته الدافئة كأشعة الشمس، ابتسمت سيلا في وجهه بوضوح.
انعكست ابتسامة كل منهما على الآخر، وظلت صورتهما لوقت طويل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات