البحث عن زوج للدوقة - 93
الفصل 93 : الأميرة المليئة بالجراح ⁹
“كنتُ أحارب يائسةً حتى لا يكتشف أحدٌ هَذا الأمر.”
إذا كان هُناك جرحٌ مرئي، كانت تمتنعُ عن مُغادرة المنزل حتى يلتئم الجرح.
عندما كان يأتي الطبيب للعلاج، كانت تدعي أنها أصيبت بالخطأ ولا تسأل عن السبب.
لكن حتى لو أخفت جراحها عن الآخرين، لَمْ يكُن بإمكانها إخفاءها عن نفسها.
تراكم الألم، وتدهورت حالتُها النفسية والجسدية.
لدرجة أنها كانت تُفكر في قذف جسدها في بركةٍ عميقة.
‘أرتيا الحقيقية قد ماتت في ذَلك الوقت.’
تمنت أرتيا أنْ لا تتخذ فريجيا هَذا الخيار، بصدق.
نظرت أرتيا في عيني فريجيا.
“لَن أخفي بعد الآن أنني تعرضتُ للضرب مِن زوجي السابق. لَمْ يكُن ذَلك خطأي، بل كان خطأه. والشخص الذي يجبُ أنْ يشعر بالخجل ليس أنا، بل هو.”
“……!”
بدأت الدموع تلمع في عيني فريجيا.
مسحت فريجيا دموعها المُرتعشة بيديها.
“كما سمعت، لديكِ موهبةٌ في الكلام.”
لَمْ يكُن مُجرد كلامٍ لطيف. بل كانت لمسةً مؤثرة في القلب.
ومع ذَلك…
“أتمنى ألا يعرف أحدٌ عن عيوبي.”
أميرة جميلةٌ ونبيلة. ذَلك الكمال هو مصدر فخري.
حتى لو كان ذَلك نوعًا مِن الغرور السخيف.
قرأت أرتيا في عيني فريجيا الخضراء الإرادةً الصلبة.
كيف يُمكنها أنْ تستخف بها وتعتبرها غبية؟
لَمْ تستطع أرتيا التخلي عن تلكَ المشاعر إلا بعد أنْ عاشت تجربة الموت ودخلت روحٌ أخرى بجسدها.
“لا تقلقي. لَن أخبر أيِّ شخصٍ عنك .”
تبع ذَلك صوتٌ واثق.
“بدلاً مِن ذَلك، إذا احتجتِ إلى المُساعدة، فلا تترددي في إخباري. سأبذل قصارى جهدي لمُساعدتكِ بما أستطيع.”
“لماذا تتعاملين معي بهَذهِ الطريقة؟”
“…….”
“لقد كنتُ قاسيةً على السيدة إيدينبرغ. هل تعتقدين بأنهُ يجبُ عليكِ مساعدتي بسبب ماريغولد وداليا؟ …أم لأنكِ تشعرين بالشفقة تجاهي؟”
“ليس الأمر كذَلك. لقد مررتُ بنفس الألم، لذَلك لا أستطيع تجاهل الأمر.”
استمرت أرتيا في الكلام بنبرةٍ مرحة.
“وأنا بطبعي فضولية. ولكن فقط تجاه الأشخاص الذين يهمونني.”
قرأت فريجيا في عينيها الوردية شعورًا نقيًا.
نوايا طيبة.
كادت فريجيا أنْ تذرف المزيد مِن الدموع، لكنها تمكنت مِن كبحها و أنزلت رأسها.
“لقد أخبرتكِ بكُل ما أريدُ قوله، لذا سأذهب الآن.”
“انتظري لحظة.”
أمسكت أرتيا بفريجيا ونظرت إلى بيبي.
بعد فترة، أعطت أرتيا العلبة التي أحضرتها بيبي إلى فريجيا. كانت مرهمًا حصلت عليهِ مِن كيليان عندما طلبت المُساعدة في الطلاق قبل عدة أشهر.
“لقد جربتُه، أنه يعمل بسرعةٍ مُدهشة في شفاء الجروح. استخدميه عندما تحتاجين.”
كان مِن الصعب عليها إظهار جروحها للطبيب.
فهمت فريجيا المعنى وراء كلمات أرتيا غيرِ المنطوقة، وأصبحت عيناها رطبة.
أخذت العلبة بيديها.
“…سأستخدمُه جيدًا. شكرًا لكِ.”
بعد أنْ أنهت كلامها، غادرت فريجيا القصر.
* * *
حاولت أرتيا، كما قالت فريجيا، أنْ لا تهتم بها بعد الآن.
لكن الأخبار السيئة كانت تصلُها.
“السيدة إليزيوم تتصرفُ بشكلٍ غريب.”
“كيف؟”
“تبدو جميلة وودودة كما هو مُعتاد، وتُشارك بنشاطٍ في المُناسبات الاجتماعية، لكن أحيانًا يتجلى الحُزن في تعبيّر وجهها. وعندما نسألها إنْ كانت بخير، تقول فقط إنها بخير.”
“رُبما بسبب تدهور أعمال عائلة إليزيوم. الجميع يتحدث عن ذَلك مؤخرًا.”
لَمْ يكُن هُناك مَن يتحدث علنًا أمام فريجيا، لكن مِن المؤكد أنها شعرت بالأجواء المُحيطة بها.
أخذت ماريغولد نفسًا عميقًا.
“أتمنى لو كان السبب ذَلك، لكنني قلقةٌ مِن أنها قد تكون مريضة. في حفلة الشاي قبل عدة أيام، بدت شاحبةً وتعرقت كثيرًا، وعادت إلى المنزل مُبكرًا.”
شكت ماريغولد مِن احتمال أنْ تكون مريضة، بينما كانت أرتيا تشك في وجود عُنف.
ظهرت في ذهنها صورة فريجيا وهي تتعرض للاعتداء مِن زوجها في حديقة فارغة.
لكن فريجيا أوضحت بوضوحٍ أنها لا تُريد التحدث عن ذَلك الأمر بعد الآن.
“إذا ذهبتُ لرؤيتها، فسوف تشعرُ بالحرج فقط.”
حاولت أرتيا أنْ تبتعد عن الأمر.
***
وفي إحدى الليالي، حيثُ كانت الأمطار تتساقط بغزارةٍ، جاءت فريجيا لزيارة أرتيا.
لَمْ تكُن تبدو كالسيدة المثالية والجميلة التي اعتادت رؤيتها.
كان شعرُها مُبللًا، ووجهُها شاحبًا بدوّن أيّ مساحيق تجميل، وملابسُها مُتسخة.
لكن الأهم مِن ذَلك، كانت تحمل بين ذراعيها فتاةً صغيرة تبلغ مِن العمر حوالي أربع سنوات.
بكت فريجيا بشدةٍ أكبر مِن قطرات المطر وهي تقول:
“مِن فضلكِ، ساعديني…”
بعد أنْ استحممت وتغيّرت إلى ملابسٍ مُريحة، بدت فريجيا أكثر هدوءًا.
كانت تنظرُ إلى الطفلة النائمة، والتي كانت تُشبهها تمامًا.
قدمت أرتيا لفريجيا فنجان شاي يتصاعد منه البخار.
“اشربي.”
“……شكرًا لكِ.”
شربت فريجيا مِن الشاي، وبدأت رائحةُ النعناع العطرة في تُخفيف توتر جسدها.
لَمْ تسأل أرتيا عن أيِّ شيء، واكتفى صوت شرب الشاي بملء الصمت الهادئ.
عندما انتهت فريجيا مِن شرب الشاي، فتحت فمها.
“يعتقد الناس أنني أكثرُ الأميرات محبوبية مِن قبل الملك فالينتا. لكن هَذا ليس صحيحًا. لَمْ أتلقَ أيِّ حُبٍ مِن قبل. …لأن والدتي كانت مُجرد خادمةِ في القصر.”
كانت مملكة فالينتا أصغر وأفقر مِن الإمبراطورية، لكن كان هُناك تسلسلٌ صارم للطبقات الاجتماعية.
حتى لو كان الشخص ابن الملك، فإنْ ابن الخدم يُعتبر شخصًا حقيرًا. وإذا كانت تلكَ الخادمة مُجرد لعبةٍ لليلةٍ واحدة للملك، فإنْ وضعها يكون أسوأ بكثير.
نشأت فريجيا في غرفةٍ قديمةٍ ومهجورة في زاوية القصر، ترتدي فستانًا مُمزقًا، وتتناول خبزًا مُتعفنًا.
كانت حياتُها لا تختلف كثيرًا عن حياة العبيد.
تغيّرت ظروف فريجيا عندما بلغت الثالثة عشرة.
التقت بالصدفةٍ بالملك الذي نادرًا ما كانت تراه. فقال الملك لها وهي مُستلقية على الأرض كعبد:
“ارفعي رأسكِ.”
رفعت فريجيا رأسها مُرتجفة.
تألقت عينا الملك عندما رأى وجه ابنتهِ الصغيرة.
“أوه، كم أنتِ جميلة.”
بتلكَ الكلمة مِن الملك، تغيّر كُل شيء حول فريجيا.
انتقلت إلى غرفةٍ نظيفة ومشرقة تدخلهت أشعة الشمس، وأصبح لديها خادمةٌ تعتني بها.
كانت الخادمة تُحمم فريجيا كُل يوم، وتمشط شعرها الطويل، وتلبسُها فساتين جميلة، وتعلمها آداب السلوك والرقص بشكلٍ صارم.
بعد فترةٍ وجيزة، أصبحت فريجيا أجمل أميرةٍ في القصر.
ابتسم الملك بفخر.
“كما توقعت، نظرتي دقيقة.”
“أشعرُ بالشرف، يا صاحب السمو.”
“أوه، عليكِ أنْ تُناديني بأبي.”
واصل الملك مداعبة وجنتي ابنتهِ الوردية.
“أنتِ ابنتي، لذا يجبُ أنْ تكبري بشكلٍ جميل لتكوني عونًا ليّ وللبلاد. هل تفهمين؟”
كانت فريجيا تتأثر بكلمات الملك، الذي لَمْ تتحدث معه بشكلٍ صحيح مِن قبل.
امتلأت عينيها الدامعتين بلون أخضر لامع.
“نعم، سأفعلُ ذَلك.”
نفذت فريجيا ما وعدت بهِ. كانت تعتني بمظهرها بشكلٍ صارم.
تناولت فقط كمياتٍ صغيرة مِن الطعام التي كانت تُقدمه لها الخادمة كل يوم.
وعندما علمت بإنه لا يُفضل غسل الشعر بماء ساخن، كانت تغسل شعرها بالماء البارد حتى في شتاء.
كانت تشربُ الأدوية المرّة التي يقال إنها تُساعد على التخلص مِن السموم مِن جسدها كُل يوم.
بفضل جمالها الطبيعي ومجهودها، وصلت فريجيا إلى ذروة جمالها.
“أتمنى لو لَمْ تكُن ابنتي.”
تمتم الملك وهو ينظر إليّها بنظراتٍ مُريبة.
لحُسن الحظ، كان الملك يتفوق بعقله على غرائزه. بدأ في البحث عن زوجٍ يجلبُ أعلى سعرٍ لابنته.
على الرغم مِن أنْ أصل والدتها كان متواضعًا، إلا أنْ العديد ِمن الرجال أرادوا الأميرة الشابة والجميلة التي تحظى بحب الملك.
الرجل الذي اختارهُ الملك بعد تفكيرٍ طويل كان نبيلًا مِن إمبراطورية أورفيوس، وهو الكونت إليزيوم.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة