7
عدتُ إلى السكن الخلفي للمدرسة، حيث كان حذائي مغطًا بالطين الملتصق.
في الطابق الأرضي من سكن الموظفين، كانت هناك ردهة مشتركة تُستخدم كغرفة معيشة، وكان ديف يجلس هناك يتناول بعض المقرمشات.
“أوه، لاشا، لقد تأخرتِ قليلاً، أليس كذلك؟”
“ديف…”
تقدمتُ متعثرة، وأمسكتُ بمسند الأريكة التي كان يجلس عليها بقوة.
“كريك!” بدا صوت أظافري وهي تنغرس في مسند الأريكة مخيفاً، فشعر ديف بأن شيئاً غير عادي يحدث، إذ ارتجفت كتفاه.
“ما… ما الذي حدث؟”
نظرتُ إلى عينيه المرتجفتين خلف عدسات نظارته، ثم سألته وأنا أطحن أسناني غضباً:
“هل كنتُ حقاً أحب الطماطم؟”
“ماذا؟”
كان سؤالي مفاجئاً، لكن قلبي كان مثقلاً بالهموم.
كنتُ أشعر بالحيرة لأنني لا أملك أي ذكريات رغم أن هذا جسدي، ولأن الطلاب يخافون مني، ولأن تصرفات الأستاذ تبدو غامضة ومثيرة للريبة.
لكن ما أثار اضطرابي أكثر من أي شيء آخر هو…
“ذلك الرجل… كان يعرف كيف يتنقل آنيًا!”
“كريك!” انفصل مسند الأريكة. ابتلع ديف ريقه وهو يراقب تعابير وجهي بحذر.
“من… من تقصدين؟”
“الأستاذ كليمنت!”
ارتجفتُ غضباً وأنا أعاني من شعور بالخيانة.
“لقد رآني أسير في حقل الطين من الأكاديمية إلى هنا، ثم استخدم سحر التنقل اللحظي ليأخذني إلى السكن! ذلك الشيطان! تنين الشر!”
من شدة غيظي، استلقيتُ على الأريكة وأنا أتلوى غضباً.
كان الأستاذ يتصرف بغموض جعلني أشعر بالرهبة للحظات، ثم انتظر حتى وصلتُ إلى بوابة الأكاديمية ليستخدم سحر التنقل اللحظي ويأخذني إلى السكن.
ثم عاد هو إلى المدرسة بمظهر نظيف تماماً بعد أن استخدم سحر التنظيف!
“آه، كم هو مزعج!”
“حسنٌ، لا تموتي غيظاً.”
“…”
“ولا تقتليه أيضاً.”
عند سماع كلمات ديف، أمسكتُ بوسادة وحدقتُ في السقف بنظرة غاضبة. دفنتُ وجهي في الوسادة وصرختُ صرخة صامتة.
***
منذ ذلك اليوم، واصلتُ الذهاب إلى الأكاديمية خلال أيام الأسبوع، حيث كنتُ أنجز المهام الإدارية وأساعد في الأبحاث والتجارب مع ديف.
لحسن الحظ، كنتُ إما موهوبة في العمل أو ربما لأنني قمتُ بهذه المهام في الماضي، فكنتُ أتقن كل ما يُعلَّم لي بسرعة.
بعد ساعات العمل، كنتُ أذهب إلى ساحة التدريب الخالية لأتدرب على تفجير الطماطم.
طماطم، طماطم، طماطم!
لم أنسَ أن أتخيل وجه الأستاذ وأنا أنظر إلى الطماطم الحمراء الناضجة.
بدأتُ تدريجياً في إيقاظ نظام السحر الواعي، وأصبحتُ قادة على تفجير ستة من عشر طماطم بإرادتي.
وهمستُ لنفسي وأنا أنظف بقايا الطماطم:
“السحر حقاً يعتمد على الزخم…”
رغم أنني فقدتُ ذاكرتي بالكامل، إلا أنني، كما قال الأستاذ، كنتُ غارقة في طاقة المانا، مما جعلني أستخدم السحر بشكل غريزي.
لكن هذا السحر يقتصر على تفجير الأشياء، وما لم أفجر الأستاذ نفسه، فلا فائدة منه.
أردتُ أن أتعلم سحر التنظيف الأنيق، أو حتى سحر التنقل اللحظي…
كما انتشر خبر فقداني لذكرياتي في أرجاء المدرسة.
“هل حقاً فقدت الساحرة ذاكرتها؟ أليس هذا كذباً؟”
“إذا قال الأساتذة ذلك، فلا بد أنه صحيح.”
“لا أعرف كيف يجب أن نتعامل معها.”
كما توقعتُ، كان الطلاب في حيرة، لكنني في النهاية لستُ سوى مساعدة تدريس، ولستُ أستاذة.
عاد الطلاب إلى روتينهم اليومي وركزوا على دروسهم. كل ما كانوا يفعلونه هو إلقاء نظرات خفية عليَّ حين أمر بجانبهم.
اليوم أيضاً، مررتُ بطلاب يتهامسون بنظرات فضولية، لكنني كنتُ قد بدأتُ أتأقلم جيداً مع هذه الأكاديمية.
بينما كنتُ أسير في الممر، نظرتُ من النافذة ورأيتُ سماء زرقاء صافية وغيوماً بيضاء نقية.
“هاه! في مثل هذا الطقس، ينبغي أن نذهب للتنزه بدلاً من العمل…”
بينما كنتُ أتأمل السماء الزرقاء، تذكرتُ عيني الأستاذ الباردتين اللتين تفوقان السماء زرقة.
— إخفاء فقدانكِ لذكرياتكِ قد يكون خطيراً، لاشا.
لم أفهم بعد المعنى الحقيقي لهذه الكلمات.
هل يعني أن الجميع يجب أن يعرفوا أنني فقدتُ ذاكرتي؟
لماذا؟ ومن سيستفيد من ذلك؟
في تلك اللحظة، سمعتُ من خلال النافذة المفتوحة أصوات طلاب يتحدثون في الخارج. لا، لم يكن هذا مجرد حديث، بل…
“كلما استخدمنا نفس القاعة، أشم رائحة العامة التي تنبعث منك، فلا أطيق البقاء. استخدم هذا على الأقل، أندرو.”
ششش!
سُكب سائل على رأس فتى ذي شعر بني.
بجانب الطالب الذي سكب السائل، كان هناك آخر يضحك وهو ينظر إلى أندرو.
“كل هذا من أجل مصلحتك، نحن نهتم بك. هذا زيت عطري باهظ الثمن، لا يستطيع والداك شراءه حتى لو عملا لشهر كامل. أتعلم؟”
“يبدو أن أندرو سيكون مشغولاً. إذا أراد ألا يكون ابناً يستنزف والدته، فعليه أن يصمت ويدرس مهما تعرض للمضايقة.”
“لماذا يصر العامي مثلك على الدراسة في ديكلا ويتحمل كل هذا العناء؟ أليس من الأفضل أن تترك الدراسة الآن؟”
كان زيت العطر يقطر من شعر أندرو، متجمعاً على طرف ذقنه.
نظر أندرو إلى الطلاب المتنمرين بعيون خالية من الشعور، كأن هذا الأمر مألوف بالنسبة له.
“أوه، لدي زجاجة أخرى، سأسكبها عليك. هذه المرة سأجعل رائحتك مثل البرتقال…”
بام!
“آه!”
انفجر الزيت العطري الذي أخرجه الطالب من كيس جلدي في الهواء دون سبب واضح.
“لماذا انفجر الزيت فجأة…؟”
في لحظة، بدا الطلاب الثلاثة المعتدون وأندرو نفسه مذهولين، واتسعت أعينهم.
“ما… ما هذا؟”
“أيها الوغد… هل أنت من فعل هذا، أندرو؟”
“لست أنا.”
“لا تكذب! كلما حاولتَ الإفلات، بدوتَ أكثر كعامي يتلوى. أيها الحقير…”
“أيها الطلاب هناك.”
ارتجفوا. رفع الطلاب الذين كانوا يهددون أندرو بقبضاتهم رؤوسهم لينظروا إليَّ.
“السنة الثالثة: ميخائيل، أنطون، جورج.”
“كيف… كيف تعرف الساحرة أسماءنا…؟”
تهامس الثلاثة.
“هل يهم كيف عرفتُ أسماء الطلاب؟”
شعرتُ بالغضب يغلي في صدري. لكن معاقبتهم لم تكن من اختصاصي، لذا حاولتُ التحدث بأكبر قدر من الهدوء، وقلتُ كل كلمة ببطء ووضوح:
“سأبلغ أستاذ السنة الثالثة المسؤول عما رأيته للتو. عودوا إلى صفوفكم الآن، ستبدأ الحصص قريباً.”
حذرتُ الثلاثة وحاولتُ فصلهم عن أندرو.
في تلك اللحظة، تبادل الطلاب الثلاثة نظرات مريحة بشكل غريب، كأنهم يظنون أنني سأتغاضى عن الأمر.
“إذا تم القبض عليكم وأنتم تتنمرون على زميل في الصف، فهذا يعني التعليق لثلاثة أسابيع على الأقل. هذه هي القوانين. سأتصرف وفقاً للمبادئ، لذا عودوا إلى قاعاتكم، حضروا دروسكم، وانتظروا العقوبة.”
“ماذا؟ عقوبة؟”
عندما ذكرتُ العقوبة مباشرة، شحبت وجوه الثلاثة. كيف يتوقعون أن يمر هذا الأمر دون عقاب؟ أين الخطأ في هذا كله؟
حدقتُ بهم بقوة، فغادروا المكان على مضض.
بعد مغادرتهم، نزلتُ السلالم بسرعة وتوجهتُ إلى أندرو.
“أندرو! هل أنت بخير؟”
أخرجتُ منديلاً لأمسح الزيت العطري المتدفق على جبهته.
“اتركي هذا.”
صدَّ أندرو يدي. بين خصلات شعره البني المبلل، ظهرت عينان مملوءتان بالتمرد. تفاجأتُ ونظرتُ في عينيه…
“آه…”
ما إن التقى نظرنا حتى أطرق أندرو بعينيه وارتجف. هل رآني كواحدة من المعتدين؟ شعرتُ وكأن قلبي يهوي.
“آسف، لقد تصرفتُ دون تفكير…”
“أندرو…”
“لكن لا تلعنينني، أرجوكِ. أنا خائف.”
…إذن أنت أيضاً تخاف من المساعدة الساحرة ؟
تنهدتُ بخفة، ثم ضغطتُ بالمنديل على جبهته لأنظفها.
“لقد أخطأتَ الهدف تماماً. أنا لا أعرف كيف ألقي اللعنات. ماذا أفعل الآن؟”
“أوه، صحيح، لقد سمعتُ أنكِ فقدتِ ذاكرتكِ.”
“لا… ليس لهذا علاقة. أنا لا أعرف كيف ألقي اللعنات بغض النظر عن ذلك.”
“لكنكِ كنتِ تعرفين كيف تفعلين ذلك من قبل، أليس كذلك؟”
“لا، لا أعرف!”
رفعتُ صوتي دون قصد، ثم هدأتُ نبرتي، لكن سؤال أندرو التالي جعلني أتوقف عن الكلام.
“لكن هناك شائعة تقول إنكِ حاولتِ لعن الأستاذ ليدريسي واكتُشف أمركِ.”
“آه، هذا…!”
“…”
“كح، هذا نوع من شؤون الكبار… شيء لا يحتاج الطلاب إلى معرفته…”
“إذن، كنتِ تعرفين كيف تلقين اللعنات.”
“لا، أقول لكِ إنني لا أعرف! وحتى لو كنتُ أعرف، لم يحدث شيء للأستاذ، لذا لا مشكلة، أليس كذلك؟”
بدا أن أندرو شعر بالراحة عندما أدرك أنني فقدتُ ذاكرتي، فلم يعد يرفض مساعدتي.
كان أندرو مبللاً بالزيت العطري من رأسه إلى أخمص قدميه، ينبعث منه رائحة نفاذة. لم يكن منديل واحد كافياً لتنظيف كل الزيت الذي لوثه.
شعرتُ بضيق في صدري.
لم أعرف ماذا أقول، فظللتُ أحرك شفتيّ دون صوت لفترة.
“آسفة لأنني لا أعرف كيف أستخدم سحر التنظيف…”
“ماذا؟”
“بعد أن فقدتُ ذاكرتي، أصبحتُ لا أجيد سوى سحر التفجير الهجومي.”
“ماذا؟ إذن، الزيت العطري الذي انفجر للتو…”
“نعم، أنا من فجرته.”
“…”
“لكن لا تقلق. لقد رأيتُ بنفسي هؤلاء الطلاب وهم يتنمرون عليك. سأشهد ضدهم وأتأكد من معاقبتهم. ثق بي، أندرو.”
ارتجفت عينا أندرو البنيتان. ثم قال الفتى بنبرة ساخرة:
“بما أنكِ فقدتِ ذاكرتكِ، سأشرح لكِ هذه المرة فقط، أيتها المساعدة.”
“ماذا؟”
“لقد ذكرتِ أسماء ميخائيل، أنطون، وجورج، وقد هددتِ بمعاقبتهم، لكن… لن يكون الأمر بهذه السهولة.”
“لماذا؟”
“لأن غالبية طلاب هذه المدرسة من أبناء العائلات النبيلة. أمثال هؤلاء لا يُعاقبون بسبب مضايقتهم لبضعة عاميين.”
لم أستطع الفهم.
في أوقات فراغي، درستُ قوانين المدرسة وتفاصيل جميع الطلاب بعناية.
إن مضايقة زميل في الصف يستوجب العقوبة وفقاً لقوانين المدرسة.
القوانين موجودة لتُطبق.
“إذا تم القبض على أحد وهو يتنمر على زميل، فإن القانون يفرض معاقبته. يجب أن يُعاقبوا.”
“القوانين مجرد واجهة. الأساتذة والمدير لا يريدون أن تتعرض سمعة المدرسة للخطر بسبب مثل هذه الحوادث. وأنا أيضاً لا أريد أن أصبح مصدر إزعاج.”
“لكن…”
“هدفي هو التخرج بهدوء من هذه المدرسة، ثم العمل في القصر الملكي أو برج السحرة لكسب المال.”
تحدث أندرو بنبرة مليئة بالضجر.
“لذا، لا تهتمي بأمثالي وركزي على استعادة ذكرياتكِ المفقودة. هذه المدرسة، سواء الأساتذة أو المساعدون، لا تهتم بطلاب مثلي.”
“…”
“لا تضيعي وقتكِ عبثاً.”
رفض أندرو يدي التي كانت تمسح الزيت عنه. ثم رسم الفتى تعبيراً مريراً لا يليق بصبي في سنه وقال:
“حتى أنتِ، قبل أن تفقدي ذاكرتكِ، كنتِ تعرفين ذلك. لقد كنتِ طالبة في هذه المدرسة.”
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 7"