البحث عن زوج للدوقة - 90
الفصل 90 : الأميرة المليئة بالجراح ⁶
‘كيف يُمكنها أنْ تصنع مثل هَذا التعبير؟’
امتلأت عينا فريجيا الزمرديتان بالحيرة.
مِن ناحية أخرى، كانت أرتيا تُفكر كما لو كانت جدةً تُشاهد حفيدتها وهي تتدلل.
‘إنها جميلة.’
لَمْ يكُن الأمر غريبًا بالنسبة للكونت إليزيوم، لكن جمال فريجيا كان بالفعل مُذهلًا. حتى لو لَمْ يكُن للمرء أيُّ مشاعرٍ تجاهها، فالنظر إليّها كان كافيًا ليكون مُتعةً للعين.
في تلكَ اللحظة، اقترب رجلٌ مِن أرتيا.
“تحياتي، سيدة إيدينبرغ. يا لها مِن مُصادفةِ أنْ نلتقي هُنا. أنا ريتشارد فون جينيبيك.”
كان اسمًا مألوفًا بالنسبة لأرتيا.
‘إنهُ الرجُل الذي أرسل لي طلب زواجٍ ثلاث مرات.’
كان يكبُرها بعشر سنوات، وكان الابن الثاني للكونت جينيبيك. فقد زوجتهُ قبل بضع سنوات، وعاش وحيدًا منذُ ذَلك الحين.
ابتسم ريتشارد ابتسامةً ناعمة مثل الزبدة ومد يده.
“هل ترقصين معي؟”
كان طلبهُ للرقص في غاية الاحترام، لكن أرتيا هزّت رأسها.
“أشكركَ على عرضكَ، لكنني سأرفُض.”
في لحظة، ظهر عبوسٌ على حاجبي ريتشارد، لكنه سرعان ما ضبط تعابيره.
“لا تكوني هَكذا، لنرقص رقصةً واحدةً فقط. الجميع هُنا مع شركائهم، ألا تشعُرين بالوحدة وأنتِ واقفةٌ وحدكِ؟”
“لحُسن الحظ، لا أشعرُ بذَلك على الإطلاق. في الواقع، أنا أستمتعُ بالمشاهدة أكثر.”
“لا تكوني عنيدة، رقصةٌ واحدةٌ فقط. قد لا يهمُكِ الأمر، ولكن عندما تقفُ امرأةٌ ناضجة بِمُفردها هَكذا، يبدأ الناس في الثرثرة. سيُصبح الأمر مُحرجًا.”
في اللحظة التي مد فيها ريتشارد يدهُ نحو أرتيا… صفعة! مع صوتٍ هائل، طُرِدت يدهُ بعيدًا.
رغم الألم الشديد الذي شعر بهِ، وكأنْ يدهُ بأكملها ستطير، إلا أنهُ لَمْ يصرخ فقط بسبب كبريائهِ كرجلٍ نبيل.
أمسك ريتشارد بيدهِ التي احمرٍت بسرعة وحدق بغضبٍ في الشخص الذي صفعه.
“مَن الذي يجرؤ… هاه؟!”
تحول وجهُ ريتشارد الغاضب في لحظة إلى وجهٍ يملؤه الرُعب.
“ص… ص… صاحب السمو الإمبراطوري؟!”
كان الرجل الذي ينظرُ إليّهِ ريتشارد بنظرةٍ مُتغطرسة وشرسة هو كيليان.
لَمْ يكُن ريتشارد الوحيد الذي صُدم، بل أصيب جميع الحاضرين في قاعة الحفل بالدهشة.
وسط هَذا الصمت الذي بدا وكأنْ الزمن قد توقف، نظرت أرتيا إلى كيليان بدهشةٍ وسألته.
“ما الذي تفعلُه هُنا يا صاحب السمو؟”
“لقد تلقيتُ دعوة.”
كان هَذا الحفل يُقام لاستعراض هيبة عائلة الكونت إليزيوم، لذَلك وُجِّهت الدعوات إلى جميع نبلاء العاصمة، بما في ذَلك أفراد العائلة الإمبراطورية.
لكن لَمْ يكُن ذَلك سوى إجراءّ شكلي لتكريم العائلة الإمبراطورية، ولَمْ يكُن أحدٌ يتوقع حقًا أنْ يحضر أحد أفرادها.
لكن أنْ يكون صاحب السمو الإمبراطوري كيليان بنفسهِ هُنا؟!
هرع كونت إليزيوم وفريجيا، اللذان توقفا عن الرقص، وانحنيا لتحية كيليان.
“نُحيي صاحب الدم النقي لأورفيوس العظيم. نشعرُ بالفخر الشديد لزيارتكَ لنا، يا صاحب السمو.”
قطرةُ عرقٍ بارد تساقطت على وجه كونت إليزيوم، الذي كان قبل لحظات يفيضُ بالثقة.
حتى بالنسبة لنبيل رفيعي المستوى مثله، كان كيليان شخصيةً مُهيبة يصعب التعامل معها، خاصةً في مثل هَذا الحدث غير الرسمي.
على عكس الكونت، الذي كان متوترًا لدرجة أنهُ بالكاد يستطيعُ التنفس، بدا كيليان ضجرًا إلى حدٍ ما عندما فتح فمه.
“سمعتُ قبل قليل أنْ هَذا الحفل مخصصٌ لمَن يأتون مع شريك. هل يُصبح الأمر سخيفًا إذا حضر أحدُهم بمفرده؟”
نظر الكونت والرجل المُلقى على الأرض إلى بعضهما البعض، وصرخا في آنٍ واحد، ووجهيهما شاحبين.
“م-مُستحيل!”
حتى لو جاء مرتديًا ملابسهُ الداخلية، لَمْ يكُن أحدٌ ليتجرأ على انتقاد كيليان. إلا إذا كانوا يتوقون إلى الموت الليلة.
لكن كيليان خفض حاجبيهِ بطريقةٍ غيرِ معهودة.
“لكن يبدو أنني أصبحتُ قلقًا حيال هَذا الأمر. فأنا شخصٌ يراعي مشاعر الآخرين…”
ماذا؟
إنه الأمير المجنون الذي استخدم سيفهُ وقتل أشخاصًا في حفلات اجتمع فيها حتى أفراد العائلات الملكية لدول أخرى! كيف يُمكن لشخصٍ مثله أنْ يكون قلقًا بشأن مشاعر الآخرين؟!
أمام هَذا المشهد، الذي أظهر جانبًا أكثر جنونًا مِما سمعوا عنه، بدأ الناس يشعرون بخوف مُطلق تجاه هَذا الكائن الغامض.
وسط هَذا الجو الخانق، مد كيليان يده.
نحو أرتيا.
“إذاً، هل تكونين شريكتي هَذهِ الليلة؟ أرتيا فون إيدينبرغ.”
لماذا يفعل هَذا فجأةً؟
أرتيا أرادت فقط أنْ تستدير وتتصرف وكأنها لَمْ ترَ أو تسمع شيئًا. لكنها لَمْ تستطع ذَلك.
كان الضوء المُنبعث مِن عيني كيليان الذهبيتين قويًا جداً لدرجة أنها لَمْ تستطع تجاهله.
لَمْ يكُن هُناك شخصٌ واحد في هَذا العالم يُمكنه معارضة تلكَ العيون.
سواء كان ذلك خوفًا… أو أنجذابًا.
وضعت أرتيا يدها فوق يد كيليان وكأنها مسحورة.
عندما لامست يدهُ الباردة يدها، توقفت أنفاسها دوّن وعيّ.
‘لو لَمْ يكُن يرتدي قفازًا، لرُبما توقفت نبضاتُ قلبي.’
كانت أرتيا تأمل أنْ لا يسمع كيليان دقات قلبها المُتسارعة بينما مشيا نحو القاعة.
حالما دخل كيليان وأرتيا القاعة، بدأت الفرقة الموسيقية الماهرة في العزف مرةً أخرى، هَذهِ المرة مقطوعةٌ تعبر عن الحب العميق.
في وسط اللحن الحلو والمشوق، بدأ كيليان وأرتيا يتحركان بتناغم.
كانت وجوه الناس تُعبر عن صدمة كما لو أنهم شهدوا مشهدًا محظورًا.
“كيف يُمكن لصاحب السمو، الذي يُعاني مِن رهاب النساء، أنْ يرقص مع امرأة؟!”
كان أصدقاء أرتيا، بما في ذَلك بينيلوب، يضطربون قلقًا مِن ضرورة إنقاذها مِن كيليان.
“ماذا لو استعاد صاحب السمو وعيّه وقطع معصم أرتيا؟!”
بينما كانوا في حالةٍ مِن القلق، كانت أرتيا تحتفظُ بتعبيرٍ هادئ.
على الرغم مِن توترها، لَمْ تشعر بالخوف على الإطلاق.
لأنها كانت تعرف أنْ رهاب كيليان تجاه النساء يختفي أمامها.
لقد اقترب منها عدة مراتٍ وتحدث إليّها بابتسامةٍ صغيرة، وإذا كانت أرتيا تشعرُ بعدم الارتياح، لما كان ليقوم بذَلك.
كانت أرتيا واثقة.
‘يبدو أنْ سموه يشعرُ بالراحة معي. لدرجة أنهُ لا يشعر بي كامرأة.’
لكن ماذا تفعل في هَذهِ الحالة؟
لَمْ يكُن الأمر شعورًا خاصًا مثل الحب.
بل كانت تُدرك جنسه بسبب الخوف الذي نسيته.
وهَذهِ هي المشكلة.
كان كيليان، الرجُل، يتمتع بجاذبيةٍ ساحرة، مثل ليلةٍ صيفية مليئةٍ بالسكر والمشاعر.
إذا كنتِ كائنًا تُحبين الرجال، فلا شك بأنكِ ستنجذبي إليّه، بغض النظر عن العمر أو الذوق أو المكانة.
‘لذا، لا مفر مِن ذَلك.’
كانت قبضتها على أطراف أصابعه مشدودة، وكان قلبها يدق بسرعة، وحرارة تتصاعد إلى وجهها، وهَذهِ استجابةٌ فطرية تمامًا لجسدها.
مثل الشعور باللذة عند تناول جزرةٍ مقرمشة، أو السعادة عند قراءة رواية لـ ريدليب.
بينما كانت أرتيا تُحاول كبح مشاعرها المُشتعلة، سمعت صوت كيليان.
“لقد قابلتِ كالفين.”
اتسعت عينا أرتيا. لَمْ تسأله كيف يعرف ذَلك، بل أجابت ببساطة.
“نعم، خالتي قد رتبت اللقاء.”
“كيف كان؟”
“كان رجلًا مؤدبًا ومشرفًا. ليس مِن نوعي.”
“لقد قلتِ سابقًا بأنكِ تُفضلين الرجال الودودين.”
“نعم، ولقد تذكرتُ شيئًا لَمْ أخبرك به آنذاك.”
دارت أرتيا بجسدها ثم نظرت إلى كيليان مرةً أخرى، واستمرت في الحديث.
“أنا أعتبرُ المظهر مُهمًا أيضًا.”
لماذا، في تلكَ اللحظة، انحنت زاوية عيني كيليان بشكلٍ طفيف؟
كان يبدو كأنهُ سمع إجابةٌ تروقه.
بينما كانت ردود فعل الناس الذين كانوا يشاهدون كيليان وأرتيا وهما يرقصان تتحول مِن الدهشة إلى الإعجاب.
على عكس المتوقع، لَمْ يكُن كيليان يُحدق بأرتيا بغضبٍ أو يدفعها بعيدًا بازدراء.
بينما كان يرقص بأناقةٍ وهو يتبادل النظر مع أرتيا، أحمرّت وجوه النساء (وبعض الرجال أيضًا).
“على الرغم مِن أنني كنتُ أعلم، إلا أنني أُدهش مرةً أخرى مِن وسامة صاحب السمو. إنهُ رائعٌ لدرجة لا يُصدق.”
“أشعر وكأنه حلم، حتى عندما قمت بشد جلدي لأتحقق. كان مؤلمًا.”
لكن مشاعرهنَ المُتحمسة سرعان ما تحولت إلى غيرة.
“لا أدري كيف أختار الأمير أرتيا، لكن في هَذهِ اللحظة، أشعرُ بالغيرة منها بشدة.”
“بعد أنْ يرقص معي ويعود إلى رشده، سأكون سعيدةً حتى لو تم قطع يدي إذا كنتُ في ذَلك المكان.”
توجهت أنظار الجميع في قاعة الاحتفال، واهتمامهُم وإعجابهم، نحو كيليان وأرتيا.
بينما كان كونت إليزيوم، الذي أصبح فجأةً واحدًا مِن الكثير مِن المُتفرجين، يضغط على أسنانه بوجهٍ مشوه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة