البحث عن زوج للدوقة - 92
الفصل 92 : الأميرة المليئة بالجراح ⁸
قبل لحظات، لَمْ يكُن بإمكان فريجيا أنْ تتخيل أنْ هَذا الرجُل، الذي كان على وشك ضربها، سيتحدثُ بصوتٍ عذب ومليءٍ بالحنان. جعلها ذَلك تشعرُ بالقشعريرةٍ في جسدها. اجتاحها إحساسٌ فطري بالرفض، وكانت ترغبُ في دفع يدهِ والهروب.
لكنها كانت تعلم أنْ ذَلك سيجلبُ لها ألمًا أكبر، لذا اضطرت لامساك يد الكونت إليزيوم.
“أنا بخير، حقًا.”
نظر الكونت إليزيوم إلى المكان الذي مِن المُمكن أنْ تكون فيهِ صاحبة الصوت المجهول.
“يبدو أنْ هُناك ضيفًا لديهِ طبعٌ رديء بالتجسس، لكن لا داعي للقلق. هو مُجرد فأرٍ جبان لَن يُظهر وجهًه أبدًا.”
بعد أنْ أنهى حديثهُ، غادر الاثنان المكان مُظتشابكي الأذرع كأنهما عاشقان.
بعد أنْ اختفى الاثنان تمامًا، تنهدت أرتيا ومررت يدها في شعرها.
راقب كيليان أرتيا مِن فوق.
‘هَذا الوغد يعتقدُ أنْ أرتيا فون إيدينبرغ قد خافت، لكن هَذا مُجرد وهم.’
كانت أرتيا هادئة عادةً، لكنها لَمْ تتردد في مواجهة الصعوبات عندما يتطلب الأمر. مثل أرنبٍ بري يندفعُ بشجاعةٍ نحو أسدٍ ويضربه بأقدامهِ الخلفية.
لَمْ يستطع كيليان فهم لماذا لَمْ تتصرف أرتيا هَكذا.
“لماذا لَمْ تتحركي رغم أنْ عيناكِ تقول بأنكِ تريدين ضربهُ بكعب حذائكِ على وجهه؟”
“أود فعل ذَلك حقًا.”
ما الذي تقصدُه بوجهه؟ ظهره، عظام الترقوة، بطنه، المناطق الحساسة للرجل… كنتُ أريدُ ضرب كُل تلكَ الأماكن المؤلمة.
بالنسبة لمِن يمدُ يده على زوجته، كان ذَلك غير كافٍ.
لكن السبب الوحيد لعدم فعلها كان فريجيا.
‘الأميرة الأنيقة والجميلة لَمْ تكُن لتُريد أنْ تُظهر مشهد الاعتداء عليها لأحد، وخاصةً لشخصٍ تكرهُه.’
لذا، لَمْ تكشف عن نفسها.
“حتى لو تدخلت، فَلَن أتمكن مِن مساعدتها في عدم تعنيف الكونت إليزيوم لها مرةً أخرى…”
بينما كان كيليان يُراقب أرتيا التي بدت حزينة.
“أنتِ طيبةٌ جدًا.”
“لا، لستُ طيبة. أنا فقط أشعرُ بالقلق قليلاً. لقد مررتُ بتجربةٍ مُماثلة.”
تحولت عينا كيليان الذهبية بسرعةٍ إلى الغضب.
“هل أُحضر لكِ لويد فون راينر الآن؟”
فتحت أرتيا عينيها بدهشةٍ ثم عَبُست.
“لا داعي. لا أريدُ رؤية الشخص الذي تخلصتُ منه مَجددًا.”
لَمْ تُدرك أرتيا أنْ نظرة كيليان الحادة أصبحت أكثر ليونةً للحظة.
عند عودته إلى قاعة الاحتفالات، تعرض كيليان لسيولٍ مِن نظرات الناس المُتفاجئة. كانت نظراتُهم قويةً لدرجة أنه اعتقد أنْ عينيه ستنفجران مِن شدة الضغط.
توجه كيليان نحو ثلاثة نساء للرقص.
كانت واحدةٌ منهن سيدة مسنّة بجسدٍ مقوّس، والأخرى ابنةُ عمهِ التي تحمل بعض صفاته، وأخيرًا فتاةٌ صغيرة في العاشرة مِن عمرها أقنعت والدتها بالسماح لها بالحضور.
بسبب الفارق الكبير في الطول، كان كيلين يحملُ الفتاة بين ذراعيهِ بينما كان يرقص.
بينما كان النبلاء يُراقبون هَذا المشهد مندهشًا، نظر أحد النبلاء بشيء مِن الذهول كما لو كان العالم على وشك الانهيار.
“أول واحدةٍ هي زوجةٌ مُطلقة، ثم السيدة المُسنّة، ثم ابنة عمه، وأخيرًا الطفلة. ما يجمع بينهم هو أنهم ليسوا نساءً عاديين.”
“لا، لا يُمكن وصف السيدة إيدينبرغ بهَذا الشكل.”
“هو شخصٌ حساسٌ وناقد. مِن المُحتمل أنْ يعتبر النساء اللواتي يحملن عيوبًا غيرِ طبيعيين.”
أومأ بعضُهم برؤوسهم معجبين بهَذهِ الفكرة، بينما بدا الآخرون غير مُقتنعين.
كان الناس يتجادلون بحماسٍ، لكن لَمْ يكُن بإمكان أيٍّ منهُم فهم نوايا كيليان الحقيقية. في النهاية، توصل الجميع إلى الاستنتاج الأكثر وضوحًا.
“الأمير المجنون قام بتصرفٍ مجنون!”
وهَكذا، تم اعتبار ما حدث اليوم كأحد تصرفات كيليان الغريبة.
نتيجةً لذَلك، تنفست أرتيا الصعداء، وهي تشعرُ بالارتياح مِن أنها خرجت مِن دائرة اهتمام الناس.
‘القول بأنكَ مجنونٌ يعُد أمرًا مريحًا.’
بعد عودة كيلين إلى قاعة الاحتفالات، التقت عيناه بعيني أرتيا.
لحظة، انحنت عيناه الذهبية بلُطف. كانت فترةً قصيرة لدرجة أنْ لا أحد لاحظ ذَلك.
‘لا تبتسم بهَذهِ الطريقة، قلبي سيبدأُ بالخفقان مُجددًا.’
حاولت أرتيا بشتى الطرق أنْ تُخفي خفقان قلبها، فالتفتت بعيدًا.
في وسط قاعة الاحتفالات، تحت الأضواء الساطعة، كان الكونت إليزيوم يحتضنُ فريجيا.
كانت وجهُها الجميل مُبتسمًا بابتسامةً مُشرقة، كما لو لَمْ يحدث شيء.
‘على الرغم مِن أنْ مظهرها جميل كالزهور، إلا أنْ داخلها بالتأكيد فاسد.’
مثلما كان الحال معي في الماضي.
انخفضت عينا أرتيا بتعب.
***
حتى بعد انتهاء الحفل والعودة إلى المنزل، كانت أرتيا مشغولةً بتفكير عن ما شهدتهُ في الحديقة.
“الكونت إليسيوم تصرف بلطفٍ تجاه فريجيا كما لو لَمْ يحدُث شيء.”
لكن ذَلك كان قناعًا. الصورة التي شهدتها في الظلام كانت هي الحقيقية.
عندما يُغادر الضيوف جميعًا، سيظهر الكونت إليزيوم على حقيقتهِ مرةً أخرى.
ظهرت أمام عينيها صورة فريجيا تتعرضُ للاعتداء في مكانٍ خالٍ مِن الناس على يد الكونت إليزيوم.
لكن أرتيا كانت تعلم بأنه لا يُمكنها التدخل في علاقة زوجين لا تعرفهما جيدًا.
“ليس مِن شأني التدخل. لأتصرف بأنني لا ألاحظ.”
أغمضت عينيها في محاولةٍ للسيطرة على مشاعرها.
في النهاية، لَمْ تنم نومًا عميقًا.
في اليوم التالي، دفنت أرتيا وجهها المُتعب في الوسادة.
قررت أنها ستبقى في السرير طوال اليوم لأنها قد شاركت في الحفل الليلة الماضية، لكن زائرٌ غير متوقع جاء.
بعد أنْ غيرت ملابسها بسرعة، فتحت أرتيا باب غرفة الاستقبال.
تحت أشعة الشمس الساطعة، جلست فريجيا هُناك.
بدت فريجيا، تمامًا كما كانت في الحفل الليلة الماضية، مرتديةً ملابس رائعة. لكن…
كانت بشرتُها البيضاء أكثر شحوبًا مِن المُعتاد. كانت عيناها، التي غطتها بالمكياج، متورمتين وحمراء.
والأكثر إزعاجًا لأرتيا كان ملابس فريجيا.
فستان يُغطي جسدها بالكامل مِن الرقبة إلى المعصمين.
تصميمٌ صارم لا يتناسبُ مع فريجيا التي تفرضُ اتجاه الموضة بأناقتها المُبهرة.
‘أنها ترتدي ذَلك لتُخفي جراحها…’
رأت فريجيا تعبير أرتيا المُتجمد، ففتحت فمها.
“أنها أنتِ يا السيدة إيدينبرغ، أليس كذَلك؟ أنتِ مَن كنتِ في الحديقة البارحة.”
“..…!”
نظرت أرتيا إليّها بعيني مُندهشتين.
“لَمْ نتحدث كثيرًا، لكنني أتذكرُ صوتكِ وطريقة حديثكِ. والأهم مِن ذَلك، أنكِ كنتِ تُراقبيني في قاعة الاحتفالات بعينيكِ المليئتين بالقلق.”
أبدت ذَلك بوضوح. احمرّ وجهُ أرتيا خجلًا.
ابتسمت فريجيا ابتسامةً خفيفة.
“شكرًا لكِ على البارحة.”
فوجئت أرتيا.
“لَمْ أظهر نفسي بالأمس لأنني اعتقدتُ بأنكِ لا ترغبين في أنْ تعرفي أنني أعلم.”
لَمْ تكُن تتوقع أنْ تشكرك بهَذهِ الطريقة.
تبدو فريجيا محرجةً وهي تبتسم.
لَمْ تُكتشف قط مشاهد الاعتداء المُباشر مِن الكونت إليزيوم على فريجيا، لكن تم مشاهدتُه وهو يتصرف بفظاظةٍ تجاه زوجتهِ وهو تحت تأثير الكحول في مُناسباتٍ عدة.
وفي كُل مرة، تجاهل الناس الأمر لعدم رغبتهم في التدخل في مسائل حساسة.
كانوا يمدحون الكونت بقولهم.
“حتى لو كانت الزوجة جميلة، أحيانًا يتعينُ عليكَ تأديبُها بقسوة.”
فكرّت أرتيا في مدى الخجل الذي شعرت بهِ فريجيا في تلكَ اللحظات.
‘لَمْ يكُن هُناك مَن يدعمني سوى السيدة إيدينبرغ.’
تفوقت مشاعر الشكر التي شعرت بها على خجلها مِن إظهار ما كانت تُريد إخفاءه.
لكن سبب زيارة فريجيا لَمْ يكُن مُجرد تقديم الشكر.
“مِن فضلك، لا تُخبري أيِّ شخصٍ بما رأيتهِ البارحة. حتى ماريغولد أو داليا.”
كانت عيناها الخضراء مليئةً بالإلحاح.
نظرت أرتيا بهدوءٍ إلى فريجيا قبل أنٌ تتحدث.
“هل يُمكنني أنْ أروي لكِ قصةً قصيرة قبل أنْ أجيب على طلبكِ؟”
أومأت فريجيا برأسها.
شربت أرتيا رشفةً مِن الشاي ثم قالت بصوتٍ هادئ.
“كان زوجي السابق يضربُني أيضًا.”
“..…!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة