تكدّست أوراق الأشجار المحمرة في المكان، وكان الأطفال يقفزون ويلعبون فوقها. ضحكاتهم الصافية ترددت في الأرجاء، كأنها موسيقى نقية تُحيي الروح.
تأملت فلويانا الأطفال، وقد ارتسم على وجهها تعبير من القلق.
‘سأضطر مرة أخرى لإرسال الأطفال.’
لقد قررت عائلة ماركيز شتاين رعاية ثلاثة من أطفال دار الأيتام، وكان من حسن الحظ أن يتم اختيار هؤلاء الأطفال للانتقال إلى عالم أوسع، حيث يمكنهم النمو بقوة وثبات.
ولكن…
منذ أن تولت فلويانا العمل هنا بناءً على طلب السيد أرسيل السابق، لم تذق فرحة هذا الخبر.
‘أمر مقلق.’
لقد عملت في خمس دور أيتام شملت هذا المكان، وحتى في الدور الذي قضت فيه أقل فترة، كانت تصلها رسائل تسأل عن أحوال الأطفال. أما هنا، حيث قضت أطول فترة، فلم تتلق أي رسالة أو زيارة من الأطفال الذين تلقوا الرعاية وذهبوا.
‘الوصي ملزم بإرسال أخبار الأطفال إلى المدير لمدة ثلاث سنوات.’
سبق أن طالبت فلويانا المدير بمراجعة ما أرسله الوصي، لكن المدير كان يردّ بأن وقتهم أفضل في رعاية الأطفال الباقين. لذا، كانت فلويانا مجبرة على الصمت، محافظًة على حسن العلاقة تلبيةً لطلب السيد أرسيل.
لكن بعد زيارة سيلا، انتهى سبب صبرها، وتغيرت علاقتها بالمدير تمامًا. ومع استمرار الاستجواب من فلويانا، اضطر الأخير إلى الاعتراف بالحقيقة. لم يكن يعرف شيئًا، وكان مجرد منفذ للأوامر.
تنهدت فلويانا بعمق وحركت عينيها، ثم قالت.
“دران، هل تمانع أن تتبعني قليلًا؟”
اقترب دران، الذي كان يلعب برمي الأوراق مع إخوته الصغار، واستمع لها. كان أحد الأطفال الثلاثة الذين اختارتهم عائلة ماركيز للرعاية.
دخلت فلويانا معه إلى مكتب نائب المدير، وأغلقت الباب، ودعته للجلوس على الأريكة.
“أنت تعرف أنك ستغادر المكان غدًا، أليس كذلك؟”
“نعم. سأعود لزيارتكم لاحقًا.”
“حسنًا… ولكن قبل ذلك…”
مدّت فلويانا إلى الطفل كيسًا من المال.
“إذا وصلت، أرسل لي رسالة. يمكنك الكتابة لأي مكان، وإذا رغبت، حتى لو لم تصل بعد، أرسل الرسالة.”
تلقى دران الكيس، وبدا الوزن أثقل مما يتطلبه مجرد إرسال رسالة، فرمش بعينيه الذكيتين.
“حسنًا، سأفعل ذلك.”
لم يسأل أي شيء وأجاب بمسؤولية. خرج الطفل وهو يحمل الكيس.
تنهدت فلويانا بصمت. كان دران يحافظ على وعوده دومًا، لذا ستصلها الأخبار بلا شك.
‘إذا وصلت رسالة من دران هذه المرة، سأعرف…’
سواء كانت شكوكها مجرد خيال أو حقيقة، لم يكن لتعرف إلا بالرسالة.
في اليوم التالي، جاء الرجل الذي يزور الدار دومًا، وأخذ الأطفال معه. منذ ذلك الحين، لم تنم فلويانا جيدًا. ليلاً، كانت تتتبع أثر الأطفال المغادرين، ونهارًا تعتني بالباقين. وهكذا مضى شهر تقريبًا.
“هل ذهب الأخ الكبير بخير؟ كان يأكل الجزر بدلًا عني.”
“أنتِ لا تأكلينه، لذلك لا تكبرين!”
“لماذا الجدل؟!”
تناول إخوة دران الحساء، يتشاجرون لعبًا، بينما كانت فلويانا تراقبهم من النافذة. كانت الثلوج الأولى قد غطّت الأرض بسحرها الأبيض، ولكن لم تصل أي رسالة من دران، رغم كونه يحافظ على وعوده دومًا.
‘لم يكن يجب أن يستغرق هذا كل هذا الوقت…’
توجهت فلويانا إلى مكتب النائب، بعد تفكير طويل، وأمسكت بالقلم الريشي.
***
“هاها، من الممتع أن نتناول الطعام معًا بعد طول غياب.”
قال الماركيز بابتسامة لطيفة، وهو يقطع شريحة من لحم الضأن بعناية.
وضعت سيلا الملعقة ونكّست رأسها قليلًا. لطالما رفضت تناول الطعام معه، وابتعدت عن أي سبب يجمعهما، لأنها لم تجد سببًا لرؤية وجهه.
“كيف حال الدوق في هذه الأيام؟”
“ما زال على حاله.”
“ألا يزال غاضبًا بسبب ما جرى في ذلك الوقت؟”
“لا أعلم، إذ لم أجد داعيًا لذكر أمر غير سار.”
رفع الماركيز كأسه من النبيذ وهو يراقب وجه سيلا، وقد بدا بعض الهدوء على تعابيرها، رغم برودتها المعتادة، مما جعله يشعر ببعض التوتر.
‘يجب أن أنظر بعيدًا.’
تذكّر الماركيز أرسيل ما ارتكبوه حتى الآن، ورفع عينيه ضيقتين.
ومع ذلك، بعدما لم ترفض سيلا دعوته لتناول العشاء هذه المرة، بدا أن صبره بدأ يؤتي ثماره شيئًا فشيئًا.
“بالمناسبة، ماذا ستفعلون بالحجر الكريم الجديد الذي تم استخراجه هذه المرة؟”
سأل أرسيل بعد سماعه كلام فابيان عن الأرض التي اشتراها، والتي اكتشف فيها مؤخرًا معدن جديد جذب انتباه الناس.
“أفكر في تنقيته.”
“حقًا؟”
“نعم، لا ضير من المحاولة.”
رفع الماركيز كتفيه وارتسمت ابتسامة على محياه. رغم أن الأمر عالي المخاطر وعالي العائد، فقد تم تنقية الحجر المضيئ الذي كان مصدر إزعاج سابقًا. ومنذ بضعة أشهر نجح أحدهم في ذلك، فلم يبدو أن فشله محتمل.
‘بالرغم من أنني تورطت بالديون هنا وهناك.’
فقد استثمر في أماكن متعددة كما قال فابيان، مما جعله يفتقد للسيولة النقدية، لكنه فكر في أنه لا بأس من استخدام المال قبل استرداده، خاصةً وأن حظه في هذه الفترة يبدو مؤاتياً.
‘فالمال معي كأن الحاكم رافقني.’
رفع كأسه الفارغ، وصب الخادم النبيذ بحذر في الكأس، فمرّ طعم الحلاوة إلى حلقه.
“أتمنى أن ينتهي تنقيتك بالنجاح.”
طرقت سيلا شفاهها بمنشفة صغيرة، مظهرة كلمات لم تكن صادقة من قلبها، فقد كانت قلقة من أن يتردد في خطوة كبيرة بينما أمواله مربوطة، لكن يبدو أن مخاوفها كانت بلا داعٍ.
“سأذهب الآن.”
بينما كانت على وشك المغادرة، ناداها.
“سيلا.”
استدارت، لكنه تردد قبل أن يكمل كلامه.
“الماركيز شتاين أراد رؤيتك.”
“نعم. إذا سمح الوقت، أرسل له أنني سأزور.”
أومأت برأسها وخرجت من قاعة العشاء.
‘السبب وراء رغبته في رؤيتي واضح تمامًا.’
فقد كانت الماركيزة أرسيل قبل زواجها محبوبة في منزل شتاين، وحتى بعد زواجها، ظلوا شديدي الحرص عليها. ولذا اختارت كلارا منزل والدها كي تتجنب لقاء سيلا، ليس عبثًا.
عندما خرجت إلى الرواق، هبّت نسمة هواء بارد من الأبواب المفتوحة للتهوية، فتقلصت أطراف أصابعها بينما كانت تمشي سريعًا، ثم أبطأت خطواتها تدريجيًا حين التقت عيناها بعيني ليليا القادمة من الاتجاه المقابل.
حين كانت على وشك المرور دون توقف، قالت ليليا بصوت ناعم.
“ألم تتناولي الغداء مع أبي؟ الآن يبحث عنك وحدك.”
رغم رقة صوتها، كانت عيناها الزرقاوان تعكسان صرامة كنسيم عاصف.
“نعم… كنت أشعر بالحرج من الرفض المستمر.”
ابتسمت سيلا بخفة، ومدّت شعرها خلف أذنها.
“لكن، أين تتجولين هذه الأيام؟”
لم تعد هايلي تلتقي بليليا، فقد رفضت لقاءها بحجة المرض، وأبعدتها نهائيًا عن حياتها، حتى أن إيزابيل لم تعد تدعوها للقاءات، مما جعل ليليا وحيدة تمامًا في المجتمع الراقي.
“لا أعلم، ماذا أفعل وأنا أتجول.”
ابتسمت ليليا مرورًا بها، تاركةً سيلا تتساءل.
‘تذهب كثيرًا إلى المحلات التي يملكها الماركيز شتاين… ماذا يوجد هناك بالضبط؟’
عادت سيلا إلى غرفتها، فرأت على الطاولة كومة من الدعوات والرسائل مرتبة بحيث قرأت ليزا ما ينبغي قراءته أولاً، فكان من السهل تتبعها.
“همم؟ إذا كانت من فيليرا…”
كانت الرسالة من السيدة المسؤولة عن رعاية إيلِي وهيوغو.
‘لماذا أرسلت إليّ الرسالة؟’
فتحت سيلا الرسالة، وكانت بسيطة للغاية، تفيد بأنها من دار الأيتام، وأنه يُرجى إيصالها إليها مباشرة بدل إرسالها إلى منزل الماركيز أرسيل.
“ليزا، هل يمكنك تجهيز العربة؟”
“أمركِ.”
بعد إعطاء الأمر بسحب الحبل، بدلت سيلا إلى زي الخروج، لكنها تذكرت إيلِي فجأة، فأخرجت الدمية المخفية لها.
“تم تجهيز العربة.”
“حسنًا، شكرًا.”
توقفت العربة سريعًا أمام منزل إيلِي وهيوغو، ففرح الأطفال لرؤيتها، ومالت لتداعب رؤوسهم، ثم مدت الدمية إلى إيلِي.
“سابقًا قلتِ إنكِ كنتِ تودّين أن تجلب سول هذا لك.”
“واو!”
ضحكت إيلِي ابتسامة واسعة، وأخذت الدمية بحماس.
“هل تعرفين مكان الآنسة فيليري؟”
“إذا كنتِ تقصدين المعلمة، فهي في المطبخ الآن، تحضّر وجبات خفيفة.”
“شكرًا على المعلومة.”
“سأرشدك إليها!”
أمسكت إيلِي بيد سيلا بسرعة وأدخلتها إلى الداخل، وهناك وقفت امرأة في منتصف العمر تخرج الكعك من الفرن.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 107"