لم يتحرّك كين من مكانه بعد مغادرة سيلا؛ فكلّ ما تبقّى أمامه هو الصندوق الذي تركته.
فتح الصندوق مرة أخرى، وأمعن النظر في الدمية التي يصعب تحديد شكلها، وفي الخاتم.
لم يلمح الدمية سوى لمحة خاطفة عندما أسقطتها الطفلة، لكن صورتها لم تغب عن ذهنه رغم مرور الوقت.
لم يلاحظها عن قرب في ذلك الحين، ولكنّها كانت مصنوعة من مواد باهظة الثمن، على عكس مظهرها القديم وخياطتها الركيكة.
فالمواد أغلى من أن يصنعها شخصٌ عادي، والخياطة ركيكةٌ جدًا بحيث لا يمكن أن تكون قد صُنعت من قِبل شخصٍ موهوب أو قد اشتراها نبيل.
لقد قالت الطفلة التي أخذت الدمية إنها ‘غرضٌ ثمين’ لسيلا، وكان كين يعلم أن تلك الطفلة قد أحضرتها سيلا بنفسها.
الدمية القبيحة، التي تبدو مألوفة على نحو غريب، استمرت في إزعاج تفكيره، وهذا ما جعله يريد أن يتأكد بنفسه.
‘هذه الدمية هي أثرٌ من عائلتها الحقيقية.’
بالإضافة إلى ذلك، فقد خرج خاتمٌ من داخلها.
مسح كين شعره الذي كان يحجب رؤيته، وأغلق الصندوق.
لقد أصبح لديه مكانٌ يجب أن يذهب إليه ليتمكّن من اتخاذ قرار صائب.
***
صعدت سيلا إلى المقهى الذي يعلو مقر نقابة كين، وجلست على طاولة بجوار النافذة.
لقد اقترحت على كين أن يشارك المعلومات التي اكتشفها مع البلاط الإمبراطوري، وفتحت موضوع هروب ليليا من السجن. ومنذ تلك اللحظة، لم يهدأ توتره، واستمر حتى انتهت سيلا من طلبها بالبحث عن عائلتها.
‘على غير عادته، لم يمزح ولو مرةً واحدة.’
وبدلًا من أن تنغمس في هذا الجو الخانق، اختارت سيلا أن تتركه مبكرًا.
‘سأجلس هكذا حتى تأتي ليزا.’
حركت سيلا قهوتها التي تطفو فوقها مكعبات الثلج، وجلست وقد وضعت ساقًا فوق الأخرى. وفي تلك اللحظة، وضع النادل طبقًا من حلوى الماكرون على الطاولة.
“هذه هدمة خاصة للأنسة الجميلة.”
كان تابعًا لكين، وقد رأته في النقابة من قبل.
“شكرًا لك.”
“أتمنى لك وقتًا ممتعًا.”
غادر الرجل المألوف، وأخذت سيلا قضمةً من الماكرون. ذابَت كريمة الشوكولاتة داخلها في فمها على الفور.
‘يجب أن أغلف بعضها قبل المغادرة،’ فكرت وهي تضع ما تبقى من الماكرون في فمها، ‘لأعطيها للذين في المنزل.’
وبينما كانت تحتسي رشفة من قهوتها، وتمدّ يدها لتأخذ قطعةً أخرى من الماكرون الوردي، رأت ظلًا طويلًا يظهر على الزجاج، فالتفتت.
‘ما هذا الفتى؟’
كان شخصٌ يرتدي معطفًا بيجًا يقف ملتصقًا بالزجاج.
كانت عيناه الجاحظتان تبدوان وكأنهما ستكسران الزجاج في أي لحظة. وعندما رأت اللعاب يسيل من ذقنه، عبست سيلا.
‘آه!’
أدارت سيلا رأسها، ثم سرعان ما عادت إليه مرة أخرى.
لم تلاحظ على الفور، بسبب مظهره القبيح.
ولكن عبر زجاج نظارته السميك، كان لون عينيه اللامعتين مختلفًا.
‘عيناه رماديتان.’
فالشعر الأبيض والعيون الرمادية هما رمزان للجنيات.
ابتلعت سيلا ريقها، وحافظت على وجهٍ هادئ قدر الإمكان، وطرقت الزجاج بظهر يدها بحذر.
ووقع نظره عليها.
أشارت سيلا إلى طبق الماكرون، وحرّكت يدها الأخرى صعودًا وهبوطًا، بمعنى أنها تدعوه للدخول إن كان يريد أن يأكل.
“…”
تردد وهو يغطي وجهه بقلنسوته، ولكنه في النهاية دخل المقهى وجلس مقابلها.
كانت عيناه، التي لمعت وهو ينظر إلى الماكرون، تتصلب عندما يلتقيان بعينيها.
ابتسمت له سيلا بابتسامةٍ بريئة، كقط شارعٍ خائف.
“ألم تكن تريده؟”
“…”
“كنت أظنك تريده لأنك كنت تحدق فيه، ولكن إذا لم تكن تريده، فسآكل كل شيء بنفسي.”
رفعت سيلا قطعةً من الماكرون، وكأنها ستلتزم بكلمتها. وبدأت تأكل الحلوى وكأن لا أحد يجلس أمامها.
فارتعش جسده، وأمسك بقطعتين من الماكرون في يديه الاثنتين. اتسعت عيناه فجأة، بعدما ابتلعهما في نفس الوقت من شدة لهفته.
“لذيذٌ…”
حدّقت سيلا فيه وهو يهمس لنفسه كأنه غائبٌ عن الوعي. ودفعَت الطبق أمامه، وكأنها تقول له أن يأكل بقدر ما يشاء.
فابتسمت شفتاه، وبدت عليه علامات الفرح.
‘كنت أظن أنه يريده لأنه كان يحدق فيه وهو يسيل لعابه.’
كان غارقًا في أكل الماكرون، لدرجة أنه لم يلاحظ أن قلنسوته قد انزلقت، وأن شعره الأبيض أصبح ظاهرًا.
لقد سمعت أن باتريك، الذي يُفترض أنه هو، قد وُجد عدة مرات لكنه أفلت منهم.
بما أن المناطق التي وجد فيها كانت أقرب إلى العاصمة، فقد كانت تفكر في أن تضع بعض الأشخاص في المكان الذي التقيا فيه لأول مرة في القصة الأصلية.
‘ولكن أن يظهر بنفسه…’
يا لها من نعمة.
عندما رأت وجهه الذي كان يحدّق في الطبق الفارغ بحزن، عرضت عليه سيلا على الفور.
“هل تريد المزيد؟”
“حقا؟”
“إنه ليس بالأمر الصعب.”
لم تكن متأكدة من أنه الشخصية من القصة الأصلية، ولكنّ الشخص الذي تبحث عنه هو جنّي.
ولم يكن يبدو صعب المراس.
طلبت سيلا المزيد من الحلويات ووضعتها أمام باتريك ليأكلها، وفيما كان غارقًا في الأكل، وصلت ليزا إلى المقهى.
أشارت إليها سيلا أن تنتظر قليلًا، ثم فتحت فمها بهدوء.
“ما اسمك؟”
“ولماذا؟”
“اقترب وقت العشاء، وإذا لم تمانع، فسأدعوك لتناوله معي. ما رأيك؟”
أخفض رأسه، ونظر إلى الطبق الفارغ، ثم هز رأسه مرتين، ونهض أولًا.
“حسنًا، موافق.”
“لكن ما اسمك حقًا؟”
“باتريك.”
‘إنه ذلك الجنّي من القصة الأصلية.’ تغيرت نظرة سيلا في تلك اللحظة.
“أنا اسمي سيلا. آه، سآخذ بعض الحلويات معي، فانتظرني قليلًا.”
اقتربت من ليزا وهمست في أذنها، وبعد لحظات، غلّفت ليزا الحلويات وأعطتها لسيلا.
“لنذهب إلى العربة.”
خرجت سيلا معه ليركبا العربة.
كان باتريك يبدو وكأنه يطيعها، لكنه كان يترصّد الوقت المناسب للهرب.
لم يكن غبيًا ليتبع إنسانًا غريبًا بكل بساطة.
قرر أن يستغل الفرصة وينتقل عبر الفضاء، لكن محاولته باءت بالفشل، فقد أمسكت يداها بمعصمه بقوة.
بدت على وجهه علامات الحيرة. فعندما يريد أن ينتقل عبر الفضاء وحده، يجب ألا يلمس أحدًا.
“سأذهب معك بنفسي، فدعي معصمي.”
“العربة من هذا الاتجاه.”
أشارت سيلا إلى اليمين، وكأنها لم تسمعه.
وظهر وجه سيلا المبتسم في نظره المذهول.
‘هل لاحظت أنها يريد الهرب مسبقًا؟’
تجعد وجهه بشدة.
‘سأفلت من قبضتها وأهرب.’
كان ذراعها يبدو نحيلًا، ولم يكن معها أي حراس يبدو أنهم قادرون على السيطرة عليه. كل ما كان معها امرأة تبدو مجرد خادمة.
جمع باتريك قوته في ذراعه، وحاول أن يبتعد عنها. كانت محاولة جيدة، لكن للأسف، كان هناك شيء لم يتوقعه. أن المرأة العادية التي تبدو مجرد خادمة لم تكن عادية على الإطلاق.
بوك.
هبطت ليزا التي كانت تنتظر بالقرب منه، وضربت عنقه من الخلف، وسيطرت عليه بسهولة.
“سأحمله إلى العربة أولًا.”
“حسنًا. شكرًا لكِ.”
حملت ليزا جسده الذي سقط دون أن يصدر أي صوت، ووضعته على ظهرها.
استعاد باتريك وعيه بعد حوالي ثلاث ساعات.
“آه…”
وبما أنهم قد نزعوا معطفه، كان مظهره واضحًا بالكامل.
كان شعره الأبيض مثل شعر الجرو يرتعش مع جسده المرتعش. وعيناه الرماديتان كانتا متجعدتين. كان جسده نحيفًا جدًا، أشبه بفتى.
“أنتِ… أنتِ…”
وكان صوته يرتعش، ويخفي نبرة خيانة.
“أنا آسفة لأنني أحضرتك هكذا، باتريك.”
لم تكن تنوي إحضاره بهذه الطريقة العنيفة. فقد أرادت أن تحضره بهدوءٍ قدر الإمكان، ولكن ماذا عساها أن تفعل؟
‘في اللحظة التي سمعت فيها اسمه، توقعت أن تسير الأمور على هذا النحو.’
لقد وُصف في القصة الأصلية بأنه حذرٌ جدًا من البشر.
فمن الواضح أنه من الصعب كسب ثقته بمجرد الطعام، وإذا أفلت منها الآن، قد لا تتمكن من لقائه أبدًا.
ولذلك، طلبت من ليزا أن تغلف الحلويات، وفي الوقت نفسه، أخبرتها سراً عن باتريك.
أطاعت ليزا أوامرها بإخلاص، ووجد نفسه مقيدًا بالحبال، يحدق بها بغضب.
صمدت سيلا أمام نظراته الحادة، ونظرت إليه مباشرة.
“لكنني أقسم بكل ما أملك أنني لا أنوي إيذاءك على الإطلاق.”
“كيف يمكنني أن أصدق ذلك؟”
سأل بغضب.
“ربما هذا سيثبت لك.”
أشارت سيلا إلى ليزا أن تغادر. ترددت ليزا للحظة، لكنها لم تستطع أن تقاوم نظرتها، وغادرت في النهاية.
“لقد قمت بتقييدك، لكنك لا تزال تستطيع استخدام السحر. إذا هدّدتُك، يمكنك أن تهاجمني.”
“…”
“لا يوجد أحد هنا لحمايتي، وليس لدي أي أسلحة الآن.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات