واصلت سيلا حديثها ببلاغةٍ وتفصيلٍ دقيق، دون أن تُفارق عيناها ليليا التي كانت شاحبةً كالموتى.
شرحت كيف أُسرت، وكشفت عن كل ما نطقت به ليليا من تحذيراتٍ بشأن الجريمة المُخطط لها، مفصّلةً كل شيءٍ بلا مواربة.
“وإذا دقّقتم في فحص المخزن، ستجدون بقايا كرةٍ سحريةٍ محطمة”
ليليا، التي كانت تعضّ شفتيها، انهارت فجأةً على الأرض.
بدت مصدومةً من اتهامات سيلا، فانهمرت دموعها كحبات الخرز، وهي ترتجف.
“أختي، لماذا تفعلين هذا بي؟ لماذا تختلقين هذه الأكاذيب؟ أنا لا أفهم عما تتحدثين!”
لم تكن سيلا هي من أجابت على صرخة الظلم تلك.
بل تقدم لوكاس قائلاً. “إن اتهامات الآنسة سيلا متسقة ومنطقية. فضلاً عن ذلك، عندما اقتربت الآنسة سيلا أرسيل، أو بالأحرى المزيفة، من جلالة الإمبراطورة، كانت الآنسة ليليا أرسيل تتجول بالقرب منها باستمرار”
كان لوكاس قد لاحظ، بينما كان يراقب والدته التي نادرًا ما تحضر المناسبات الرسمية، وجود ليليا وهي تتردد حول غريس.
فتذكّر تلك اللحظة بوضوح.
وأضاف أحد فرسان الإمبراطورة. “أنا أيضًا شاهدتُ ما رآه سموّ ولي العهد”
عندما أيّد الفارس شهادة ولي العهد، هاجت الأصوات في القاعة، وتجهّم الإمبراطور بنظرةٍ مشتعلةٍ بالغضب وجهها نحو ليليا.
“يبدو أن هناك ما يكفي من الأسباب للتحقيق مع الآنسة. أرجو منكِ التعاون بهدوء”
ردّت ليليا بصوتٍ مفعمٍ بالغبن. “كل ما في الأمر أنني لاحظت أن أختي تبدو غريبة اليوم، فتتبعتها خوفًا عليها. أنا بريئة، ولا أستحق هذا الاتهام!”
أمسكت ليليا بطرف ثوبها بقوة، كأنما تستعطف الجميع ببراءتها.
كانت قد خططت لتكون بطلة اليوم، المنقذة للإمبراطورة، لكن خطتها التي كانت تعتمد على بقاء سيلا محتجزة، تحطمت بظهورها المفاجئ.
كيف لسيلا، الخالية من أي قوةٍ عسكرية، أن تتغلب على فارسين وتصل إلى هنا؟ وكيف يمكن لمن سُحروا أن يعصوا أوامرها؟
اقتربت ظلال الفرسان، الذين تحركوا لتنفيذ أمر الإمبراطور، من ليليا، لكنها ظلت جالسةً دون حراك.
فاضطروا في النهاية إلى رفعها بالقوة.
“…أنا لم أرتكب أي ذنب! هذا الإجراء ظالم!”
ظلت ليليا تصرخ ببراءتها حتى وهي تُسحب للخارج، لكن لا أصدقاؤها القدامى ولا عائلتها، ولا أيٌّ من الحاضرين هبّ لنجدته.
***
في العربة المتجهة إلى قصر أرسيل، كان الماركيز يعتصر قبضتيه حتى ابيضّت أصابعه من شدة الضغط.
كان قد استغرب تأخر ليليا وسيلا عن الوصول إلى القاعة، لكن السبب الحقيقي فاق كل تصوّر.
‘ما الذي كانت تفكر فيه؟’
تساءل الماركيز، وهو يفكر في ليليا التي تجرأت على محاولة الإساءة إلى الإمبراطورة، فشعر وكأن أنفاسه تختنق.
‘لا بد أنها فقدت عقلها!’
عبس الماركيز من وطأة الصداع، وهو يضيّق عينيه.
….كلارا. لا بدّ أن زوجتي كانت على علم بخطة ليليا الخطيرة وساعدتها فيها.
والأفعال المفاجئة التي لم تكن لتفعلها من قبل لم تكن إلا جزءًا من تمثيل يهدف إلى الإمساك بي ومنعي من التدخل.
‘حتى أنّها لم تحاول إيقاف ليليا، وكأنّها لا تبالي بأذى قد يلحق بالعائلة.’
لم يكن الأمر مجرد قتل لعاميّة أو إيذاء لنبيلة، بل محاولة الاعتداء على الإمبراطورة نفسها، وهي جريمةٌ لا يمكن التغاضي عنها.
“هل لديكِ دليلٌ على ما فعلته ليليا؟” سأل الماركيز.
ردّت سيلا، وهي تتظاهر بالدهشة. “لمَ تسأل عن ذلك؟”
“إن كان لديكِ دليل، أخرجيه الآن. مهما كانت كراهيتكِ لليليا، لا يجوز لكِ أن تفعلي هذا. ألم تفكري بما قد يصيب العائلة من أذى؟”
نظر الماركيز إلى سيلا، التي كانت تجلس بهدوءٍ أمامه، بنظرةٍ حادة.
كان يرى أنها لا تختلف عن ليليا ووالدتها في شيء.
“كيف تجرأتِ على ذكر اسم ليليا في تلك اللحظة؟ لو كنتِ تهتمين بالعائلة، لأغلقتِ فمكِ وتغاضيتِ عن الأمر!”
فكر الماركيز بغضبٍ مكتوم.
“ليس لدي أي دليل”، أجابت سيلا.
تجهّم الماركيز، غير متأكدٍ مما إذا كان يصدقها أم لا.
كان يعتقد دائمًا أن سيلا كانت فتاةً يسهل السيطرة عليها، لكن الآن، شعر بشيءٍ غريب.
كأنما اكتشف أن ما ظنه وعاء عسلٍ تحول إلى خلية نحلٍ خطرة.
“لكنني أشعر ببعض الحزن”، أضافت سيلا.
“ماذا؟”
“بعد كل ما مررتُ به من رعبٍ ومشقة، يبدو أنك، يا أبي، تهتم بليليا والعائلة أكثر من سلامتي”
“كيف يمكن أن يكون ذلك؟”
رد الماركيز، متظاهرًا بالقلق وهو يسعل محاولاً تلطيف الأجواء.
“أنتِ أولويتي، لكنني ذكرت الأمر لأنه الشغل الشاغل الآن”
“كيف حال معصمكِ؟”
“إنه بخير، وإن كان يؤلمني قليلاً، لكنه سيتحسن.”
“حسنًا، إن كان الأمر كذلك، فهذا مطمئن. لكن تأكدي من عرض نفسكِ على الطبيب.”
“سأفعل ذلك بالتأكيد.”
مسحت سيلا بكفها الآثار الحمراء الفاقعة المختبئة بين أكمام ثوبها، وهي تهز رأسها برفق.
حاولت أن تبتسم ببراءة، لكن رؤيتها تلك جعلت رأس الماركيز يصطك ألمًا، فتجهّم وجهه، ثم أغمض عينيه للحظة.
بعد قليل، توقفت العربة، فسارع الماركيز بالتوجه إلى القصر.
“أهلاً بقدومكم، سيدي.”
“ما الذي حدث؟”
ما إن دخل الماركيز مكتبه حتى وجد أحد أتباعه المقربين ينتظره بالفعل.
لم يكن الماركيز قد بقي مكتوف اليدين بينما كانت ليليا تُساق إلى التحقيق.
فقد أرسل أحد أتباعه الموثوقين، الذي اصطحبه لحمايته، إلى القصر على عجل ليتأكد مما إذا كانت ليليا أو كلارا قد تركتا أي دليلٍ يُدينهما.
إن أمكنه إخفاء أي أثرٍ قبل وصول رجال القصر الإمبراطوري، فسيعمل جاهدًا للتستر على جريمة ليليا، ليس فقط من أجل العائلة، بل لأنها، على أي حال، ابنته ودمه.
لكنه، إن عجز عن ذلك، كان مستعدًا للتخلي حتى عن دمه من أجل حماية العائلة، مهما كان ذلك قاسيًا.
“لم نعثر على أي دليلٍ في غرفة الآنسة ليليا. لكننا وجدنا أدلةً في غرفة الآنسة سيلا وفي مسكن السيدة كلارا. لقد تم التخلص من جميع الأدلة التي كانت في مسكن السيدة كلارا، وكذلك من أي شيءٍ في غرفتيهما يمكن أن يثير الشبهات، وإن كان قليلاً.”
“…… أحسنتَ صنعًا.”
أشعل الماركيز سيجارًا، وهو يراقب النار تشتعل في طرفه الأحمر، ثم زفر زفرةً طويلةً كأنما تخلّص من بعض همومه.
“قل للخدم أن يتأكدوا من إسكات الجميع، وأحضر الرجال الذين سأذكرهم الآن.”
“أمرك، سيدي.”
“وإيضا…”
توقف الماركيز، وهو ينفث دخان السيجار ثم يضعه جانبًا، ونظر إلى تابعه قائلاً.
“ضع أحدهم لمراقبة سيلا.”
***
في ساعةٍ غطت فيها الظلمة العالم بأسره، وفي ليلٍ تخفى فيه القمر خلف الغيوم، تسللت ليزا إلى غرفة سيلا.
وبعد مرور بعض الوقت، خرجت من الغرفة متجهةً بطبيعيةٍ إلى المكتبة.
أخرجت كتابًا من الرف، ثم ترددت لحظةً أمام باب الممر، قبل أن تعود أدراجها لتفتح النافذة.
هبت ريحٌ عاتية، فتلاعبت بأطراف ثوبها بعنف.
لكنها، بدلاً من أن تهتم بثوبها المضطرب، ضغطت على شعرها المتناثر.
وعندما هدأت الريح، أطل القمر من بين الغيوم، مضيئًا النافذة بنوره الفضي.
رفعت ليزا رأسها، فكشفت عن عينين زرقاوين محبوستين في نظرةٍ متأنقة، وملامحَ أكثر بهاءً من وجه ليزا المألوف.
كانت سيلا، وقد تبادلت الملابس مع ليزا.
بعد لحظة، تسلل ظلٌ طويلٌ عبر النافذة.
كانت سارا، التي أخفت وجودها بخفةٍ مألوفة، فانحنت نحو سيلا.
تبادلتا نظرةً تحمل فرحة اللقاء، ثم احتضنت سيلا سارا وخرجتا معًا.
هبطت سارا بها إلى الطابق الأرضي بأمان، ثم أنزلتها إلى الأرض.
“لم أخرج بهذه الطريقة منذ زمن”، قالت سيلا.
بعد وصولها إلى القصر، أخبرتها ليزا سرًا بوجود من يراقبها.
لذا، اضطرت سيلا، رغم الإزعاج، إلى التنكر بزي ليزا والخروج من غرفتها.
“يا لها من راحة أنني لم أرسل سارا بعيدًا آنذاك”، فكرت سيلا.
كان من الواضح أن الشكوك حول سارا قد زالت مع الوقت، مما سمح لسيلا بالاستعانة بها الآن.
عدّلت سيلا شعرها المستعار الذي كاد ينكشف، ثم ربتت على ثوب الخادمة المجعد.
“هيا، أرشديني إلى الطريق.”
تبعت سيلا سارا إلى غرفة الضيوف في الطابق العلوي من المبنى الملحق، في أقصى الرواق الأيمن.
كان الرواق يحمل علامات الإهمال، إذ نادرًا ما يُستخدم هذا الجزء من القصر لاستقبال الضيوف، الذين يفضلون عادةً البقاء في المبنى الرئيسي أو في الطابقين الأول والثاني.
عندما وصلتا إلى غرفة الضيوف، كان هناك شخصان ينتظرانها بالفعل.
رحبا بها بإيماءةٍ رسمية.
“أعتذر عن استدعائكما في هذه الساعة المتأخرة، لكن مراقبة الماركيز أجبرتني على ذلك.”
“لا عليكِ، انستي.”
“بل إننا سعداء بدعوتكِ لنا.”
نظرت سيلا إليهما بهدوء وهما يقدمان لها التحية.
كان هاري، كعادته، صامتًا ويقف بثبات، بينما كان الشخص الآخر، المقنّع بغطاء رأس، ملفوفًا بإحكام حتى لا يظهر منه سوى أنه يرتدي تنورة.
“أنا آسف لأنني لم أتمكن من معرفة ما كانت تخطط له الآنسة ليليا مسبقًا”، قال هاري.
“لا بأس، لقد كانت خطتها سريةً حتى عن المقربين منها، فلا مفر من ذلك”،
أجابت سيلا وهي تهز رأسها برفق، وتعدل ثوب الخادمة الذي ترتديه.
“لكن الأهم، لقد علمتُ بالأوامر التي أصدرها الماركيز إليكما.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات